بقلم / د. محمد لطف الحميري - نقلاً عن الشرق القطرية -
الرئيس اليمني وبيعة المليون
في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وأمام تظاهر نحو مليون وثلاثمائة يمني حسب تقديرات رسمية تراجع الرئيس علي عبد الله صالح عن قراره بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العشر الأواخر من سبتمبر المقبل، وقد جاء هذا القرار الذي يصفه الحزب الحاكم بالتاريخي وتصفه أحزاب في المعارضة بالمسرحية الهزلية، بعد أحد عشر شهرا وسبعة أيام من اتخاذ صالح قرار عدم الترشح تحت مبرر ترقية فرص التداول السلمي للسلطة في البلاد.

عدول الرئيس عن قراره ربما كان الخيار الوحيد أمام جماهير غاضبة جاءت من مختلف محافظات اليمن لتسمع موقفا صريحا لا لبس فيه «سأكون إلى جانبكم» أما إذا ما قال الزعيم الرمز جملة غير تلك فلا أحد بمقدوره توقع حجم الفوضى وقرارات الانتحار التي كان سينفذها الغارقون في محبة الرئيس الصالح، وعندها قد تتحول المظاهرة الصاخبة إلى خطر على حياة الرئيس والشعب اليمني بأكمله.

وبغض النظر عن رأي المعارضة اليمنية التي تعتقد أن تلك الجماهير حُشدت ولم تحتشد إلا أن المتظاهرين نجحوا في عقد بيعة مع الرئيس على مواصلة المشوار والدخول كمنافس قوي في انتخابات سيكون بلا شك هو الرابح الأكبر فيها ليقيم سبع سنوات أخرى في قصر الرئاسة.

التطورات الأخيرة في موقف صالح من كرسي الرئاسة العتيق بعد إعلان زهده فيه، جعلت كثيرا من المراقبين يعتقدون أن نتائج الانتخابات أصبحت محسومة مسبقا وبالتالي فإن إجراءها يعد ضربا من ضروب العبث وإهدار مليارات الريالات كان يمكن توفيرها لبناء مساكن للمشردين الذين تعج بهم شوارع المدن اليمنية، خاصة بعد أن ذهب أدراج الرياح اتفاق المبادئ الموقع في الـ16 من هذا الشهر بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وتكتل اللقاء المشترك المعارض الذي رعاه الرئيس صالح عندما كان يمثل سلطة الولاية العامة على جميع الأحزاب بالإضافة إلى كونه غير مرشح، أما وقد أصبح منافسا فقد انتفت صفة الرعاية الأمينة والمحايدة لهذا الاتفاق الذي يضمن تحييد الوظيفة العامة والإعلام والجيش وعدم استغلال المال العام في المعركة الانتخابية، لأن علي عبدالله صالح لن يقف مكتوف اليدين أمام معارضة تستهدف في نشاطها مرشح حزب المؤتمر الحاكم الذي هو الرئيس نفسه.

ولعل ما ألاحظه عبر شاشة الفضائية اليمنية من حب جنوني لشخص الرئيس يجعلني أتفق مع ما يذهب إليه المراقبون من عدم جدوى هذه الانتخابات، كما أن على الرئيس أن يعلن استقالته من الحزب الذي بدا معاقا في رؤاه وأفكاره تجاه أهم قضية تتعلق بمستقبل البلاد لو لا حسم الجماهير إضافة إلى مايوصف به هذا الحزب من أنه حزب الموظفين والمنتفعين ومأوى من تقاعدوا عن العمل الحزبي المؤثر، وسيحقق الرئيس بذلك أمرين مهمين: الأول أن يكون رئيسا لكل اليمنيين خلال السنوات المقبلة ليتمكن بدون تشويش من إزالة كل النتوءات والعقبات التي تقف في طريق التداول السلمي للسلطة. وثانيا وضع الحزب الحاكم أمام قدراته الحقيقية التي لا تتكئ على الوظيفة العامة والمال العام، الأمر الذي يجعله أمام اختبار صعب إما أن يكون حزبا مؤهلا للمنافسة في الساحة السياسية أو أن ينقرض غير مأسوف عليه.

إن الرئيس اليمني برأيي لم يعد بحاجة لحزب يسنده بعد أن جعلت منه الـ 28 عاما الماضية القائد الضرورة لهذه المرحلة التي لو غاب عنها لأصبحت فيها حسب شعارات الحزب الحاكم «الوحدة اليمنية في خطر» أو أن «اليمن ستنهار في حال غيابك»، وسيتخلص صالح مما قاله في خطابه: «لست سائق تاكسي يوصل الآخرين للفنادق» بل سيتحول بمساندة الجماهير على الأقل تلك التي خرجت للشوارع إلى جرافة تجرف الفساد وتحقق الأمل لكل النفوس التي تعثرت في الطرق المفروشة بأشواك المفسدين.

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/32312.htm