المؤتمر نت - القرضاوي
المؤتمرنت -
القرضاوي:القرآن ليس نصاً شفهياً بل مكتوب
دحض فضيلة د. يوسف القرضاوي حجج المتعالمين الذين يقولون ان القرآن نص شفهي وهو نص مكتوب وقال خلال اول درس في التفسير بالجامع الكبير وحضره جمهور غفير من المصلين وطلاب العلم ان التفسير المطلوب ينبغي ان يعضده اجماع من علماء الأمة في زمن الصحابة والخلفاء الراشدين.

وطالب العلماء والفقهاء التقاه والمجردين عن الاهواء ان يعكفوا علي تفسير القرآن الكريم تفسيرا منهجيا يعتمد القواعد الشرعية تأسيسا وبناء.

ولفت الي ان الساحة اليوم تشهد الكثير من المزاعم في اشارة الي مهندس سوري يزعم ان الكتاب والقرآن مختلفان والذكر يختلف عنهما وكذلك الفرقان الذي ليس له علاقة بهذه المسميات.

واوضح انه يميل الي رأي ابن عباس رضي الله عنه في رؤيته التي تقول ان القرآن نزل الي السماء الدنيا جملة ثم بدأ النزول منجما في اشارة للخلاف في هذا الامر.

وكان فضيلته بدأ درسه الاول في تفسير سورة ابراهيم حيث سجلت قناة الرسالة الفضائية هذا الدرس علي ان تبثه بالتنسيق مع مكتب فضيلته حتي يستفيد منه عدد اكبر من المشاهدين في مختلف ارجاء المعمورة.

وتناول فضيلته سورة ابراهيم فذكر ان السورة سميت باسم أبو الانبياء ابراهيم لانها ذكرت قصته وقصة ذريته الذين اسكنهم بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم بمكة المكرمة.

واشار الي ان تسميات السور بعضها توقيفي حيث سماها النبي صلي الله عليه وسلم بهذه الاسماء مثل سورة البقرة وسورة آل عمران وجاءت الاحاديث بهذه الاسماء لتلك السور واستدرك فضيلته ان هناك تسميات من الصحابة او التابعين والتسمية لها اسبابها وهذه السورة عندما تسمي سورة ابراهيم فإنما تسير علي النهج الذي سميت به سور ذوات ألر فأول سورة من هذه السور سورة يونس عليه السلام لأنها ذكر فيها سيدنا يونس وتأتي بعدها سورة هود لانها تكرر فيها اسم هود عليه السلام وان كان فيها قصص عدد من الانبياء وفيها قصة نوح لكنه عليه السلام ذكرت له سورة اخري كلها عن نوح وقد سميت سورة نوح وبعد سورة هود تأتي سورة يوسف وهي تتحدث عن قصة يوسف عليه السلام من اولها الي اخرها وقصة يوسف هي القصة الوحيدة التي ذكرت في موضع واحد من القرآن من اولها الي اخرها ثم سورة الرعد وجاءت هذه السورة سورة ابراهيم وتلتها سورة الحجر حجر ثمود.

واوضح ان من يتأمل في سور القرآن وتسمياتها يجد انها شملت كل شيء مثل اسماء الاشخاص وعلي رأسهم الانبياء واحيانا غير الانبياء مثل مريم عليها السلام وكذلك تسمت سور القرآن بأسماء الاقوام مثل سورة الروم وسورة قريش وكذلك شملت اسماء سور القرآن اسماء الاماكن واسماء الحيوانات واسماء الحشرات واسماء الازمنة مثل الليل والضحي والفجر واسماء الظواهر الطبيعية مثل الرعد وهذا يدل علي شمول القرآن العظيم.

واشار الي ان سورة ابراهيم تبدأ بقوله تعالي بعد البسملة ألر كتاب انزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد .

الحروب المقطعة

وبين د. القرضاوي أن ألر حروف مقطعة بدئت بها عدة سور من سور القرآن الكريم وقد اختلف المفسرون في بيان معناها وعلام تدل وقد ذكرنا ذلك في تفسير سورة الرعد ولانريد ان نعيد ما قلناه هناك لكن خلاصة ما رجحه المفسرون ان هذه الاحرف المقطعة: أم ،ألر ،كهيعص، طسم،حم،طه، يس، ص،ق،ن، إلي أخره،هذه الحروف مما ينطق به العرب في كلامهم وهي التي جاء بها القرآن الذي عجزوا ان يأتوا بحديث من مثله أو عشر سور مفتريات او بسورة مثله وهذا القرآن مؤلف من هذه الحروف فكأن هذه الحروف اشارة الي الاعجاز القرآني فما الذي اعجزكم ايها العرب وانتم فرسان البلاغة والفصاحة وانتم رجال الشعر والأدب

والبيان، ما الذي أعجزكم أن تأتوا بمثل هذا القرآن، الذي تحداكم محمد أن تأتوا بسورة من مثله ولذا فإن هذا القرآن لا يمكن إلا أن يكون من عند الله عز وجل.

وقال إذا سلمنا بأن بدايات السور بالأحرف المقطعة اشارة للاعجاز القرآني فإنه يبقي هناك أمر وهو لماذا اختار الله تعالي بعض الحروف ليبدأ بها السور ولماذا اختار لهذه السورة حم وللأخري طس، ولماذا بدأت بعض السور بحرف واحد مثل ق واحيانا بحرفين مثل حم وطس وطه ويس، وأكد ان اسمي طه ويس ليسا من أسماء النبي صلي الله عليه وسلم، كما يسمي البعض ابناءهم بهذين الاسمين ظنا انهما من اسماء النبي وهما ليسا كذلك ف يس مثل طس، وكذلك طه، فهي حرفا الطاء والهاء، وهناك سور بدأت بثلاثة حروف مثل ألم، وأخري بدأت بأربعة مثل المر، ومن سور القرآن ما بديء بخمسة حروف مثل حم. عسق، كهيعص، وكذلك لماذا بدأت هذه السورة التي نعيش في رحابها ب ألر ثلاثة حروف، ولم تكن طسم ولذلك فإننا لا يمكننا إلا أن نقول الله أعلم بمراده، ومهما حاولنا فلن نستطيع تفسير لماذا بدأت هذه السورة بحرف واحد ولم تبدأ باثنين أو ثلاثة ولماذا بدأت بحرف دون غيره من الحروف

المتعالمون

وأوضح ان ألر كتاب أنزلناه إليك مقصود بها أن هذا القرآن الذي تتلوه علي الناس لتبينه لهم، كتاب أنزلناه اليك، وللأسف فهناك بعض المتعالمين الذين يعيشون في فرنسا ويدعون علم اللسانيات والعلوم الحديثة يقولون عن القرآن نص شفهي، وهذا ليس بصحيح، فالقرآن نص مكتوب، وقد سماه الله قرآنا وسماه كتابا، فهو قرآن لأنه يقرأ وكتاب لأنه يكتب، ومنذ أن نزل الوحي علي النبي صلي الله عليه وسلم وهناك كتاب للوحي يأمرهم أن يسجلوه علي ما تيسر لهم من مواد يمكن أن تسجل فيها الكتابة، وقد كان للقرآن كتاب عديدون يكتبونه فور نزوله، ولذلك يقول الله تبارك وتعالي: ألر. تلك آيات الكتاب الحكيم، وكذلك: ألر. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير الي آخر ما ذكر في القرآن الكريم، واشار الي أن القرآن كتاب وهذه حقيقة معروفة وقد كتب منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم وان لم يجمع في مصحف واحد، لأن القرآن كان يتنزل علي النبي صلي الله عليه وسلم وجبريل رواح غداء علي النبي يطلب منه ان يضع آية كذا في سورة كذا، فكيف يجمع في مصحف واحد وما زال القرآن ينزل، لكن بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم جمع القرآن الكريم كله في صحف مرتبة ووضع في بيت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، لكن لما اختلف الناس في القراءات نتيجة الأحرف التي نزل بها القرآن واختلفت لغات القبائل بعضها مع بعض وهذا يقول قرآني أفضل من قرآنك، جمع سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه الناس علي مصحف واحد، باستشارة الصحابة واجماعهم، وما زال القرآن الذي كتب علي عهد عثمان وبإقرار الصحابة جميعا ما زال هو الذي نقرأه الآن، فهو كتاب الله تعالي، ونحن في أصول الفقه نقول مصدرنا الأول هو الكتاب، وقلما نقول القرآن.

الكتاب هو القرآن

تغيير هندسي

وقال: إن الذي عليه أهل الحق ان القرآن هو الكتاب والكتاب هو القرآن لا فرق بينهما، وقد زعم مهندس سوري ان الكتاب غير القرآن وان الذكر غيرهما أيضا والفرقان شيء غيرهم جميعا، وألف في ذلك كتابا وأخذ يفصل فيه ويدور علي هذا المعني وذلك، ويحدد لكل لفظ خصائص معينة في تكلف، وهذا كذب، فالقرآن هو الكتاب وهو الذكر وهو الفرقان، والله تعالي يقول في سورة يوسف: ألر. تلك آيات الكتاب المبين. إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وفي سورة فصلت: حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون فماذا يقول هؤلاء المتعالمون الذين جاءوا بما لم يقل به عالم طوال أربعة عشر قرنا من الزمان ويزعمون انهم هم الذين يفهمون القرآن بفهم جديد غير الذي فهمه به محمد صلي الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

وبين د.القرضاوي ان القرآن والكتاب والذكر والفرقان جميعها شيء واحد، فالاسماء وان كان لها مدلولات مختلفة لكنها تصدق علي شيء واحد، فالسيف له العديد من الاسماء مثل الحسام الصارم البتار وهي تختلف في مدلولاتها لكنها جميعا تصدق علي شيء واحد وهو السيف، ونجد في سورة فصلت وفي سياق واحد قوله تعالي: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ثم أتبع هذه الآية بقوله تعالي: ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته اعجمي وعربي فهؤلاء الذين يأتوننا بأشياء لا دليل عليها ولا برهان قطعيا لديهم، هم يخالفون الأمة كلها ويخالفون جمهور الأمة علي مدي عصورها من مفسرين وفقهاء ومحدثين ومتكلمين وكل علماء الأمة ويأتي هؤلاء ليخالفوهم زاعمين انهم وحدهم الذين يملكون الصواب والحقيقة.

نزول القرآن

وعلق علي قوله تعالي: كتاب أنزلناه إليك فذكر ان الله سبحانه يتحدث عن نفسه في هذه الآية بلغة التعظيم ومن أعظم من الله سبحانه وتعالي، كتاب أنزلناه اليك والنزول حركة من الأعلي الي الاسفل فالقرآن ان نزل من السماء الي الارض، بل نزل من أعلي الملا من اللوح المحفوظ الي السماء الدنيا ومن الله الي الخلق، والحق يقول: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم وقد وصف الله سبحانه القرآن بصفاته العلا ففي هذه الآية القرآن علي حكيم وفي آيات أخري وصف القرآن بأنه مجيد وعزيز ومتين، وقد وصف بعدة أسماء مما سمي به الله عز وجل.

ومعني انزلناه أي من اللوح المحفوظ الي السماء الدنيا وهذا قول بن عباس رضي الله عنه، وقد صح عنه من عدة طرق ان القرآن نزل أول ما نزل من اللوح المحفوظ الي السماء الدنيا، وقول ابن عباس هذا لا يمكن ان يقوله من رأيه، فكيف يعرف هذا، فهو من انباء الغيب، ولذلك قالوا إذا قال الصحابي رأيا أو تفسيرا لا مجال للرأي فيه ولم يكن ممن عرف بالأخذ عن أهل الكتاب اعتبر هذا الحديث الموقوفعلي الصحابي في حكم المرفوع الي النبي صلي الله عليه وسلم، نحن نقول إن القرآن نزل من اللوح المحفوظ الي السماء الدنيا في ليلة القدر التي هي ليلة نزول القرآن من أعلي عليين. وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن نزول القرآن في ليلة القدر وقد نزل في رمضان وشوال وغيرهما من الشهور. علي مدي سنوات نزوله، فقال انه نزل أول ما نزل في رمضان، وقد قال البعض ممن لم يقتنعوا بهذا التفسير أنزلناه ابتدأنا إنزاله، وقد قال بعضهم ان ليلة السابع عشر من رمضان هي ليلة القدر حيث نزل فيها أول ما نزل في القرآن اقرأ باسم ربك الذي خلق، لكننا نميل إلي قول ابن عباس من أن القرآن نزل أولا الي السماء الدنيا جملة ثم بدأ في النزول منجما حسب الوقائع والحوادث في حوالي ثلاث وعشرين سنة يعلم الناس ويهديهم في حياتهم، ويحل مشكلات الأمة الجديدة التي يبنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي الحق وقرأنا فرقناه لتقرأه علي الناس علي مكث ونزلناه تنزيلا، فالأول إنزال من اللوح المحفوظ إلي السماء الدنيا، والثاني تنزيل حسب الوقائع والأحداث وتفعيل تدل علي الكثرة.

العمل

ومعني: كتاب أنزلناه إليك يا محمد لم تنشئه أنت، ولم تصنعه، وقد أنزل عليك ليس لك إلا أن تتلقاه، سنقرئك فلا تنسي وتحفظه وتبلغه إلي الأمة وتبينه للناس، وتطبعه، فالبيان ليس بالقول وإنما بالعمل، والرسول قد أنزل عليه الكتاب لا دخل له فيه وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب والإيمان ولم يكن الرسول صلي الله عليه وسلم يتوقع نزول الكتاب إليه، ولذلك فلما نزل اليه جبريل وضمه إليه وغطه بقوة وقال له اقرأ فكان جوابه: ما أنا بقاريء، فقال له جبريل: اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلمفعاد الي خديجة رضي الله عنها وجسمه يرتعد ويقول: زملوني زملوني دثروني دثروني، فما كان يتوقعه ولا ينتظره ولا دخل له فيه، وقد ابطأ عليه الوحي أحيانا، فلا يستطيع أن يفعل شيئا بل ينتظر حتي ينزل عليه الوحي.

إنزال الكتاب

وأشار الي أن الحق تبارك وتعالي حدد الهدف من إنزال الكتاب الي محمد صلي الله عليه وسلم بقوله كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد أي أن الهدف من إنزال الكتاب إخراج الناس من الظلمات الي النور، أي لتهدي الناس بهذا الكتاب من ضلالاتهم التي عرفوا فيها، فالناس ضلوا ضلالات كثيرة، وعبدوا من دون الله آلهة لا تبصر ولا تسمع ولا تعطي ولا تمنع ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا. وقد ضلوا سواء السبيل في عقائدهم وعباداتهم وفي معاملاتهم، وأدوا بناتهم وقتلوا أولادهم خشية إملاق، شربوا وسكروا واقترفوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وافترس الأقوياء الضعفاء وتجبر السادة علي العبيد، وقد أنزل الله تبارك وتعالي الكتاب علي محمد والحال هكذا ليخرج الناس من هذه الضلالات والظلمات الي النور.

وبين د. القرضاوي أن الله تعالي قد أنزل الكتاب علي الرسول صلي الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات الي النور، ليخرج الناس كل الناس، لا ليخرج العرب وحدهم أو قومه فقط، وإنما ليخرج الناس عامة، وقد جاءت الرسل لإخراج أقوامهم فقط، وجاء رسولنا ليخرج الناس عامة من الظلمات الي النور وهذه من خصائصه صلي الله عليه وسلم، وقد عدد رسول الله صلي الله عليه وسلم خصائصه فكان منها قوله: وكان كل يبعث الي قومه خاصة وبعثت للناس كافة ولذلك لم يقل القرآن هنا لتخرج قومك، وإنما قال لتخرج الناس كل الناس العرب والعجم، أهل الشرق وأهل الغرب جميعا.

الظلمات والنور

ولأن الضلالات كانت كثيرة والظلمات عديدة فقد جاء قوله تعالي: لتخرج الناس من الظلمات الي النور جمع الظلمة وأفرد النور، ولم يقل من الظلمة إلي النور أو من الظلمات الي الأنوار، لأن الظلمات تمثل الضلالات، وضلالات الناس وأباطيلهم شتي، وليست شيئا واحدا، فهناك ألف باطل وباطل، وإنما الحق واحد لا يتعدد، وأبواب الضلالات عديدة وباب الحق واحد والمضلون كثيرون والهدي واحد هو الله سبحانه وتعالي، ولذلك وردت كلمة الظلمات في كثير من آيات القرآن الكريم، فالظلمات كثيرة والباطل كثير الألوان والأنواع، ولكن الحق واحد ومصدره واحد هو الله سبحانه وتعالي.

متابعة

وأوضح أن هداية الناس يلزمها هداة يبذلون الجهد والمال والتضحيات في سبيل إخراج الناس من الظلمات الي النور، فالناس لن يخرجوا من الظلمات الي النور بمجرد أن يتلي عليهم القرآن وإنما يحتاجون الي جهد جهيد لإخراجهم من الظلمات الي النور، يحتاجون الي دعوة الي ترغيب الي ترهيب الي تخويف ومتابعة، وهذا ما كان عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم، وقد كان يعايش الناس وكان لهم أسوة حسنة في كل أمور حياتهم، وكل يجد الأسوة الحسنة فيها، فالشاب يجد الأسوة الحسنة في مرحلة شبابه صلي الله عليه وسلم والشيخ يجد، والمتزوج والعزب والغني والفقير والمحارب والمسالم والمسافر والمقيم وكل الناس يجد في رسول الله صلي الله عليه وسلم أسوة حسنة.

وبين أن عملية إخراج الناس من الظلمات الي النور مع ما تتطلبه من بذل الجهد وتحمل تبعاتها إلا أنها لا تتم الا باذن الله تعالي: لتخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم فلولا أن الله تعالي يشد أزره ويوفقه ما استطاع أن يهدي أحدا، فالداعي عليه أن يبين للناس وينصحهم ويخلص في النصيحة ويجتهد في دعوته ومع كل ذلك لابد أن يوقن أن الهداية من الله تبارك وتعالي، فدون توفيق الله للخلق لن يهتدي أحد.

مهمة الرسول

وأوضح أن مهمة الرسول الذي أنزل اليه الكتاب أن يخرج الناس من الظلمات الي النور وأن يعلمهم من جهالة ويهديهم من ضلالة، يخرجهم من ظلمات الشرك الي نور التوحيد ومن ظلمات الكفر إلي نور الإيمان ومن ظلمات الرذيلة إلي نور الفضيلة ومن ظلمات الجهل إلي نور العلم ومن ظلمات الانحراف إلي نور الاستقامة ومن ظلمات الباطل إلي نور الحق ومن ظلمات الطاغوت إلي نور الحق تبارك وتعالي وهو سبحانه أساس النور في هذا الكون الله نور السماوات والأرض ، وعلي الرسول مهمة أن يخرج الناس من ظلمات الفكر وظلمات الاعتقاد وظلمات الفكر والتقاليد وظلمات الأنظمة الطاغية، ليخرجهم من كل هذه الظلمات إلي نور الإسلام، وذلك كله بإذن الله تعالي.

950مرة

وبين فضيلته أن كلمة ربهم ذكرت في هذه الآية للدلالة علي السيادة المطلقة لله تعالي، وقد ذكرت كلمة الرب في القرآن الكريم مضافة إلي الضمائر أكثر من تسعمائة وخمسين مرة، وهي تدل علي الملكية وعلي الرعاية، رعاية الشيء حتي يبلغ كماله المقدر لمثله.

وأشار إلي أن النور الذي أنزل الله سبحانه وتعالي كتابه علي رسوله ليخرج به الناس من الظلمات إليه هو صراط الله العزيز الحميد، وهذا من البدل، بدل كل من كل، أي أن هذا النور هو صراط الله العزيز الحميد، تنقل الناس من الضلالات والأباطيل، والمفاسد والرذائل إلي النور الذي هو صراط الله العزيز الحميد، والصراط هو الطريق المستقيم الواسع، وهو الذي ذكره الله سبحانه وتعالي في سورة الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم والصراط هو صراط الله وأحيانا يضاف إلي سالكيه صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، وأحيانا يضاف إلي الرسول الداعي إليه وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وأحيانا يضاف إلي من شرع هذا الصراط وغاية هذا الصراط، وان إلي ربك المنتهي فالصراط هو الموصل إلي رضوان الله تعالي وهناك من الطرق ما يوصل إلي سخط الله وإلي عذاب الله، وهي سبل علي رأس كل منها شيطان يدعو إليها كل من اتبعه، لكن الصراط هو الذي يوصل إلي رضوان الله تعالي وإلي جنته، صراط العزيز الحميد

الجلال والجمال

ولفت إلي أن الحق تبارك وتعالي قد اختار أن يصف الصراط بأنه صراط العزيز الحميد، لدلالة علي العزة والقوة والغلبة، فالعزيز هو المنيع الذي لا يغلبه شيء ولا يعجزه شيء لا في الأرض ولا في السماء، والحميد المحمود علي كل حال، المحمود في ذاته والمحمود في صفاته والمحمود في أفعاله، وهذان الاسمان يمثلان أسماء الجلال وأسماء الجمال، ولله سبحانه وتعالي أسماء الجلال وأسماء الجمال، والعزيز من أسماء الجلال والحميد من أسماء الجمال، والعزيز يمثل الملك والحميد يمثل الحمد، والله سبحانه هو الوحيد الذي له الملك وله الحمد، فهناك الكثيرون الذين لهم الملك لكن ليس لهم الحمد، لهم التسلط والجبروت علي عباد الله يستذلون الضعفاء ويتسلطون علي المساكين والفقراء لكنهم ليسوا محمودين

أسماء الجلال والجمال.

وأشار إلي أن القرآن الكريم دائما يقرن أسماء الجلال لله تبارك وتعالي بأسماء الجمال وفي الآية ذكر القرآن اسم الله العزيز مقترنا بالحميد، ثم قرن في نفس السورة اسم العزيز بالحكيم، وكثيرا ما ورد في القرآن اسم العزيز مقترنا باسم الحكيم، ولكن هناك العزيز الغفور العزيز الرحيم، ومن يتأمل أسماء الله تعالي التي وردت في القرآن مقترنة بعضها ببعض يجد حكمة من وراء اقتران هذه الأسماء بعضها ببعض، وقد تكون الحكمة واضحة وقد تحتاج إلي مزيد من التأمل، وقد توقف بعض المفسرين عند قوله تعالي علي لسان عيسي عليه السلام عن قومه: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، وإنما قال عيسي ذلك للدلالة علي أن الله سبحانه إذا غفر لهم فإن المغفرة لن تكون عن ضعف وإنما عن عزة وقوة، بحكمة تضع الأشياء في مواضعها، وكذلك في قوله تعالي: لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم فتأليف القلوب المتنافرة يتطلب العزة والحكمة، إذ كيف تؤلف بين قلوب الناس وكل واحد منهم له مطالبه الخاصة التي ربما تتعارض مع مطالب الآخرين ولذا اقتضت العزة والحكمة.
الراية

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 05:42 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/36651.htm