د:جعفر عبدالله شوطح -
أهمية تنظيم دورات وبرامج تخصصية في مجال التشريع والاتفاقيات البيئية
أصبحت مشكلات البيئة تلقى الاهتمام اللازم في معظم دول العالم منذ زمن ليس ببعيد ،وقد برزت هذه المشكلات بل وتفاقمت نتيجة للوتيرة المتزايدة لاستغلال موارد البيئة التي بلغت ذروتها في النصف الثاني من القرن الماضي ،حيث أفسدت هذه المشاكل قدرة الأنظمة البيئية على التجدد التلقائي وأخلت بالتوازن الطبيعي لهذه الأنظمة . وفي بلادنا بلغت بعض المشكلات في مجال سوء استخدام السواحل اليمنية الجميلة التي حبانا إياها الله في تسع من محافظات الجمهورية من محافظة حجة وحتى محافظة المهرة والتي تطل على كل من البحر الأحمر وحتى خليج عدن وبحر العرب الذي يطل بدوره على المحيط الهندي،ناهيك عن عدد يزيد عن مائة واثنى عشر جزيرة ونيف – والتي لا تزال والحمد لله في معظمها بكراً- تتوزع على المناطق البحرية الخلابة التي تمتاز بأجمل الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية ،وكل الخوف من الوصول إليها دون إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي. أما أشجار الشورى التي تؤكد الدراسات الحديثة بعد كارثة "تسونامي" بأنها هي التي وفرت الحماية الطبيعية لبعض المناطق من جنوب شرق آسيا إلى حد كبير التي لم يستنزفها التدخل البشري كثيراً بهدف قطعها – بل وقلعها من الجذور – واستخدامها لبناء المساكن أو بهدف الرعي والتحطيم ومن ثم التفحيم، وخاصة في محافظتي حجة والحديدة على الرغم أن الأمر لم يصل بعد إلى حد الكارثة ولا يتطلب الأمر إلا تحركاً سريعاً من الجهات ذات العلاقة في السلطة المركزية وكذا من قبل قيادتي المحافظتين .
أما كارثة استنزاف مياه الشرب بأسلوب غير مستدام في بعض المحافظات وخاصة في أمانة العاصمة صنعاء التي تؤكد معظم الدراسات الاستنزاف الكارثي لحوضها المائي وكم سيكون سعر المتر المكعب إن تأكدت المعلومات الخاصة بوجود المياه في رملة السبعتين أو كم سيكون سعر المتر المكعب في حالة تحليه مياه البحر.. التقديرات الأولية تقدرها بين (6)إلى (12) دولاراً للمتر المكعب الواحد ونفس المشكلة يعانيها حوض (تبن – أبين- عدن)حالياً والكارثي مستقبلاً؛ أما عن الوضع المائي الحرج في محافظة تعز وخاصة في عاصمة المحافظة فلا يمكن وصفها إلا بالكارثة إن لم توجد لها المعالجات السريعة .إن أزمة المياه سببها الرئيسي سوء الإدارة والفساد والحفر العشوائي للآبار وهي بحاجة فقط إلى تفعيل التشريعات النافذة ذات العلاقة بالمياه على الجميع.
وهناك مشكلات أخرى يعرفها كذلك أصحاب القرار وهي المياه غير المعالجة التي يتم تصريفها من المصانع وحديثاً من المخالفات السائلة التي يتم تصريفها من مختبرات المستشفيات الخاصة – وللأسف بعض المستشفيات العامة – إلى المجاري إن وجدت إو إلى البيارات مباشرة دون معالجة والتي تحتوي على العديد من المواد السامة أما عن المخلفات الصلبة والتي تشمل فيما تشمل(الأشعة) والتي تؤكد الدراسات بأنها تستمر في بث الأشعة الضارة بصحة الإنسان إن لم تتم معالجتها بأسلوب علمي فحدث ولا حرج.. إن هذه المخلفات وفي ظل الوضع الراهن تصب في نهاية المطاف في الأحواض المائية إن وجدت مما يزيد الطين بلة.
وتتمتع بحار الجمهورية اليمنية بثروة سمكية هائلة وفيها العديد من الأحياء المائية باهظة الثمن والمطلوبة عالمياً، وهي من الثروات المتجددة والبعض منها تعتبر من النباتات والأحياء المائية النادرة، بل والمهددة بالانقراض وإن تم استخدامها بأسلوب مستدام وفرضت عليها الرقابة الشديدة نستطيع المحافظة عليها بل وزيادتها.
إن المحافظة على الثروات الطبيعية المشار إليها أعلاه وخاصة التنظيم الإداري الشديد لمياه الشرب هي مهمة وواجب وطني وإن لم نستطع القيام بها فستلعننا الأجيال القادمة أن استمرينا في استنزافها بهذا الأسلوب الكارثي، وكما لاحظنا من خلال نزولنا إلى العديد من المحافظات أن هناك تراخياً كبيراً في تطبيق العديد من التشريعات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالبيئة التي وقعت وصادقت عليها الجمهورية اليمنية تلقي علينا التزامات يفترض أن تقوم بها الجهات ذات العلاقة بالحفاظ على ثرواتنا الطبيعية، علماً بأنه في حالة عدم القيام بهذه الالتزامات قد نتعرض لوقف العديد من المنح والمساعدات التي تقدمها العديد من المنظمات والصناديق الإقليمية والدولية .
إن من أسباب التراخي التي تم الإشارة إليها هي من جانب تنحصر إما في جهل هذه التشريعات البيئية – وكم هي كثيرة في بلادنا- وكذا الجهل في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالبيئة والتي وفقاً للقانون الدولي تكون الجمهورية اليمنية ملزمة بتطبيقها بل وتحظى بالأولوية في التطبيق؛ كما نقول أيضاً بأن للفساد دوراً في هذا التراخي. ولا يفوتني أن أسرد بهذه المناسبة حادثة سمعتها من منظمة مدنية وطنية نشطة بل وجادة تهتم في حماية أحياء مائية نادرة في إحدى المحافظات الساحلية – وهي ليست بنكتة – قامت بضبط بعض المخالفين يقومون بعملية ذبح إحدى الأحياء المائية المهددة بالانقراض على المستوى الدولي ولم يكتفوا فقط بضبط المخالفين بل قاموا بمهنية عالية بتصوير المخالفين وهم يقومون بعملية الذبح وأخذوهم إلى أقرب مركز للأمن مع الدليل المادي القاطع – الصورة والمخالفون – وقد أفاد رجال التحقيق والتحري -للأسف الشديد- بأنه لا يوجد نص في قانون حماية البيئة النافذ رقم (26)لعام 1995م بشأن هذا الحيوان المائي المهدد بالانقراض على المستوى الدولي.
وهناك أمثلة كثيرة أخرى عديدة سواء في القضاء أو النيابة أو أجهزة التحقيق والتحري أو حتى في أجهزة الدولة ذات العلاقة بالبيئة وكذا من أولئك الذين يتمتعون بحق الضبطية تؤكد ضرورة تنظيم دورات وبرامج متخصصة ومكثفة وتطبيقية في مجال التشريعات اليمنية والاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية ذات العلاقة بحماية البيئة. كما نود بهذه المناسبة أن نؤكد بأن الأوان قد حان من أجل أن نفكر جدياً في إنشاء محاكم ونيابة بيئية متخصصة .
أخيراً نود الإشارة إلى أن الجمهورية اليمنية تقوم بعدد لا بأس به من المشاريع الجيدة ذات العلاقة بالبيئة في العديد من المحافظات وهذا ما سنتطرق إليه في أحاديث قادمة إنشاء الله.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 02:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/28952.htm