المؤتمر نت - الحقوق والحريات في اليمن
هشام سعيد شمسان: -
الحقوق والحريات في اليمن .. تحديات الموروث
إذا كان هذا الكتاب، يعتبره صاحبه " مجهوداً متواضعاً. لا يدعي من خلاله " سذاجة الاكتمال" بحسب تعبيره، فإنني أحسبه من الأعمال التي تضيف إلى المكتبة اليمنية السياسية سفراً، يلفت الأنظار. يكفي صاحبه أنه قدم بهذا الجهد التحليلي، والتوثيقي المهم لمراحل سياسية تناثرت مصادرها بين نثار من الكتب، والمجلات، والصحف؛ بحيث كان الكتاب – بجزئيه - أدعى بالفعل لأن " يفتح أبواب التفكير، وتوجيه الاهتمام إلى الوجهة التي تساعدنا على السير، وصولاً إلى بناء مجتمع أكثر استقراراً وأمناً وإقامة نظام أكثر اقتداراً على تحرير الإنسان من حالة العوز، والفقر المادي، والمعنوي " .. ولذا جاءت هيكلية الجزء الأول من الكتاب دائرة حول " ماهية المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام تجسيد النصوص، والتشريعات الخاصة بالحقوق والحريات وإشكالياتها في ضوء تراكمات الأحداث التاريخية التي ما تزال تحتل – برأي الباحث – منزلة فائقة في الوعي " السياسي العام، وما زالت تهيمن على حاضر المجتمع، ومستقبل الأمة.
الكتاب –بجزئية -وصفحاته التي تفوق الـ(800) صفحة والمهدى إلى مناضلين يمنيين هما: علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض- باعتبارهما شخصين مؤثرين في أحداث تاريخية حيوية ومنها الوحدة اليمنية 1990م -قسمه الكاتب طارش محمد قحطان إلى تسعة أقسام وكل قسم منها يتألف من عدة فصول تصل بعضها إلى التسعة ، وهو ما يفسِّر الجهد الباذخ الذي بذله الباحث في سبيل الوصول إلى مادة الكتاب، وتحليل مكوناتها؛ مستنداً إلى موثقات، ومصادر كثيرة، ثبتها الكاتب نهاية كل قسم من الأقسام التسعة.
وسنقتصر – هنا – على استعراض مادة الجزء الأول، لأهميته، وأولوية متنه.



الكتاب الأول:
في مقدمة هذا الجزء، يحاول الباحث أن يجمل المحتوى التأليفي للكتاب، عبر مقدمة قصيرة، ركز فيها على أهمية اعتبار ما قام به، بأنه لا يمثل سوى "دعوة متواضعة إلى فهم الماضي، وتراكمات أحداثه فهماً كاملاً على أساس تحليل المؤثرات الكلية التي ولَّدت ثقافة سلوكية لدى الإنسان اليمني.. وهو كذلك ليس سوى دعوة للتمرد، والثورة على النفس، وعلى الواقع بكل إكراهاته، لتخطي الحواجز النفسية والتاريخية السلطوية.. وهو – كذلك – تحريض للإنسان اليمني لينتصر لنفسه بالانتصار على مخاوفه الباطنية.. مضيفاً بأنه – أي الكتاب " مشروع أسئلة عما سنورثه لأبنائنا، ولمن يلينا، حتى لا تدفع – كما يقول – أجيال الغد ثمن أخطاء الماضي، وتراكماته، وسلبيات الحاضر، وإفرازاته.
الكتاب احتوى على أقسام خمسة و أكثر من خمس وعشرين فصلاً، بدأها بالأسس التاريخية والفلسفية للحقوق، والحريات، والتشكل التاريخي لمفهوم حقوق الإنسان، وعالمية الاهتمام بها؛ متوقفاً عند مفهوم الحقوق في اللغة، ثم لدى المدارس التاريخية، والحديثة كما في المدرسة النفعية، والقانونية، والسياسية، ومدرسة الإسلام، متناولاً المؤثرات السلبية على حقوق الإنسان مختيراً الحالة العربية نموذجاً، وممثلاً بالديمقراطية مساراً.
القسم الثاني من الكتاب، ينتقل من خلاله الباحث إلى الحالة اليمنية – بعد تمهيد سابق لمفاهيم الحقوق، والحريات في العالم، والوطن العربي، وكيفية تشكلها عبر العقود؛ حيث يتناول إشكالية الحقوق والحريات في اليمن من واجهة " إشكالية الماضي التي تقف حجر عثرة في طريق الإنسان، وتحديات الموروث التربوي والتقاليدي العام للإنسان" بادئاً بالسمات والمكونات العامة للمجتمع اليمني، حيث القبيلة " بخصائصها، وسماتها، وأهدافها، ومنظومة القيم والأعراف، والتقاليد، تعد – برأي الباحث – المكون الأبرز للمجتمع اليمني؛ لأنها " أي القبيلة" كانت وما زالت أداة من أهم أدوات الصراع، والوسيلة المثلى للوصول إلى السلطة، واحتكارها. وعلى ضوء ذلك يعتبر الباحث بأن الإطار السياسي اليمني تميز بالثأرية التي تتبدى – برأيه – في هيئة حروب قبلية، مما يؤيد أن مفهوم السلطة، و الشرعية كان في الماضي نابعاً من الانتماء القبلي والعشائري.. وعلى ضوء ذلك يؤكد الباحث بأن مسألة الحقوق والحريات في اليمن – وعلى امتداد عصور طويلة" عانت من أمراض عدة بسبب هذه العصبية: القبلية، والدينية، والمذهبية، والتي تلفعت بها النظم السياسية المختلفة التي تعاقبت على حكم البلاد، والمعتمدة على البطش والتنكيل سبيلاً لإرساء هيبتها، ومثَّل الكاتب لتلك الأنظمة البطشية بمراحل تاريخية لعدة، امتدت إلى عصور مختلفة كالعصر الأموي والعباسي، والدويلات المحلية، ثم الحكم الإمامي في اليمن، ودخول الزيدية إلى اليمن، خالصاً إلى أن السلطة في اليمن قامت – في أصولها التاريخية – على العصبية القبلية، أو المذهبية، وهو الأمر الذي أثر كثيراً على ثقافة الحقوق والحريات خلال تلك العصور وما تلاها.

الحقوق والحريات، وتحولات مطلع القرن:
يعتبر الكاتب بأن الفترة (1900 - ) كانت بداية لاستقرار مفاهيم الحقوق والحريات، وذلك " بصيغ ناضجة لدى رواد النهضة العربية الذين ربطوا المواطنة بالحقوق العامة؛ معتبرين بأن انتماء الفرد للوطن يعني تمتعه بحقوق المواطنة".. وعن الحالة اليمنية يلفت " طارش" إلى أن العقود الأولى من هذه الفترة بلورت -لدى اليمنيين -مفاهيم تتسق مع التطورات العالمية فبدأت الأحزاب والحركات إلى الظهور، وهو الأمر الذي جعل من قضية الحقوق والحريات محل بؤرة في المجال السياسي والديني، حيث يؤكد الباحث بأن العام 1934م شهد نشوء أولى المنظمات المدنية في اليمن، وتكونت فيه عدد من التجمعات الأدبية والاجتماعية التي اتخذت طابعاً سرياً.
ومن الشمال (شمال اليمن) انتقل بعض الناشطين إلى الجنوب، وكونوا عدداً من المنظمات السياسية ومنها: حزب الأحرار 1944م والجمعية اليمنية الكبرى 1946م، والاتحاد اليمني. وكذلك قل عن "تشكُّل الصحافة -التي تعد برأي المؤلف –جزءاً حيوياً لمعرفة أوضاع الحقوق والحريات في أي حقبة تاريخية".
وقد أجمل الباحث ظاهر الحريات والحقوق العامة التي تشكلت في اليمن – لا سيما جنوبه -بالآتي:
- قيام المنظمات الأهلية ، والغير حكومية؛ ففي عام (1902) تأسس أولى نادٍ للتنس العدني.
- الجمعيات والنقابات العمالية؛ ففي عام (1942) صدر قانون النقابات (عدن).
- الأحزاب والتنظيمات السياسية ( نهاية الأربعينات، ومطلع الخمسينات) (عدن).
- قضايا المرأة؛ ففي عام (1960) تأسست أول جمعية تعني بالمرأة (عدن).
- الصحافة والحريات والتعبير ( أدخلت آلة الطباعة إلى اليمن عام 1953م) ( عدن).
يشير صاحب كتاب الحقوق والحريات في اليمن إلى أن نشوء نحو هذه المظاهر من الحقوق والحريات العامة" ولَّدت لدى الطامحين ضرورة التغيير في حياة المجتمع اليمني والسلطة السياسية، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور نخبة مستفيدة – فيما بعد - حملت مشاعل المعارضة لحكم الإمام يحيى ( شمال الوطن)، وإرساء قيم المقاومة الوطنية فيما بعد (جنوب الوطن). ويعتبر ( الميثاق الوطني المقدس) أهم وثيقة نظرية يمكن من خلالها الوقوف على تطلعات حركة المعارضة، ومواقفها من الحقوق، والحريات. وتكمن أهمية نحو هذه الوثيقة – بنظر المؤلف – في أنها تعد أول سابقة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة 1948م".
وعن أهمية نتائج هذه المعارضة فقد تمثلت في ثور 48م ودورها في الوعي العام اليمني، إذ يرى الباحث أن هذه الثورة رسخت في الناس الاتفاق على التغيير بحتمية الظروف؛ حيث بدأ المثقفون من مطلع الخمسينيات إلى الثورة عام 1962م أشد طموحاً إلى التغيير ".


الحقوق والحريات، وبشائر التغيير:
إذا كان الباحث ينزع إلى إثبات أن ثورة 1948م كانت الساعية الأولى لتأكيد مبادئ الحقوق والحريات والإقرار بمبدأ المساواة، وإقامة العدل، والديمقراطية.. وغير ذلك من الحقوق ؛ فإنه – بالمقابل – يعد ثورة أيلول/ سبتمبر 62، العلامة الفاصلة بين زمنين: الجهل، والقهر، والميلاد الجديد الذي حمل بشائر جديدة متحررة من علاقات الاستغلال وعسف الطغاة".. عهد يقول عنه الكاتب بأنه "يتسم بتحولات أساسية معبرة عن طموحات الأمة في التطور والنمو، والازدهار" وهذا ما انتظره الشعب من هذه الثورة".
يقول الكاتب " إلا أن خصوصية المرحلة وسلوك النظام السياسي وارتهان نخب الحكم لثقافة الموروث ورواسب الماضي التاريخي جعلتها تبشر الناس بنهاية الإمامة، واستبدالها بإقامة أخرى جديدة. ويدلل الكاتب على ذلك التشابه، بمبررات عدة ساقها مؤلف الكتاب من نحو: سدّ منافذ الحريات بعد الثورة، ومصادرة الحقوق، التي تضمن حرية الإنسان الشخصية، والفكرية، والاقتصادية والاجتماعية، والسياسية ودخول الثورة الوليدة في صراعات وشقاقات منذ العام 1964م.. وعلى مدار ثلاثة عقود ظل النظام يعمل على تحريم كل ألوان النشاط السياسي العام: كالأحزاب، والنقابات، وانتهاك الحقوق بدلاً من صونها، فينتهي الباحث إلى سؤال مفاده لماذا استمرت السلطة في شطري اليمن رديفاً للقهر؟
لكن الباحث – مع ذلك - يرى أن أهداف الثورة ومبادءها، ظلت في تغير وتبدل من حيث التجسيد العملي وفقاً لفلسفة الحكام ا لمتعاقبين على السلطة، ورغباتهم الشخصية" إلى أن جاء علي عبدالله صالح، الذي يرى فيه المؤلف منقذاً للشعب " من حالة الاغترابية، وبين تلك الأهداف – أي أهداف الثورة الخمسة -التي لم يتم الاقتراب من بعضها، فضلاً عن التطبيق الناقص لها..".
الوحدة اليمنية وانقلاب موازين التحولات:
يتناول القسم الأخير من الكتاب حدث الوحدة اليمنية بين شطري اليمن، وكيف به يقلب الموازين في الساحة اليمنية، حيث انهيار النظام الشمولي، ودخول البلاد عصر الديمقراطية، والحرية والمشاركة السياسية، وانتخاب الحكام، واتيح للمواطن إنشاء الأحزاب، وظهرت لأول مرة الأشكال الحديثة لمنظمات المجتمع المدني .. في ظل توجه ديمقراطي يراعي مبادئ حقوق الإنسان، وحقوق المواطنة.
واستناداً إلى ما سبق فإن الباحث يرى في الوحدة اليمنية أفولاً للتسلطية، وهيمنة الحرب الواحد، والسلطة الواحدة، وانهياراً للقهر السلطوي الذي مورس سواءٌ، جنوب الوطن، أو شماله،إبان الحكم الفردي، وهي بالتالي تعد تحولاً من الواحدية، إلى التعددية، وبها يكون " ميلاد الحقوق والحريات التي بعثت لدى الإنسان اليمني روح الأمل، والتفاؤل بحقبة جديدة، ناهيك عن أن " تلازم الوحدة بالديمقراطية ولَّد مناخات مغايرة لما كانت عليه اليمن بشطريها قبل هذا التاريخ".
وعلى ضوء الاستناد السابق، فقد خصص الكاتب بقية الفصول - من الثالث ، وحتى التاسع (نهاية الكتاب) للإجابة عن هذه المدونات العنوناتية:
المواطنة والمشاركة السياسية، وحقوق الإنسان اليمني بين النصوص، وواقع الممارسة، والحريات: حرية الرأي، حرية البحث العلمي، حرية وسرية المراسلات، ثم المرأة وحقوقها السياسية في ضوء الدستور اليمني، والديمقراطية من الميلاد إلى التطبيق؛ إذ كان الدستور اليمني دليلاً ومرشداً لتفصيل وتفسير هذه المدونات أو العنونات.

الخلاصة:
نستطيع ان نفصل بين الكتابين، موضوعياً، وذلك من خلال النظر إلى المادة الداخلية لكل منهما، حيث الأول يقرأ محللاً للحقوق والحريات في اليمن، من منظور الطبيعة التربوية ( المكتسب الوراثي) للإنسان اليمني عبر العصور، واضعاً نصب عينيه أشياء مركزية من نحو: القبلية، والعصبية، والمذهبية أساساً لتفسير النظرة القاصرة إلى الحقوق و الحريات عبر العصور، ثم ما واجه الإنسان اليمني من ظروف وتحديات معاصرة أجبرته على تغيير كثير من أسالبيه القديمة، بحيث صار مفهوم الحقوق والحريات لهذا الإنسان يتبلور يوماً بعد يوم، ليصبح من ضرورات العصر، وأدواته التي لا يمكن الاستغناء عنها، وصارت أحد متطلباته للعيش بسلام في مجتمع آمن، وديمقراطي، وهو ما لم يستطع تحقيقه إلا بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، بالرغم مما شابها من منغصات وقصور، فيما بعد-بحسب استنتاجات المؤلف.
الكتاب الثاني: يأتي مستشرفاً عهد الديمقراطية التي أفرزتها الوحدة اليمنية ودستورها الذي كفل للإنسان حقه في التعبير، والحرية، وصان حقوقه السياسية، والشخصية، والاقتصادية، والاجتماعية والفردية من أي مساس؛ إلا أن الباحث – ورغبة في زيادة حجم الصفحات ، كما يبدو وتوفر المادة– يمضي في تحليل هذه المرحلة ببطء، مفصلاً أحداثاً جرت قبل الوحدة ، واحداثاً دامية أثناءها ما نتج بعدئذ من محاولات التثبت بالسلطة وقمع الأصوات الأمر الذي أثر على حقوق المواطنة برأيه، وعلى مستوى الحقوق والحريات بوجه عام، مستعيناً بكم كبير من أدبيات المعارضة، وتقارير المنظمات الدولية تجاه الحريات في اليمن، وصرنا لا نرى من خلال الجزء الثاني، إلا كدساً هائلاً من التراكمات التحليلية التي تلهث خلف تثبيت وجهة النظر القائلة بـ"تحول اليمن بعد الوحدة سنوات من إلى معتقل للكلمة وإسكات أصوات الحريات" ، فنراه ، أي الباحث متجولاً بين أروقة السجون والمظالم، والمحاكم، وأكوام التقارير المحلية والدولية التي تكشف – من وجهة نظره -مزيداً من تعسف الديمقراطية ضد الحقوق والحريات العامة التي رافقت الديمقراطية والوحدة، وصانها الدستور، وتفلَّت منها النظام السلطوي الحالي.
مع التأكيد على أن الكتاب –بجزئيه - مهدىً إلى هذا النظام الذي يقر الباحث بأن عهده كان أفضل المراحل التي سبقته بالنظر إلى ( الحقوق والحريات ).
.............................................
اسم الكتاب: الحقوق والحريات في اليمن(1900- 2005). تحديات الموروث وضرورات الحاضر جـ1
المؤلف: طارش محمد قحطان
دار النشر: دار الروافد صنعاء.
الطبعة الأولى 2006م.,

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:23 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/38931.htm