فراج اسماعيل -
السعداوي: مصر لا تستحقني. وأنا "قرفانة" من الجنس
قالت الناشطة المصرية د. نوال السعداوي إنها لم ترحل عن مصر نهائيا هربا من تهديدات بالقتل بواسطة جماعات إسلامية متطرفة، ولم تتقدم بطلب اللجوء السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، لكنها خرجت غاضبة من تحقيق النيابة العامة في يناير الماضي معها ومع ابنتها بتهمة الردة والتكفير.

وفي عبارات صريحة أضافت أنها مخنوقة من الجو الجنسي في مصر، وأن الرجال يعيشون انفلاتا جنسيا تحت اسم الشريعة والتعدد. ونفت تماما ما ذكره القيادي الإخواني السابق د.حامد جامع بأنها كانت من كوادر الجماعة في نهاية أربعينيات القرن الماضي وارتدت الحجاب.

وأكدت في حوار مطول مع "العربية.نت" من مكان إقامتها الحالي في بروكسل ببلجيكا أنها لم ترتد الحجاب مطلقا وتنظر إليه باعتباره ليس من الإسلام. وذكرت أنها "قرفانة" من مصر بسبب معاناة يومية تعيشها منذ نصف قرن، وأنها "تستخسر" نفسها أحيانا أن تعيش في مثل هذه المجتمعات.

من جهة أخرى قال زوجها الكاتب د.شريف حتاتة لـ"العربية.نت" إنه حزين عندما يقرأ في الصحف أن د.نوال سترحل عن مصر "هذا كلام نفيناه تماما، لكن الصحفيين للأسف الشديد مصرين على تصوير الموضوع بأننا نريد الهرب. هذا ليس واردا على الإطلاق بالنسبة للدكتورة نوال أو بالنسبة لي".




"اللجوء" أكذوبة لتشويه صورتي

قالت السعداوي عن طلب اللجوء السياسي إنه عار من الصحة وأكذوبة كبيرة اختلقتها بعض صحف اليمين العربية وبعض التيارات الأصولية، التي تعمل دائما على تشويه صورتي، لأنني من الذين يقفون ضد الفكر اليميني والفكر الديني الأصولي، وضد الاستعمار الأمريكي الإسرائيلي.

واستطردت: هذا لا يخيفني. أنا عمري 75 سنة والناس تعرف تاريخي، فأنا لا أهرب من المواجهة ولا أطلب لجوءا سياسيا لأي بلد. كل ما في الأمر أنني سافرت لحضور مؤتمرات في عدة بلاد من هولندا إلى بروكسل إلى أمريكا، حيث سأحصل على جائزة عالمية في الأدب الإفريقي من "ويست فريجينيا" وبعدها سأحضر مهرجان الأدب في "اوهايو" ومنها إلى "ميتشجان" وسأعود إلى القاهرة في منتصف مايو القادم.

لكن السعداوي أردفت: الحقيقة أنني سافرت من مصر غاضبة ولست هاربة لأن النيابة العامة طلبتني مع ابنتي الكاتبة والشاعرة د. منى حلمي للتحقيق معنا في اتهام بالردة والكفر، وهذه قضية ليست هينة أو مقبولة وكان على النيابة العامة أن ترفضها لأنها بنيت على الحسبة، وقد كانت قانونا لعصور العبودية والآن انتهت.

قالت: كون النيابة تطلبنا وتحقق معنا فهذا مؤشر غير جيد يوحي أن بلدنا تعود للوراء وتشن حملات ضد المبدعين والكاتبات والأديبات والمفكرين بسبب ضغوط التيارات الدينية المتخلفة.




المتطرفون يهددونني دائما

وتابعت: طوال عمري اتلقى تهديدات من الجماعات المتطرفة، وهذا ليس جديدا بالنسبة لي، فقد سبق أن وضعوا اسمى على قوائم الموتى في الثمانينيات والتسعينيات، وقبل 3 سنوات اخضعت لمحاكمة في قضية ردة وكفر، حينما طلبوا التفريق بيني وبين زوجي د. شريف حتاتة. وفي يناير الماضي صادورا خمسة كتب لي في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وقالت د.نوال السعداوي: كتبي تصادر وحياتي تهدد وسمعتي تشوه. هذه حياة يومية اعيشها في مصر من نصف قرن. أمور لا تخيفني ولكنها "تقرفني". أنا لا اخاف ولكني "أتقرف" من مثل هذه البلاد، فما الذي يجعلني أجلس في وسط هذا الغم إذا كانت عندي فرص للسفر لتلقي جوائز، وأن أكون استاذة زائرة ملء السمع والبصر. أنا لي قيمة في العالم، فإذا كانت بلدي لا تدرك هذه القيمة وتصمت النخبة المصرية عما أعانيه، فهؤلاء لا يستحقون أن تظل نوال السعداوي بينهم.




إنهم لا يستحقونني

وأضافت: أحيانا "استخسر" نفسي أن أكون في مثل هذه المجتمعات، مع أن كتبي موجودة في مصر وفي البلاد العربية والناس تقرأها. لكن أن أظل وسط هذا الجو السيئ الذي يضايقني عصبيا، فهذا لن يفيدني خاصة أنني كاتبة للرواية وهذا يحتاج للهدوء وراحة البال. فكيف أكتب تحت هذا الجو؟.. لذلك عندما تلقيت الدعوات قلت لاسافر اذن وابتعد 6 شهور عن مصر، ثم أعود وأرى بعدها ماذا يحدث.

وترى د.نوال السعداوي أن "الجو العام في مصر والبلاد العربية يتجه إلى الأسوأ، فنصف الشعب يعيش تحت خط الفقر، ويتم قهر النساء وتحجيبهن تحت اسم الإسلام، وأصبحت التجارة بالدين هي الشائعة. وليت الدين الحقيقي وإنما قشور الدين مثل الحجاب والختان".




مزيج انثوي بين الإخوان والأمركة

وقالت: اندهشت للحملة التي وجهت ضد فاروق حسني (وزير الثقافة) بسبب تصريحات سابقة له عن الحجاب، فقد كانت غريبة ومفتعلة ومسيئة لبلادنا، فما هو الحجاب الذي يتسبب في كل هذه الضجة. هو ليس من الإسلام أصلا ولا علاقة له به ولا بأخلاق المرأة، فأنا دارسة للإسلام ووالدي تخرج في الأزهر.

ومضت السعداوي: أخلاق المرأة في سلوكها ومشيتها وكلامها وشكلها وليس غطاء شعرها. في بلادنا هناك حاليا مزيج بين الأسلمة والأمركة، أي أن تغطي البنت شعرها وتعري بطنها، فترتدي البنطلون "الجينز" حسب الموضة الأمريكية والسوق الحرة والاستهلاك، وتغطي شعرها ارضاء للإخوان المسلمين. هذا هو نموذج المرأة والفتاة المصرية الآن.

واتهمت السعداوي الحزب الوطني الحاكم في مصر "باستغلال الدين وتقليد الاخوان، فالسادات شجعهم والحكومات المصرية اشتغلت معهم طول الوقت. لقد كانوا أصدقاء في الماضي وحاليا أعداء. هذه هي السياسة القذرة في العالم الطبقي الأبوي الرأسمالي الذي نعيشه. لا توجد مبادئ نهائيا في السياسة".




الدين للأفراد وليس الدولة

وقالت: أنا ضد المادة الثانية من الدستور، فلا يجب أن يكون للدولة أي دين أو مصدر ديني للتشريعات. أما الأفراد فهم الذين لهم دين، وكل فرد حر في اختيار دينه في بيته. جميع القوانين والتشريعات يجب أن تكون مدنية. أنا ضد الدولة الدينية لأنها عنصرية بالطبيعة وتفرق بين المسلمين والأقباط، فعندما يقول الدستور المصري ان دين الدولة هو الاسلام والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فهذا كلام مضاد للحرية والديمقراطية والعبادة، ولهذا السبب نعاني من مشكلة الفتنة الطائفية.

وأوضحت السعداوي أن البابا شنودة لا يستطيع أن يقول كل الحقيقة بشأن هذه المادة، لأنه يعيش في مصر وبمثابة موظف في الدولة، وإلا سيواجه اتهامات، إضافة إلى أن الأقباط يخافون. النخبة المصرية يجب أن تتحلى بالشجاعة وترفض أن يكون للدولة دين، وأنه حالة خاصة قد تمارس في البيوت، وتطالب بفصل الدين عن الدولة تماما وإلا سنغرق في بحور من الدم.

وقالت: عندما ينص الدستور على دين معين للدولة، فهذا سيترتب عليه اضطهاد لأصحاب الأديان الأخرى وللنساء. فيقال ان المرأة مساوية للرجل ولزوجها في جميع الحقوق والواجبات ولكن في إطار الشريعة الإسلامية. وهنا ندخل في المحظور مباشرة، فتترتب امتيازات للرجل وتصبح المرأة هي الأدنى وهذه عنصرية. يجب أن يكون الدستور مدنيا تماما وكذلك جميع القوانين مدنية بما فيها قانونا الزواج والنسب.




النوم على فراش عدة زوجات

وأضافت السعداوي: قانون الزواج في بلدنا ليس عادلا. فكيف يسمح أن ينتقل الرجل من فراش امرأة إلى أخرى تحت رخصة التعدد، أو أن يخون امرأته فإذا تم ضبطه مع عشيقته يتزوجها حتى تسقط التهمة لأن من حقه تعدد الزوجات. هل هذه أخلاق؟.. إنه افساد لاخلاق الرجال والازواج ومن هنا فالاسرة في مصر تعيسة. انا أكلمك كطبيبة نفسية. لا تستطيع أن تتصور الزوجات المقهورات بسبب الحرية الجنسية للرجال تحت اسم الشريعة.

تابعت: الرجال يستخدمون رخصة "تعدد الزوجات" لخيانة زوجاتهم. فالرجل وهو في الثمانين يمشي مع امرأة في الثلاثين والعشرين ويترك امرأته وأولاده ولا نستطيع محاكمته.




أحيي غير المتزوجات

وقالت نوال السعداوي: عندنا مليونا طفل غير شرعي في مصر بسبب الفساد الاخلاقي للرجال في مجتمعات ماتت ضمائرها. انا ضد الحرية الجنسية للرجال والنساء. "جنس إيه وزفت إيه". كل عقولنا في الجنس. رأيي أن عقل الامة العربية في الجنس لانها محرومة جنسيا، وهذا الفساد الاخلاقي يأتي من الحرمان.

أضافت: أنا "قرفت" من هذا الجو الجنسي فكلنا نتكلم عن الجنس. نحن نعيش في جو وانفلات جنسي للرجال تحت اسم الشريعة والتعدد. إذا قلت لا.. يقولون هل تريدين حرية للنساء؟. مثلا اتهموني بأنني أريد تعدد ازواج.. ما معنى هذا؟.. على العكس أنا احيي النساء اللاتي لا يتزوجن مطلقا. المرأة "زهقانة" من زوج واحد فلماذا تسعى لتعدد الأزواج؟

وأكدت السعداوي أنه لا يوجد انفلات جنسي عند النساء العربيات.. فأين الانفلات وهي مقهورة؟.. إن قيودا من حديد مفروضة عليها. الحرية هي المسؤولية، فعندما تعمل عقد زواج فهذا يعني انك مسؤول وعندما تعمل علاقة جنسية مع امرأة فأنت مسؤول أيضا ولا يجب أن تفر هاربا.

استطردت: نريد ان نعيد الاخلاق الحقيقية للرجل العربي ويكون مسؤولا عن افعاله الجنسية كما هو مسؤول عن جميع افعاله السياسية والاقتصادية.




لم اتحجب ولم أكن إخوانية

وعما ذكره الإخواني السابق د.حامد جامع أنها كانت من كوادر الإخوان في نهاية الأربعينيات وارتدت الحجاب لبعض الوقت، نفت ذلك وقالت إنه لم يحدث. وتساءلت: ما علاقتي بحامد جامع.. هل لأنه كان زميلي بكلية الطب.. أتخذه مرجعا؟. إنه يريد أن يشتهر، فأي شخص يريد الشهرة يذكر اسم نوال السعداوي. أنا لم ارتد الحجاب ولم أكن إخوانية. بكل أسف كان "جامع" في دفعتي لكني لا اذكره ولا اذكر شكله.

*العربية نت
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 05:56 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/40914.htm