المؤتمر نت - .
أمان الله حسام -
لندن تستضيف نقاش "صراع الحضارة والهمجية"
المكان العاصمة البريطانية لندن والزمان صباح السبت والحدث هو مؤتمر عقد في ضيافة عمدة لندن كين لفنجنستون وبحضور عدد من الكتاب البارزين.

عنوان الندوة الرئيسة في المؤتمر كان "حضارة عالمية أم صراع حضارات".

وقد اختير المتحدثون ليمثلوا الفكر الليبرالي اليساري من جهة والمحافظ اليميني من الجهة الاخرى.

الحضور من عامة الناس والمثقفين كان هائلا لدرجة أن عمدة لندن نفسه أشار إلى أنه لم يتوقع أن تضيق قاعة كبيرة كهذه بالحاضرين.

ولم ينقذني من الوقوف كثيرا في طابور طويل للدخول صباحا سوى أنني كنت أحمل بطاقة الصحافة ذات المفعول السحري أحيانا.

داخل القاعة رأيت تنوعا هائلا بين الحضور من حيث العرق واللون والزي وكأن لسان حال الحاضرين يقول إن حجة لفنجستون بشأن نموذج التعددية الثقافية واقعية وصحيحة.

لكن مسار النقاش بالطبع لم يكن كذلك حيث كان لكل جمهوره.

في بداية كلمته قال لفنجستون "أعتقد أننا نشهد بداية حضارة عالمية حقيقية وليس صراع حضارات، بحيث يمكن للناس هنا في لندن مثلا أن يختاروا كل ما يرونه جذابا وجيدا في كل ثقافة من الثقافات المختلفة في هذه المدينة دون هيمنة ثقافة على البقية.

وليس معنى ذلك أن جميع القيم في ثقافة ما هي قيم صالحة ويمكن الاخذ بها وليس هذا ما نعنيه بالتعددية الثقافية في لندن.

فمثلا ختان الاناث ليس بالامر الصحيح ولا يجب السماح به".

إذا ما هو المعيار في قبول عادات وتقاليد وقيم الثقافات المختلفة؟

يرى لفنجستون أن معيار التعامل داخل الشعوب وبين الشعوب يكمن في عبارة للفيلسوف البريطاني الشهير جون ستيوارت ميل وتتمثل في قول الاخير "يمكنك أن تعيش حياتك بالشكل الذي ترغبه طالما أنك لم تؤذ الاخرين...والغرض الوحيد الذي يمكن من أجله ممارسة السلطة بالحق ضد أي شخص في مجتمع متحضر رغم إرادته هي منعه من إيذاء الاخرين".

وقال عمدة لندن أنه لا يمكن قبول هيمنة الشريعة الاسلامية أو الديانة المسيحية أو أي ثقافة، وذلك في إشارة إلى اعتقاد البعض أن ثقافتهم هي أفضل مما سواها وأنها يجب أن تسود.

وأوضح أنه تناقش مع بعض المسلمين حول مسألة الخلافة في الاسلام ولكن هذا المُطلق موجود في الثقافات الاخرى أيضا.

وأشار عمدة لندن بلهجة منتقدة إلى مقالات الصحفي البريطاني ماكس هيستنجس التي قال فيها إنه لا فائدة من دراسة أي ثقافة أو أدب سوى الادب والثقافة الاوروبيين.

وأوضح أن صدمة ماكس ستكون عظيمة عندما يواجه مدى غنى الثقافة الصينية أو الهندية أو الاسلامية.

واستعرض عددا من الاحصاءات التي قال إنها تمثل الواقع وتؤكد نجاح لندن كمدينة متعددة الثقافات.

ومن بين تلك الارقام أن 35 من كل 100 ممن يعملون في لندن قدموا من دول أجنبية، وأن 62 بالمئة ممن يعيشون في لندن ولدوا خارج بريطانيا، وأن واحدا من كل عشرين من سكان لندن ينحدر من عرقيات مختلطة.

كما أشار لفنجستون إلى تراجع الاعتداءات العنصرية والدينية في المدينة حيث انخفضت بنسبة 42 بالمئة.

وتحدث عن دراسة قامت بها لجنة المساواة العرقية التي استطلعت آراء 1000 فتاة مسلمة في بريطانيا في سن السادسة عشر ووجدت أنهن مقبلات بقوة على الحياة ولديهن رغبة في تحقيق الاستقلال والنجاح.

ووجدت أنه في الغالبية الساحقة من الحالات يؤيد الاباء طموح بناتهن.

وأظهرت الدراسة أن 90 بالمئة من الفتيات من باكستان وبنجلاديش، وعلى عكس النمط المشاع، قلن أن آبائهن لا ينتظرون منهم أن يتزوجوا وينجبوا قبل أن يتابعن حياتهن المهنية.

واعتبر لفنجستون أن هؤلاء الفتيات اخترن بمحض إرادتهن من بين ما هو متاح من أساليب الحياة والثقافات.

ورأى أن هذه الطريقة الوحيدة التي يمكن بها إيجاد عالم يتجنب تكرار أخطاء فترة الحرب الباردة وصنع حضارة عالمية. "حضارة في مواجهة همجية"

بعد ذلك تحدث الكاتب الامريكي دانيل بايبس، مؤسسة منظمة "منتدى الشرق الاوسط" والمعروف بدفاعه عن أيديولوجية المحافظين الجدد وقربه من دوائر صنع القرار في إدارة بوش.

وقال بايبس في بداية كلمته "أنا مع حضارة عالمية وضد صراع الحضارات ، لكني أعتقد أنها قضية عالم متحضر في مواجهة البربرية".

في البداية اشار بايبس إلى نظرية صامويل هانتنجتون حول صراع الحضارات والتي قال فيها هانتنجتون إن الصراعات الحضارية تسود بشكل خاص بين المسلمين وغير المسلمين وذلك لتحديد الحدود الدموية بين الحضارات الاسلامية من ناحية وغير الاسلامية من ناحية أخرى.

ورأى بايبس أن هذه الفكرة لا تنطبق على أمثلة صراعات حدثت وتحدث بين مسلمين بعضهم البعض وساق أمثلة الصراع بين السنة والشيعة في العراق والحرب العراقية الايرانية والاقتتال الذي شهدته الجزائر قبل سنوات والحرب في إقليم دارفور بالسودان.

وعبر بايبس عن اعتقاده أن الصراع هو بين الحضارة والمتحضرين في جميع أنحاء العالم والهمجية من ناحية أخرى، موضحا أنه يقصد الهمجية الايديولوجية ومن أبرز أمثلتها الفاشية والماركسية اللينينية في القرن الماضي.

أما حديثا فقد ظهرت همجية أيديولوجية جديدة وهي الاسلام الراديكالي، بحسب بايبس الذي شدد على أنه لا يعني الدين الاسلامي ولكن الاسلاميين المتطرفين الذين قال إنهم يهددون العالم كله ويقمعون المرأة ويسببون الشقاء للناس في دارفور والجزائر وغيرهما.

خطر الاسلام الراديكالي ينبع من كونه يحتوي على بذور صراع الحضارات حيث يقسم العالم إلى معسكرين أخلاقي ولا أخلاقي، و خير و شرير
دانيل بايبس

وقال بايبس أنه قد لا يختلف مع عمدة لندن في نجاح المدينة في جمع مختلف استيعاب مختلف الاعراق والديانات، لكنه شدد على أن الخطر يكمن في إيواء بريطانيا لمتطرفين إسلاميين يمثلون تهديدا عليها وعلى العالم.

وأضاف أن خطر الاسلام الراديكالي ينبع من كونه يحتوي على بذور صراع الحضارات حيث يقسم العالم إلى معسكرين أخلاقي ولا أخلاقي، و خير و شرير.

واستطرد بايبس قائلا إنه من الخطأ الشديد التقليل من تهديد الاسلام الراديكالي على العالم وتجاهله لانه بذلك سوف يستفحل ولن يتلاشى، مشددا على أن الحل الوحيد هو مجابهته والقضاء عليه والانتصار الحاسم في المعركة ضده، تماما كما قضى العالم المتحضر على الخطرين الالماني والسوفيتي في الاربعينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

وقال الكاتب الامريكي إن "جهودنا يجب أن تنصب على تشجيع الاسلام المعتدل الديمقراطي الليبرالي الانساني الذي يتعامل باحترام مع النساء والمثليين جنسيا والملحدين وغيرهم".

وذكر بايبس بعض الشخصيات التي قال إنها إسلامية معتدلة ويجب على الجميع تأييدها مثل النائبة الهولندية السابقة إيان هيرسي علي، والسورية وفاء سلطان والمصري مجدي علام وسليم منصور وغيرهم.

ورفض بايبس في الوقت ذاته دعم شخصيات إسلامية رأى أنها تمثل الجانب الاخر المتشدد والمتعسف للمعادلة وذكر اسم عالم الدين يوسف القرضاوي.

يذكر أن عمدة لندن يواجه من وقت لاخر انتقادات من المفكرين ووسائل الاعلام اليمينية بسبب استضافته للقرضاوي في لندن وعلاقته الطيبة به.

ولدى انتهاء بايبس من كلمته وجد من التصفيق ما لم تقل حرارته عن الاستحسان الذي حظيت به كلمة لفنجستون. سياسات الغرب

سلمى يعقوب، العضو البارز في حزب ريسبكت (الاحترام) البريطاني، كانت المتحدثة التالية في الندوة.

وقالت سلمى إن بايبس يعني بضرورة مواجهة ما سماه بالبربرية الاسلامية المضي قدما في سياسة الضربات الاستباقية التي لجأت إليها الولايات المتحدة عندما غزت العراق متحججة بوجود أسلحة دمار شامل لديه.

وهي ذات السياسة التي تستخدم في التحريض ضد إيران الان، وتعنى أنه إذا كانت دولة او جهة ما تمثل تهديدا فلنذهب إليها ونقضي عليها، بحسب المتحدثة.

ورأت أن أمثال بايبس "يستخدمون أحداثا مثل هجمات 7/7 على لندن ليقولوا للناس انظروا ألم نقل لكم إن المسلمين يكرهوننا، إنهم يكرهون أسلوب حياة الغرب، بل إن الثقافة الاسلامية هي التي تفرخ هذا العنف".

نتيجة للسياسات الخارجية للغرب خلال عقود قتل مئات الالاف من الناس في الشرق الاوسط ودمرت حياة الملايين لكن أحدا لم يقر بحجم المعاناة
سلمى يعقوب

ومن هنا يسهل عليهم تسويق قولهم إن الاسلام يمثل تهديدا للعالم الغربي وهذا رأي غير صادق، بحسب سلمى التي شددت على أن أصل المشكلة سياسي وليس ثقافي أو ديني.

الحقيقة هي أنه نتيجة للسياسات الخارجية للغرب خلال عقود، والكلام للمتحدثة، قتل مئات الالاف من الناس في الشرق الاوسط ودمرت حياة الملايين لكن أحدا لم يقر بحجم المعاناة.

بل كان هناك استخفافا بحياة البشر باعتبار هذه الخسائر أحيانا "خسائر بشرية غير مقصودة" ودون حتى الاهتمام بإحصاء دقيق للعدد أو تأبين للقتلى أو الوقوف دقائق من الصمت حدادا على فقدهم.

عند هذه النقطة صفق الحضور بحماس للمتحدثة التي ربما تشجعت كثيرا بذلك لتواصل حديثها بثقة أكبر. "المحافظون الجدد أكبر تهديد"

وقالت سلمى إن المحافظين الجدد يتحدثون عن "الارهاب الاسلامي ويتجاهلون تمام أي حديث عن إرهاب الدول الغربية وكونه عامل تحفيز للتطرف".

الحقيقة هي أن الاعمال الوحشية المروعة على الارض والتي تبثها القنوات التلفزيونية ومواقع الانترنت لها تأثير في دفع الكثيرين للتعصب أكبر بكثير من أي كم من المواعظ الدينية
سلمى يعقوب

وشددت على أنها ليست هنا "للدفاع عن الارهابيين الاسلاميين" ولكن ما يهمها كأم وكبريطانية هو البحث عن سبل تضمن عيش الجميع في عالم آمن وسلمي".

ولكن الحقيقة هي أن كما هائلا من الكراهية واليأس قد زرعت في أماكن مختلفة من العالم في قلوب الكثيرين ممن لم يكن لديهم أي مشكلة مع الغرب، بحسب المتحدثة.

وتابعت قائلة "الحقيقة هي أن الاعمال الوحشية المروعة على الارض والتي تبثها القنوات التلفزيونية ومواقع الانترنت لها تأثير في دفع الكثيرين للتعصب أكبر بكثير من أي كم من المواعظ الدينية".

وخلصت عضو مجلس مدينة برمنجهام البريطانية إلى أن هذا الحديث عن الصراع الايديولوجي يهدف إلى وضع قناع على المخططات الامريكية لاعادة رسم خريطة الشرق الاوسط لتوافق هواها ومصالحها ولتشديد قبضتها على المنطقة.

وقالت ساخرة إن المفارقة أن المحافظين الجدد الذين يعتبرون الاسلاميين خطرا على الحضارة هم أنفسهم يمثلون أكبر تهديد للحضارة العالمية.

وساقت أمثلة لدعم حجتها مثل مقاومة إدارة بوش توقيع اتفاقية كيوتو لتقليص الغازات المسببة لارتفاع حرارة الارض "وتكريس دين العالم الثالث وفقره والعمل الحثيث لارسال أبناء الاخرين لشن الحروب"، في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن تكلفة خيالية للحرب على العراق قد تبلغ تريليوني دولار (ألفي مليار).

وقالت إن النخب سواء كانت في واشنطن أو لندن أو الرياض أو القاهرة مستعدة لتنفيذ هذه السياسات وتجاوز كل الفوارق الثقافية والحضارية فيما بينها عندما يكون الربح والمنفعة مقدم على الاعتبارات الانسانية. هل الغرب مسؤول عن أفعال المتطرفين؟

المتحدث الاخير في الندوة كان الكاتب البريطاني دوجلاس موري، صاحب كتاب "تيار المحافظين الجدد: لماذا نحن بحاجة إليه".

تبنى موري الرأي الذي ورد في كلمة بايبس وقال إننا بصدد مواجهة بين الحضارة والهمجية، موضحا أنه يقصد بالاخيرة الجهاديين وعقيدتهم الحربية.

وقال إنه يعتقد أن عددا كبيرا من المسلمين والدول الاسلامية تقف في معسكر الحضارة في مواجهة البربرية.

وعبر عن استغرابه من الايحاء بأن التطرف على الجانب الاسلامي سببه أفعال الغرب، وقال إن كان ذلك حقيقيا فلماذا يقتل المسلمون الهندوس في الهند ولماذا يقتل المسلحون الاسلاميون البوذيين في إندونيسيا وتايلاند؟

الاسلاموية هي حركة شمولية، وكغيرها من سابقاتها، قد تستخدم أساليب مختلفة لتحقق أهدافها، فالزعيم النازي هتلر وصل إلى السلطة بشكل ديمقراطي
دانيل بايبس

جولة ساخنة جديدة رفعت حرارة قاعة الندوة التي لم يكن ينقصها ذلك، مع بدء فقرة الاسئلة وردود المتحدثين.

ومع ذلك لم تخل الاجواء من الضحكات والنكات وهتافات السخرية أو الاستهجان من جانب المتحدثين والحضور على حد سواء، وهو ما كان يرطب الاجواء قليلا.

أحد الاسئلة وجهه عنايات بنجوالا، من مجلس مسلمي بريطانيا، إلى بايبس.

واستشهد السائل بمقال لبايبس نشر بإحدى الصحف قال فيه دانييل إن "الغرب قد يجد صعوبة في مواجهته للاسلام لان الاخير يستخدم قدرات هائلة ومنها انتهاج نهج سلمي وهو ما اسميه الاسلاموية القانونية وذلك بأسلمة المحيط باستخدام أساليب تعليمية وسياسية ودينية دون اللجوء إلى أساليب غير شرعية أو إرهاب.

وتثبت الاسلاموية القانونية نجاحها في الدول ذات الغالبية المسلمة مثل الجزائر وتلك التي يمثل فيها المسلمون أقلية مثل بريطانيا... وطالما ظل الاسلاميون يستخدمون السبل السلمية القانونية فمن الصعب إيقافهم (انتهى الاقتباس)".

وأضاف السائل "إذا أنت تطالب الغرب بمواجهة الجماعات المسلمة التي تستخدم التعليم والسياسة بشكل قانوني، وتطالبه بمحاربة أناس مثل سلمى يعقوب المنتخبة ديمقراطيا أليس كذلك؟

رد الكاتب الامريكي بهدوئه المعتاد بقوله "الاسلاموية هي حركة شمولية، وكغيرها من سابقاتها، قد تستخدم أساليب مختلفة لتحقق أهدافها، فالزعيم النازي هتلر وصل إلى السلطة بشكل ديمقراطي، وأنا أرفض كل ذلك، أرفض دولة الشريعة الاسلامية التي يرغب الاسلاميون في إقامتها سواء حققوا ذلك بالارهاب أم بشكل قانوني".

ورد عمدة لندن على أحد الاسئلة بقوله إنه دعا القرضاوي إلى لندن لانه يمثل "أراء مئات الملايين من المسلمين ولانه أحد أبرز علماء الدين الاسلامي انفتاحا واعتدالا ورغبة في مد جسور التفاهم مع الغرب رغم اختلافي معه في عدد كبير من القضايا".
*بي بي سي - لندن
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:53 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/39647.htm