المؤتمر نت - *
المؤتمرنت-سحر مندور -
رسائل في حب صدام «رئيس في الأرض.. وفي الجنة»
يمسك المرء ريموت كونتروله ويوجهه نحو مصدر التسلية الوحيد في حوالى منتصف الليل. من محطة إلى أخرى، من مأساة إلى ملهاة، والنفس تبحث عن طربٍ تتمناه. قناة «الجرس»، لم يقصدها المرء باحثاً عن أي شيء، لكنها عبرت بين أرقام القنوات العابرة. الصورة ليست نقية كفاية كي تغري بالمتابعة، ربما هو الإرسال. الرجل (دكتور) يتحدث إلى مذيعة (متأنقة) عن نفسية الأطفال، لكن الوقت ليس مناسباً للسماع. يقرر المرء، وقد أمتعته فكرة مصادفة «الجرس»، أن يطلع على ما يرسله المشاهدون أسفل الشاشة. خط الكتابة صغير في شريطين لا توحدهما السرعة. للصراحة، تفاجأ المرء كثيراً. لقد قرأ رسائل تناجي صدام حسين، وتنتصر له. يبدو أن المناسبة هي إعلان «الجرس» عن حلقة خاصة تتناوله، لكنها على الأرجح لن تكون إخبارية وإلا لتناقلت موعد بثها الفضائيات العالمية والعربية والمحلية، بدءاً من الـ«سي أن أن» وانتهاء بالـ«نيو تي في». مما يعني أن مشاهدي «الجرس» ينتظرون أي قصة حول صدام ليقولوا الغزل والفخر به. سأل المرء نفسه: هل فعل الإعدام في صباح العيد هو الذي أدّى إلى هذا النوع من الرسائل تكتبها أنامل أبناء وبنات وطنه الأكبر؟ لكنه لم يجد ذِكراً لعيد الأضحى في الرسائل، ولا حوت تمرداً على ظلم «الأمريكان». هي رسائل، معظمها من محافظات سوريا، بعضها من الأردن وبعضها من عشائر العراق (لقد اكتشف المرء أن العشائر دخلت عصر الرسائل المتلفزة بقوة داحس والغبراء)، ومجملها ينبض على إيقاع العنف الصدامي ذاته. لا تحزن ولا تتألم، لكنها تعد بتكرار التجربة الرائدة. كأن صدام كان فراشة حطت على جبين العراق، ولقد بادر الخونة إلى حرقها. فتبدو النصوص أشبه بوعيد لكل من عادى صدام، من دون ذكر «الأميركان». تكر السبحة، ومن بينها تظهر رسالة حب خاص، فتبدو هجينة ضمن هذا الدفق من العشق العام، حتى أن أحد المرسلين الصداميين استهجن «الحب» في وقت ينتظر فيه «كل الناس» حلقة صدام. إليكم، في ما يلي، عرض الرسائل التي حواها شريط قناة «الجرس»، حوالى منتصف الليل، مع الاعتذار من أصحاب التواقيع إن وردت أسماؤهم على نحو خاطئ، وذلك ناتج عن ضعف النظر. «هنيئاً لك الشهادة يا صدام حسين ـ أسد المستقبل ماهر سوريا»/«الشهيد صدام إلى جنة الخلد يا بطل»/«المشنقة مرجوحة الأبطال ـ حلب»/«وين القمر وين صدام»/«عندما أعدم الشهيد عاش في قلوبنا إلى الأبد»/«سوف تعاد وسوف تعود محافظتنا 19»/عشائر: التركي، الفردون، الجبور (تبكي صدام)، عصيد،/«حياة زوجية سعيدة»/«يوم بالعراق أظلمت أرجاؤه وبكت سماؤه ـ عنجيرة سورية»/«الشهيد البطل صدام حسين شهيد الشرق والغرب»/ «عساكم تلحكونه في نار جهنم يا منافقين»./«رحم الله الأسود صدام حسين وأبو عمار، إلى جنة الخلد»/«صدام ما مات يا عرب، صدام عايش بقلوبنا ـ باسم الزهري»/«يا ليت يجينا متل صدام، على الأقل شريف»/«كل واحد يبكي على صدام»/«وين برنامج صدام يا جرس نحن ننتظر»/«كل من يحكي على صدام ما عنده أخلاق ولا كرامة ولا شرف ـ أبو سعيد»/«القط يحب خانقه يا عرب»/«إلى زوجتي الغالية روروو، بحبك موووت»/«العراق تاج العرب وجواهره صدام، عدموه! مأمون ـ سوريا»/«وين يا صدام زعيم الشهداء»/«صدام رئيس في الأرض رئيس في الجنة»./«وين صدام نحن أهل الدار الكبيرة ـ حمص سوريا»/«خلصونا عنا ضيوف، وين برنامج صدام؟ حلب، الشيخ سعيد الترني»/«الشهيد القائد صدام حسين خليفة عمر»/«بنت الكويت أقول لكل مين أيد صدام حسين الله يحشره معه في جهنم»/«من أقوال السيد الرئيس صدام حسين: عاشة الأمة العربية، وستبقة فلسطين عربية»/«صدام لم يقم مقابر جماعية»/ «الله يرحم صدام سيف الله مسلول على رقاب»/«تحية لكل بنوتة سعودية، أبو معن الأردن»/«مشان الله بحبك يكفي عذاب بدي نام»/«يا رب يرجع صدام»/«الأنبار ستثأر لصدام والأيام ستشهد»/«أحبك أحبك موت يا أم وجدان»/«عاشقة صدام: أنا وانت عاشقين صدام يا أدهم سوريا»/«رحم الله عمر مختار العصر الجديد صدام ـ درعا»/«صدام مرعب الخونة ومين ضامنهم»/«تاركين موضوع كل العالم بتستناه وبتحكوا عن الحب؟». في ختام هذا العرض الشيق، يتأسف المرء لأخطاء لغوية من نوع «عاشة الأمة العربية»، خاصة وأنها ترد في معرض الأمة العربية. كما أنه يستغرب حكماً بلا تحقيق دولي، كنفي إقامة صدام لمقابر جماعية: هل تبخّر مئات آلاف الأموات في عصره نتيجة الطقس المشمس؟ ووجد المرء الوعد بولادة صدامٍ جديدٍ أمراً غير مطمئن، على الرغم من أن هذا المرء يبغض المحافظين الجدد أيّما بغض. أما رسائل الحب العابرة لكل هذا الاحتفال بالموت وبالآمر به فتبقى لطيفة ومضحكة، على عكس تلك الرسالة التي تنذر بأن صدام لا يزال رئيساً في الجنة. وجدها مخيفة بعض الشيء، وتدعو للتفكير. ضغط المرء على الزر الأحمر الماثل أعلى الريموت كونترول، ولم تتبق في ذهنه من آيات المازوشية العربية إلا واحدة لم تُكتب لصدام، لكنه شعر أن بوسعه في هذه اللحظة أن يكتبها لصدام: «مشان الله بحبك، يكفي عذاب، بدي نام». *عن السفير 

موضوعات متصلة
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 25-نوفمبر-2024 الساعة: 10:26 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/39838.htm