المؤتمر نت - 
وخلاصة الأمر: إن ثمة خطورة تربوية يواجهها المجتمع حينما نكرس لاختزال كل متاعبنا البشرية في فعل السحر والجن، وكواحد من المشتغلين سابقا بالدراسات النفسية، أستطيع أن أجزم أن الكثير من
مشعل السديري -
جني يشهد في المحكمة .. أفتونا؟

أولا وقبل أن يستعد البعض لوضع أصابعهم على زناد الاتهامات، أود أن أشير إلى أنني من المؤمنين بكل ما ورد في القرآن الكريم عن السحر والحسد والمس وغيره، ولكنني ضد تكثيف إحالات كل متاعبنا كبشر إلى فعل الجن والسحر والعفاريت، أو أن نجعل من هذا الأمور مطايا لخيالاتنا اللاعلمية، فنفسد على الناس تكيفهم الطبيعي مع واقعهم، بعيدا عن المبالغات أو تضخيم الحوادث الاستثنائية.. تلك مقدمة أردت أن أضعها مدخلا للتعليق على قضيتين يلوكهما الناس في المجتمع الخليجي بقدر من التباين قبولا ورفضا.

القضية الأولى: أن محكمة في رأس الخيمة أصدرت حكما قضائيا بسجن زوجة لمدة 3 شهور لاعترافها بأنها قد سحرت زوجها، وإلى هنا الأمر يبدو مقبولا ومنطقيا، لكن أن تعرف أن من بين الإجراءات التي اتخذتها المحكمة، الاستماع إلى شهادة جني موجود في جسد زوجها، فقد يحدث لك ما حدث لي من دهشة واستغراب، وكما حدث للكاتب بدر بن سعود، الذي كتب مقاله الرائع «شهادة الجن.. نوستالجيا خليجية»، من وحي تلك الحادثة.. وأنا لا أعرف إن كان لمثل هذا الأمر سابقة في تاريخنا القضائي الإسلامي أم لا، وما مدى مشروعية مثل هذه الشهادة؟ متطلعا إلى معرفة رأي العلماء في هذه المسألة.

أما القضية الثانية فتتمثل في ما أثارته إحدى الصحف السعودية من حكاية الساحرة «الطائرة»، التي طارت من شقتها في الطابق الثاني إلى شقة الجيران في الطابق الرابع، هربا من الوقوع في قبضة رجال الحسبة.. وأنا هنا أتساءل كما تساءلت الكاتبة المتألقة د. عزيزة المانع: «أما كان بإمكانه ـ الجني ـ أن يطير بصديقته إلى مكان أبعد من شقة الجيران حتى لا تصل إليها يد المطاردين؟ لِمَ خذل الجني صديقته؟».

وخلاصة الأمر: إن ثمة خطورة تربوية يواجهها المجتمع حينما نكرس لاختزال كل متاعبنا البشرية في فعل السحر والجن، وكواحد من المشتغلين سابقا بالدراسات النفسية، أستطيع أن أجزم أن الكثير من الحالات المرضية ـ وليس جميعها ـ التي صنفت من قبل بعض (المعالجين) بأنها أعراض لمس الجن، هي حالات فصام مصحوبة بهلوسات بصرية سمعية لا علاقة لها بالجن ولا بالسحر، وكان يمكن للمرضى أن يتحسنوا لو أنهم اتجهوا إلى العلاج في المصحات النفسية المتخصصة، لكنهم أخطأوا طريق العلاج المناسب في الوقت المناسب، فتحول العارض إلى دائم، والطارئ إلى مزمن.. وحسبنا الله.

[email protected]
الشرق الاوسط
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 06:26 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/31800.htm