المؤتمر نت - .
محمد حسين العيدروس -
المواطنة المتساوية والمسئوليات المتكافئة
شاع في الآونة الأخيرة تداول شخصيات ومنظمات وقوى سياسية لمفاهيم المواطنة، وجرت نقاشات كثيرة حول الحقوق المتصلة بها، والتي على الدولة أن تكفلها للفرد مادام هو أحد مواطنيها، باعتبارها حقوقا طبيعية ينبغي تساوي الجميع في التمتع بها.. ونجد أن البعض أعد لهذا الموضوع كتباً لتعريف الناس بحقوقهم، لكن بالمقابل، غاب عن الساحة من يتحدث عن مسؤوليات المواطنة، والواجبات المفروضة على المواطن، سواء تجاه أفراد آخرين، أو المجتمع، أو الدولة..!
لاشك أن الدولة معنية بضمان حقوق مواطنيها، وتعريفها دستوريا لتتخذ الطابع التشريعي الملزم، ثم السعي الى كفالتها بمختلف الإمكانيات المتاحة لها، وإذا ما تقاعست الدولة عن ذلك فإنها ستفقد صفتها التمثيلية لمواطنيها، وبالتالي تصبح مشروعيتها مجروحة.. ولكن عندما نضع ضمن شروط المواطنة حق الحياة الكريمة في الوقت الذي تكون فيه الدولة مصنفة من بين أفقر دول العالم فإن علينا أن نتوقع وجود شريحة كبيرة من المجتمع تعيش دون خط الفقر، وهو ما لا تتحقق به الحياة الكريمة..! إلا أننا لا نستطيع القول أن الدولة أو نظامها انتهكت حقوق المواطنة سوى عندما يتقاعس النظام في سعيه لتحسين الأوضاع المعيشية وزيادة إيراداته، والعمل بشتى الطرق لمكافحة الفقر، والبطالة، وكل ظروف الحياة الصعبة.
ويجري الحال نفسه في مسألة العدالة، والفرص المتساوية، والحقوق المتكافئة.. ومن هنا تلجأ الحكومات إلى الخيارات الديمقراطية من أجل بناء شراكة نوعية بين الفرد والمجتمع والدولة، وخلق تنافس بين مختلف القوى الوطنية، إلى جانب الحراك المدني ودوره التوعوي، والرقابي، والتنموي - يهدف النهوض بالواقع وإيصال الفرد الى طموحه المنشود في الحياة الكريمة.
للأسف إن بعض القوى السياسية الوطنية لا تفهم هذا النوع من الشراكة، وتطالب الدولة بمنح الفرد حق المواطنة الكاملة في نفس الوقت الذي تتغاضى عن مبدأ المسؤوليات المتكافئة التي تمليها "المواطنة"..! فالانتماء إلى وطن بعينه يلقي على الفرد والمجتمع مسؤوليات كثيرة، في مقدمتها مسؤولية الدفاع عنه، والمساهمة في بنائه، والارتقاء بظروف نهضته.. وبالتالي كيف للفرد أن يطالب بحق المواطنة وهو يرفض الانتماء للوطن روحاً ووجداناً..؟ كيف يمكن اعتبار نفسه مواطناً يمنياً -مثلاً- وهو يقف في طريق الاستثمارات التي من شأنها تحسين مستوى معيشة الشعب كاملاً، أو يشوه سمعة اليمن، أو يستهتر بالقانون والنظام، ويسعى لنسف السلام الاجتماعي والأمن الذي هو شرط أي تنمية وطنية، وأي مسعى لتعزيز الحياة الكريمة..!؟
من غير المنطق أبداً أن تقف بعض القوى متفرجة، ولا تساهم حتى بالتوعية - باعتبارها مهمة لا تحتاج غير التثقيف والتنوير - وتنظر الى كل التحديات التي تواجه البلد على أنها من اختصاص الحزب الحاكم، وليس لأي أحد سواه أي دخل فيها.. ثم تتصرف بانانية ولا تكترث لشيء أكثر من تسويق خطابها، والظهور على واجهات الصحف وهي تتذمر وتشكو، وتتنكر للحقائق، ويستحيل لها الاعتراف بأي إيجابية تقدم عليها السلطة - لمجرد اعتقادها بأن ذلك الاعتراف قد يعزز من قوة السلطة وشعبيتها لكونها تضع نفسها في الصف المعارض.. ولا يخطر في تفكيرها أن أي إنجاز هو في النهاية تعزيز لقوة الدولة بأكملها، وهو محسوب لجميع أبناء الشعب اليمني باعتبار أن العاملين في مؤسسات الدولة يمثلون مختلف أطياف الشعب اليمني وليس الحزب الحاكم وحده.
اليوم عندما ندخل مدرسة أو مؤسسة حكومية نجد موظفين ينتمون سياسياً إلى مختلف القوى الوطنية.. وهم بمجموعهم يشكلون رهان هذه المؤسسة في النجاح أو الفشل، الأمر الذي يجعلنا نعلق آمال تطور ونهضة الوطن على الجميع دون استثناء، ونعتبر كل فرد شريكا في ما يتحقق في اليمن.
وعلى هذا الأساس ظهر في القاموس السياسي مصطلح (مواطن صالح) و(مواطن غير صالح) والذي يبني تقييمه على أساس القيمة الأخلاقية للعمل الذي يقدمه لبلده وشعبه، وطبيعة ارتباط ذلك بحالة الانتماء للوطن والإحساس بهمومه ومعاناة أبنائه، والدور الذي ينبغي عليه القيام به.
حقوق المواطنة المتساوية يجب أن تقابلها مسؤوليات متكافئة، وأدوار متعادلة.. وإذا كانت الأولى مكفولة بالدستور والقوانين الوضعية، فإن الثانية تترجمها ساحة العمل، وحجم الإنجاز والعطاء، ومدى احترام النظام والقانون، وتأدية الواجبات على أكمل وجه.. فالمواطن بحاجة إلى كل قلم شريف ينشر الوعي، ويكافح المظاهر السلبية الموروثة، وإلى كل كلمة طيبة صادقة تعزز من الوحدة الوطنية لأبنائه، والى كل رأي سديد يخدم المصالح العامة، والى كل يد عاملة بإخلاص وأمانة تبنيه وتحقق أمنيات الأجيال.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/41689.htm