المؤتمر نت - بعد جهد من البحث والدوران في أروقة متداخلة، لا تشبه إلا نفسها، أو ربما تشبه خريطة لمدينة أثرية، يفضي بك المكان إلى الجامع الكبير بإب.
لا أحد من الناس هنا؛ لتسأله عن حاجتك، فالساعة الآن العاشرة من صباح السادس من شهر رمضان، والأزقة فارغة إلا من (جدران تمطر صمتاً وكآبة).

المؤتمرنت/استطلاع/ عارف أبو حاتم -
الجامع الكبير بـ(إب).. تفاصيل ألم إضافي
بعد جهد من البحث والدوران في أروقة متداخلة، لا تشبه إلا نفسها، أو ربما تشبه خريطة لمدينة أثرية، يفضي بك المكان إلى الجامع الكبير بإب.
لا أحد من الناس هنا؛ لتسأله عن حاجتك، فالساعة الآن العاشرة من صباح السادس من شهر رمضان، والأزقة فارغة إلا من (جدران تمطر صمتاً وكآبة).
(كل زقاق يؤدي إلى الجامع الكبير)- قالها رجل في منتصف الخمسين من عمره، وهو ينظر إليًً وكأنه أصاب حكمة أبدية العمر. لم أكن بحاجة إلى تلك الحكمة العتيقة، بل أحتاج إلى طفل صغير يدلني على مكان الجامع مقابل صورة مجانية التقطها له.
كان الجامع يبدو مثل شيخ فقد ماله ورجاله في معركة لاناقة له فيها ولا بعير، فأصبح يلبس ما يجد من الثياب، ويأكل ما فضل من الطعام. هذا هو الجامع الكبير الرابض وسط مدينة إب القديمة- فراشه يشبه لون بيت غني (قليل ولف) كل حجر بلون مختلف.

تفاصيل ألم إضافي
أجدني الآن أبحث عن تفاصيل مقنعة، تبرر ورطة تشبيه الجامع بشيخ فقد رجاله وماله.
- لعل هذا الشيخ يرتدي الآن ثوباً لم يعد أبيضَ لكثرة ما علق به من الأوساخ. الجدار الخارجي للجامع الكبير- كذلك- لم يعد أبيضَ لكثرة ما علق به من أوساخ الشوارع والسيول والغبار والبصاق.
- فراش الجامع يشبه ثوب ذلك الشيخ، لا تناسق،أو تناغم بين المساجد المقيم على نظافتها الأثرياء.
- الجامع فقد أُولي العزم -من رجاله- الذين شيدوه واعتنوا به وأقاموا له خدماً؛ لرعايته، وذلك الشيخ فقد رجاله الذين منحوه القوة والسلطان ذات يوم.
- كان للجامع ممتلكات كثيرة أوقفها ملوك الدولة الصليحية لخدمته. وبقيت كذلك حتى عهد قريب- وكان لذلك الشيخ أموالٌ وموارد. حسرها في لحظة من الشهامة. لم يعمل حساباً لالتزاماتها اللاحقة.
- الجامع الكبير أصبح – مثل ذلك الشيخ- مولعاً بالحديث عن تاريخه، ومناقبه ومآثره الخالدة. كل شيئً أفل الآن، ولم تبق إلا الذكريات الحميمة بين مئذنة الجامع وقبته (الرسوليتين).
خلفية تاريخية
يرجع تاريخ بناء الجامع الكبير- بإب- حسب الروايات الإخبارية المتداولة إلى عصر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب- رضي الله عنه)، أي إلى (العقد الثاني من القرن الأول للهجرة ) وقد سمي بالجامع العُمري نسبة إلى الخليفة عُمر بن الخطاب. وخلال العصور الإسلامية المتتابعة توالت عليه إضافات وتجديدات جعلت منه الجامع الرابع في اليمن بعد جامع الجند،والجامع الكبير بصنعاء، وجامع الأشاغرة بزبيد.
وكانت أكبر توسعة حصلت للجامع هي التوسعة التي قام بها وزير الدولة الزيادية (الحسين بن سلامة) ضمن أعماله التي شملت بناء العديد من المساجد والجوامع الإسلامية المنتشرة من حضرموت، وحتى مكة.
ويعود بناء الجامع الحالي إلى الأمير أسد الدين محمد بن الحسن بن أخي نور الدين عمر بن علي بن الرسول في بداية عصر الدولة الرسولية. وجُدِّدَ الجامع – أيضاً- في عصر الدولة الطاهرية أيام السلطان عامر بن عبدالوهاب (894- 923 هجرية) ثم حصل تجديد آخر أيام الحُكم الأول للعثمانيين قام به الوزير حسن باشا عام (996 هجرية) وكان آخر تجديد وتوسيع للجامع قبل أكثر من خمسين عاماً على يد القاضي أحمد السياغي.

جامع.. يتألم صامتاً
في الجهة الغربية للجامع ترتفع مظلة قديمة ترتكز على أربعة أعمدة كبيرة، ونصف دائرية من الأعلى. حدقت في أعلاها بحثاً عن نقوش أثرية فلم أجد. أرجعت النظر إلى الأسفل فوجدت عبارات كثيرة، ليست نقوشاً أثرية، بل شعارات انتخابية للمرشحين!!
ومن أحد بابين- في الجهة الغربية- كان الدخول إلى الرحاب الطاهرة- إلى جامع لا يشكو بؤسه لأحد. فلا أحد أرضى ضميره في رحاب هذا الجامع ليسأله عن حالته وحاجته. ولا أحد ممن عرف حاجته لبَّى النداء وقرر البناء، كما لا أحد هنا يعرف شيئاً عن الجامع غير اسمه، فكل المصلين يفكرون باتجاه واحد هو :الانتباه على أحذيتهم، وكل من سألناه عن الجامع قال: (اسأل القيم عباس الغرباني).
انتظرت عباساً (وكان يقظاً حساساً، منتبهاً لا يعرف شيئاً).
كنت أظنه رجلاً تجاوز السبعين من عمره؛ فكان شاباً لم يتجاوز الثلاثين من عمره، وكل ما يعرفه عن المسجد هو أن الذي بناه عُمر بن الخطاب، ووسعه القاضي أحمد السياغي.
والقاضي أحمد السياغي كان عاملاً للإمام أحمد بن يحيى حميد الدين في محافظة إب، وعرف باهتمامه بالمساجد ومدارس العلم.

لا واحدية
عند أهل إب مثل يقول: (مصنم مثل ديور حُبيش) ويطلق على الشيء الذي يبدو منظره الخارجي حسناً، وداخله شعِثُُ ورثٌّ.
فإذا كان المنظر الخارجي للجامع الكبير بإب يُبكي القلب ويسيل الحزن، فكيف بداخله؟ فالجامع يتسع من الداخل بطريقة لا تمنحه شكلاً هندسياً واحداً، فأعمدة الجامعة في الجهة الشرقية خمسة أعمدة في العرض أما الجهة الغربية فأعمدتها ثمانية. وكل الأعمدة مصممة بطريقة لا تعطيها واحدية في الشكل، وبعضها مسور بالأحجار السوداء، والبعض الآخر بطلاء أبيض. حتى سقف الجامع لا يظهر على أخشابه لون واحد. فالجهة الغربية ذات لون أبيض والجهة الشرقية بقيت محتفظة بلون أخشابها.
وينتصب على طول الجامع خمسة عشر عموداً يعلوها عقود نصف دائرية، بين كل عمود وآخر حوالي خمسة أمتار.
أما فراش الجامع فنظافته كبيرة وألوانه كثيرة. إذْ لا يوجد في الجامع فراش واحد يعطيه هيبته وجلاله، لكن أحدهم قال لي أن مسؤولين وأثرياء كثر يأتون للصلاة يوم الجمعة في هذا الجامع(!!)
وعلى جوانب الجدران تنتشر النوافذ المتوسطة الحجم. وفوق كل نافذة، توجد نافذة أخرى بنفس الحجم. لكنها- رغم كثرتها- لا تعطي الجامع إضاءة كافية. نتيجة التشديد في عمل (الحديد المشبك) لها مما جعلها تبدو من الخارج أشبه بنوافذ سجون "سيبيريا" أيام الشيوعية الحمراء.

باب ومحرابان
وعند مقدمة الجامع يوجد باب ومحرابان، والباب مغلق بصورة شبه مستمرة، ولا يفتح إلا في الزحام الشديد، أو عند خروج الجنائز الكبيرة. أما المحرابان فَعِلَّةُ وجودهما في أن التوسعة التي قام بها عامل الإمام بإب القاضي: أحمد السياغي- رحمه الله- جعلت الجامع الكبير يتوسع باتجاه الشرق؛ مما جعل المحراب لا يتوسط الجامع. فأمر القاضي السياغي بعمل محراب، ومنبرٍ من الخشب، وسط الجامع، وترك المحراب القديم منذ خمسين عاماً للزينة، لا للصلاة.

الجامع قديماً
والجامع الكبير- بأكمله- مسقوف بالخشب، ماعدا مقدمته التي بُنيت أيام الدولة الرسولية. فقد تُركت كما هي مسقوفةً بالقباب العتيقة، وإذا ما وقفنا أمام المحراب القديم، فسنجد أن الجامع مسقوف بست من القباب في الجهة الشرقية، وست أخرى في الجهة الغربية، وتتوسطها قبة كبيرة عليها نقوش قرآنية تعود إلى عهد الدولة الرسولية.
وللجامع من الخارج صحن واسع تحيط به أربعة أروقة أعمقها، وأكبرها رواق القبة ويعرف بالجامع الداخلي.
كما أن للجامع مئذنة عالية تقع في الناحية الجنوبية الشرقية، وهي على شكل بدن مثمن تنتهي بشرفة يتوجها من الأعلى طاقية مقببة. ويرجع تاريخ المئذنة إلى عصر الدولة الرسولية في عام (685هجرية)- حسبما وجد مدوناً على حجر أسفل جدار المئذنة.


تساؤل مشروع
من يصدق أن مئذنة الجامع الكبير، بإب آيلة للسقوط، و تنحني يوم بعد آخر، مثل "برج بيزا" حتى كادت أن تتكئ على دار مجاورة لها؟
وهل تعرف وزارة الأوقاف أن هذه المئذنة يعود بناؤها إلى عهد الدولة الرسولية؟
وهل تعرف وزارة الأوقاف –أيضاً- أن حمامات الجامع الكبير مستنقعٌ جيدٌ لتخصيب الجراثيم والعفن؟‍
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 23-ديسمبر-2024 الساعة: 06:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/4116.htm