الفتوى..بقلم/أميمة الخميس يقال إن الشيخ الترابي كان يمثل مرجعية روحية مهمة في مسيرة (ابن لادن) الفكرية، لاسيما في الفترة التي كان بها ابن لادن في معسكرات السودان، بل يقال إن الترابي هو الذي أسس الأرضية التي انطلقت منها منظمة القاعدة ككيان سياسي وديني معا يرفع راية الجهاد في أنحاء العالم. بالطبع الحياة السياسية في السودان الآن حافلة بالتناقضات، فلا تحتمل هذا النوع من التوجهات الدينية المسيسة الطموحة، لاسيما إزاء الضغوط الدولية، وقضية دارفور في الجنوب، ووجود البعد الطائفي بداخلها والتهديدات بإرسال قوى دولية لوقف التصفية العرقية. جميع هذه التداعيات لابد أن تبرز في أدمغتنا بعد القنبلة التي فرقعها الترابي مؤخرا على مستوى الفتوى. وجميعنا نعرف أن الترابي يمتلك من الذكاء والفطنة والممارسة السياسية الطويلة بالشكل الذي يجعله يتحرص من إطلاق الكلام على عواهنه بلا تخطيط، ولقد قرضته السياسة بمقارضها وكوته بنيرانها لسنين طويلة، الأمر الذي يجعله أبعد من أن يتورط بهذه الفتوى القنبلة، التي تسابق الريح. فعقب أزمة الجنوب السوداني وغضب الفاتيكان العارم، وتلويح دول العالم بالتدخل الدولي في الجنوب بعد المجازر والتصفيات الدينية التي ترتكب هناك، أصبحت الساحة السياسية في السودان بحاجة إلى شخصية باستطاعتها أن تحتوي التناقضات كلها، وتجمعها، كي يمهد الطريق إلى السلطة. أولاً، الترابي يمتلك العمامة التي هي العصا السحرية في العالم العربي، فالعمامة توجه الجماهير بيسر وسهولة كيفما تشاء، والعمامة تنقل الكلام من خانة الاجتهادات الشخصية والإرهاصات والتخمينات إلى خانة المقدس والمطلق والأزلي، إذاً هنا قطع الترابي نصف الطريق، إضافة إلى تاريخه النضالي في هذا المجال. ثانياً، الترابي خريج جامعة السوربون، وهي الجامعة العريقة التي تدرس نظريات (كانت وديكارت وهيوم واسبينوزا وفولتير) وبالتالي هذا جميعه يمنحه اللغة التي تؤهله إلى التفاهم مع الغرب بلغته وشروطه. أما لماذا اختار الترابي أن يبدأ حملته الانتخابية المقدمة للغرب بفتوى، (جواز زواج المسلمة بالكتابي) بالتأكيد كونها القضية المذهبية التي يتمحور حولها الصراع في السودان، فالترابي في هرولته لم يقتصر على رمي السلاح ومعاهدة السلام على ورق، بل قفز إلى الزواج الكاثوليكي المطلق والأبدي، لكنه ليته حدد هل يتم الزواج في الكنيسة أم الكنيست؟ وعندما أمت امرأة النساء في نيويورك، لم يتوقع أحد أن تلقى تأييدا فوريا على الأقل على مستوى الوقت الحالي، لكن الترابي تطوع واختصر أشواطاً زمنية طويلة وحل هذه الأزمة التي بقيت معلقة طويلا فوق الرؤوس بين الاستنكار والشجب. أنا لا أمتلك موقفا سلبيا ضد الترابي، بل أحترم جرأته الغريبة وقدرته على المواجهة والتصدي لشؤون وشجون المرأة، في الوقت الذي يحذرها الكثير على اعتبار كونها حقيقة ملغمة بالمزعج والمرهق، ولم يفصل بين القنابل التي فجرها فوق رؤوسنا وفتوى المجمع الفقهي الإسلامي التي تبيح زواج المسيار وزواج فرند سوى أيام معدودة، تلك الفتوى التي تشرع الباب واسعا للانفلات الغرائزي للرجل، دون أدنى احترام لكرامة المرأة أو إنسانيتها، عندما يتسلل الرجل إليها في زواج المسيار مستترا متخفيا وكأنها (بغي). وبين هذين القطبين المتناقضين تبقى المرأة مشلولة حائرة، أي مركبة تركب، وخلف أي قافلة تسير؟ يقضون بالأمر عنها وهي غافلة... ما دار منها في فلك وفي قطب. يا ليت البعض حينما يطلق فتواه الجهنمية، أن يؤطرها بكونها اجتهادا شخصيا مردودا وقابلاً للرد والأخذ، وقديما قال الإمام مالك وهو يشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم (كل أمر يؤخذ منه ويرد إلا ما جاء عن صاحب هذا القبر). ولكن ما يحدث الآن هو مشهد بانورامي اختلطت فيه السياسة بالدين، مع مقاطعة المنتجات الدنماركية، مع (طز) فخمة أطلقها المرشد الروحي للإخوان المسلمين في مصر، وهكذا وما علينا إلا أن نطأطئ وننصاع لقوانين القطيع وأوامر الرعاة الخليج الاماراتية |