الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث قال الإمام الذهبي في كتابه العظيم "تاريخ الإسلام" في ترجمة الإمام البخاري: هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه؛ الإمام العَلَم أبو عبد الله ، الجعفي مولاهم ، البخاري صاحب "الصحيح" والتصانيف. وُلد في شوال سنة أربع وتسعين ومائة (194هـ). وأول سماعه كانت في سنة خمسٍ ومائتين. وحفظ تصانيف ابن المبارك وحُبِّبَ إليه العلمُ من الصغر ، وأعانه عليه ذكاؤه المفرط. وقد تربى الإمام البخاري في كنف والدته –رحمها الله تعالى-، حيث نشأ يتيماً وكان أبوه من العلماء الورعين. وقال الإمام البخاري عن والده: سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك. وقال أحمد بن حفص عن والد الإمام البخاري: دخلت على أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم عند موته فقال: "لا أعلم في جميع مالي درهما من شبهة"! قال أحمد: فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك. [بعض شيوخه] ورحل الإمام البخاري في طلب العلم سنة عشرة ومائتين بعد أن سمع الكثير ببلده من سادة وقته : محمد بن سلام البيكندي ومحمد بن يوسف البيكندي وعبد الله بن محمد المسندي ومحمد بن غرير وهارون بن الأشعث وطائفة ... وسمع ببلخ من : مكي بن إبراهيم ويحيى بن بشر الزاهد وقتيبة وجماعة ... وكان مكي أحد من حَدَّثَه عن ثقات التابعين. وسمع بـ"مرو" مِنْ : علي بن الحسن بن شقيق وعبدان ومعاذ بن أسد وصدقة بن الفضل وجماعة ... وسمع بنيسابور من : يحيى بن يحيى وبشر بن الحكم وإسحاق وعدة ... وبـ"الري" من : إبراهيم بن موسى الحافظ وغيره ... وببغداد من : محمد بن عيسى الطباع وسريج بن النعمان وعفان ومعاوية بن عمرو الأزدي وطائفة ... وقال : "دخلت على معلى بن منصور ببغداد سنة عشر...". وسمع بالبصرة من : أبي عاصم النبيل وبدل بن المحبر ومحمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي وعمرو بن عاصم الكلابي وعبد الله بن رجاء الغداني وطبقتهم ... وبالكوفة من : عبيد الله بن موسى وأبي نعيم وطلق بن غنام والحسن بن عطية وهما أقدم شيوخه موتا ؛ وخلاد بن يحيى وخالد بن مخلد وفروة بن أبي المغراء وقبيصة وطبقتهم ... وبمكة من : أبي عبد الرحمن المرئ والحميدي وأحمد بن محمد الأزرقي وجماعة ... وبالمدينة من : عبد العزيز الأويسي ومطرف بن عبد الله وأبي ثابت محمد بن عبيد الله وطائفة ... وبواسط من : عمرو بن عون وغيره ... وبمصر من : سعيد بن أبي مريم وعبد الله بن صالح الكاتب وسعيد بن تليد وعمرو بن الربيع بن طارق وطبقتهم وبدمشق من أبي مسهر شيئا يسيرا ؛ ومن أبي النضر الفراديسي وجماعة ... وبقيسارية من : محمد بن يوسف الفريابي وبعسقلان : من آدم بن أبي إياس وبحمص من : أبي المغيرة وأبي اليمان وعلي بن عياش وأحمد بن خالد الوهبي ويحيى الوحاظي ... وذكر أنه سمع من ألف نفس !! [بعض تلاميذه ومن رووا عنه] وحدث بالحجاز والعراق وخراسان وما وراء النهر . وكتبوا عنه وما في وجهه شعرة! روى عنه الأئمة أبو زرعة وأبو حاتم قديماً، وروى عنه الإمام مسلم في غير "الصحيح" والإمام محمد بن نصر المروزي الفقيه وصالح بن محمد جزرة الحافظ وأبو بكر بن أبي عاصم ومطين وأبو العباس السراج وأبو بكر بن خزيمة وأبو قريش محمد بن جمعة ويحيى بن محمد بن صاعد وإبراهيم بن معقل النسفي ومهيب بن سليم وسهل بن شاذويه ومحمد بن يوسف الفربري ومحمد بن أحمد بن دلويه وعبد الله بن محمد الأشقر ومحمد بن هارون الحضرمي والحسين بن إسماعيل المحاملي وأبو علي الحسن بن محمد الداركي وأحمد بن حمدون الأعمش وأبو بكر بن أبي داود ومحمود بن عنبر النسفي ومطين وجعفر بن محمد بن الحسن الجروي وأبو حامد بن الشرقي وأخوه أبو محمد عبد الله ومحمد بن سليمان بن فارس ومحمد بن المسيب الأرغياني ومحمد بن هارون الروياني وخلق ... وآخر من روى عنه "الجامع الصحيح": منصور بن محمد البزدوي المتوفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. وآخر من زعم أنه سمع من البخاري موتا (يعني آخر من مات من تلاميذ البخاري) أبو ظهير عبد الله بن فارس البلخي المتوفى سنة ست وأربعين وثلاثمائة. وآخر من روى حديثه عالياً : خطيب الموصل في الدعاء للمحاملي ؛ بينه وبينه ثلاثة رجال. أعظم مصنفاته: وأما جامعه الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى! وهو أعلى شيء في وقتنا إسناداً للناس. ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلو سماعه فكيف اليوم؟! فلو رحل الشخص لسماعه من مسيرة ألف فرسخ لما ضاعت رحلته. وأنا أدري أن طائفة من الكبار يستقلون عقلي في هذا القول ولكن: ما يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها و"من جهل شيئا عاداه" ولا قوة إلا بالله. فـصـل نقل ابن عدي وغيره أن مغيرة بن بردزبه المجوسي جدّ البخاري أسلم على يد والي بخارى "يمان الجعفي" جدّ المحدث عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان الجعفي المسندي . فولاؤه للجعفيين بهذا الاعتبار. وقال ابن عدي : سمعت الحسن بن الحسين البزاز يقول : رأيت البخاري شيخا نحيفا ليس بالطويل ولا بالقصير . عاش اثنتين وستين إلا ثلاثة عشر يوما وقال أحمد بن الفضل البلخي : ذهبت عينا محمد في صغره فرأت أمه إبراهيم عليه السلام فقال : يا هذه قد رد الله على ابنك بصره بكثرة بكائك أو دعائك فأصبح وقد رد الله عليه بصره. وعن جبريل بن ميكائيل : سمعت البخاري يقول : لما بلغت خراسان أصبت ببصري فعلمني رجل أن أحلق رأسي وأغلفه بالخطمي ففعلت فرد الله علي بصري . رواها غنجار في تاريخه. وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق : قلت للبخاري : كيف كان بُدُوّ أمرك؟ قال : أُلْهِمْتُ حفظ الحديث في المكتب ولي عشر سنين أو أقل، وخرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوماً فيما يقرأ على الناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم . فقلت له إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني فقلت له : اِرجع إلى الأصل! فدخل ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم! فأخذ القلم مني وأصلحه وقال: صدقت! فقال للبخاري بعض أصحابه : ابنُ كَم كُنت؟ قال: "ابن إحدى عشر سنةً! فلما طعنت في ست عشرة سنة حَفِظْتُ كُتُب ابن المبارك ووكيع، وعرفتُ كلام هؤلاء. ثم خرجتُ مع أبي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها وتخلفت في طلب الحديث. فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى. وصنفت كتاب "التاريخ" إذ ذاك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة. وقَلَّ اسمٌ في "التاريخ" إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب". وقال عمرو بن حفص الأشقر : كنا مع البخاري بالبصرة نكتب الحديث ففقدناه أياماً ثم وجدناه في بيت وهو عريان وقد نفذ ما عنده. فجمعنا له الدراهم وكسوناه. وقال عبد الرحمن " بن محمد البخاري " : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : لقيت أكثر من ألف رجلٍ (من أهل الحديث) من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر وخراسان إلى أن قال : فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء: "إن الدين قول وعمل وأن القرآن كلام الله"! وقال محمد بن أبي حاتم : سمعته يقول : دخلت إصبهان مرات كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال لي آخر ما ودّعته : يا أبا عبد الله تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان؟! فأنا الآن أذكر قول أحمد! وقال أبو بكر الأعين : كتبت عن البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي وما في وجهه شعرة! [من شهادة العلماء للإمام البخاري] وقال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري : سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان : كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له، فقال : إنكما قد أكثرتما علي فاعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه! ثم قال : أترون إني أختلف هدرا وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد قالا : فكان أهل المعرفة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شاب لم يخرج وجهه! وقال محمد بن أبي حاتم : وسمعت سليم بن مجاهد يقول : كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال لي: لو جئتَ قبلُ لرأيت صبياً يحفظ سبعين ألف حديث! قال: فخرجت في طلبه وتلقّيته فقلت: أنت الذي تقول: أنا أحفظ سبعين ألف حديث؟ قال: "نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم! ولست أروي حديثاً من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي في ذلك أصل أحفظه حفظاً عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم". وقال محمد بن حمدون بن رستم : سمعت مسلم بن الحجاج يقول للبخاري : "دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله". وقال الترمذي : "لم أر أحداً بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل". وقال إسحاق بن أحمد الفارسي: سمعت أبا حاتم يقول سنة سبع وأربعين ومائتين: محمد بن إسماعيل أعلم مَنْ دخل العراق! ومحمد بن يحيى أعلم مَن بخراسان اليوم ومحمد بن أسلم أورعهم وعبد الله الدارمي أثبتهم". وعن أحمد بن حنبل قال: "انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان : أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل والدارمي والحسن بن شجاع البلخي". وقال أبو أحمد الحاكم : كان البخاري أحد الأئمة في معرفة الحديث وجمعه. ولو قلت أني لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه في المبالغة والحسن لرجوت أن أكون صادقاً". قال محمد بن يوسف البخاري قال: كنت عند محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة! وقال محمد بن أبي حاتم الوراق : كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيتٌ واحد إلا في القيظ أحياناً. فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراً ويُسرج ثم يُخرِج أحاديث فيُعلم عليها ثم يضع رأسه. وكان يصلي وقت السحر ثلاث عشرة ركعة. وكان لا يوقظني في كل ما يقوم، فقلت له: إنك تحمل على نفسك في كل هذا ولا توقظني؟! قال : أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك". وقال الفِرَبْرِي: قال لي محمد بن إسماعيل ما وضعت في " الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين". يعني ما جلس ليضع في تصنيفه شيئا إلا وفعل ذلك لا أنه يفعل ذلك لكل حديث. وقال إبراهيم بن معقل: سمعت أبا عبد الله يقول: "كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً للسنن! فوقع ذلك في قلبي فأخذتُ في جمع هذا الكتاب". وعن البخاري قال: "أخرجتُ هذا الكتاب من نحو ستمائة ألف حديث وصنفته ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله، رويت من وجهين ثابتين عنه". وقال إبراهيم بن معقل : سمعته يقول : ما أدخلت في الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لأجل الطول". وقال محمد بن أبي حاتم : قلت لأبي عبد الله : تحفظ جميع ما في المصنف؟ قال : لا يخفى علي جميع ما فيه ولو نشر بعض أساتذي هؤلاء لم يفهموا كتاب التاريخ ولا عرفوه! ثم قال : صنفته ثلاث مرات. وقد أخذه ابن راهويه فأدخله على عبد الله بن طاهر فقال : أيها الأمير ألا أريك سحراً. فنظر فيه عبد الله فتعجب منه وقال: لست أفهم تصنيفه! وقال الفربري: حدثني نجم بن الفضل وكان من أهل الفهم قال: "رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم خرج من قرية ومحمد بن إسماعيل خلفه فإذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على قدمه ويتبع أثره". وقال خلف الخيام: سمعت أبا عمرو بن نصر الخفاف يقول: محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من أحمد وإسحاق بعشرين درجة ومن قال فيه شيء فمني عليه ألف لعنة، ولو دخل من هذا الباب لملئت منه رعباً. وقال أبو عيسى الترمذي : كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير فلما قام من عنده قال له : "يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة". قال أبو عيسى: استجيب له فيه. وقال جعفر بن محمد المستغفري في "تاريخ نسف" وذكر البخاري: لو جاز لي لفضّلته على من لقي من مشايخه ولقلت: ما رأى بعينه مثل نفسه! دخل نسفَ سنة ست وخمسين وحدث بها بجامعه الصحيح وخرج إلى سمرقند لعشر بقين من رمضان ومات بقرية خرتنك ليلة الفطر". وقال الحاكم: "أول ما ورد البخاري نيسابور سنة تسع ومائتين ووردها في الأخير سنة خمسين ومائتين فأقام بها خمس سنين يحدث على الدوام". قال محمد بن أبي حاتم: بلغني أن أبا عبد الله شرب البلاذر للحفظ فقلت له : هل من دواء يشربه الرجل للحفظ فقال: لا أعلم . ثم أقبل علي وقال: لا أعلم شيئاً أنفع لحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر، وذلك أني كنت بنيسابور مقيماً فكان يرد إلي من بخارى كتبٌ وكُنَّ قراباتٍ لي يقرئن سلامهن في الكتب فكنت أكتب إلى بخارى وأردت أن أقرئهن سلامي فذهب علي أساميهن حين كتبت كتابي ولم أقرئهن سلامي! وما أقل ما يذهب عني في العلم". يعني: ما أقل ما يذهب عنه من العلم لمداومة النظر والاشتغال وهذه قراباته قد نسي أسماءهن! وغالب الناس بخلاف ذلك؛ فتراهم يحفظون أسماء أقاربهم ومعارفهم ولا يحفظون إلا اليسير من العلم! قال محمد بن أبي حاتم : وسمعته يقول: لم يكن كتابي للحديث كما يكتب هؤلاء، كنتُ إذا كتبتُ عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبه وعلة الحديث إن كان فهِماً فإن لم يكن فهِماً سألته أن يخرج إلى أصله ونسخته . فأما الآخرون فإنهم لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون. وسمعت العباس الدوري يقول : ما رأيت أحداً يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل . كان لا يدع أصلاً أو فرعاً إلا قلعه! ثم قال لنا عباس : لا تدعوا شيئاً من كلامه إلا كتبتموه! سمعت إبراهيم الخواص مستملي صدقة يقول : رأيت أبا زرعة كالصبي جالساً بين يدي محمد بن إسماعيل يسأله عن علل الحديث. فصل في ذكائه وسعة علمه قال جعفر بن محمد القطان إمام كرمينية فيما رواه عنه مهيب بن سليم أنه سمع محمد بن إسماعيل يقول : "كتبت عن ألف شيخ أو أكثر عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر! ما عندي حديثٌ إلا أذكر إسناده"! وقال محمد بن أبي حاتم : قرأ علينا أبو عبد الله كتاب الهبة فقال : ليس في هبة وكيع إلا حديثان مسندان أو ثلاثة وفي كتاب عبد الله بن المبارك خمسة أو نحوها وفي كتابي هذا خمسمائة حديث أو أكثر. وسمعت أبا عبد الله يقول: ما قدمت على أحد إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به. قال محمد بن أبي حاتم : سمعت سليم بن مجاهد يقول : سمعت أبا الأزهر يقول : "كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن!!". وقد ذكرت حكاية البغداديين في مثل هذا. وقال الفربري : سمعت أبا عبد الله يقول: "ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني وربما كنت أغرب عليه". وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا عبد الله يقول : "ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في مصنفاتي من الحديث فإذا نحو مائتي ألف حديث مسندة". وسمعته يقول: ما كتبت حكاية قط كنت أتحفظها. وسمعته يقول: لا أعلم شيئاً يُحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة". فقلت له: يمكن معرفة ذلك كله؟ قال: نعم! وسمعته يقول : كنت في مجلس الفريابي فقال: ثنا سفيان عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد"، فلم يعرف أحد في المجالس أبا عروة ولا أبا الخطاب، قال : أما أبو عروة فمعمر وأبو الخطاب قتادة. قال: وكان الثوري فعولاً لهذا يكني المشهورين. قال محمد بن أبي حاتم : قدم رجاءٌ الحافظ فقال لأبي عبد الله : ما أعددت لقدومي حيث بلغك وفي أي شيء نظرت؟ قال: "ما أحدثت نظراً ولم أستعد لذلك فإن أحببت أن تسألني عن شيء فافعل". فجعل يناظره في أشياء فبقي رجاء لا يدري، ثم قال له أبو عبد الله : هل لك في الزيادة فقال استحياءً وخجلاً منه: نعم، قال: سل إن شئت، فأخذ في أسامي أيوب فعدّ نحواً من ثلاثة عشر وأبو عبد الله ساكت فظن رجاء أن قد صنع شيئاً فقال: يا أبا عبد الله فاتك خير كثير، فزيّف عبد الله في أولئك سبعا وأغرب عليه نحو أكثر من ستين رجلاً، ثم قال له رجاء : كم رويت في العمامة السوداء قال: هاتِ كم رويت أنت؟ قال البخاري: نروي نحواً من أربعين حديثاً، فخجل رجاء ويبس ريقه. وسمعت أبا عبد الله يقول: دخلت بلخ فسألوني أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه فأمليت ألف حديث عن ألف شيخ. وقال ابن أبي حاتم وراق أبي عبد الله : قال أبو عبد الله : سئل إسحاق بن إبراهيم عمن طلّق ناسياً فسكت . فقلت : قال النبي صلى الله عليه و سلم : "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم" . وإنما يراد مباشرة هذه الثلاث : العمل والقلب أو الكلام والقلب وهذا لم يعتقد بقلبه، فقال إسحاق : قويتني . وأفتى به. قال : وسمعت أبا عبد الله البخاري يقول : "ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي". وسمعت بعض أصحابي يقول : كنت عند محمد بن سلام البيكندي فدخل محمد بن إسماعيل فلما خرج قال محمد بن سلام : كلما دخل علي هذا الصبي تحيرت والتبس علي أمر الحديث ولا أزال خائفاً منه ما لم يخرج". ثناء الأئمة على البخاري قلت: فارق البخاري بخارى وله خمس عشرة سنة ولم يره محمد بن سلام بعد ذلك فقال سليم بن مجاهد: كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال: لو جئت قبل لرأيت صبياً يحفظ سبعين ألف حديث! فخرجت حتى لحقته فقلت: أنت تحفظ سبعين ألف حديث قال : نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثا من حديث الصحابة والتابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظاً عن كتاب أو سنة". وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت يحيى بن جعفر البيكندي يقول : "لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت ؛ فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم". وسمعته يقول لمحمد بن إسماعيل : "لولا أنت ما استطبت العيش ببخارى". وسمعت محمد بن يوسف يقول: كنت عند أبي رجاء يعني قتيبة فسئل عن طلاق السكران فقال: "هذا أحمد بن حنبل وابن المديني وابن راهويه قد ساقهم الله إليك " وأشار إلى محمد بن إسماعيل. وكان مذهب محمد أنه إذا كان مغلوب العقل لا يذكر ما حدث في سكره أنه لا يجوز عليه من أمره شيء. ديانته وصلاحه قال مسبح بن سعيد : كان البخاري يختم في رمضان كل يوم ختمة ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة. وقال أبو بكر بن منير : سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني إني اغتبت أحداً". قلت : يشهد لهذه المقالة كلامه رحمه الله في التجريح والتضعيف فإنه أبلغ منا، يقول في الرجل المتروك أو الساقط: "فيه نظر" أو "سكتوا عنه" ولا يكاد يقول: "فلان كذاب" ولا "فلان يضع الحديث"، وهذا من شدة ورعه. وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : "ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها" قال: وكان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة وكان لا يوقظني في ما يقوم فقلت: أراك تحمل على نفسك فلو توقظني ، فقال : أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك. وقال غنجار : سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد المقرئ : سمعت بكر بن منير يقول : كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة فلما قضى الصلاة قال : انظروا إيش آذاني. وقال محمد بن أبي حاتم : دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان فلما صلى بهم الظهر قام يتطوع . فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه وقال لبعض من معه : اُنظر هل ترى تحت القميص شيئاً فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعا وقد تورم من ذلك عشرة فقال له بعض القوم : كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك قال : كنت في سورة فأحببت أن أتمها! وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة : "ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحفظ له من محمد بن إسماعيل". وقال مسبح بن سعيد البخاري : سمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول : قد رأيت العلماء بالحجاز والعراقين فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل. وقال صالح بن محمد جزرة : كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد وكنت أستملي له ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفاً. وقال إسحاق بن زبرك : سمعت أبا حاتم في سنة سبع وأربعين ومائتين يقول : يقدم عليكم رجل من خراسان لم يخرج منها أحفظ منه . ولا قدم العراق أعلم منه! فقدم علينا البخاري وقال أبو بكر الخطيب : سئل العباس بن الفضل الرازي الصائغ : أيهما أحفظ أبو زرعة أو البخاري فقال : "لقيت البخاري بين حلوان وبغداد فرحلت معه مرحلة وجهدت أن أجيء بحديث لا يعرفه فما أمكن وأنا أغرب على أبي زرعة عدد شعري! وقال خلف الخيام: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر الخفاف يقول: "محمد بن إسماعيل أعلم بالحديث من إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهما بعشرين درجة، ومن قال فيه شيئاً فمني عليه ألف لعنة"، ثم قال: "محمد بن إسماعيل التقي النقي العالم الذي لم أر مثله". وقال عبد الله بن حماد الآملي: "وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل". وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم : سمعت أصحابنا يقولون : لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة. وقال محمد بن أبي حاتم : رأيت أبا عبد الله استلقى على قفاه يوماً ونحن بفربر في تصنيف كتاب "التفسير" وأتعب نفسه يومئذ فقلت له : إني أراك تقول إني ما أتيت شيئاً بغير علم قط منذ علقت فما الفائدة في الاستلقاء قال: "أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور وخشيت أن يحدث حدث من أمر العدو وأحببت أن أستريح وآخذ أهبة فإن غافصنا العدو كان منا حراك". وكان يركب إلى الرمي كثيراً فما أعلمني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين فكان يصيب الهدف في كل ذلك. وكان لا يُسبَق. وسمعته يقول : ما أكلت كراثا قط ولا القنابرى. قلت : ولم ذاك قال : كرهت أن أؤذي من معي من نتنها، قلت : فكذلك البصل النيء قال : نعم. وسمعته يقول : ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه وقال له بعض أصحابه : يقولون أنك تناولت فلاناً، قال : سبحان الله ما ذكرت أحداً بسوء إلا أن أقول ساهياً قال : وكان لأبي عبد الله غريم قطع عليه مالاً كثيراً، فبلغه أنه قدِم آمل ونحن بفِرَبْر فقلنا له: ينبغي أن تعبر وتأخذه بمالك! فقال: ليس لنا أن نردعه. ثم بلغ غريمه فخرج إلى خوارزم فقلنا : ينبغي أن تقول لأبي سلمة الكسائي عامل آمل ليكتب إلى خوارزم في أخذه. فقال: إن أخذت منهم كتاباً طمعوا في كتاب ولست أبيع ديني بدنياي. فجهدنا فلم يأخذ حتى كلمنا السلطان عن غير أمره فكتب إلى والي خوارزم. فلما بلغ أبا عبد الله ذلك وجد وجداً شديداً وقال: لا تكونوا أشفق علي من نفسي. وكتب كتاباً وأردف تلك الكتب بكتب. وكتب إلى بعض أصحابه بخوارزم أن لا يتعرض لغريمه وقصدنا ناحية مرو فاجتمع التجار وأخبر السلطان فأراد التشديد على الغريم فكره ذلك أبو عبد الله فصالح غريمه على أن يعطيه كل سنة عشرة دراهم شيئاً يسيراً. وكان المال خمسة وعشرين ألفاً. ولم يصل من ذلك إلى درهم ولا إلى أكثر منه. وسمعت أبا عبد الله يقول: ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه! قلت : فمن يتولى أمرك في أسفارك؟ قال: كنت أكفى ذلك. وسمعته يقول : كنت أستغل كل شهر خمسمائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم. فقلت : كم بين مثل من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب العلم، وكنا بفربر وكان أبو عبد الله يبني رباطا مما يلي بخارى . فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك . وكان ينقل اللبن فكنت أقول : إنك تكفى . فيقول : هذا الذي ينفعنا. ثم أخذنا ننقل الزنبرات معه وكان ذبح لهم بقرة فلما أدرك القدور دعا الناس إلى الطعام وكان بها مائة نفس أو أكثر ولم يكن علم أنه اجتمع ما اجتمع . وكنا أخرجنا معه من فربر خبزاً بثلاثة دراهم أو أقل فألقينا بين أيديهم فأكل جميع من حضر وفضلت أرغفة صالحة . وكان الخبز إذ ذاك خمسة أمناء بدرهم. وقال لي مرة : أحتاج في السنة إلى أربعة آلاف أو خمسة آلاف درهم . وكان يتصدق بالكثير . يناول الفقير من أصحاب الحديث ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد، وكان لا يفارقه كيسه. ورأيته ناول رجلاً صرة فيها ثلاثمائة درهم . وكنت اشتريت منزلاً بتسعمائة وعشرين درهماً. فقال لي : ينبغي أن تصير إلى نوح الصيرفي وتأخذ منه ألف درهم وتحضرها. ففعلت فقال: خذها واصرفها في ثمن البيت. فقلت: قد قبلت منك، وشكرته، وأقبلنا على الكتابة. وكنا في تصنيف "الجامع"، فلما كان بعد ساعة قلت: عرضت لي حاجة لا أجترئ رفعها إليك. فظن أني طمعت في الزيادة فقال: لا تحتشمني وأخبرني بما تحتاج فإني أخاف أن أكون مأخوذاً بسببك، قلت له: كيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه و سلم آخى بين أصحابه فذكر حديث سعد وعبد الرحمن، فقلت: قد جعلتك في حل من كل ما تقول ووهبتك المال الذي عرضتَه علي، عنيت المناصفة، وذلك أنه قال: لي جوارٍ وامرأة وأنت أعزب فالذي يجب علي أن أناصفك لنستوي في المال وغيره وأربح عليك في ذلك، فقلت له : قد فعلت رحمك الله أكثر من ذلك إذ أنزلتني من نفسك ما لم تنزل أحداً وصلت منك محل الولد. [محنة الإمام البخاري وابتلاؤه بأمير بخارى وبعض علمائه] وقال أحمد بن منصور الشيرازي الحافظ : سمعت بعض أصحابنا يقول : لما قدم البخاري بخارى نصب له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهل البلد ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقي أياما فكتب محمد بن يحيى الذهلي إلى أمير بخارى خالد بن أحمد الذهلي : إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة . فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا : لا نفارقه . فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج. قال أحمد بن منصور : فحدثني بعض أصحابنا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال : رأيت محمد بن إسماعيل في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى فقلت : يا أبا عبد الله كيف ترى هذا اليوم من يوم دخولك؟ فقال : لا أبالي إذا سلم ديني! فخرج إلى بيكند فسار الناس معه حزبين : حزب له وحزب عليه إلى أن كتب إلى أهل سمرقند فسألوه أن يقدم عليهم فقدم إلى أن وصل بعض قرى سمرقند فوقع بين أهل سمرقند فتنة بسببه؛ قوم يريدون إدخاله البلد وقوم يأبون إلى أن اتفقوا على دخوله. فاتصل به ما وقع بينهم فخرج يريد أن يركب فلما استوى على دابته قال: اللهم جز لي ثلاثا فسقط ميتاً. وحضره أهل سمرقند بأجمعهم. هذه حكاية منقطعة شاذة. وقال بكر بن منير بن خليد البخاري : بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي متولي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب "الجامع" "والتاريخ" وغيرهما لأسمع منك! فقال لرسوله: أنا لا أُذِلّ العلمَ ولا أحمله إلى أبواب الناس! فإن كانت له إلى شيء منه حاجة فليحضر إلى مسجدي أو في داري! فإن لم يعجبه هذا فإنه سلطان فليمنعني من الجلوس ليكون لي عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم . فكان هذا سبب الوحشة بينهما! وقال أبو بكر بن أبي عمرو البخاري : كان سبب منافرة البخاري أن خالد بن أحمد خليقة الظاهرية ببخارى سأله أن يحضر مجلسه فيقرأ "الجامع" و"التاريخ" على أولاده فامتنع فراسله بأن يعقد مجلساً خاصاً لهم فامتنع وقال: لا أخص أحداً. فاستعان عليه بحريث بن أبي الورقاء وغيره. وقال أبو حامد الأعمش : رأيت البخاري في جنازة سعيد بن مروان والذهلي يسأله عن الأسماء والكنى والعلل ويمر فيه البخاري مثل السهم فما أتى على هذا شهر حتى قال الذهلي : ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتنا . فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه! فأقام البخاري مدة وخرج إلى بخارى. [وفاة الإمام البخاري] وقال خلف الخيام : سمعت مهيب بن سليم يقول : مات عندنا أبو عبد الله ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين (256هـ). كان في بيت وحده . فوجدناه لما أصبح وهو ميت. وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا ذر يقول : رأيت في المنام محمد بن حاتم الخلقاني فسألته وأنا أعرف أنه ميت عن شيخي : هل رأيته قال : نعم ثم سألته عن محمد بن إسماعيل البخاري فقال : رأيته . وأشار إلى السماء إشارة كاد أن يسقط منها لعلو ما يشير. وقال أبو علي الغساني الحافظ : ثنا أبو الفتح نصر بن الحسن التنكتي السمرقندي : قدم علينا بلنسية عام أربعة وستين وأربعمائة قال : قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند فقال له : إني قد رأيت رأيا أعرضه عليك قال : وما هو قال : أرى أن تخرج وتخرج الناس معك إلى قبر الأمام محمد بن إسماعيل البخاري ونستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا،فقال القاضي : نعم ما رأيت! فخرج القاضي والناس معه واستسقى القاضي بالناس وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه فأرسل الله السماء بماء عظيم غزير أقام الناس من أجله سبعة أيام أو نحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته. وبين سمرقند وخرتنك نحو ثلاثة أميال. ومناقب أبي عبد الله رضي الله عنه كثيرة وقد أفردتها في مصنف وفيها زيادات كثيرة هناك والله أعلم. [انتهى مختصراً من كتاب تاريخ الإسلام للذهبي] أوزباكستان المسلمة |