المؤتمر نت- محمد السياغي -
اكتشاف مستوطنة في اليمن تسدل الستار عن العصر السبئي المبكر
في كل مرة تظهر أعمال الحفريات والتنقيبات الاثرية المستمرة في مناطق مختلفة من اليمن للبعثات الاثرية العاملة ، عن اكتشافات جديدة هامة ، تدلل جميعها على اقدام حضارة عريقة استوطنت هذا الجزء من شبة الجزيرة العربية في العصور الغابرة ، ومن بين اهم اكتشافات هذا العام ، ما كشفت عنه أعمال الحفريات التنقيبات الاثرية للبعثة الاثرية الالمانية التابعة لمعهد الاثار الالماني بالتعاون مع السلطات اليمنية خلال شهر اكتوبر الفائت عن مستوطنة سبئية قديمة في سد الجفينة على مقربة من سد مأرب الكبير ، ويعود تاريخا الى ما قبل الآلف الاول قبل الميلاد.
وقد افادت النتائج الاولية للاكتشاف ، أن المستوطنة المكتشفة في مدينة مأرب القديمة ، كانت قد قامت على هامش حضارة مدينة مأرب السبئية ،ربما تسبقها
من حيث الزمن ..وأن المعثورات الجديدة تدل على أن هذه المستوطنة لم تكن المدينة الرئيسية ، وانما مستوطنة عامة هامة وتعود الى العصر السبئى المبكر .
وطبقا للمصادر التاريخية فأن مدينة مأرب القديمة الواقعة على الضفة اليسرى لوادي أذنة كانت هي العاصمة التى مارس من خلالها الملوك السبئيين ومساعدوهم مهامهم وانشطتهم المختلفة ..بينما الناس والعمال الذين كانوا يعملون في الحقول الزراعية كان لابد لهم من الاقامة خارج المدينة ..وقد وثقت اعمال المسح الاثري خلال العشرين سنة الماضية العديد من المستوطنات في مأرب الخاصة بأولئك الناس ومن بينها مستوطنة الجفينة المكتشفة التى تعد من اكبر المستوطنات في مدينة مأرب .
ورأى اثريون انه إذا كانت المستوطنة والقبور منتشرة حولها تمثل البداية
لمملكة سبأ ، فإن سد الجفينة يمثل أخر المراحل الحضارية لليمن القديم ، وأن تقنية الحجارة المغطاة بالقضاض ترجع الى مرحلة متأخرة ، مما يدل على ذلك
احجار البلق التى استخدمت في بناء مصارف السد.
كما أن هذه الاحجار لم تعد خصيصا للغرض الذي استخدمت لاجله وانما نقلت من مواقع اثرية لاتبعد كثيرا عن موقع السد ،ذلك أن العثور على جزء من نقش مدون على قاعدة تمثال اهدي للاله ذو سماوي ، بالاضافة الى النقوش التى نسخها جلازر عند زيارته لمأرب عام 1888م من سد الجفينة يدل على ذلك وعلى أن بناء السد كان بعد أن تخلت تلك المعابد او بدأت في التخلي عن تأدية وظائفها الدينية .

أسرار المستوطنة المكتشفة
وقد المحت النتائج الاولية للخبراء الاثريين الالمان واليمنيين أن المستوطنة
المكتشفة تقع على طول يبلغ 350 متر .. فيما يبلغ عرضها 50-70 متر بأرتفاع
حوالي 6 امتار .. مشرة الى انه من المحتمل أن يكون جزء منها على عمق اكبر
من مستوى الارض الحالية .
ويؤكد خبراء الاثار أن مستوطنة الجفينة عاشت ثلاث مراحل استيطان منذ
بداية عهدها، حيث شيدت مباني المرحلة العليا منها بأحجار بركانية غير مهندمة
، بينما شيدت مباني المرحلة التى تليها باللبن، وكذا بالنسبة للمرحلة الثالثة..وأن
المستوطنة قد انتهت في القرن السابع أو السادس قبل الميلاد ، وأنه لايوجد ما يدل على أنها استخدمت بعد هذا التاريخ.
وقد كشفت المنازل البسيطة والغير واسعة للمستوطنة الاثرية الجديدة ،على
نموذج معماريا يختلف تماما عن النموذج المعروف في المعابد والمدن اليمنية القديمة ..كما اظهرت القطع الاثرية التى تحتويها المستوطنة اختلافها عن بقية القطع في معابد المستوطنات الاخرى ،الامر الذي يشير الى ان هذه القطع لم تقدم كقرابين للآلهة..ولم يكن ذلك الاختلاف فحسب ، بل أن القبور المنتشرة حول المستوطنة لاتختلف عن قبور معبد أوام وحدها ، وانما تختلف تقريبا عن جميع أنماط القبور المعروفة حتى الان مما يؤكد أن قبور الجفينة تمثل نمطا فريدا من نوعة.
وتظهر النتائج ايضا أن الحروف التى تظهر على بعض الكسرات الفخارية تبدو بدائية بكشل واضح وتخلو من اي مظهر من مظاهر الدقة المعهودة في كتابة الخط المسند.
فيما أن بعض الكسرات الفخارية التى تم العثور عليها في مستوطنة الجفينة
المكتشفه تتشابة مع الكسرات التى تم العثور عليها في (ريبون) في وادي حضرموت
ومنطقة (يلا) في خولان الطيال مما يدل على ان هذه المواقع الاثرية ترجع في
تاريخها الى العصر السبئي المبكر.

وقد لاحظ تقرير الخبراء الاثريون في هذه القبور أن الاواني الفخارية الموجودة فيها لاتختلف عن الفخار الموجود بالمستوطنة المكتشفة..واشار الى
أن العينات التى تم جمعها للتحليل سيمكن من خلالها معرفة انواع اوصاف المواد
الغذائية التى اعتمد عليها الانسان في ذلك الوقت ومن ثم تحديد انواع المحاصيل
التى يزرعها.
ولعل مما يزيد من اهمية نتائج التحليل تأكيد التقرير على ان الطبقات التى اخذت منها العينات لم تتعرض للعبث في اي مرحلة من المراحل ،وان تحليل عينات من العظام سيحدد انواع الحيوانات المختلفة التى شكلت جزء من غذاء الانسان خلال تلك الفترة ،لاسيما وان هناك إلى جانب الجمال والاغنام والماعز حيوانات اخرى غير معروفة عكستها العديد من الدمى الفخارية المكتشفة داخل المستوطنة الجديدة.

كما أن عدم تعرض الطبقات الاثرية للعبث سيتيح فرصة لدراستها الى جانب
نتائج التحليل بواسطة كربون 14 المشع ، واعطاء تسلسل زمني دقيق عن بداية
نشوء الحضارة السبيئة الاولى ..خاصة وان مئات "المجارش" التى تم العثور عليها على سطح المستوطنة الجديدة وداخل منازلها بالاضافة الى مخازن وأواني لخزن المواد السائلة .
ويبدو واضحا ان كل تلك النتائج والاستدلالات قد أعطت رؤية اولية عن
نمط الحياة التى كان يعيشها الانسان اليمني الاول في تلك الفترة.


تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/4043.htm