إبراهيم بن حبيب السعدي -
حدة التصلب الذهني والتسامح الديني
الأمراض التي تستشري على الجسم كثيرة ومتنوعة فإذا ما أصيب الإنسان مثلا بتصلب الشرايين فقد يخضع المرء لعملية جراحية بغية فتح مجاري هذه الشرايين لكي يستعيد نشاطه ويواصل الإنسان مشواره في الحياة فقد تنجح هذه الجراحة أو لا يكلل لها بالنجاح فيقع الإنسان صريعا بين الموت والحياة وحتما سيوافيه الأجل المحتوم الذي هو مصير كل حيّ على هذه البسيطة.


إن الخطر الذي يحدثه التصلب والتحجر العقلي عظيم الأثر فلا يقع شره على ذات الفرد فحسب بل قد يتعدى ذلك المرض ويستشري داؤه إلى أفراد المجتمع ولربما أهلك هذا التصلب والتحجر أمما كانت تحت مظلة الأخوة الإنسانية من خلال عملية التسامح الديني بإعطاء كل ذي حقه في الحياة.


وهذا من حق أصحاب الديانات الأخرى عموما، والمذهبي بالنسبة للمسلمين أو في الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي... فلو لم يكن لهذا التصلب أي تأثير لسارت الحياة في طريق الأمان الحافل بالمنجزات والأخبار السارة حيث لا يخشى الناس الفرقة والشتات ولا العزلة ولا من نفاد الموارد وكذلك وأد الفتن الظاهرة منها والباطنة ولكن الانغلاق الفكري حال بين ذلك بسبب التصلب الذهني فهو الذي يؤخر المجتمعات ولا يقدمها ويشتتها ولا يوحدها.


إن التصلب الذهني خطر داهم يهدد حياة الناس من خلال خلقه المشاكل الكثيرة بين فئات المجتمع وقد يشكل هذا التحجر عقبة الإصلاح في بعض البلدان أو قد يكون عقبة صعبة في تحقيق طريق الأخوة الإيمانية بين المسلمين وحتى الإصلاح أو التوافق بين الأسرة الواحدة، فالتحجر الذهني يكون له دور سلبي في عملية صهر المشاكل الأسرية والدولية إذا خيم هذا الفكر وتصلبت شرايين العقل عند بعض الناس وهكذا يكون شأن التصلب الذهني والتحجر العقلي.


فصاحب الفكر المتصلب لا يحقق أي هدف ترتجيه الأمة أو أفرادها من خلال الاستفادة الجادة من الحياة التي تمنحه السعادة والرقي وكذلك لا تعطيه الدافع إلى التخطيط الايجابي للحاضر والمستقبل وهناك أشياء كثيرة تعرقل أصحاب الفكر المتصلب عن المساهمة الجادة في الحياة وتجديد ما أماتته التقاليد البالية فصاحب الفكر (المتصلب ميّال إلى مثالية، تأبى طبائع الأشياء تحقيقها، فهو ينشد الكمال في الوسط الذي يعيش فيه، ويرفض المعلومات الناقصة عن أي شيء ظنا منه أن الأمور لا تسير بغير ذلك.


وهذا يعني نقصا في الشفافية، وقلة خبرة بواقع الحال). وصاحب الفكر المتصلب أيضا يتمسك بما هو عليه من الرؤى والأفكار فتوحي إليه أن الطريق الذي يسلكه، والأسلوب الذي يستخدمه، والحل الذي صار إليه، أمور وحيدة في نوعيتها، ولا يمكن الاهتداء إلى بدائل لها. لذا فانه لا يعطي أي اهتمام لمسالة البحث عن بدائل أكثر نفعا وأقل تكلفة، وهو مستعد لتحمل المشاق والآلام إلى ما لا نهاية، حيث لا يخطر في باله أن ثمة مخرجا مما هو فيه.


يُوجد التصلب الفكري لدى صاحبه نوعا من الارتباك والتناقض؛ وكثيرا ما نرى المتصلبين فكريا متورطين في العمل على تنفيذ آراء خصومهم في حياتهم العملية، وتجسيد أهدافهم لأنه إذا تعارضت الأفكار لابد في نهاية المطاف الرجوع والانصياع إلى الطريق الآمن فالسائق الذي يضل عن سبيله لا ريب انه يسترشد بالآخرين ولو كانوا أعداء له فلا بد أن يأخذ بنصيحتهم في إرشادهم له إلى الطريق الذي يوصله لتحقيق مأرب ما.


وهكذا فعندما تصطدم أفكار المتصلب فكريا لابد له في نهاية الأمر أن يرجع إلى الصواب ليأخذ بالآراء التي كانت من عند الآخرين.

*البيان
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 14-مايو-2024 الساعة: 03:07 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/40784.htm