المؤتمر نت -
المؤتمرنت / بقلم/ محمد مصطفى علوش -
مصير المبادرة العربية في موسم التنازلات
لم يكن غريبا على اسرائيل حتى قبل موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني على حكومة الوحدة الوطنية ان تعلن وبهذه السرعة عن رفضها المطلق للتعاون مع حكومة الوحدة، فإسرائيل التي خبرت العرب جيدا والتي اتقنت التعامل معهم سياسيا وعرفت كيف تناورهم في جميع الملفات القائمة بينها وبينهم لا تجد حرجا أن تعلن صراحة موقفها المسبق من حكومة الوحدة في الوقت التي تطالب به حماس الإعتراف بشروط الرباعية الدولية .

ولم تكتف اسرائيل بالإفصاح عن نيتها بمقاطعة الحكومة الفلسطينية بل تبدي الملاحظات حول المبادرة العربية التي اتفق عليها العرب في قمة بيروت 2002 والقاضية بتطبيع كامل مع اسرائيل بشرط الإنسحاب من الجولان السوري والأراضي الفلسطينية الى ما وراء حدود 67 ، وذلك في الوقت الذي تنشط فيه الدبلوماسية الامريكية في المنطقة والتي تتزامن دائما مع أي تحرك عربي لمزيد من الضغط على العرب والفلسطييين على قاعدة "ضغط أكثر يقابله تنازل اكثر" التي كان لها مردود إيجابي على السياسة الإسرائيلية حتى اتخذتها استراتجيتها الأساسية في التعامل مع العرب في جميع الملفات العالقة .

فوزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس التي ستصل المنطقة قبيل انعقاد القمة العربية سوف تجتمع الى مسئولين في كل من الاردن ومصر والسعودية ، فضلاً عن لقاء ثلاثي سيضمها والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت تأتي لدعم خارطة طريق جديدة بعد عشر سنوات من مفاوضات ذهبت سدى .

ففي حين يطلق رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان خلال محاضرة له في جامعة هارفرد "خطة سلام" للشرق الأوسط وسيقدم "خارطة طريق" لتجاوز الأزمة في الشرق الأوسط والعراق، يصرح رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو أن المبادرة العربية التي أقرت عام 2002 في بيروت "غير واقعية لكونها تطالب بانسحاب إسرائيل كامل دون أي مقابل".

وبين زحمة التصريحات الإسرائيلية الداعية الى تطبيع العلاقات بينها وبين العرب والدعوة الى محادثات مباشرة معها دون وسيط وبين رفضها للمبادرة في صيغتها الحالية مطالبة "ضرورة ملاءمة قرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين للواقع والظروف الحالية، معربة عن معارضتها لإمكانية عقد مؤتمر دولي لحل الصراع" يظهر لنا ان السيناريوهات القادمة التي ستنتهجها اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة لا تعدو هذه الإحتمالات:
- إما الابقاء على المبادرة العربية كما هي دون الضغط على الدول العربية لتعديلها ، لا عجزا عن ذلك وانما حتى لا تعترض دول عربية على التعديلات خلال طرحها في القمة، على امل ان يصار تعديلها مستقبلا عند استئناف المفاوضات على المسارات المختلفة كما حدث مع الإتفاقات السابقة.
- او الضغط لتعديلها بحيث إذا تم تمريرها في قمة الرياض القادمة تبدأ المفاوضات وبرعاية أمريكية توصل الى دولة بحدود قابلة للتفاوض، يرافقها تطبيع كامل مع اسرائيل، على اعتبار ان المنطقة بحاجة الى تهدئة تامة بعد فشل الأمريكيين في العراق وتخوف من انطلاق العنف لخارج العراق ما يخرج المنطقة عن السيطرة لدى جميع اللاعبين .
- تجاهل المبادرة وبالتالي تدويل الازمة الفلسطينية من خلال عرقلة الحكومة الفلسطينية كما هو حادث الآن ووضع العصي في الدواليب ريثما تأتي إدارة أمريكية جديدة وتنطلق مرحلة جديدة من المفاوضات لعشر سنوات قادمة كما حصل مع ادارتي كلينتون وبوش.

يقيني ان هذه المفاوضات بين العرب والإسرائيلين والتظاهر الإسرائيلي بالرغبة للحل الدائم ليس إلاً مضيعة للوقت ريثما يتوفر الوقت المناسب لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد على أسس جديدة تستطيع اسرئيل ان تستمر بالعيش لخمسين سنة قادمة وخصوصا ان كثير من المؤشرات تؤكد على فشل استمرار بقاء اسرائيل بصبيغتها الحالية لفترة طويلة ، والمراقب المحايد يجد انهم حتى دولة فلسطينية لا يردون والدليل التوسع الإستيطاني وسياسة القتل والتهجير وتجريف الأراضي ونسف البيوت الذي لا ينقطع يوماً بالرغم من قدوم حكومة اسرائيلية ورحيل أخرى

وقد يراهن البعض على ان الراحل اسحاق رابين كان يريد سلام دائم مع العرب وكان يرغب بشدة باعادة الجولان وغيرها من الأراضي للعرب لولا أن اغتاله أحد المتشددين اليهود! ونحن بدورنا نسأل هؤلاء أليس عراب سياسته شيمون بيريس الذي كان الواضع الفعلي لكل خطط رابين هو الذي شارك في كثير من الحكومات الإسرائيلية التي يحكمها الصقور ، أليس هو نفسه الذي يبدي أسفه "للشروط المسبقة" الواردة في المبادرة العربية ، وخصوصاً تلك المتعلقة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.

المفاوضات ومسلسل التنازلات
واذا ألقينا نظرة على الوضع الفلسطيني قبل أوسلو ومدريد في بداية التسعينات، نجد أن لاءات "منظمة التحرير الفلسطينية" كانت تحرير فلسطين من النهر الى البحر، وعدم الإعتراف باسرئيل كدولة، واعتماد الكفاح المسلح السبيل الوحيد لتحرير كامل التراب الفلسطيني إلا ان انطلاق المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين والتي بدأت عقب تحرير الكويت كان من نتائجها:

1. اعتراف باسرائيل كدولة
2. نبذ الكفاح المسلح كوسيلة لإعادة الحق المسلوب
3. انشقاقات داخل منظمة التحرير ، سلبتها حصرية "المرجعية الوحيدة للحق الفلسطيني" أو الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني .
4. غرق في مفاوضات لا تنتهي ، كلما تغيرت حكومة اسرائيلية عادت المفاوضات الى الصفر من جديد.
5. صراع داخلي بين التيارات والحركات الممثلة للشعب الفلسطيني.
6. انشاء قوى أمن فلسطينية دورها شرطي اسرائيلي ينظم المرور ويراقب المتطرفين ويعتقل المقاومين لإسرائيل داخل السلطة الفلسطينية.

وبالمقابل لم يجن عرفات سوى وهم دولة فلسطينية مخنوقة محاصرة ، ليس لها مقومات دولة حقيقية حتى تعيش وتحيا ، حيث الدولة التي أعطيت لعرفات دُرست بعناية من قبل الإسرائيليين بحيث لا يمكن ان تستمر طويلاً وأن تبقى عبارة عن مستوطنة اسرائيلية منبوذة وفي طريقها الى الزوال ، بل إن اسرائيل كانت تريد من عرفات كل شيء في مقابل لا شيء، ولم تسمح له ولا لغيره بمناقشة القضايا الأساسية والمصيرية مثل قضايا اللاجئين والقدس والإستيطان الذي لم يتوقف يوماً. ولما أراد ان يرفع الصوت قليلاً كانت النتيجة أن قامت بسمّه كما أشار أكثر من طبيبه الخاص .
حتى جاء اليوم التي يتحدث فيه "أبو مازن'' عن أن اللاجئين الفلسطينيين "مرتاحين في أماكن تواجدهم في الأردن والولايات المتحدة بما ينطوي على تنازل واضح عن حق العودة للأراضي المحتلة عام 84, من دون التنازل عن حق التعويض الذي لن يُدفع من جيب الإسرائيليين بالتأكيد".

لماذا يروج لتعديل المبادرة

وبين من يؤكد على أن التصريحات الإسرائيلية بضرورة تعديل المبادرة بعد الثناء عليها هي توطئة لما يطبخ هذه الأيام وقبيل انعقاد القمة العربية بدهاليز مكتب وزارة الخارجية في البيت الأبيض من اعداد خطة سلام اميركية جديدة،متولدة من خارطة الطريق المعدلة بما يتفق مع التحفظات الـ14 التي سبق وأن ابداها رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق اريل شارون بحيث تعاد صياغة خارطة الطريق مع الصياغة الجديدة للمبادرة العربية، بعد اخذ التحفظات الاسرائيلية المتعلقة بحق العودة والإنسحاب الى ما وراء حدود 67 واستئناف عملية التطبيع العربية مع اسرائيل قبل استئناف العملية التفاوضية ثم تعرض على القمة العربية كخريطة طريق جديدة ولكنها بلغة عربية هذه المرة ، وبين من يرى ان الترويج لإمكانية التعديل للمبادرة خلال القمة ليس إلا حيلة ساسية لإقناع حماس بالموافقة على المبادرة بعد ظهور القادة العرب بمظهر المتشدد في تبنيها كما هي دون تعديل ما يمكن اعتباره خطوة أخرى لحماس باتجاه الإعتراف بشروط الرباعية الدولية على اعتبار ان حماس أصبح خطابها أكثر ليونة مما كان عليه أيام الشيخ احمد ياسين عليه رحمة الله حيث قدم هدنة لمدة 10 سنوات مقابل الانسحاب من كامل الأراضي المحتلة عام 1967 مع حق العودة والإفراج عن جميع الأسرى ، يبقى السؤال هل سيحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة بحدود الـ67 تحفظ كامل الحق الفلسطيني المتمثل بعودة اللاجئين؟
* كاتب ومحلل سياسي لبناني
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:47 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/41706.htm