صنعاء وجيبوتي قمة السلام والبناء في زمن التحدي في ظل التطورات العربية والدولية المتسارعة، ومتغيرات موازين الحالة الأمنية القومية تتخذ زيارة الأخ/ عمر جيلــه رئيس دولة جيبوتي الشقيقة إلى الجمهورية اليمنية، منحىً فكرياً وديناميكياً سامياً بأبعاده السياسية، وتفاعلاته المسئولة مع الأولويات الإستراتيجية التي ينبغي على قادة الأمة إعادة النظر بمعطياتها، واستحداث تقنيات عملية كفيلة بتحريك الواقع العربي إلى ما يؤهله ليكون بمستوى التحديات الراهنة، وبمستوى المسئوليات المفروضة في بناء أي موقف عربي جديد. لا شك أن قمة صنعاء بين فخامة الرئيس علي عبد الله صالح وأخيه الرئيس عمر جيلة تنطلق من أفق عربي مشترك مؤطر بالعديد من محاور النقاش والتباحث لقضايا استراتيجية يرى فيها الطرفان ضرورات ملحة لحماية الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والذي يعني في النهاية أمن الأمة القومي.. وبطبيعة الحال، فإن خطوة كهذه لا يمكن أن تكون واقعاً ما لم تكن قد وضعت أقدامها على أرضية من الأيمان الكامل بأن كل طرف من أطراف منظومة دول البحر الأحمر والقرن الأفريقي يمثل عمقاً استراتيجياً لأمن ومصالح ومستقبل الأطراف الأخرى.. وأن اختلال موازين السلام والاستقرار في أي منها سيفقد المنظومة الدولية كاملة أحد أهم أسباب تطورها ونمائها. ووفقاً لأبجديات الفلسفة السياسية للأخ الرئيس علي عبد الله صالح بهذا الخصوص- ظلت الجمهورية اليمنية تبني فرضياتها الوطنية على رهانات السلام الإقليمي أولاَ، ثم يليه الدولي، وعلى طبيعة ومستوى ارتباطات دول المنطقة ببعضها البعض من خلال خارطة متشابكة من العلاقات الأخوية، والتعاون الثنائي والجمعي، ومصالح متشابكة إلى أبعد الحدود،، فأي إرساء لقواعد العمل السلمي لا بد وأن تعني مخرجاته إرتقاء بعناصر النهوض والتقدم، ومزيداً من أسباب التحرر من قبضة تأثيرات الساحة السياسية الدولية، وتأمين لشعوب دول المنطقة من الوقوع ضحية لبرامج العولمة ومخططات الهيمنة الاقتصادية المطلقة التي لطالما ظلت عنواناً مبرراً للتدخل بسياسات دول الأقليم وتهدد أمنها واستقرارها. إن قمة صنعاء تمثل في واحدة من مدلولاتها تحركاً نوعياً لعبور المطبات التي رافقت انفلات الصمام الأمني الخليجي من جراء الغزو العراقي للكويت، وانعكاس أضرار تلك الحالة على العالم برمته، والمنطقة العربية بوجه خاص،، ثم ما ترتب عن ذلك الحدث من تعزيز للوجود الأجنبي العسكري،، ليصبح كل ذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2000 عنواناً لاستشراء النفوذ الأجنبي في بقاع مختلفة من العالم حتى تحول إلى قوة احتلال تتجاوز أدوار مكافحة الإرهاب إلى اللعب بمقادير الشعوب، والهيمنة على ثرواتها ومقدراتها الإنسانية. وفي ظل وضع كهذا أبت قيادتي الجمهورية اليمنية ودولة جيبوتي إلا أن تأخذ زمام المبادرة لتحريك الجمود السياسي العربي، وتوثيق وشائج الصف العربي بمزيد من الحوار، والتفكير، والعمل المشترك الذي يكفل إعادة الثقة بقدرات المؤسسة السياسية العربية، وتفعيل دوائرها الخارجية بجهد مضاعف ومتسق مع حجم التحديات الراهنة التي بلغت وضعاً عصيباً وخطيراً للغاية بعد تفاقم الحالة الفلسطينية المتردية، واستشراء الكيان الصهيوني في ممارساته الدموية ضد أبناء الشعب الفلسطيني ، فضلاً عن سعيه الحثيث لخلق واقع أمني جديد في الممر الملاحي للبحر الأحمر من خلال تكثيف تواجده البحري والبري ومحاولاته لاختراق النظم السياسية لبعض دول الإقليم، وهو ما سيترتب عليه وضعاً غير مستقر لا بد وأن ينعكس سلباً على مصالح وأمن جميع دول هذه المنظومة الإقليمية خاصة مع وجود وضع من التوتر أو عدم التوافق بين بعض الأنظمة السياسية. وبلا شك أن حرص فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح وأخيه الرئيس عمر جيلة على إدارة حوار جاد ومسئول بكل الشئون التي تخدم غايات السلام والاستقرار والتعاون المشترك هو بحد ذاته يمثل وعياً سياسياً مخلصاً لشعبي البلدين أولاً، وللإنسانية جمعاء ثانياً.. وهو أيضاً مؤشراً قوياً على حجم ثقة القيادتين بقدراتهما الوطنية، وأدواتهما السياسية في بناء السلام والاستقرار حتى في الزمن العصيب والظروف القاهرة.. فذلك هو ديدن القيادات السياسية النبيلة. |