المؤتمر نت -
نبيل الصوفي - نقلا عن نيوزيمن -
انتصار المؤتمر وهزيمة المشترك لماذا؟
أسفاً، ولأسباب موضوعية لم أعمل مع المعارضة خلال الانتخابات الأخيرة إلا من حيث نشر هذا الموقع الذي أتولى مسؤوليته مناشطها بمالايقل عن مافعلت وسائلها، ولكني مهتم بحالها بذات مستوى اهتمامي بالمؤتمر الشعبي العام لذا أحاول (وقد فض رمضان مولد التنافس) أن أقف في مربع مختلف من حيث كونه متخففا من التشكي المعارض، والفرح والابتهاج الحاكم. لذا سأكتفي بتتبع الإيجابيات التي رأيتها خلال أكبر عملية تسييس شهدتها اليمن (والوصف لبن غالب رئيس تحرير صحيفة النداء)
ولكني استسمح القارئ بمقدمة صغيرة لتمرير قليل من الغضب. إذ أشعر بالأسى –كمواطن- من لجنة عليا تدافع عن صورتنا السلبية حتى ضد طموحاتنا أن نبدو مختلفين. ماضر رئيسها لو تريث قليلا في التعبير عن فرحه بمؤشرات الصناديق الأولى. فإعلانات اللجنة العليا ليست مؤشرات.
وأشعر بأسى أكبر –كمتابع- من حزب حاكم يريد أكثر حتى ممايعطيه الخلق لربهم، أظن أن نسبة من يعبدون الله حقا من خلقه هي أقل من النسبة التي يريد المؤتمر حصدها من أصوات الناخبين.
وسأحاول أن لا أقول شيئا عن المعارضة. وسأكتفي بما سأمرره بين سطور الإيجابيات التالية. إذ ليس لدى المعارضة قدرة على احترامنا حين نقول رأيا يختلف عما تريد أو عما كنا نقول.
بالتأكيد ليست هي الآن كأميركا ظهيرة الـ11 من سبتمبر من حيث حجم الفجيعة والغضب، ولكنها معارضة من شارعنا العام الذي يرفض منح الإصلاحيين والاشتراكيين صك قبول تغير حال العلاقة بينهما، ولذا فالمعارضة أيضا ترفض قبول أي معطيات وراء تغير مواقف البعض خاصة من لا تسبق أسماءهم ألقاب من قبيل "الشيخ".
فللشيخ "سواء شيخ عمامة أو شيخ دسمال" مبرراته ولنا ما تبقى من (ضعف الولاء الوطني، وبيع الذمة، وقليل من خواء روحي...).

فوز مؤتمري بجدارة وبخروقات
للمرة الأولى يمكن القول إننا شاهدنا مؤتمرا شعبيا عاما مختلفا. المؤتمر الذي اختار الأستاذ المناضل حسين المسوري ممثلا عنه في معركة؛ الخطاب العام هو سيدها كما في انتخابات 2003، هو الذي قدم وجوها مختلفة للمجالس المحلية من وديان حضرموت وحتى جبال صنعاء. ليس هذا مطلقا لكنه غالب بحيث يمكن مشاهدته.
المؤتمر، نعم بدا عاجزا عن أن يظهر كوحدة قادرة على التنظيم، حتى أن رئيسه ومرشحه للانتخابات الرئاسية لم يظهر ولا مرة في إحدى مقراته، وحتى مؤتمره الصحفي بعيد إعلان فوزه كمرشح للمؤتمر عقده في بهو دار الرئاسة وليس في اللجنة الدائمة. كما أنه (رئيس المؤتمر) ظل يشكر كل الفعاليات السياسية في كل المهرجانات.
لكن هذا المؤتمر كان هو وسيلة الحشد الأولى. وبدا كحزب جديد، استخدم أدوات لطالما كانت حكرا على خصومه. تجاه المسجد كان خطيبا، وفي شارع الفن كان حاضرا (أناشيد أو أغاني)، وحتى في مقرات اللجان الانتخابية شعرت بالامتنان لشباب ظننتهم من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح وهم يساعدوني على الوصول لصندوقي الانتخابي بحماسة، قبل أن يهمسوا في أذني وأنا أدلف غرفة اللجنة الانتخابية "المؤتمر ياطيب". –هكذا كنا نفعل أيام النشاط التنظيمي من لجان الاستقبال الطلابية إلى الانتخابات-.
ومقابل تطور معارض تجاه الإعلام إذ تتالت مؤتمرات اللقاء المشترك الصحفية وهو مكسب إيجابي للإعلام، فإن المؤتمر لم يعقد مؤتمرا صحفيا واحدا متفرغا للعمل الميداني المطلق.
رئيسه بدا في كامل لياقاته. رافقته كصحفي في غالب مهرجاناته وكنت دوما أبحث عن معالم الأزمة التي يتحدث معارضوه أنه يعيشها فلم أجد لها أثرا.
وبحدود علمي وما رأيت، مع اعتراف أنه قليل، فلم أر صورة لمنافسه فيصل بن شملان استفزته. حيا شبابا رأيت التوتر في وجوههم وهم يستقبلون موكبه في كحلان حجة رافعين صور منافسه. والأمر ذاته فعله في شعيب الضالع. (وعلى العكس كان موقفه إيجابيا حين أدان فعلا ترك صورة كبيرة للمهندس فيصل بن شملان مقصوصة الوجه على أحد منازل سيؤون)
المنطقة الوحيدة التي لمست فيها قلقا من تأثير معارض هي محافظة تعز. غير أن حشود مهرجانها أظهر نشوة في وجه الرئيس. والمرة الوحيدة التي رأيته فيها مرتبكا يعيد الكلمة مرة ومرات كان في مهرجان عدن. وإلا فقد كان يتحدث بسهولة ولطالما عذب الورقة التي يعدها قبيل المهرجان، فلا يلتزم بالقراءة منها إلا قليلا كما كنا نراه.
والأهم أنه عمل دون قيود عكس خصومه، فقد كان يستمع لخطاب سلفي يحرم التعددية والديمقراطية في مهرجاناته، ويكتفي منه أنه يدعو له سواء كولي للأمر، أو صاحب أفضال، ليقوم بعد ذلك مفاخرا بالديمقراطية التي أسسها، داعيا ناخبيه إلى صندوق الاقتراع.
يهاجم أحزاب "الحقد" المشترك، ويلهب بالحديث عن "غياب الشمس" حماس خصوم كثيرين لها، ويذكر بمآسي عهد الاشتراكيين، ثم يوجه شكره لـ"الشرفاء في الاشتراكي، والمخلصين في الإصلاح". ويعتبر اللقاء المشترك أحد إنجازات عهده. ويترحم في أبين على حسين عثمان عشال، وفي تعز يفاخر بعبدالفتاح إسماعيل.
يوافق للأستاذ عبدالرحمن الجفري على العودة، ويرحب بترشيح رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح له، ولكنه يصر على الوصول إلى أي تجمع للناخبين؛ قيل له إن عليه الراحة صبيحة يوم السبت، فالتفت قائلا "ومتى سقطرى؟"، وهي لم تكن في بال فريقه.
قيل له إن ناخبي "حوث"، ولست أدري إن كانت تتبع صنعاء أو صعدة، يمزقون صوره، وأن شبابا في جنح الليل "يقلعون" لوحات تدعو لانتخابه. فوصل محافظة صعدة داعيا "أتباع الرزامي والحوثي" إلى تأسيس حزب.
لست أريد القول إن المؤتمر ومرشحه للرئاسة فاز في هذه الانتخابات بدون خروقات. ولكنه أولا فعلها بجدارة ثم للأسف الشديد دعم هذه الجدارة بكمية من الخروقات ليس اقلها الاستخدام الخطر لورقة الإرهاب، وهي التي جعلت رئيس الهيئة التنفيذية للقاء المشترك والدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح "محمد قحطان" يعاتب رفاقه في إدارة الحملة والحماية الأمنية بحصافة الاعتراف أن حادثة الذرحاني أفقدت المعارضة 15% من 40% هي حصتها في الشارع السياسي.
لكن الخروقات ليست هي جديد انتخاباتنا. كما أن ثمة عمقاً اجتماعياً وثقافياً وليس مجرد توجيه إداري للكثير منها.
ونضال المعارضة السياسي ليس ضد هذه الخروقات فقط حتى تقف عندها، بل هي تنافس المؤتمر كحزب وقيادة، ومن ثم عليها ملاحظة ماكينات نجاحه وليس فقط الوقوف عن الحديث أنه "فوز يفتقد لرصيد حقيقي من التأييد الشعبي"، فمثل هذا الخطاب من خصم سياسي هو كاتهام المؤتمر للمشترك بالإرهاب. تهم بين الخصوم وليست تقييمات موضوعية من أطراف محايدة.
لقد استخدم المؤتمر–في الغالب- كل ماهو عام ولكن بذكاء افتقده في مرات سابقة، ولولا كمية الصور التي توزعت في الشوارع مظهرة عدم التكافؤ بين صالح وبن شملان لأتعب المراقبون في إدراك قصد المعارضة من حديثها عن الفرص غير المتكافئة.
وللناخب رسائل
وموازيا للمؤتمر ورسائله التي بعث بها مدللا أنه، وأخيرا، استشعر خطر المعارضة ميدانيا، فإن الناخب قدم خلال الانتخابات رسائل مهمة. ومثلما قال الأستاذ أحمد صوفان –وزير التخطيط السابق- في حواره مع أسبوعية الناس بعد الانتخابات فإن "التحولات التي حصلت في عقلية الناخب وتفكيره ليست بسيطة".

لقد قالت النتائج أن بعض أعضاء الأحزاب صوتت لعلي عبدالله صالح ضد خيار قيادتها مع أن صالح كان سببا لكثير من مآسي هذه الأحزاب ومن ثم هؤلاء الأعضاء. ومع أن ترشيح بن شملان، وتحالف المشترك من القرارات الممتازة لقيادات الأحزاب، لكن ثمة تراكمات إدارية وتنظيمية وسياسية صوتت القواعد ضدها على طريقتها.
وعلى مقربة من ذلك فإن الوعي الذي صنعته هذه القيادات لسنوات طوال ضد بعضها البعض، عمل ضد تطورها ورشدها، لأنها لم تخدمه كما خدمت نقيضه، فنحن نعرف أن بعض المحاولات في المراجعات قد وئدت، وأن المناهج التنظيمية الجديدة لم تأخذ دورتها في صنع وعي جديد.
ولايعني هذا أن صالح حصد كل الأصوات، فالأصوات التي حصل عيها مرشح كياسين عبده سعيد، والنسبة الكبيرة للأصوات الباطلة تؤكد أن هناك مواطنين لم يثقوا بالمعارضة لكنهم لم يقتنعوا بكل ما اعتبروه مجرد خطاب انتخابي للرئيس.
لقد منح مرشح المؤتمر الشعبي العام من صناديق صوتت لمرشحي ذات الحزب للانتخابات المحلية على "صفر"، وفي مناطق أخرى حصل صالح على أقل من 1 من عشرة في المائة.
وأعطت مناطق القيادات المنتفعة من صالح للأخير لاشيئ، فالناخب يريد مصلحة تخصه كفرد وليس مجرد غرام.

* التصويت لصالح كرسائل سياسية
وباعتقادي، والفكرة هنا للأستاذ عبده سالم، أن مناطق يمنية صوتت ضد خطاب سياسي عالي، هو عادل ولكنه لا يمثل مصالحها المباشرة. أبناء صعدة صوتوا لصالح للتعبير عن رفضهم محاولة حشرهم وكأنهم مجرد أتباع مذهب مضطهد في دولة الأغلبية السلفية.
وأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية غاضبين من استغلال مآسيهم تحت عنوان المشكلة الجنوبية.
إنهم هنا وهناك يمنيون وحدويون ومشكلتهم مع الفساد وليس مع الوحدة، ومع الفقر وليس مع صنعاء أو سنحان.
وأزيد من عندي، أن عمران التي صوتت لعلي عبدالله صالح كانت تؤكد أن نشاط حميد الأحمر هو نشاط حزبي وليس قبلي، ديمقراطي وليس جهوي.
كما أن النسبة العالية التي حصدها صالح في غالبها رفض لأدلجة المعارضة، أو بمعنى أدق لتحويلها لعمل عقائدي. لنقل أنه معاقبة للخطاب الإعلامي المعارض الذي كان يعتبر ترشيح صالح مجرد فساد، وقلة ولاء وطني، وبيع ذمة. وأن اختيار المهندس فيصل بن شملان هو التغيير.
لقد كان الناخب أكثر إدراكا أن التغيير ليس مجرد سوط ضد الرئيس صالح. إنه منهج لا يصح أن يطالب به طرف لحماية نفسه من ذات المطالب. وهو لم يعرف تغيرا داخل مؤسسات المعارضة التنظيمية (وبخاصة التجمع اليمني للإصلاح) لا في الخطاب ولا في الأشخاص حتى يغريه رفعها التغيير كشعار في معركتها ضد صالح.
كما أن من صوت لصالح كان يحمي المعارضة من وعي بدت بعض مؤشراته واضحة من خلال التصريحات. إن المعارضة في بعض توجهات قادتها بدت معتقدة أن حصول صالح على أقل من 60% كان يعني هز شرعيته، وهذا وعي كارثي. غير ديمقراطي ولا قانوني. ويضر أول ما يضر المعارضة التي عليها النضال في سبيل الأغلبية
الدستورية وليس القناعة بالأغلبية الظنية.
أعتقد أنه من الممكن هنا التنبيه إلى أن تنظيم القاعدة وهو يدافع عن الأمة، ويتصدى لمعاركها دون تفويض منها ينطلق من كون قناعته أنه لا يحتاج تفويضا فنيا من هذه الأمة. فهو أعلم بالحق واقدر على الفعل بدلا عن هذه الشعوب الخانعة الذليلة، أو التي تقع فريسة نظمها الحاكمة. وهذا نفسه منطق الجماعات السياسية والفكرية اليسارية أو اليمينية التي كانت تلجأ لمثل هذا الخطاب للتعويض اللغوي والنفسي مع كل هزيمة سياسية تتعرض لها. وهو ماكان يعمق إقصائها من الحياة العامة.
لذا أعتقد أن على المعارضة التنبه لمثل هذا المأزق. إن غالب الرؤساء في البلدان الديمقراطية لايصلون نسبة (60%). فالشرعية تعني أن يفوز أحد المتنافسين بالأغلبية البسيطة. وهذا لا يختلف على تحققه لصالح اثنان. والخلاف هو حول مابعد ذلك، وهي مقتضيات للنضال السياسي وليس للعبث الخطابي.
ومن هنا فإن الواجب الوطني على المعارضة أن ترفض أي تشكيك في شرعية حكم صالح بل وتتصدى لتأمين هذه المشروعية، مقابل ضغوط كبرى عليه لينجز برنامجه الذي لا يختلف كثيرا عن برنامج مرشحها المهندس فيصل بن شملان.

* قضايا الناخبين
كما أن الناخب بتصويته لصالح رئيسا، وحزبه حاكما محليا، قال للمعارضة إنه لا يعرف اهتمامها بتفاصيل حياته. لست اشهد للمؤتمر هنا فالأخير في وعي الناخب هو المدير العام وليس الناشط السياسي. والبيان الذي هو بضاعة المعارضة لاينتقل من مقايل صنعاء إلا إلى صحفها عكس بيانات الزمان الغابر.
لقد عاتب صالح أجهزته قبل الوحدة لأن صفارة من قيادة الإخوان
حركت مساجد اليمن، رغم فوراق الإمكانيات فيما قرارات الحكومة لاتصل إلا وقد أتخذ عكسها. فأين ذهبت هذه الصفارة رغم أن أحدا لا ينكر التطور الكمي والنوعي لقاعدة حزب الإصلاح –وريث حركة الإخوان تلك.
إن ثمة دعوة من الناخب للإصلاح ليحدث مراجعة كبرى بشرعية تنظيمية، وليس من خارج هذه الشرعية، لضمان استمرار مسيرة الحركة الإصلاحية اليمنية وعدم دخولها مناطق التنازع.
أتذكر أني في آخر اجتماع لهيئة الشورى المحلية للتجمع اليمني للإصلاح بأمانة العاصمة، انتقدت في خطة الحزب السنوية غياب الحديث عن الأرامل والمطلقات، والناجحين والراسبين في الاختبارات، وسائقي التاكسيات، وملاك البناشر والورش، والمهمشين والرياضيين، ومشكلات الحارات من مياه وكهرباء ونظافة. لقد كانت الخطة تظهر بوضوح أنه مقابل إهمال هذه القضايا فإن كل دائرة يأتي في صدارة اهتماماتها "العلماء" وكأننا في دار العلوم وليس في حزب سياسي يريد التصدي للحكم وعبر الانتخابات.
ليس هذا نقدا للاهتمام بالعلماء حفظ الله كل صاحب علم وأنار به دروبنا، غير أننا أننا نريد وضوحا إصلاحيا ينهي هذا الارتباك الذي لايخدم العلماء ولا يحقق مصالح العامة. ومن ثم فإما أن ينتقل للشارع فيهتم به، أو يبقى نخبويا فيتوجب عليه فعليا خدمة نخبته.
ومع فوارق إيجابية في المدن نتيجة اتساع قاعدة الإصلاح النوعية، فإن الأخير في الريف لايزال فقط إمام مسجد، فيما الاشتراكي أصبح مجرد ناقم على المقرات المنهوبة. وهذه وظائف وقضايا مهمة، لكن الناخب لا يعتقد أن أصحاب هذه الوظائف بحاجة ليكونوا ممثلين له في المحليات أو غيرها، إنه يمكنهم الخطابة والشكوى وهم خارج هذه المؤسسات. بل إن الأفضل لهم أن لا ينشغلوا عن الخطابة والشكوى بالفوز في المحليات فضلا عن الرئاسة.

* ثقافة الماضي
ومقابل التماسك الممتاز للمشترك قبل الانتخابات، فإن هذا التماسك لم يعبر به عن مشروع للمستقبل. فمنذ إعلان مشروع الإصلاح السياسي للقاء المشترك فإن قواعد الأحزاب لم تقم أي فعاليات مشتركة.
قلت لقواعد المشترك في بعض المناطق الريفية قبيل الانتخابات:
اعملوا معا، فأنتم الجديد الذي يمكنه تحقيق الفوز لكن هذا لم يحدث. إذ ستفرض اجتماعات للتخطيط والمتابعة والنقاش على كل طرف داخل أحزاب المشترك أن يغير من طريقة أدائه للأفضل، وهذا هو الجديد الحقيقي الذي تحتاجه اليمن. بل سيقود لأكبر عملية تغيير سياسي وثقافي.
وليت أن قيادة المعارضة تأخذ كلامي هذا محمل الجد وتعالج هذه الاختلالات. إنا نريدها عملاقة في انتخابات هي على الأبواب: 2009م. ولسنا نشمت بها هنا أو نعرض كما سيصور بعض ممن يتناقضون معنا في الرؤية جذريا، ولكنهم بدلا من النقاش الصريح سيضطرون للدفاع عن الكارثة التي هم وكلاؤها واهم أدوات صنعها، بتوجيه النقاش صوب الخروقات المؤتمرية والخروقات وبس، وكأن المؤتمر هو الفاعل الوحيد في هذه الساحة، وأنه على ما يشاء قدير.
كما أن الناخب اسقط الخطاب الكلي والقضايا التي كنا نعتقدها مفاصل كبرى. هو احتشد في مهرجانات المهندس فيصل بن شملان ليستمع له، ويشعر بالاعتزاز أن يمنيا يخطب على الملأ ضد الرئيس، لكن هذا المستمع لم يكن معنيا بقضايا الإصلاح السياسي والنظام البرلماني. كان البائع المتجول، أو سائق البيجو مشغول وهو يستمع لبيان معارض عن موارد النفط بقيمة صواميل، ومساحات الزجاج، ومشكلات الفرزات، ومطبات الطرقات وهو لا يسمع عن هذه لا في المسجد ولا عبر الثوري، ولا في الصحوة. فضلا عن بيانات الأحزاب.

صوت الناخب.. خيار المستقبل
ومن هنا فإن التصويت هذا بقدر ما يوجب على المعارضة الكف عن التشكيك في استحقاق صالح الرئاسة، بل يوجب عليها الدفاع عنه في مواجهة أي انتقاص باعتباره خيار الشارع حتى بالنسبة التي تعتقدها المعارضة (60%). فإنه يحمل صالح احترام التحالفات، فهو نال ثقة البسطاء وليس توكيلا من الوسطاء.
كما أن بديل الفرز الخطر على الديمقراطية ليس العودة لتحالفات ماقبل الانتخابات. المطلوب عدم تحول العلاقة بين المؤتمر والمعارضة لا إلى مصدر قلق للسكينة الاجتماعية عبر سياسات الإقصاء أو عبر الرد عليها، ولكن أيضا ليس بديلا للإنجازات. صالح يتوجب عليه العمل لمصلحة ناخبيه، ولكن بأفق ديمقراطي يحترم مواطنة ناخبي خصمه لأنهم معا يمثلون الشرعية اليمنية.

وللأحزاب نصيب من الإنجاز
ومع سلبيات عدة، يتوجب علينا أن نقول أن المعارضة كانت هي علامة هذه الانتخابات. لست أدري لماذا تغرق في التذمر وكأنها فعلا كانت مستعدة لدخول القصر الجمهوري؟. إلا إن كان الأمر في حقيقته استجابة لإعلان اللجنة العليا للانتخابات التي بدت حريصة على إرباك المعارضة وإشغالها خارج السياق الديمقراطي.
خاضت المعارضة أول عمل سياسي في اليمن. نعم أول عمل سياسي
لا يبحث عن المدخل الخلفي لدار الرئاسة بل البوابة الرئيسية. وهو ما يعني أنها ستبني نضالا قادرا على فرض رؤى وطنية على القرار الحاكم خوفا أو طمعا. بالنضال المعلن والواضح سيصبح الخوف والطمع شغلا للحاكم وليس بضاعة للمعارضة، وهذا هو جدوى النضال الديمقراطي في كل العالم.
محليا أحيل الكارثة إلى "عجز عن إدارة الأهداف". فقد ظللنا ننبه المعارضة للمحليات، ولكنهم كانوا يقولون إن الرئاسية أهم. ولذا ليس عليها التفجع الآن. فهذا ما أرادته، خاصة حين ندرك أنها نافست بأقل مما فعلت في انتخابات 2001م، ثم إن كل حزب من أحزاب المشترك نافس في المحليات منفردا. لم أر ملصقا واحدا يجمع مرشحي أحزاب المشترك للمحليات. وخلافا للدعم الذي تلقاه مرشحي المؤتمر للمحليات من مرشحهم للرئاسة، فإن حملة المشترك الواضحة في الرئاسية لم تعضد حملته المحلية.
يمكن القبول بأن المشترك لم يكن يمكنه أن يعطي للناخب أي إشارة أنه يقبل منه التصويت لصالح رئيسا ولمرشح المشترك محليا، إذ كانت هذه ستفجر الاتهامات التي بالكاد خفتت بين الفرقاء. ويمكن القول أن تحدي إدارة حملة من أجل الرئاسة جعلها تبذل قصارى جهدها لذلك. ولكن فلنعلن إذا أن طموحاتنا المحلية كانت اقل، ولندع وهج مشاركتنا في الرئاسية عاليا لاتخدشه النتائج إلا من حيث أنها تدعو لتعديل استراتيجيات العمل استعدادا لجولة 2009 وهي قريبة وقريبة جدا. بدلا من محاولة خدش فوز المؤتمر وتحويله إلى تهم تكال للناخب اليمني وتسخيفا لتحالف الرئيس معه.

* تطور يستحق الإشادة
كما أن الأحزاب التي نتهمها بالأيدلوجية، لم تكتف بتسليم قواعدها للمستقل فيصل بن شملان، بل حشدتهم بكل مالديها من قدرة، مع مخاوف أن تكون مهمة الحشد قد توقفت عند حضور المهرجانات واقعة تحت تأثير النشوة.
وكم أشعر بالامتنان والتقدير لشباب حملوا أمانيهم التي ليس منها شيء شخصي، بل هي لليمن، للفقراء والمتسولين، للحزبية وانتصارا للذات الجمعية، لمشروع الإصلاح السياسي، للقاء المشترك.
وكم هم بؤساء من كل حزب الذين سيعتقدون أنه يمكن لهم تبادل الاتهامات، أو إشاعة الشكوك بين أحزاب اللقاء المشترك.
نعم كانت الشمس غالبة في مهرجانات مرشح اللقاء المشترك، ولكنها لم تفعل لتعلن حضورها بل لتؤكد للقاء المشترك أنها معه وبه ولليمن.
وماكان قصورا، فليس هناك أحد أحسن من حد. ويمكننا استغراب موقف الشيخين عبدالله بن حسين الأحمر، وعبدالمجيد الزنداني، ولكنهما تركا الإصلاح الحزب وهو الأهم للمشترك.
كما أننا سنشاهد –في المقابل- أحمد الشامي ورموزا مهمة في مختلف الأحزاب ليس في البيوت محايدين، بل في منصات مهرجانات الرئيس الصالح.
ويمكن تتبع إصلاحيا لم يعمل للمشترك هنا، ولم ينتخب ناصريا أو اشتراكيا هناك. لكن ثمة أمثاله في كل حزب، مع أغلبية عددية إصلاحية ستحصد الإيجابيات.
غير أن الاعتقاد –في المقابل- أن الاشتراكي أو الناصري افقد الإصلاح شعبيته خطأ قاتل، ومثله الندم على المشاركة. تلقيت رسالة بعثها إصلاحي لأمين عام الإصلاح الأستاذ محمد اليدومي، يقول له إن الإصلاحيين بعد هذه النتيجة سيكتشفون حكمته حين رشح صالح قبل المؤتمر في 1999م. غير أن هذا المنطق غير صحيح.
أولا الأخطاء هي التي أفقدت الجميع نتائج مضمونة. وثانيا: الأخطاء أكثر بكثير من أي مضاعفات سلبية للتحالفات الجديدة. وثالثا ثمة عوامل يتوجب على قيادة وقواعد المشترك أن تؤمن بقدرتها. عوامل في عمق الثقافة.
إن الماضي هو الذي هزم فينا ادعاء التحول نحو المستقبل، لأننا نعمل بأدوات الماضي ووعيه وفكره وطموحاته.
* وللريف كلمة
إن المهرجانات الانتخابية، ونتائج المحليات الكارثية على التعددية أظهرت هشاشة النشاط الحزبي في الريف الذي يسكنه غالب اليمنيين. مع أن هذا الريف في غالبه لايعرف استبدادا ولا ماتقوله المعارضة عن سيطرة مشائخية إلا في القليل منه.
إنه وباستثناء حميد الأحمر –وهو من نجوم صنعاء ولكن نقبل به عمرانيا لأسباب عدة- فإن المعارضة أظهرت فقرا محليا من القيادات، ويمكن أن تتذكر قيادات المعارضة أنه حتى الفريق الصحفي المرافق لها كان يسألها عن اسم من ألقى كلمتها في كل مهرجان محلي، إذ نحن لانعرف إلا محمد اليدومي، وعلي الصراري، ومحمد الصبري، أما محمد عقلان، وحسن يغنم، ومحمد زين، واحمد صلح، وناصر البجيري، (كلهم إصلاح لأني لا أعرف عن قيادات غير هذا الحزب في المحافظات)، هؤلاء مجهولون إلا داخل مجتمعهم التنظيمي، إما بتقصير منهم أو من أحزابهم أو من وسائل إعلامها، والانتخابات ليست مبيتات ولا رحلات ولا نقاشات تنظيمية.
ليس المطلوب أن يكون للمعارضة مشائخ وعقال حارات، ولكن لنتذكر كيف لمع نجم عبده محمد المخلافي أيام لا تلفزيون ولاصحافة، كيف عرفنا عبدالفتاح اسماعيل، كيف يعرف عبدالله صعتر قرى اليمن. إن هناك عشرات الوسائل ليت أن المعارضة تراجعها قليلا.
* المعارضة دعوة للمستقبل، وليست نقمة على الماضي
كما إن النقمة وحدها لاتكفي. وهذه من الأخطاء التي تسبق الالتفات لتأثيرات مشتركة متعمدة من أعضاء المشترك. إن النقمة ليست هي سلاح المعارضات في الدنيا. المعارضة دوما تكسب من تبنيها الدعوة للمستقبل وليس البكاء على الماضي. كان المشترك يستحق خطابا يقول لعلي عبدالله صالح إننا نسعى لحماية إنجازاتك التي نراها تتآكل بفعل أخطائك. لا أن نقول له إنك صنم، وانك مستبد، وانك استوليت على ثروات البلد، وتتجه بنا نحو الصوملة. ونحن شركاؤه حتى ماقبل سبع سنوات. ونحن نعرف انه "بالكاد اليمن صارت دولة وطنية بدلا عن العشيرة" كما هو توصيف الأستاذ العظيم محمد قحطان. ليس لنا
دولة، أو أننا نخاف على دولتنا الفشل فكيف إذا نتحدث عن الاستبداد والسطوة.
أخاف اللقاء المشترك أنصار علي عبدالله صالح، وحقرهم –عكس مافعل صالح-، وكان أولى به وهو يعلم أنه ينافس لحماية الديمقراطية وتأكيد أن الشعب مالك كرسي الحكم، أن يطمئن هذا النصير، ليس بأن يقول له "ولايهمك نحن بس نتنافس ليفوز صالح"، ولكن عبر خطاب يعلي شأن التعددية ويبشر بدولة سينال المؤتمر فيها وضعا لايعاني فيه مما تعانيه أحزاب المعارضة تحت حكم المؤتمر الآن.
أضاع المشترك فرصة كبرى للترويج للتعددية، لا لمهاجمة الفردية. ولم يروج لمؤشرات التنمية: حرية التعبير، العلاقات الدولية، منظمات المجتمع، الإصطفافات الوطنية.
عفوا ليس لدى المشترك نقص في النصائح، لذا اقطع حديثي هنا، وأقول إن التشكيك في نصر المؤتمر يبهت كم مثلت المعارضة له من تحد فاستثارت فيه كل كوامن القدرة وهو حزب يزخر بالقدرات التي كانت ذات يوم رموزا في أحزاب المعارضة التي لم تتعايش معها في جو طبيعي فكان الفراق، ومع الأسف فإن الطرفين تحولا إلى خصمين ضد بعض تحت ضغط خطاب تحقيري من المعارضة، وعقدة تسعى للتطهر من الراحلين منها.
البديل أن تدرك المعارضة أنها خطت الخطوة الأولى نحو الديمقراطية، وإذا كانت هزيمتها في كل انتخابات ستكون مدخلا لإنجازات يتودد عبرها المؤتمر للمواطن فإن تلك الهزائم تصبح مكارم وطنية. وإنها منحت اليمنيين فرصة التصويت للتعددية، عبر خيارين أحدهما مرشح المؤتمر والآخر مرشح المشترك، وباعتقادي أن من صوت من عمران وحضرموت وأبين ولحج وتعز لفيصل بن شملان، كان يصوت لشرعنة وحماية التعددية وليس ضد الدولة، ولليمن وليس لمجرد ولاء تنظيمي للقاء المشترك أو لأي من أحزابه.

* كلمة ختام
ليت أن المؤسسة التنظيمية في الأحزاب تدرك أن الفارق الشاسع بينها وبين الخطاب السياسي لذات الأحزاب أحد أسباب العلاقة المختلة بين القضايا العادلة التي تحملها، والنتائج الكارثية التي تحصدها. وأنه مالم يتم معالجة هذا الخلل فسيكون الطرفان في الحزب الواحد سبب هزيمة تضعف الحزب، ولا تقوي أيا من الطرفين. لن تكسب الأوطان تحولا سياسيا كما أنها
لن تحافظ على قوة تنظيمية. لذا لابد من نقاش عميق وجاد، في أعلى المستويات. أقول أعلى المستويات لأن القيادات التنظيمية في بلادنا محمية بولاء قاعدي غير سياسي، مستعد أن يحمل الجن والأنس المسؤوليات، ويطالب علي عبدالله صالح بأن يقبل سعي معارضيه لأن يتهموه كل التهم، ولكنه لايفكر مجرد التفكير في رفع رمشا مؤدبا ليقول للقيادة: لو سمحتي ممكن تشوفي دورك في الخلل؟.
المستويات القيادية وفيها رجال عظماء يتوجب عليهم أن يتصدوا لهذا النقاش لنخرج من طريق تجعلنا –مهما حسنت نوايانا، وكانت أهدافنا سامية- مجرد حماة للتحولات غير الديمقراطية.

* خصوم صالح لا مناصريه
كما أن المعارضة مطالبة بأن تحمي مشروعها من خصوم الرئيس صالح أكثر من حمايته من صالح وأنصاره. المعارضة مشروع مدني معارض وفقا لقواعد عمل سياسية وقانونية –وهذا ما أكد عليه بيان قبولها النتائج "تحت فرض الأمر الواقع".
كثير من خصوم صالح يمارسون كل ماتنتقده المعارضة على الأخير، ومن هنا يتوجب على المعارضة رفض جرها إلى قبول الأخطاء تحت ضغط الشراكة، سواء من حيث التحالفات خارج الملعب الديمقراطي، أو اختراق القانون، أو تحويل المعركة إلى انتصارات وهزائم شخصية.
أثق في عظمة قيادات المعارضة ولكن المسألة أيضا تحتاج لجهد لحماية وعي الميدان، حتى لا يكون أنصار الأحزاب وسيلة لضرب إنجازات أسهمت المعارضة أيام شراكتها في إنجازها.

الخديري والغباري
ليت أننا نرى التنظيمات وقد رفضت الكارثة التي ستثمرها نتائج المحليات، إذ بأغلبية كاسحة للمؤتمر ستتعطل طاقات وقدرات عظيمة مشكلتها الوحيدة أنها في صفوف المعارضة.
هل يمكن أن تقنعنا المعارضة أنها تثق فعلا بكوادرها، فنرى عبدالسلام الخديري مسؤولا عن الدائرة الاجتماعية في الأمانة العامة للإصلاح، وعبدالله الغباري لدائرة التعليم؟
لاتقولوا لي الانتخابات التنظيمية، لأني سأذكركم أن المؤتمر لم يقصهم بل الناخبون هم من فعلوا، وليس هذا تعجيزا، بل مجرد لفتة نحو التغيير: الشعار الكبير الذي جذرته المعارضة في حياة اليمنيين حتى من صوتوا لمن يحكمنا أكثر من ربع قرن.

المهندس فيصل بن شملان.. مؤسس الديمقراطية اليمنية
إذا كان التاريخ سيحسب للرئيس علي عبدالله صالح أنه أول زعيم عربي تنازل عن حماية الكرسي بالقوة المادية، وجعل التنافس عليها محميا بقرار الناخب ونص الدستور، حسب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، فإن المهندس فيصل بن شملان فتح لنا أصعب أبواب التاريخ الديمقراطي.
فتحية تقدير وإجلال لهذا الرجل العظيم القادم من بيئة تعلي من شأن المجموع، وتشجع المبادرات، وتعلي من شأن المعرفة، وتصبر على الأذى، وتحتقر الخصومة وتنتصر للحق.
أيها الرجل القدير.. لك ألف شكر على جهدك وجهادك. وعذرا إن لم تجد بجانبك كثيرين من المستفيدين من دورك. فهي معطيات للعمل العام في مجتمع مرهق بالتحديات. مجتمع يتبادل فيه القادرون إقصاء الأقل مكانة، ومن ثم تحقيرهم، مجتمع تعمل فيه المقدمات ضد النتائج.
وبالتأكيد أن مافعلته لن يذهب سدى. وسيكون تأسيسا داعما لشركاء كثر في بلد طموح للتغيير، تغيير الممارسات أيا كان مصدرها.
والله لايضيع اجر من أحسن عملا.

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:51 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/35340.htm