رمضان أبو إسماعيل -
الحجاب ومدى إخضاعه لظروف العصر
شهدت الساحة الفكرية الإسلامية خلال الآونة الأخيرة حالة من الجدال والنقاش حول مدى فرضية الحجاب إسلامياً، تلك القضية التي شغلت العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، خاصة بعد أن اتخذ الكارهون لشريعة الإسلام سبيلاً للطعن في الدين ومطية لمحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فتارة ينكرون فرضية الحجاب، وأخرى يطعنون في سلوك المحجبات، وثالثة يروجون للسفور ويتحزبون لنصرته، متوهمين أن مساعيهم سوف تطيح بهذه الفريضة من على رؤوس ملايين المسلمات، وسوف ينتشر مذهبهم واتخذوا لذلك العدة والعتاد وأنفقوا من أموالهم في سبيل ذلك الكثير، ولكن مثل هؤلاء في ذلك كمثل من ينفق ماله ليصد عن سبيل الله.


ورداً على هذه الدعاوى ودرءاً للشبهات التي أثيرت خلال هذه الآونة جاء كتاب «فصل الخطاب في معركة الحجاب» لمؤلفه الكاتب الصحافي خالد البحيري ليكون بمثابة، رصد موضوعي للنقاشات التي شهدتها الساحة الإسلامية حول قضية الحجاب ومحاولة جادة من المؤلف للوقوف علي المغالطات التي أثارها هؤلاء الكارهون لتطبيق شريعة الإسلام في الأرض ورداً علي مزاعم أهل الباطل الذين يقلقون عندما يجدون الحجاب في تزايد وانتشار، ولإثبات أن الحجاب فرض يقبل على تطبيقه المسلمون ضاربين عرض الحائط بكل الأكاذيب التي تروج حوله.


يقول المؤلف في مقدمة كتابه: قضية حجاب المرأة المسلمة من أكثر القضايا التي يفتي فيها أنصاف المتعلمين وهواة الحديث في الدين، ودون مقدمات وجد الجميع أنفسهم أمام قضية أثارت جدلاً واسعاً في كافة الأوساط الشعبية منها والرسمية، حيث نشرت أحد الصحف اليومية المصرية تصريحاً غريباً لفاروق حسني وزير الثقافة اتهم فيه المحجبات باتهامات تصفهن بالتخلف والعودة إلى الوراء، وحملهن مسؤولية كل ما يحيق بالوطن من تراجع في الوقت الراهن، وتواكب ذلك مع قرار مجمع البحوث الإسلامية بالتوصية بمنع تداول ونشر كتاب لإقبال بركة رئيس تحرير مجلة حواء يتضمن هجوماً ماكراً على الحجاب، ومن ثم قامت الدنيا ولم تقعد ما بين مؤيد للوزير ومعارض له، وبين مطالب بحرية الرأي وتمسك بنصوص الشريعة الإسلامية.


ويضيف: وفي هذا الكتاب رصد موضوعي لأزمة الحجاب في مصر مقرون بالأدلة والبراهين التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك والمجادلة أن الله فرص الحجاب لمصلحة الرجل والمرأة معاً، وأنه ليس مقصود على ستر الشعر والصدر والرقبة، بل يدخل فيه عدم الخلوة بالمرأة الأجنبية وعدم التلاقي وعدم الخضوع بالقول، ومن كل ما يثير الفتن ويغري بها.


يأتي كتاب «فصل الخطاب في معركة الحجاب» في 112 صفحة من القطع المتوسط، قسمه المؤلف خدمة للأهداف التي يسعى من خلال المؤلف أن يعالجها إلى ثمانية أجزاء وهوامش، خص كل جزء من كتابه بموضوع رئيسي يدور حوله، فالمعالجة جاءت سريعة ومتأنية في ذات الوقت، فهي سريعة لملاحقة الحدث ومتأنية في مناقشتها لكل جوانب الظاهرة بموضوعية تبدو من التوثيق الدقيق لكل أجزاء الكتاب.


ففي الجزء من الكتاب والذي جاء تحت عنوان «القصة الكاملة لمصادرة كتاب إقبال بركة»، يذكر المؤلف أنه كان علي قناعة بأن ما كتبته إقبال بركة عن الحجاب لا يعدو كونه مغالطات فكرية وتطفلا منها على علوم لا صلة لها بها، وأنه قد بدا له ضعف حجتها وتفاهة منطقها منذ قراءته للسطور الأولى من كتابها «الحجاب.. رؤية عصرية»، إلا أن الخوف تملكه لأن مؤلفة الكتاب تعمدت الاستشهاد بالآيات القرآنية في غير موضوعها، والتدليل بالأحاديث النبوية الشريفة تدليلاً يفتقد إلى الموضوعية والمصداقية، وهذا ما يشوش على الناس البسطاء فكرهم، خاصة في زمن تفشت فيه الأمية الدينية بشكل كبير، موضحاً أنه قام بتنفيذ هذه المزاعم التي ساقتها في كتابها في مؤلفه السابق «مسلمات في دائرة الخطر».


ويواصل الكاتب سرده لقصة مصادرة الكتاب وبعد صدور كتابي «مسلمات في دائرة الخطر» قلت لنفسي مازال كتاب إقبال في الأسواق، وحتى ان كانت طبعته قد نفذت فإنها حتماً ستعيد طباعته من جديد، أو يطبعه لها من علي شاكلتها، وأنه من الواجب أن يحال الأمر لمجمع البحوث الإسلامية لفحص الكتاب، فإذا رأى فيه العلماء مضرة قاموا بالتوصية بمنعه من التداول والنشر، وإن رأوا غير ذلك فقد فعلت ما أملاه علي ديني وضميري المهني، وبالفعل أرسلت للمجمع النسخة التي كنت أعتمد عليها في الرد، وكنت قد كتبت هوامش عديدة عليها أثناء قراءتي للكتاب، وأرفقت مع الشكوى وكتاب إقبال نسخة من كتابي، وفور وصول الرسالة والكتابين إلى مجمع البحوث الإسلامية قام المجمع بمخاطبة فضيلة مفتي الجمهورية د.علي جمعة ليقوم بفحص الكتابين، وبالفعل أرسل المفتي تقريره إلى مجمع البحوث الإسلامية تحت رقم صادر 0586 يوصي فيه بمصادرة كتاب إقبال بركة وإجازة تداول كتابي.


وأورد الكتاب بين طياته نص تقرير د.علي جمعة الذي أكد فيه أن كتاب «الحجاب رؤية عصرية»، غير صالح للنشر والتداول مرجعاً ذلك لأسباب متعددة ومنها أن إدعاء الكاتبة الاجتهاد، وفي ذلك تجرؤ على مقام الاجتهاد، وهي لا تملك أدواته وآلات المجتهد وأن الكاتبة أصرت على استخدام أسلوب الإرهاب الفكري في أن المطالبة بالحجاب كان في زمن التخلف، وكذلك جاءت التوصية بحظر التداول نتيجة ادعاء مؤلفه الكتاب أن المسلمين أمة مقلدة وتابعة للأمم التي فتحوها وزاروها ولم يكن لهم فكر ولا حضارة ولا مدنية، وادعاؤها الإجماع في أكثر من موضوع على خلاف ما عليه العلماء، وخلطها وغلطها في الآيات، وأخطاؤها المتكررة في القواعد الحديثة والأصولية واستخدامها استخداماً مشوهاً في غير محلها، وتناقضها في إدعائها الحيادية والبحث عن الحقيقة واسترشادها بكتاب مجاهيل أو بمن رد عليه وعلى كتبه.


وشدد المفتي في تقريره علي أن الكتاب «الحجاب رؤية عصرية» مليء بالأغلاط والأخطاء، مما يشوش على الناس دينهم وأخلاقهم واجتماعياتهم، وأنه خارج عن السياق الديني والاجتماعي وشاذ مقصود الكتاب والسنة ومنهم علماء الأمة.


فهم الفقهاء


وينتقل الكتاب من قصة مصادرة كتاب إقبال بركة إلى جزئه التالي ليحاول المؤلف خلاله الوقوف على الرأي الشرعي الخالص في النقاب، ويرى مؤلف الكتاب أن حكم النقاب يتحدد من خلال تحديد عورة المرأة، وهذا يرجع إلي فهم الفقهاء لتفسير قوله تعالى: «إلا ما ظهر منها»، ومن ثم قال بوجوب النقاب فقد فسر «ما ظهر» على أنه الثياب، ومن قال بعدم وجوب النقاب فقد فسر «ما ظهر» على أنه الوجه والكفان وهو ما ذهب إليه الجمهور من علماء الإسلام.


وتحت عنوان «حينما قال وزير الثقافة» لا أشار المؤلف إلى أن التصريح الغريب الذي صدر عن فاروق حسني وزير الثقافية المصري واصفاً الحجاب بأنه عادة جاهلية والتمسك به لا يعدو أن يكون عودة للوراء، وأنه أمر لا علاقة له بالتقوى والورع، بل يقف وراء التخلف والتقهقر الحضاري الذي يعيشه المسلمون في الآونة الأخيرة، خلق نوعاً من الانقسام في الرأي، لأنه بسرعة البرق أصبح تصريح الوزير مثار حديث وجدل واسع النطاق خرج عن حدود الوطن العربي .


ليصبح مثار اهتمام للعديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي راحت بدورها تحلل وتناقش وتتوقع وتتساءل، وأنه في نهاية الأمر تراجع الوزير عن هذه التصريحات بشكل غير مباشر ليكون ذلك انتصاراً لقوى الحق والعدل التي تدعو إلى عدم المساس بأي من الثوابت الدينية، كما أن هذه الواقعة هي بمثابة درس لكل من يحاول أن يدس أنفه فيما ليس له به علم، أو يحاول أن يحارب الله ورسوله.


ويناقش الكتاب في جزئه السابع الذي جاء تحت عنوان «الفريضة الغائبة في مسألة الحجاب»، موضوعاً غاية الأهمية وهو أن بعض الناس يتصورون أنهم قادرون بعقولهم القاصرة أن يدركوا حقائق الأمور ومقاصد الله من تشريعاته، وأنه يجب عليهم أن يقيسوا كل شيء بمقياس العقل ويزنوه بميزان المنطق، فما وافقه فهو شرع ودين وما عداه فهو من كلام الأقدمين الذين كانوا عديمي التفكير يعيشون في بيئات تفتقد للحضارة والمدنية.


ويرد مؤلف الكتاب على هؤلاء النفر من الناس قائلاً: ما ورد فيه نص صريح في القرآن أو السنة المطهرة لا مجال فيه لإعمال العقل، ولا مكان لإخضاعه لظروف العصر وتطورات الحياة، وما لم يرد فيه أمر صحيح فللعقل أن يضع تصوره إزاءه بما يتماشى مع الحالات والأوضاع، شريطة ألا يشطح العقل في تصوراته خارج دائرة الإيمان.

وكالة الصحافة العربية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 07:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/40785.htm