ظاهرة الخادمات في العالم العربي "ولد الإنسان حراً لكننا نراه مكبلاً بالأغلال في كل مكان"، هذه عبارة شهيرة للفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو". فالحاجة البشرية أصبحت عنواناً لاستعباد الإنسان وحرمت عليه حريته الحقيقية ومنعته من أن يكون سيد نفسه في يوم من الأيام. وعلى الرغم من أن البشرية قد تخلصت من الرق منذ سنوات ليست طويلة، إلا أنها استبدلته بعبودية أخرى هي عبودية العمل، حيث أصبح الناس مضطرين لبيع طاقة شغلهم لسادة جدد مقابل مبلغ من المال لابد منه لاستمرار الحياة. وهكذا نجد أن العبودية لم تكن مجرد مرحلة في تاريخ البشرية أو ظاهرة تنتمي إلى المراحل البدائية من هذا التاريخ بل إنها استمرت بشكليها المباشر وغير المباشر حتى يومنا هذا. فتجارة الكائنات البشرية في الأماكن العامة وفي وضح النهار أصبحت معروفة من قبل الجميع، ولنأخذ مثالاً على ذلك ظاهرة تشغيل الخادمات لدى بعض العائلات الثرية وبالأخص في العواصم الكبرى. لقد اعتاد الناس على مشاهدة الخادمات كالسيريلنكيات والفيليبينيات وغيرهن على شرفات المنازل في تلك العواصم والبلدان وبالمقابل نادراً ما نصادفهن في الشوارع، وإن صدق ذلك فإن دورهن يقتصر فقط على حراسة الأولاد في المنازل التي يعملن فيها وكذلك يمكن مصادفتهن وهن يلقين بأكياس القمامة في الحاويات الخاصة. الخادمات الشابات موجودات حتى في العديد من منازل ذوي الدخل المحدود أساتذة، تجار صغار.. بغية التخفيف من الأعباء المنزلية، وإذا كان عدد قليل منهن يتمتعن بشيء من الاحترام والحرية النسبية من قبل الأسر اللاتي يعملن عندها، إلا أن الأغلبية منهن يعاملن بشكل مشين. لقد بدأت تجارة الخادمات القادمات من سيريلنكا ثم من إثيوبيا والفيليبين والهند ومدغشقر، عبر مكاتب خاصة قائمة الآن في بعض البلدان حيث يذهب مندوبو هذه المكاتب إلى هناك ويتعاقدون مع هؤلاء الشابات في موطنهن الأصلي وذلك بتوقيع عقود الاستخدام الخاصة و باللغة الإنجليزية أولاً. ولا يمكن لهؤلاء المستخدمات أن يتصورن بأن هذه العقود لن تصبح نافذة المفعول فيما بعد، فالعقد شيء والواقع شيء آخر وبشروط بالغة القسوة وقد تصل من 2000 إلى 3000 دولار أو أكثر للخادمة الواحدة . ينحصر عمل هذه المكاتب بصورة خاصة بكل ما يتعلق بالأوراق اللازمة وببطاقة الطائرة وكلفتها والحصول على الفيزا المطلوبة، وكذلك بإبرام عقد ثان هذه المرة مع رب العمل يذكر فيه موعد وصول الطائرة التي تقل الخادمة، وعندما تضع قدماها على أرض المطار يصادر جواز سفرها من قبل رب العمل الذي ستعمل عنده من دون أن تعلم، ويبقى هذا الجواز رهناً عنده لحين انتهاء مدة العقد. إن هؤلاء الخادمات اللواتي يتمتعن بقسط لا بأس به من العلم والثقافة وربما بمسحة من الجمال ويتطلعن بتفاؤل إلى الحياة، قد تركن أهلهن وعائلاتهن وربما أزواجهن وأولادهن في حالة من الفقر المدقع بغية تحسين مستواهن المعاشي، فهن يتصورن بأن هناك عملاً مناسباً وبأجور معقولة مقارنة بحالة الحرمان في بلادهن الأصلية. ولكن للأسف لا يلبث هذا العمل الجديد أن يصدمهن ويحطمهن فلا يوجد أي راحة في عملهن على الإطلاق ، حيث لا يسمح لهن بأن يخرجن يوم لوحدهن للراحة أو الاستجمام من عناء التعب إلا في المهمات المحددة لهن فقط ، كما لا يسمح لهن بالتحدث مع أقرانهن. أسيرات ومعاملة سيئة : الأجر مبدئياً يصل إلى 100 دولار أمريكي في الشهر، تسلم إلى الخادمة في أحسن الحالات وأحياناً تسلم هذه الأجور السنوية إلى صاحب المكتب حال توقيع العقد معه، وإذا توصل عبيد هذا العصر الحديث إلى إرسال قسم من أجورهن إلى أقاربهن فإن هذا لن يتم قبل مضي بعض الوقت، ذلك أن أجور الأشهر الأولى من العمل تذهب لإيفاء الديون المترتبة على بطاقة الطائرة ورسوم أخرى بعد وصولهن إلى مكان العمل. وفيما يتعلق بالمنامة فإن قليلاً من هؤلاء الخادمات تحصل على غرفة نوم لوحدها، الكثيرات منهن ينمن على سجادة في صالون المنزل بعد أن تنام العائلة أو على طاولة مطبخ البيت أو على لوحة خشبية صنعت خصيصاً لهذه الغاية، وعند غياب العائلة من البيت تبقى الخادمة فيه ويغلق عليها الباب جيداً وأحياناً يمكن إعارتها إلى عائلة أخرى قريبة وبصورة مؤقتة. ويضاف إلى هذه الشروط القاسية المشتركة التي تطبق على الآلاف من الخادمات الاحتقار والشتائم والتهديدات وأحياناً الضرب، وإهمال المرضى منهن وأحياناً وقوع حالات الاغتصاب والاعتداء عليهن. وعندما يجدن أنفسهن حاملات من قبل أرباب العمل عندئذ يرغمن على دفع أجور التوليد أو الإجهاض. تنشر الصحافة التابعة لهذه البلدان يومياً الإعلانات الخاصة عن خادمات مفقودات أو هاربات دون أن يمتلكن أية دراهم أو جواز سفر ودون أصدقاء أو معارف، هدفهن الوحيد الوصول إلى سفاراتهن طلباً للمساعدة والعودة إلى بلادهن الأصلية. ولكن سرعان ما تعمل سفاراتهن ما بوسعها على إعادتهن إلى أرباب عملهن إلا أنهن يقعن من جديد في الفخ يحث يعمد رب العمل إلى استغلالهن أكثر. وهناك الكثيرات منهن يمكثن في السجون لمدة طويلة بعد أن تلحق بهن التهم الكاذبة من قبل أرباب الأعمال. وإذا ما توصلت إحداهن إلى تقديم شكوى إلى السلطات المسؤولة في تلك البلاد فإنها تذهب أدراج الرياح ولا قيمة لها فليس هناك أي قانون عمل يحمي هؤلاء العاملات الآسيويات أو الإفريقيات. وتجرى لهن الفحوصات الطبية المطلوبة خوفاً من انتشار الأمراض المعدية كالسل والإيدز والملاريا واليرقان وما شابه. لا خوفاً عليهن بقدر ما هو خوف على أسيادهن. ويذكر في العقد أنه إذا ما تعرضت الخادمة إلى الضرب أو التعذيب أو التحرش الجنسي فإن العقد يصبح لاغيا. ولكن كيف يمكن لهذه الخادمة المسكينة أن تتقدم بشكواها هذه سواء بالحضور إلى السلطات المختصة أو هاتفياً طالما أنها محرومة من الخروج لوحدها. ولكن مهما يكن وحتى في حالة إثبات شكواها فليس هناك أي تعويض ممكن لهذه الضحية، وقد تجد نفسها مع بطاقتها الجوية فقط للعودة إلى بلدها الأصلي وبالمقابل يحصل مكتب التوظيف على تعويضات من قبل رب العمل المعتدي. قانون الصمت وترويض الخادمات: وهناك مكاتب توظيف عديدة تنصح علناً وبصورة طبيعية زبائنها باللجوء إلى ترويض الخادمات إن بدا منهن أي تمرد أو مخالفات. المحامية المدافعة عن حقوق الإنسان السيدة "ميريل عبد الساتر" تستنكر ذلك، وتعرف العديد من الحالات التي تحصل فيها هذه الإجراءات عند إعادة هؤلاء الخادمات إلى مكاتب التوظيف. ولا يتردد آخرون من سجن بعضهن في غرف مظلمة وتعذيبهن. هذا هو قانون الصمت أو القبول ضمنياً في عصرنا الحديث بهذا النوع من تجارة الرقيق والذي لا يذكر اسمه صراحة. وهكذا تذهب أعمار تلك الشابات أدراج الرياح يبعن ويشترين كالأنعام أو كالبضائع ويعاملن كالآلات وكأنهن مجردات من الأحاسيس والمشاعر ومن رغبتهن في أن يعشن حياتهن بكرامة وإنسانية أكثر دون خوف من أحد ودون أسر لحريتهن التي هي أغلى شيء في هذه الحياة *ترجمة : ماجدة تامر |