البهائيون .. صراع البقاء تاليا 4 مقالات كتبها الدكتور احمدصبحي منصور عن البهائيين وصراعاتهم مع الاخر الاخوان المسلمون والحزب الوطنى ضد البهائيين المصريين ـ فى أواخر التسعينيات كنت أعمل مع مركز ابن خلدون مستشارا اسلاميا ومشرفا على اصداراته ، ومنها التقريران السنويان عن المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى ، وتقرير الأقليات والملل والنحل فى العالم العربى. جاء لى رئيس تحرير تقرير الأقليات بتقرير كتبه باحث عن أقلية البهائيين فى مصر. كان طعنا كاملا فيهم وتكفيرا لهم استمده من أقوال شيوخ الأزهر. قلت لرئيس التحرير هذه شكوى كيدية وليس تقريرا علميا ، من الممكن أن يذهب به صاحبك الى مباحث أمن الدولة وليس الىّ هنا.. وقلت له : ان تقرير الأقليات والملل والنحل يستمد المعلومات من مصادرها الأصلية عن معتقدات الطائفة وطقوسهم وتعاملهم مع المجتمع ومدى ما يلاقونه من ترحيب أو اضطهاد من النظام الحاكم والأكثرية المسيطرة. أى كان لا بد أن يتصل كاتب تقرير البهائيين بالبهائيين ليتكلموا عن أنفسهم ثم يستطلع وجهة نظر محايدة للتعليق، لا أن يذهب الى العدو الأكبر للبهائيين ليتحدث بالنيابة عن البهائيين. قال رئيس التحرير انّه حاول الاتصال بهم فرفضوا الحديث معه. قلت : ربما لأنهم أحسوا بتحيزه ضدهم فلم يثقوا فى أمانته فى النقل عنهم . وقلت لرئيس التحرير: حاول أنت أن تتصل بهم ليكتب واحد منهم عن طائفته وننشره مع تعليق محايد . لم يحدث هذا فصممت على أن يصدر التقرير فى ذلك العام بدون الحديث عن البهائية. 2 ـ تذكرت هذه الحادثة بعد حوالى عشر سنوات عندما وردت الأنباء بتحالف الحكومة المصرية والمعارضة الاخوانية ضد البهائيين لأنهم ـ أى البهائيين ـ قد حصلوا من قضاء مصر النزيه على أحقيتهم بوضع اسم دينهم البهائى فى أوراقهم الرسمية. من النادر ان يتفق الغريمان المتصارعان : الحزب الوطنى رمز الاستبداد والفساد ، والاخوان المسلمون رمز التطرف والارهاب. انهما يتفقان ويتحدان معا فى الظلم وفى اضطهاد المخالف لهم فى الدين وفى المذهب . لذلك فان الأقباط والشيعة والبهائيين والقرآنيين هم ضحايا النظام والاخوان معا وفى نفس الوقت. وهما معا يبذلان كل ما فى طاقتهما فى وأد وتشويه أى حركة احتجاج لأولئك الضحايا ، واذا حدثت انفراجة ما ايجابية بادر النظام المستبد الفاسد والاخوان المتطرفون بمطاردة تلك الايجابية وملاحقتها. لذلك سيسارعون بوضع قانون يجرّم البهائية بنفس الوسيلة التى أصدروا فى محكمة أمن الدولة حكما بسجن بعض القرآنيين بتهمة ازدراء الدين ، ليجعلوها سابقة تنطبق على كل اجتهاد يقوم به القرآنيون فى دعوتهم لاصلاح المسلمين من داخل الاسلام بالاحتكام للقرآن الكريم وفقا لما أمر به رب العزة جل وعلا. 3 ـ وقد أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى الاسبوع الأخير من أبريل 2006 : " أن وزارة الداخلية قد قامت بإخلاء سبيل السيد متولي إبراهيم متولي بعد أن قضى قرابة ثلاثة أعوام رهن الاعتقال بموجب قانون الطوارئ بسبب معتقداته الدينية التي سجلها في أبحاثه في علوم القرآن واللغة. وكانت مباحث أمن الدولة قد ألقت القبض على متولي إبراهيم، الحاصل على درجتي الليسانس في اللغة العربية والشريعة من جامعة الأزهر، في يوم 18 مايو، 2003 وأحالته بعد قرابة شهرين من الاحتجاز غير القانوني إلى نيابة أمن الدولة العليا التي قامت بالتحقيق معه بشأن آرائه حول حكم الردة في الإسلام وجواز زواج المسلمة من الكتابي. وفي يوم 29 أكتوبر 2003 أصدرت النيابة قراراً بإخلاء سبيله دون توجيه أي اتهام، غير أن وزارة الداخلية أصدرت قراراً باعتقاله بموجب قانون الطوارئ في نفس اليوم ليبقى متولي إبراهيم سجيناً بين معتقلي وادي النطرون والوادي الجديد حتى إخلاء سبيله في يوم 7 إبريل 2006" أنتهى. الذين وشوا بالشيخ متولى ابراهيم ـ والذى أعرفه شخصيا وأعرف اسلامه واستقامته وعدالته وعلمه واجتهاده ـ هم أنفسهم الذين أفتوا لوزارة الداخلية كى تبقيه فى السجن ثلاث سنوات لأنه قال كلاما سبقه به كثيرون فى داخل الأزهر وخارجه، ليس أولهم الامام محمد عبده وليس آخرهم حسن الترابى وكاتب هذه السطور. أى أن صديقى الشيخ متولى يكرر كلاما قاله من قبل شيوخ كبار وباحثون مشهورون. وقد أطلعنى الشيخ متولى على اجتهاداته فى أواخر التسعينيات فأعجبنى منهجه البحثى وتخصصه الدقيق فى الأحاديث وعلوم المصطلح والجرح والتعديل ، وبسبب شغفه بالبحث فقد حصل على شهادتين من كلية اللغة العربية وأصول الدين ليستكمل أدواته باحثا فى التراث. ومع بداية عمله العلمى انقض عليه الاخوان وعملاؤهم من مباحث امن الدولة فالقوا به فى غياهب السجن بلا جريرة الا انه يقول ربى الله تعالى وحده. 4 ـ شيوخ الأزهر الذين أفتوا بردة فرج فودة هم أنفسهم الذين يطاردون الأقباط والقرآنيين والشيعة والبهائيين وكل المخالف لهم فى المذهب والدين. ومنذ ايام وصلتنى دعوة من بعض النبلاء المصريين للتوقيع على بيان يؤكد على حقوق المواطنة وحقوق التدين والاعتقاد ويشجب اضطهاد الأقباط. حمل البيان عنوانا جميلا محببا لنفسى هو ( مسلمون ضد التمييز ) سارعت مع أولادى بالتوقيع عليه. وفوجئت بهجوم حاد يأتى لىعبر الايميل يتهم الموقعين على البيان بأنهم تنظيم لعبادة الصليب يماثل تنظيم عبادة الشيطان ، ويحرض علينا مباحث امن الدولة . هذا يذكّرنى بالتعاون الوثيق بين أمن الدولة والمتطرفين ضدنا منذ الثمانينيات وحتى الآن ، وكيف كانت البلاغات الكيدية تنهال ضدى من الشيوخ والاخوان المسلمين تحرض المباحث على اعتقالى ، مع أننى كنت وقتها ملازما بيتى معتكفا عن الناس. المهم أن كاتب التعليق الاخوانى يعلن أنه ( طظ ) فى المواطنة و(طظ) فى حقوقها متابعا لشيخة مهدى عاكف القائل (طظ) فى مصر.!! ردى على هذا الهجوم السافل هو دعوتى للأخوة فى ( مسلمون ضد التمييز ) لاعلان حركتهم وتوسيع المشاركة فيها لتضم نشطاء من كافة الوان الطيف السياسى فى مصر، كما أطالبهم بأن يشمل اهتمامهم أيضا ضحايا الاضطهاد الآخرين من الشيعة والقرآنيين والبهائيين. 5 ـ نعود الى البهائيين لنقول أن أغلب المكتوب عنهم كتبه أعداؤهم من المتشددين ، تلك الكتابات تبالغ فى تكفير البهائيين وتحرض على قتلهم . ويكفى أن تكتب كلمة ( البهائية ) فى محرك البحث على الانترنت لتجد نفسك بين غابة من المعلومات معظمها فى تكفير وتحقير البهائيين المسالمين الذين لم يعتدوا على أحد كما يفعل المتطرفون الارهابيون البهائيون بين الاسلام والمسلمين د مع احترامنا لحق الانسان المطلق فى فكره وعقيدته نضع تعليقا عن البهائية وخصومهم : ـ اذا كان البهائيون لا يعترفون بالاسلام فلا شأن لمسلم بمناقشة عقائدهم ، بل نقول لهم (لكم دينكم ولى دين). وطالما هم مسالمون فهم مسلمون حسب السلوك المسالم لأن الاسلام في معناه السلوكى يعنى السلام بين البشر مهما اختلفت عقائدهم ، فالانسان الذي يحقق الاسلام السلوكى في تعامله مع الناس فيكون مسالما لا يعتدي علي احد هو مسلم بغض النظر عن عقيدته ، فذلك هو المعيار الظاهرى للمسلم فى القرآن ، وكونه مسلما نتعرف عليه بحسب سلوكه السلمى ونتعامل معه كمسلم سواء كان فى عقيدته وعبادته مسيحيا يذهب للكنيسة، أو كان يهوديا يؤم الكنيس اليهودى أو كان بوذيا او ملحدا. المهم أن يكون مسالما ليكون أخا لنا فى الاسلام بمعناه السلوكى الظاهرى وهو السلام. أما عقيدته وعقائدنا فمرجعها لله تعالى وحده يوم القيامة ليحكم علينا جميعا بعدله وعلمه جل وعلا. وحتى يأتى يوم القيامة علينا أن نعيش فى هذه الدنيا فى سلام وفق معنى الاسلام بمعناه السلمى الظاهرى. وعليه فاذا اعتبر البهائيون ملتهم أو نحلتهم خارجة عن الاسلام فهم مسالمون حسب سلوكهم ويكونون مسلمين بالسلوك وليس بالعقيدة ، مع احترام حقهم فيما يختارون لأنفسهم من عقائد وطقوس وعبادات.. 2 ـ اذا كان البهائيون يدينون بالاسلام فلنقل لهم ـ ولغيرهم ـ على سبيل العظة والتذكير وليس السب والتكفير: * الاسلام في معناه القلبي الاعتقادي هو التسليم والانقياد لله تعالي وحده بدون تقديس لبشر أو حجر. وليس فى الاسلام رسول يوحى اليه بعد النبى محمد خاتم رسل الله تعالى. وليس فى الاسلام وحى بعد انتهاء القرآن الكريم نزولا ، والقرآن الكريم هو خاتم الرسالات السماوية وليس بعده كتاب مقدس الاهى للمسلمين. ومن يقدس أو يؤله بشرا مع الله تعالى فقد كفر عقيديا بالاسلام، سواء كان يقدس نبيا مرسلا أم بشرا مجرما. ومن يعتقد القدسية فى أى كتاب آخر بعد القرآن والكتب السماوية التى تحدث عنها القرآن فقد كفر عقيديا بالاسلام. ومرجعه الى عذاب الله تعالى يوم القيامة ان لم يتب قبل الموت. ولكن ليس لأحد فى هذا العالم أن يجبره على تغيير معتقده أو اكراهه فى الدين الذى ارتضاه لنفسه. هو مجرد النصح والتحذير، وهو مسئول عن اختياره يوم القيامة أمام الحىّ القيوم جل وعلا. * ان الاسلام قد اكتمل بنزول القرآن " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا " ( المائدة 3 ) وقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن ليكون حجة على الناس جميعا الى قيام الساعة.وأنزل القرآن كتابا مبينا يشرح نفسه بنفسه ، مافرط فى شىء مبهم يستلزم الايضاح ، بل نزل تبيانا لكل شىء يحتاج التبيين، وكل ما نختاج اليه أن نقرأ القرآن قراءة علمية موضوعية وفق مصطلحاته ومفاهيمه الخاصة ، وهى مخالفة لمفاهيم التراث، تلك المصطلحات القرآنية التى يشرحها القرآن بنفسه بحيث تتضح لكل من يتدبر القرآن . * بسبب السياسة واقامة امبراطورية عربية وقع المسلمون فى تناقض مع تشريعات القرآن ، وعولج هذا الخطأ بخطيئة أعظم هى تبرير الخطأ باختراع أحاديث مزورة نسبوها لله تعالى وللنبى محمد عليه السلام تحت اسم السنة وجعلوها وحيا من السماء، وبدأوا كتابتها بأثر رجعى بعد موت النبى محمد عليه السلام بقرنين واكثر من الزمان. وبذلك ارتكبوا عصيانا لأمر النبى محمد نفسه بعدم كتابة أى شىء من أقاويله مع القرآن ، كما أن جعل هذه الأحاديث جزءا من الاسلام يقف اتهاما صريحا للنبى محمد عليه السلام بأنه لم يبلغ الرسالة كاملة بأن ترك جزءا منها يتم تدوينه طوعيا وشعبيا حسب الهوى بعد موت النبى محمد بقرون ، كما كان تحديا وتكذيبا لقوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم .." * على أساس المنهج القرآنى الذى يؤكد اكتمال الاسلام باكتمال القرآن فان أى زيادة فى دين الاسلام مرفوضة، وليس في الاسلام تلك المصطلحات بمفاهيمها الخاصة لدى معتنقيها من طوائف المسلمين مثل روح الله أو آية الله أو حجة الاسلام أو منارة الاسلام أو أمير المؤمنين أو الباب أو البهاء . كما أنه ليس فى الاسلام بعد المسجد الحرام ( موضع الحج ) أماكن أخرى مقدسة يعتبر الذهاب اليها عبادة، كما يفعل معظم المسلمين فى اديانهم الأرضية المخترعة وبأماكنهم التى قدسوها بعد موت خاتم الأنبياء وأضافوها الى المسجد الحرام مثل مسجد المدينة ، والمسجد الأقصى ، ومدينة (قم ) وأخيرا عكا . وليس فى الاسلام ما لم يفعله النبى محمد فى حياته، بل كان يدعو الى اجتنابه مثل الحج الى القبور أو الأنصاب والأوثان المقدسة مثل القبرالمنسوب للنبى محمد فى المدينة وقبر الحسين فى كربلاء وغيره فى النجف وطنطا والقاهرة والاسكندرية ..الخ .. * ان من حق كل انسان أن يكتب وان يجتهد وأن يصيب وأن يخطئ ، يسرى ذلك على البخارى ومسلم والشافعى وابن تيمية وابن عبد الوهاب والعقاد وطه حسين والغزالى وجولد زيهر وماسينيون والميرزا حسين على منشىء البهائية. الخ . ولكن كتاباتهم لا دخل لها بالاسلام الذى تم بالقرآن الكريم نزولا ، انها تنتمى الى الفكر البشرى الذى يعبر عن صاحبه ولك ان تتفق أو تختلف معه لأنه بشر مثلك وقد وضع اسمه كمؤلف على كتابه. ويظل ما كتبه معبرا عن عقليته واعتقاده وعصره وبيئته ولا شأن له بدين الله تعالى. وبهذا يقف الاسلام بعيدا عن أوزار المسلمين وفضائلهم أيضا. ان أحسنوا فلأنفسهم وان أساءوا فعليها. * لكنه اذا نسب كلامه الى الوحى الالهى فالخطيئة هنا فى افترائه على الله تعالى ورسوله وتحميل الاسلام وزر عمله البشرى. ومن حق كل انسان أن يؤمن بما شاء وأن يكفر كيف شاء ونحترم حقه فى الاختيار،وحسابه عند ربه جل وعلا ، ولسنا مسئولين عن هدايته لأنه من اهتدى فقد اهتدى لنفسه ومن ضل فانما يضل على نفسه ، ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعلى نفسه ، وهذا ما تؤكده عشرات الآيات القرآنية. الا أنه طبقا للتواصى بالحق والأمر القولى بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فلا بد من وعظ المسلمين بالقرآن لتحذيرهم من الوقوع فى الكفر العقيدى، ولتوضيح الفجوة بين عقيدة التوحيد الاسلامية وما يقع فيه المسلمون . هذا بغرض النصح والارشاد والانذار والتذكير وليس للسب والاتهام والتكفير. فلعل أحدا يعتبر ويتذكر ويراجع نفسه قبل الموت، سواء كان بهائيا أم سنيا أم شيعيا ام صوفيا أو قرآنيا.. لكل ما سبق من حيثيات نقول : ليس من خلق المسلم الملتزم بالاسلام أن ينسب كلامه للوحى الالهى أو لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام. كما أنه ليس من خلقه أن يصدق بهذا الكلام المفترى والذى تم اختراعه وكتابته بعد موت النبى محمد عليه السلام.واذا فعل فقد وقع فى خصومة كبرى مع الله تعالى يوم القيامة. وليس من عقيدة المسلم تقديس بشر أم حجر، وليس فى الاسلام كتاب الاهى ومقدس بعد القرآن الكريم. وليس فى الاسلام مسجد نتوجه اليه بالحج سوى الكعبة. وفى الاسلام فان النبى ـ أى نبى ـ هو بشر مثلنا من حيث أنه لا يملك لنفسه أو لغيره نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله تعالى ،( الأعراف 188 يونس 49 الجن 21 ) ولا يستطيع أن يهدى من أحبّ ( القصص 56 ) بل إنه مسئول يوم القيامة أمام الله تعالى (المائدة 109 ، الزمر30 : 31 ) بل إن مسئوليته ـ وهو فرد واحد ـ تعادل مسئولية قومه جميعا (الأعراف 7 الزخرف 43: 44 الجاثية 18 : 19) ولذلك فالنبى يتحسب لهذا اليوم ويخشى عذاب الله تعالى ( الأنعام 15 ، يونس 15 ، الزمر 13 ، الجن 22: 23 ). وبالتالى فليس فى الاسلام الا الله تعالى وحده الاها وربّا ووليا وشفيعا ونصيرا ( الأنعام 14 ، 51 ، 70، 94 ، 164 ،الرعد 16 ، الكهف 26 السجدة 4 الزمر 2: 3 ، 43 : 44.) ومن اتخذ مع الله تعالى أربابا وشفعاء وأولياء فقد وقع فى الكفر العقيدى، الذى نزلت مئات الآيات القرآنية الكريمة تحذّر منه. البهائية والسنية والشيعة والصوفية اذا خالفونا فيما سبق فنحن نحترم حريتهم فى الرأى وفى المعتقد ، ولكن على كل مسلم أن يجهز من الآن الحجة التى سيدافع بها عن نفسه أمام المنتقم الجبار يوم الحساب. وحبّا فيهم جميعا وخوفا عليهم جميعا نذكّرهم بما قاله رب العزة جل وعلا عما سيحدث لنا فى يوم الحساب : (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شىء. لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت . لا ظلم اليوم. إن الله سريع الحساب. وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع. يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشىء . إن الله هو السميع البصير.) غافر 16 : 20 البهائيون وأديان المسلمين الأرضية 1 ـ يؤسفنى ان بعض الناس يخلطون دائما بين الاسلام والمسلمين ، مع ان كل كتاباتنا تتخصص فى توضيح الفجوة أو التناقض بين الاسلام والمسلمين. الاسلام منهج ، أو مبادىء أو أوامر ونواهى أو قواعد نظرية تتطلب التطبيق. المسلمون هم الذين يقومون بالتطبيق. ولأنهم بشر فتطبيقهم بشرى يقبل الخطأ والصواب. وقد يتطور الخطأ الى درجة تتسع بها الفجوة لتتحول الى تناقض بين الاسلام ومن يقع فى ذلك التناقض. ولكن يظل الخطأ ـ مهما تعاظم ـ منسوبا الى صاحبه واجتهاده الشخصى طالما ينسب الشخص المجتهد رأيه الى نفسه فقط. تتعقد المشكلة ويتعاظم الخطأ ليصبح خطيئة عظمى اذا نسب الشخص رأيه كذبا الى الله تعالى أو الى رسوله محمد أو زعم أن ما يقوله هو وحى الاهى، ثم يأتى آخرون فيعتبرون كلامه وحيا الاهيا ، أو يصدقون زعمه بأن الله تعالى قال هذا الكلام ،أو أن النبى محمدا عليه السلام قال هذا الكلام. هنا يتحول الكلام المنسوب كذبا لله تعالى ورسوله الى دين أرضى يناقض الدين السماوى الواحد الذى جاءت به كل الرسالات السماوية. ذلك الذى افترى على الله تعالى كذبا يدخل ضمن مجموعة البشر الذين اخترعوا ويخترعون أديانا أرضية بعد نزول الرسالات السماوية، وأصبحوا ويصبحون بذلك أكبر أعداء لله تعالى ورسله. ان الدين قد يكون سماويا من لدن الله تعالى نزل به وحى الاهى على نبى حقيقى أرسله الله تعالى ليبشر بالعدل والحق والخير، وقد يكون الدين أرضيا يزعم فيه أحدهم أن الله تعالى أوحى اليه أو الى فلان من الناس. وبالتالى فهناك أنبياء حقيقيون وهناك مدعو النبوة ومدعو الوحى الالهى. معظم الأديان الأرضية تتأسس على أنقاض الدين السماوى ، تتمسح به وترفع اسمه ، وتزور مبادئه العليا فى العدل والقسط والرحمة والعفو والمغفرة والحب والتسامح وحرية الفكر والمعتقد، وتحولها الى ظلم وسفك للدماء وتصارع على الدنيا ومغانمها ، وفى معمعة الظلم هذه يتم استغلال الدين السماوى بالتحريف والتزييف والكذب على الله تعالى ورسله. وفى النهاية يتحول "أشرف " ما لدى البشر ـ وهو دين الله تعالى ـ الى مسوغ للظلم ، ظلم الله تعالى وظلم بلايين البشر. تبدأ القصة بسيطة. محاولة تحويل الدين الى تجارة واسترزاق. ومنها يبدأ الابتعاد عن جوهر الدين الالهى الذى لا مجال فيه للتكسب ولا مجال فيه للكهنوت وخلط الدين بالمصالح السياسية والأطماع الدنيوية. ثم يتحول الابتعاد عن جوهر الدين السماوى الى تناقض تام حين تنمو التجارة بالدين وتصبح سياسة ودولة ، وتقيم تشريعا مزورا تنسبه للدين السماوى زورا وبهتانا. عنده يتكون ويتأسس الدين الأرضى ، ويتصارع مع أديان أرضية أخرى. وهذا هو موجز تاريخ الأديان لبنى الانسان. 2 ـ اذا التفتنا الى الاسلام والمسلمين فلا بد من التأكيد على حقيقة أساسية هى اكتمال الاسلام باكتمال القرآن. وانقطاع الوحى الالهى بعد موت خاتم الأنبياء ورسل الله محمد عليه وعليهم جميعا السلام. وبالتالى فلا مجال لأى اضافة للاسلام بعد اكتماله بقوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا ) المائدة 3 ) وبالتالى أيضا فان ما يفعله المسلمون من حضارة أو مدنية أو تدوين أو تراث أو تاريخ كله يرجع اليهم ان خيرا وان شرا. ولا شأن للاسلام به. الا ان الخطورة ان بعض المسلمين مثل بقية البشر والأمم نسبوا أعمالهم وتراثهم الى الله تعالى ورسوله افتراء على الله تعالى ورسوله. وبذلك الافك أقام أولئك المسلمون لهم أديانا أرضية. بدأ بذلك أهل السّنة ، ونافسهم الشيعة ُثم دخل الصوفية الى الميدان. وتوالى اختراع الأديان الأرضية فى تاريخ المسيلمين باستمرار مزاعم الوحى الالهى ، الى أن ظهرت فى عصرنا البهائية تكرر ما قاله السابقون من وحى و تأليه للبشر والحجر . 3 ـ يهدف الدين الأرضى لتحقيق اهداف بشرية من الجاه والثروة ، مما يؤدى الى التنافس والتصارع بين أصحاب الأديان الأرضية حول الأتباع والأموال والجاه و النفوذ. والأقوى منها يقوم باضطهاد الضعيف ونفيه حتى تخلو له الساحة. ومن هنا نفهم لماذا يقوم دين أرضى عريق هو السنة باضطهاد دين حديث العهد هو البهائية. ونفهم أيضا قيام التشيع ـ وهى الدين الأرضى الحقيقى لايران الحالية ـ باضطهاد السنيين الايرانيين، ولماذا تقوم دول الدين السنى باضطهاد الشيعة.. كلها أديان أرضية تتصارع طلبا للنفوذ السياسى ، أملا فى الاحتفاظ به أو الوصول اليه . وكل دين من هذه الأديان الأرضية له مؤسسته الرسمية ومؤسساته الشعبية. والجماهير المخدوعة عليها أن تصفق وتدفع ، ثم أصبح عليها حاليا أن تنتحر ـ بزعم الشهادة ـ لتحقيق هدف سياسى بحت لزعماء جدد للدين السّنى ، اكبر أديان المسلمين انتشارا. اذ يرى الزعماء الشعبيون الجدد للدين السنىأن النظم السياسية المعبرة عن دين السنة الآن لم يعودوا مؤهلين للحكم ولا بد من اسقاط عروشهم باستغلال دين السنة نفسه. وكما أسقط الايرانيون الشيعة نظام الشاه لأنهم لم يكن صادقا فى تعبيره عن دين التشيع فان الزعماء الجدد فى البلاد التى يسيطر عليها دين السّنة يريدون فعل نفس الشىء فى بلادهم. كل ذلك يتناقض مع الاسلام بجوهره العلمانى الذى لا مجال فيه للتكسب بالدين أو استغلال الدين فى السياسة، بل يتناقض مع الدولة الدينية أو أى دولة استبدادية أو أى مؤسسة دينية أو كهنوتية . هذا مع أن تاريخ المسلمين امتلأ بوجود دول كهنوتية واستبدادية، وفى ظلالها ترعرع ظهور الأديان الأرضية ، ولن تكون البهائية الأخيرة منها. ونعطى مزيدا من التوضيح التاريخى. 4 ـ بعد القرآن الكريم وفى ظل الاستبداد الشرقى فى العصر العباسى تم تدوين التراث ليعبر عن الواقع العقيدى والفكرى للمسلمين ، ولينهض دليلا على وجود تللك الفجوة المؤكدة بين منهج الاسلام فى القرآن الكريم و الواقع العملى للمسلمين دينيا وفكريا وعقيديا وسياسيا. بعض آراء المسلمين لم تخالف الاسلام فحسب بل تناقضت معه. الا انها كانت أمينة مع نفسها اذ نسبت نلك الآراء الى أصحابها ولم ترتكب خطيئة الزعم بأن تلك الآراء وحى من السماء أو تنسبها كذبا لله تعالى ورسوله. بذلك تبقى تابعة للدين السماوى حتى مع عصيانها له، طالما لم تخرج عنه باختراع الوحى والكذب على الله تعالى ورسوله. بعضها قال كلاما اختلط فيه الصحيح والباطل شأن كل كلام بشرى، ولا عيب فى هذا ، ولكن الخطأ الأعظم هو أنهم نسبوا ذلك الكلام للوحى الالهى أو لله تعالى ـ فيما يعرف بالحديث القدسى ـ أولرسوله فيما يعرف بالحديث النبوى. هنا يكونون قد خرجوا عن الدين السماوى وأنشأوا لأنفسهم دينا أرضيا. 5 ـ حقيقة الأمر هناك نوعان من التراث البشرى فى تاريخ المسلمين تم تدوينهما فى العصر العباسى وما تلاه. * هناك التراث العقلى للمعتزلة وغيرهم من الفلاسفة والحكماء ، وهو تراث يستحق الاحترام حتى ولو اختلفنا معه. ولم يكن محتاجا لمزاعم الوحى أوالاسناد للنبى محمد حتى يكتسب قدسية. ولذلك ظل تراث المعتزلة والمفكرين منسوبا الى اعلام تلك الطوائف العقلية . لم يحاول الجاحظ ـ مثلا ـ ان ينسب اراءه للنبى محمد عليه السلام بل نسبها لنفسه والى من قالها من زملائه واصدقائه ،واذا قرأت الجاحظ فى" البخلاء " و"البيان والتبيين "وباقى رسائله وجدت رائحة الثقافة الجاحظية وعصره وبيئته وازددت له احتراما لانه كان صادقا مع نفسه ،وقد مات الجاحظ سنة 255 هـ .وعاش معه فى نفس العصر البخارى (ت256 هـ).الذى نسب ثقافة العصر العباسى للنبى (صلى الله عليه وسلم)عبر عنعنة واسناد لرواة موتى ليس لهم علم بما افتراه عليهم البخارى وغيره. ومع الاسف فان الغلبة لم تكن للجاحظ والمعتزلة وأصحاب المنهج العقلى ،وانما كانت ـ بسبب الظروف السياسة ـ لمن كان يسميهم العصر العباسى الاول بالحشوية ، أى الذين يحشون آراءهم باسانيد كاذبة منسوبة للنبى محمد عليه السلام ،وينشرونها بهذه الطريقة ليتجنبوا النقد والنقاش والاستدلال العقلى. ظل العقليون المفكرون من المعتزلة وغيرهم مجرد طريقة فى التفكير ومنهج فى البحث تنسب آراءها لأصحابها. وعلى طريق المعتزلة جاء القرآنيون فى العصر الراهن ، يجتهدون ويخطئون ويصيبون ، دون ادعاء للعصمة أو تمسح بالوحى الالهى أو كذب على الله تعالى ورسوله الكريم. * وهناك تراث ينسب نفسه للوحى الالهى زورا وبهتانا فيتحول الى دين أرضى مستقل بذاته له آلهته من الأئمة وله أسفاره المقدسة و طقوسه وجماهيره ومعابده ومزاراته. ينطبق هذا على التراث السنى الذى اسنده رواة السنة للنبى محمد عليه السلام فأصبح ذلك التراث السنى بالاسناد للنبى محمد دينا مقدسا . كما ينطبق على الشيعة ، فلهم ايضا تراثهم المقدس الذى اسندوه للنبى محمد والى علىّ وذريته واصحاب القداسة عندهم من الائمة .واصبح ذلك التراث الشيعى ايضا دينا مقدسا لدى أتباعه ، ولكن يقف فى موقع الخصومة للتراث السنى المقدس ـ لدى السنيين ـ بسبب الخلاف السياسى العقدى والحركى . ثم جاء التصوف ابنا للتشيع متخففا من الطعن فى كبار الصحابة ، فأعرض عن السند ،ولم يهتم باختراع سلسلة الرواة .اذ يقوم التصوف فى عقيدته على الاتحاد بالله وحلول الذات الالهية فى نفس الشيخ الصوفى ،وحين تشرق انوار المعرفة الالهية فى داخله ـ بزعمهم ـ ينطق الولى الصوفى بالعلم اللدنى ،وحينئذ فليست هناك حاجة للرواة لانه جلس ـ بزعمهم ـ فى الحضرة الالهية . ثم فى العصر الحديث ظهرت ملل ونحل أخرى مثل الأحمدية والقاديانية والبابية والبهائية تسير على نهج السنة و التشيع والتصوف من حيث تقديس الأئمة وكتبهم وأسفارهم واعتبار كلامهم وحيا من السماء. وفى العصر الراهن ظهر ويظهر مدعون كثيرون للنبوة والوحى الالهى خصوصا بين الصوفية . وكان من بينهم فى القرن الماضى رشاد خليفة الذى زعم أن الله تعالى يوحى اليه. وسيظل هذا الاتجاه ساريا لأن ابليس لم ولن يقدم استقالته ولن يكف عن اغواء الناس. * بهذا الوحى الكاذب من عهد مسيلمة الكذاب الى البخارى والغزالى وأئمة الشيعة المعصومين الى الباب والبهاء والى رشاد خليفة وما بينهما من رواة الأحاديث والمنامات ـ تتحول كل تلك الفرق الى أديان أرضية اذ تنسب تراثها البشرى لوحى الله تعالى أو لرسوله كذبا وافتراءا على الله تعالى ورسوله. وطالما نسبت كلاما لله تعالى فقد جعلته دينا. ولأنك كاذب فى زعمك فماتقوله ليس دينا سماويا وانما هو دين أرضى مرجعيته لبشر أرضى اخترعه وزعمه ولا شأن له بوحى السماء الذى انقطع باكتمال القرآن الكريم . ولأن هذه الأديان الأرضية نبتت فى تاريخ الاسلام فانها تجعل تراثها جزءا من الاسلام أو حكما على القرآن الكريم تنسخه ( بمعنى تبطل أحكامه ) . فى هذه الأديان الأرضية تجد كتاب البخارى مقدسا عند أهل السنة كما تجد احياء علوم الدين مقدسا عند محققى الصوفية ، كما تجد كتب الأئمة الشيعة منزهة عن الخطأ عند جماهير الشيعة ، وأيضا تجد كتاب البديع للبهاء منشىء البهائية مقدسا لدى أتباعه البهائيين البهائية وصراع أديان المسلمين الأرضية 4 أولا : الوحى هو الفيصل بين الدين السماوى والأديان الأرضية 1 ـ الدين السماوى مصدره الوحى الالهى ، أو الكتاب السماوى. وبعد اكتمال القرآن الكريم نزولا انقطع الوحى الالهى باكتمال آخر رسالة سماوية للبشر. الا ان الوحى الشيطانى لا ينقطع. ولذلك أنبأ القرآن الكريم باستمرارية هذا الوحى الشيطانى. ومن يؤمن بالوحى الشيطانى فهو فى نفس الوقت يكذب بآيات الله تعالى ، اذ لا يجتمع الايمان بنقيضين. العادة أنه ينتج عن هذا الوحى الشيطانى قيام أديان أرضية تتصارع على الجاه والنفوذ. ويظل القرآن الكريم المحفوظ الى قيام الساعة دليلا على زيف هذا الوحى وأديانه الأرضية. 2 ـ بالوحى الكاذب تتعدد الأديان الأرضية وكل منها يعبر عن أئمة مقدسين ولهم خلفاؤهم وأتباعهم وخرافاتهم ، ولكل منهم طقوسه وأسفاره المقدسة ومزاراته وتراتيله وترانيمه ودعواته وصلواته وأوراده وأدبياته وتراثه. وقبل ذلك وبعده لكل منهم مصالحه وطموحاته وأحلامه فى الانتشار والوصول للسيطرة والقوة والثروة، باستغلال ذلك الدين الأرضى . لا يستطيع أحدهم اعلان الحقيقة وهى أنه دين أرضى لا شأن لله تعالى به. هذا الاعلان يقضى على مكاسبهم . ما يفعلونه دائما هو التأكيد على أن منهجهم مؤسس على ادعاء الوحى السماوى المنسوب لله تعالى ولرسوله أو الذى يأتى مباشرة الى الامام أو الولى أو النبى المزعوم. وسيلتهم فى الوصول للجاه والثروة هى الكذب على الله تعالى وخداع البسطاء من الناس ليكونا أتباعا لهم. 3 ـ وبتعدد الأديان ألارضية وتنافسها على الأتباع والأرزاق والنفوذ والسلطة والثروة فلا بد أن يقع أصحاب الأديان الأرضية فى صراع بسبب تضارب المصالح . والغلبة فيها تكون للأقوى سلطانا. ودين السّنة كان ولا يزال الأقوى بين أديان المسلمين الأرضية. وقد اضطهد بقية الأديان الأرضية للمسلمين وغيرهم ، وتكاثر ضحاياه عبر التاريخ ، ثم جاء البهائيون على درب المعاناة يتلقون الاضطهاد السّنى أسوة بغيرهم. ثانيا: فى الدين الالهى: الدين كله لله وحده، أى ملك لله تعالى وحده بلا واسطة. أما الدين الأرضى فهو ملك لأصحابه وقادته. 1 ـ لا يوجد فى الدين الالهى السماوى كهنوت أو رجال دين أو مؤسسات دينية لأن العلاقة مباشرة بين الانسان وربه دون واسطة، ولا مجال لتدخل سلطة بشرية فى هذه العلاقة سواء كانت علاقة الفرد بربه جل وعلا ايجابية أو سلبية. والدولة الاسلامية الحقيقية هى الدولة العلمانية التى تفصل بين الدين وشئون الحكم والسياسة ، وتتركز مهمتها على تأكيد حرية المعتقد وحرية الاعلان عنه وتأكيد العدل والقسط وحقوق الانسان وحقوق المواطنة. فى الدين الأرضى يوجد رجال الدين وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية فينتشر سوق التكسب بالدين ، وتتعدد وتنقسم الآديان الأرضية ، ويدخل فى سوق الافتراء على الله تعالى ورسله كثيرون ، وتتعدد مزاعم الوحى والولاية والقداسة والنبوة ، و تتكاثر مناقب التقديس والتأليه لكل من هبّ ودبّ طالما يجد جماهير من السذّج والبلهاء. وفى هذا السوق النافقة للكذب والاحتيال باسم الدين يدور صراع يكسب فيه الأقوى ويعانى الضعيف فى غابة الصراع هذه. ولأن الدين الأرضى يملكه أصحابه من القادة والشيوخ فان كل دين أرضى تنعكس قوته وضعفه على ما لديه من مؤسسات ونفوذ. والأقوى منها يريد الانفراد بالساحة عن طريق مصادرة حق الأديان الأخرى فى الوجود ما استطاع الى ذلك سبيلا.. 2 ـ وهنا تجد تناقضا بين موقفين من البهائية : موقف أتباع الدين السماوى الحق القرآنى، وموقف أتباع الدين السنى الأرضى وهو أكبر أديان المسلمين الأرضية نفوذا واستعلاء وتطرفا .. المسلم القرآنى يحترم حق كل انسان فى الرأى والعقيدة وحقه فى التعبير عن فكره وعقيدته كيف شاء، و لو تنصّر مسلم وترك الاسلام فهو يحترم حقه فى الاختيار لأنه مسئول عن نفسه وما يختاره لنفسه. وبالنسبة للمسلمين أتباع الأديان الأرضية الذين يشوهون حقائق الاسلام بسلوكهم أو بعقائدهم فان المسلم القرآنى يتقدم لهم بالتوضيح طلبا للنصح والتذكير وليس للسب والتكفير. ومن هذا المنطلق ينظر للبهائيين. اذا كانوا يعتبرون أنفسهم من المسلمين يعظهم طلبا للاصلاح دون فرض وصاية عليهم ودون تكفير أو تخوين . وان كانوا لا يعترفون بالاسلام فهو يحترم حريتهم فى العقيدة، و يدافع عنهم اذا تعرضوا لظلم واضطهاد بسبب اختيارهم الدينى. الأصل هنا أن الدين السماوى هوأن الدين كله لله تعالى وحده يحكم فيه بين الناس فيما هم فيه مختلفون. وهو وحده الذى يحاسب البشر ، وهو وحده الذى أتاح لهم حرية الاختيار ، وهو وحده الذى سيقيم للدين يوما أسماه يوم الدين أو يوم الحساب. لذا فالمؤمن بالدين السماوى يلتزم بالاتباع للحق محترما حق الآخرين فى الرفض أو فى الكفر لأنه لا يملك الدين بل هو خاضع لهذا الدين ورب هذا الدين وصاحبه الله تعالى جل جلاله . وهذه هى السّنة الحقيقية لخاتم النبيين الذى كان لا يملك لغيره ضرا ورشدا ولا يستطيع أن يهدى من أحبّ . أما شيوخ الدين السنى الأرضى فهم الذين يملكون دينهم وهم المستفيدون منه وهو الذى اكتسب ملامحهم واكتسبوا ملامحه ، لذا فانتقاده هجوم عليهم والابتعاد عنه خروج على سلطانهم وتهديد لطموحهم السياسى المأمول أو تهديد لسلطانهم القائم. لذلك يسارعون الى السب والتكفير والتحقير واستحلال الدماء وسن قوانين الاضطهاد . وهذا ما فعله ويفعله وسيفعله شيوخ الدين السنى الأرضى مع البهائية وغيرها. 3 ـ وأعطى على ذلك مثلا حيّا .. فى سنة 1992 أعلنت الصحف المصرية عن مولد حزب جديد هو حزب المستقبل الذى أراد أصحابه الدفاع عن حق المواطنة ضد التطرف السّنى وحركاته الدموية. عندها أصدرت ندوة العلماء فى الأزهر فتوى تتهم الحزب بالكفر وتحذر النظام من الاعتراف به ، وخصت الفتوى اثنين بالهجوم والتكفير : صاحب الاسم رقم 2 وهو صديقى الراحل د. فرج فودة ، ثم رقم 6 وهو اسمى. ودعت الفتوى لاغتيالنا صراحة. وبعد نشرالفتوى فى جريدة ( النور ) بأقل من اسبوع اغتالوا فرج فودة أمام مكتبه ، وأعلنت الجماعة الاسلامية فى اذاعة البى بى سى انها نفذت الاغتيال طبقا للفتوى التى أصدرها شيوخ الأزهر من أعضاء ندوة العلماء. بعدها حولوا محاكمة قتلة فرج فودة الى محاكمة لفرج فودة نفسه ، وأفتى الغزالى أن القاتل لم يرتكب جرما بالقتل ، انه فقط افتأت على السلطة وقتل من يجب أن تقتله السلطة ، أى أن فرج فودة مرتد لا بد من قتله فاذا لم تقتله السلطة فمن حق أى سنى قتله تكفيرا عن تقاعس السلطة عن قتله. واجهتهم بكل ما أملك ، ولا أملك الا قلمى.! كتبت سلسلة من المقاتلات أهاجم فيها الشيخ الغزالى وكتبت كتاب ( حد الردة ) أثبت فيه وبالمنهج الأزهرى السنى نفسه أنه لا وجود لحد الردة فى الاسلام. من المقالات التى كتبتها فى ذلك الحين وأراها معبرة عن حالة البهائية اليوم مقال ( لأنه كفر بهم ). قلت فيه اننى عرفت فرج فودة وعايشته وصادقته عن قرب فوجدته مسلما مسالما سمح الخلق طيب القلب نظيف اليد ، ولكن ذلك كله لا يشفع له عند المتطرفين الشيوخ ، فقد وقع فرج فودة فى كبيرة الكبائر عندهم ، وهى أنه آمن بالله تعالى وحده ولم يؤمن بهم. لم يرض أن يكون تابعا لهم ، ثم لم يكتف بذلك بل ناقشهم وناظرهم فى مناظرة شهيرة علنية وهزم كبيرهم الشيخ الغزالى فاستحق عندهم القتل. فاذا كان الله تعالى فى دينه السماوى يغفر فهم فى دينهم الأرضى لا يغفرون ، واذا كان الله تعالى يقبل التوبة فهم لا يقبلون توبة من يسمونه زنديقا وهو المسلم الذى يناقشهم ويجادلهم ، واذا كان خاتم النبيين ليس له من الأمر شىء كما قال تعالى لمحمد عليه السلام فانهم فى دينهم الأرضى جعلوا لأنفسهم التحكم فى الدنيا والآخرة أيضا. هذا يفسر كراهية شيوخ الدين السنى للبهائيين، لأن البهائيين يكفرون بشيوخ الدين السنى ولأنهم اختاروا لهم شيخا آخر وآلهة أخرى غير شيوخ وآلهة الدين السنى فلا بد من الهجوم عليهم وفق طبيعة الاكراه فى الدين المتأصلة فى الدين السّنى منذ قرون. إن الشيخ الأزهرى الذى كان عضو ما يسمى بندوة العلماء والذى شارك فى الفتوى السامة التى نادت بقتلى وقتل فرج فودة قام بتحويل ندوة العلماء الى ما يسمى بجبهة العلماء التى تخصصت فى الهجوم على شخصى وعلى كل مفكر مصرى حرّ . ثم كان الشيخ نفسه مؤخرا زعيم الجوقة التى هبت فى استعداء النظام على البهائيين. هذا الشيخ الأزهرى الاخوانى لا يستحق أن أذكر اسمه . ثالثا : الصراع أهم الفوارق بين الدين السماوى والأديان الأرضية 1 ـ الدين الالهى السماوى الحق لا يقوم على الصراع بل على السلام والاحسان والعفو والمغفرة والحب والتسامح والصبر على الأذى والظلم . ولو راجعت على سبيل المثال مصطلح الصبر لوجدته الأكثر شيوعا فى القرآن الكريم ، ولوجدت الصابرين هم الأعلى منزلة يوم القيامة ، ويكفى أن آية قرآنية تحولت الى مثل شعبى يقول ( ان الله مع الصابرين ) ويكفى أن أجر الصابرين عند الله تعالى يوم القيامة بدون حد أعلى أو بلا حدود أو بتعبير القرآن الكريم ( انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب . الزمر 10) فى الدين السماوى لا مجال مطلقا للاعتداء والظلم . وتعبير الظلم يأتى فى القرآن الكريم مرادفا للكفر والشرك ، وهو معنى الكفر والشرك فى السلوك مع البشر ومع خالق البشر، فالشرك ظلم عظيم لرب العزة الذى خلق ورزق وأنعم ، ثم يأتى الانسان ويقدس مع الله تعالى بشرا مثله يتبول ويمرض ويموت ! أو يقدس أحجارا يسير عليها بقدميه . هذا أفظع ظلم للخالق جل وعلا. أقل منه ظلم الانسان لأخيه الانسان بالاعتداء والاكراه فى الدين . 2 ـ الا ان أفظع الظلم أن تمارس الظلم ثم تنسبه لله تعالى وتجعله دينا لله تعالى. وهذا الظلم الأفظع هو أهم ملامح الأديان الأرضية، وبسببها يجرى الآن اتهام الاسلام العظيم بالارهاب . الحرب فى الاسلام استثناء لرد الاعتداء فقط ، بعد تحمل الأذى وبعد الهجرة واستنفاد كل سبل السلام. والله تعالى يؤكد أنه لا يحب المعتدين ، وأنه يدافع عن الذين آمنوا الذين يقع عليهم الاعتداء. ولكن أفظع الظلم لله تعالى ودينه أن تعتدى على من لم يعتد عليك وتحتل بلاده وتستعبده ثم تجعل ذلك جهادا فى سبيل الله تعالى وتجعل الظلم شرعا الاهيا ، وتؤكده بأحاديث ضالة تزعم أن النبى محمدا قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله..). وهذا ما فعله المسلمون بعد موت النبى محمد عليه السلام. وأثمر هذا عن اختراع أديان أرضية ، يعتبر أحدثها البهائية. رابعا: نشأة الدين السّنى معبرا عن التسلط والاستبداد 1 ـ بدأ الأمر بأن استغل الصحابة الاسلام فى احتلال بلاد لم يسبق لها الاعتداء على المسلمين ، لتبرير هذا الظلم قاموا باختراع أحاديث كاذبة سموها سنة وجعلوها وحيا سماويا فتأسس دين السنة دينا أرضيا بوحى مزعوم منسوب للنبى محمد عليه السلام تحت مسمى ( الحديث النبوى ) أى ينبع عندهم من وحى النبوة ، ثم أضافوا وحيا الاهيا مزعزما لله تعالى أسموه ( الحديث القدسى ). 2 ـ وفى ظل الدين الجديد تحول الصحابة الغزاة المعتدون الذين لا يحبهم الله تعالى ( البقرة 190 ) إلى آلهة معصومة من الخطأ ، ومع انهم تقاتلوا فيما بينهم فى حرب ضروس الا أن الدين السّنى يحظر مناقشة هذا الصراع الا فى ضوء التحميد والتقديس للآلهة المتقاتلين. واخترعوا أحاديث تحرم من يناقش سلوكياتهم وتؤكد على عدالتهم بمعنى عصمتهم. وفى سبيل تلك الأحاديث كذبوا بمئات الآيات القرآنية التى تحدثت عن الصحابة المنافقين وأعوانهم فى عهد النبوة ، وأصبح مستحيلا فى الدين السنى عرض تاريخ الصحابة على القرآن لأنهم آلهة فوق مستوى البشر. فقد تعزز هذا الافك بأحاديث منسوبة للوحى. والدليل هو هذه الرهبة التى يشعر بها كل سنّى يقرأ هذا الكلام الذى يخالف أسس دينه السنى . 3 ـ وفى مقابل السلطة ودينها السنى الأرضى قام أقوى تيار للمعارضة باختراع التشيع مزودا بنفس مزاعم الوحى والأحاديث، وتمكن في فترات متقطعة من إقامة نظم حكم له فى مصر وشمال أفريقيا وفارس وغيرها، واستطاع فيها ارساء معالم دينه الشيعى واضطهاد خصومه من أتباع الدين السّنى . وبتكاثر الثوار بمختلف الملل والنحل راج اختراع أحاديث متناقضة منسوبة لوحى كاذب ، وأصبح اختراع الأحاديث مجالا حيويا للصراع السياسى . وفى هذه الغابة تكاثرت أديان أرضية أخرى للمسلمين بلا خلفية سياسية. بعضها أعاد العقائد القديمة تحت رموز اسلامية ، وبعضها نبت لتحقيق أغراض اجتماعية وغرائز جسدية فقط دون عنف أو تسلط على الآخرين. وبعضها نبت دينا أرضيا بلا طموح سياسى ثم تكاثر أتباعه فاشتعلت لدى قادته طموحات سياسية. والتفاصيل كثيرة فى كتب الملل والنحل التى تتحدث عن المسلمين. والملل والنحل تعبير تراثى مهذب عن الأديان الأرضية. 4 ـ ولكن ظل الدين السّنى هو ( أسد ) هذه الغابة المفترس ، اذ نبت فى ظل الخلافة الأموية ثم ازدهر فى حماية الخلافة العباسية وظل متحكما فى رعايا الخلافة العثمانية ثم صار الدين الأساسى الحالى للدولة السعودية، وقد نشرته بسيطرة الريال والبترول فى بقية النظم المستبدة العلمانية والقومية التى تحكم البلاد العربية والشرق أوسطية. 5 ـ فى ظل تلك النظم الاستبدادية القمعية قديما وحديثا احتفظ دين السّنة بملامح التسلط والاستبداد والاكراه فى الدين. وتكاثر ضحاياه من أهل الكتاب وبقية المسلمين من أصحاب الديانات الأرضية الأخرى. والبهائيون هم أحدث ضحاياه الآن عن شفاف الشرق |