المؤتمر نت - .
د. إبراهيم عباس* -
لماذا يحقق انضمام اليمن للمجلس مصلحة الطرفين ؟
ليس بوسع أحد التقليل من أهمية الواقع التاريخي والحضاري والجغرافي لشبه الجزيرة العربية كون هذا الواقع يضرب في أصوله في أعماق التاريخ بانسجام وتناغم اللغة والأعراف والعادات والتقاليد في إطار وشيجة القربى وآصرة الدم ورابطة المصير الواحد ، وهو ما يجعل انضمام اليمن لدول مجلس التعاون خطوة لابد من تحقيقها لما يمكن أن تؤدي اليه تلك الخطوة من تحقيق لمصالح وآمال الطرفين على كافة الصعد ، وعلى الأخص على الصعيدين الاستراتيجي والأمني. ولذا لم يكن قرار قمة مسقط الثانية والعشرين لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تضمن موافقة دول المجلس على الانضمام الجزئي لليمن إلى عضوية المجلس مفاجئًا كونه يلبي بالدرجة الأولى متطلبات المرحلة بكل ما يصاحبها من تحديات .

وصحيح أن عملية الانضمام تتم على نار هادئة ، وحيث بدأت بموافقة المجلس على انضمام اليمن إلى عضوية كل من مكتب التربية والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية ودورة كأس الخليج في تلك القمة (قمة مسقط) ، إلا أن تلك الخطوة اعتبرت في نظر العديد من المراقبين بأنها تتم في الاتجاه الصحيح ، خاصة في ظل تتابع تلك الخطوات والتي كان أبرزها قبول عضوية اليمن في هيئة التقييس الخليجية واتخاذ قادة دول المجلس في قمة أبو ظبي قراراً بمساندة وتأهيل اليمن اقتصادياً ودعم تمويل المشاريع التنموية في اليمن ، والتوجيه لعقد مؤتمر لاستكشاف فرص الاستثمار في الجمهورية اليمنية، فضلاً عن النتائج التي خرج بها اجتماع مجلس وزراء خارجية المجلس في الرياض أوائل شهر مارس 2006 وما تمخض عنه من تبني الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ورعايتها مؤتمراً دولياً للمانحين حول اليمن تم عقده بالفعل في لندن في نوفمبر 2006 الماضي وذلك بهدف مساعدة اليمن في مشاريعه التنموية التي تؤهله للانضمام إلى المجلس.

روابط متينة

ربطت الأنشطة التجارية الإقليمية والقطرية والواقع الجغرافي المتميز اللذين يربطان حركة الملاحة العالمية بين الشرق والغرب عبر البحر العربي والبحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي – ربطت تلك الأنشطة بين دول شبه الجزيرة العربية وعززت علاقات الأخوة والتعاون بينها منذ عشرات القرون ، ويكفي الإشارة بهذا الصدد إلى قوله تعالى : (لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) . فهذه الآيات الكريمة تبرز النموذج الاقتصادي القائم على التبادل التجاري والتكامل المعيشي داخل الجزيرة العربية في صورة القوافل التجارية من اليمن إلى مكة المكرمة والعكس.

ومن ناحية ثانية تبرز صورة هذه الأنشطة الاقتصادية والتجارية التي ربطت أجزاء الجزيرة العربية قديماً في الطريق التجاري المشهور بـ (طريق البخور) الذي يبدأ من السواحل اليمنية الجنوبية في عدن وحضرموت مروراً بمأرب والجوف وصنعاء حتى مكة المكرمة والمدينة المنورة وصولاً إلى شمال الجزيرة العربية وشرقاً إلى سواحل الخليج العربي.

أما في العصر الحديث فيتمثل هذا النشاط في تدفق مئات الآلاف من الأيدي العاملة نحو البلدان الخليجية ومشاركتها الواسعة والإيجابية في بناء النهضة الخليجية المعاصرة ، إلى جانب تعزيزها لحركة تنقل البضائع والأفراد بينها وبما أدى إلى تفعيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأبناء شبه الجزيرة العربية .

البعد الاقتصادي

هنالك من يرى أن الدول الخليجية تمثل شريكاً تجارياً هامًا بالنسبة لليمن، حيث تستحوذ على النصيب الأكبر من وارداته من السلع المختلفة، كما تشكل سوقاً مهماً للصادرات اليمنية غير النفطية وبالأخص السلع الزراعية . وقد احتل مجلس التعاون الخليجي المرتبة الأولى خلال السنوات (2000 – 2004) في قائمة الكتل التجارية المصدرة إلى اليمن، ووصلت قيمة الصادرات الخليجية إلى السوق اليمنية 245 مليار ريال بنسبة 33.3 في المائة من إجمالي واردات اليمن تليه مجموعة البلدان الآسيوية غير العربية بقيمة 179 مليار ريال وبنسبة 24.3 في المائة ثم المجموعة الاقتصادية الأوروبية ثم مجموعة البلدان الأمريكية ثم بقية الدول العربية بمبلغ 36.5 مليار ريال ونسبة 5 في المائة، أما في مجال الصادرات اليمنية فإن مجموعة البلدان الآسيوية غير العربية لا تزال تحتل المرتبة الأولى خلال الفترة نفسها، حيث بلغت قيمة الصادرات اليمنية إليها خلال عام 2004 / 547 مليار ريال (قرابة 3 مليارات دولار) وبنسبة 73 في المائة ثم مجلس التعاون الخليجي بقيمة للصادرات تصل إلى 50 مليار ريال( 6.6 في المائة من إجمالي صادرات اليمن).

ومن ناحية ثانية تبدو أهمية الأسواق الخليجية بالنسبة للصادرات اليمنية من حيث كونها أهم الأسواق الخارجية استيعاباً للصادرات اليمنية غير النفطية - عكس الأسواق الآسيوية التي يمثل النفط الخام السلعة الرئيسية المصدرة إليها، وبالتالي فإن الإمكانيات متاحة أمام اليمن لزيادة صادراته غير النفطية لتصحيح الخلل في ميزان التبادلات التجارية ، بشرط العمل على تطوير وتحسين جودة المنتجات المصدرة والاهتمام بتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لعملية تصدير هذه المنتجات وعلى رأسها توفير المؤسسات اللازمة لإعداد المنتجات وتجهيزها بالصورة المناسبة من تغليف وتعبئة وفرز فضلاً عن توفير خطوط النقل المختلفة (برية ـ بحرية ـ جوية) اللازمة لنقل هذه المنتجات.وغنى عن القول ان اليمن في حاجة ماسة على تطوير وتنمية اقتصادياته حتى يمكنه ذلك من الاندماج الكلي بالاقتصاديات الخليجية ، لأن العقبة الاقتصادية ، إلى جانب القات – هي العقبة الرئيسة التي تعرقل الانضمام الكامل لليمن في عضوية المجلس ، وحيث يبدو من الواضح أن دعم اقتصاد اليمن يعتبر في ذات الوقت دعم للاقتصاد الخليجي ، وهو ما دفع المملكة إلى أن تتكفل بثلث حجم المساعدات التي قدمتها الدول المانحة لليمن في مؤتمر لندن (أكثر من مليار دولار) . ويحتاج اليمن ، وبالدرجة الأولى ، للنهوض باقتصاده إلى التخفيف من البطالة والحد من الفقر من خلال التوسع في إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة جنبًا إلى جنب مع المشاريع الكبرى .

الدور السعودي

لا شك أن انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون الذي أصبح مسألة وقت فقط يمر عبر المملكة باعتبارها الشقيق الأكبر لدول مجلس التعاون ، وأيضًا باعتبارها الداعم الأكبر للمشاريع الإنمائية اليمنية . وهو ما عكسه تصريح أحد المسؤولين اليمنيين بقوله إن السعودية هي قاطرة اليمن نحو مجلس التعاون . وقد تزايدت تلك الآمال والتطلعات نحو الرياض لتحقيق اليمن لهذه الغاية منذ التوقيع بين البلدين الشقيقين على خارطة ترسيم الحدود النهائية بينهما عام 2000 ، كما تأكدت عبر تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في وقت سابق من هذا العام التي أعرب فيها عن تمنياته بانضمام اليمن إلى عضوية المجلس باعتبارها جزءا من النسيج الخليجي وأن عملية (التأهيل) ستقود حتمًا إلى انضمام اليمن إلى المنظومة الخليجية . واهتمام المملكة بالتأهيل الاقتصادي لليمن الشقيق والذي عبر عن نفسه أصدق تعبير من خلال حجم الدعم الذي قدمته لصنعاء خلال مؤتمر الدول المانحة – هذا الاهتمام ينبع من إيمان المملكة بأن يَمناً آمناً ومستقراً ومزدهراً يحقق المصلحة السعودية اليمنية المشتركة في استقرار المنطقة ككل. ويلعب الدور الامني دوراً كبيراً في العلاقات بين البلدين وهو ما يتمثل في عدد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي وزراء الداخلية في البلدين وتوقيعهما في يوليو 2003 على 7 اتفاقيات تأتي في مقدمتها الاتفاقية التي تتعلق بالتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب وعمليات التنسيق الأمني بين الرياض وصنعاء التي لا تنقطع سواء من خلال ملاحقة المجموعات الإرهابية أو تبادل المطلوبين أمنيًا .

البعد الاستراتيجي

لا شك أن وجود اليمن في منطقة استراتيجية هامة في جنوب الجزيرة العربية وإطلالها على باب المندب ، وما تتمتع به من موارد بشرية هائلة وإمكانات اقتصادية واعدة ، إلى جانب تشكيلها العمق الاستراتيجي لدول المجلس جنوبًا - كما هم عمق استراتيجي لها شمالاً - هذه الحقائق التي يدعمها واقع الجغرافيا ومنطق السياسة وشواهد التاريخ تؤكد على أهمية انضمام اليمن إلى المنظومة الخليجية في المنظور القريب ، خاصة في ظل التحدي الأمني والإرهابي المتزايد الذي يواجه المنطقة .ويبقى من الواضح تمامًا أن تعزيز العلاقات الخليجية اليمنية على كافة الصعد والمجالات يعتبر خطوة هامة على طريق الانخراط الكامل لليمن في عضوية المجلس ، إلى جانب ما يشكله من تعزيز للأمن الخليجي – اليمني المشترك في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة .

*جريدة المدينة
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 01-نوفمبر-2024 الساعة: 03:05 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/37639.htm