المؤتمر نت -
بقلم د. حاتم الصكر: -
النزعة الطفولية وعفوية السرد في اختيار سماء
تثير قراءة القصص القصيرة التي تضمها هذه المجموعة الأولى للكاتبة الشابة سماء علي الصباحي أكثر من ملاحظة، لعل أهمها احتفاء الكاتبة بالموضوع الاجتماعي من منظور نسوي، وكأن وجهة النظر في السرد القصصي مخصصة للمرأة على الدوام.. لكن ذلك لا يتم برؤية نقابية تنحاز للمرأة نوياً دون وعي، بل هو جزء من المنظور الأخلاقي المتحكم برؤية الكاتبة وموقفها من الحياة عامة..

هكذا يبرز اضطهاد المرأة عبر ثيمات قصصية محددة، مثل الخذلان وعدم الوفاء من قبل الرجل ( قصة: غريبة.. في بلد غريب!) إذ تجازى ( رهف) عن انتظار زوجها المهاجر بأن تفاجأ بامرأة أخرى أخذت مكانها! أو بالعسف والعنف الذي يعامل به الرجل المرأة كما يجري لـ( نهاد) في قصة ( من الذاكرة) ، إلا أن ذلك كما أسلفت هو جزء من الاهتمام الأخلاقي للكاتبة وبحثها عن توازن أسري واجتماعي وإنساني في بنية الجماعة التي تشكل المرأة أحد أسسها المهمة.

وذلك يتضح في القصص التي تعكس غياب الأب للأسرة وانحياز البنت لزوج الأم واعتباره أبا ( عودة أب) وتكرار الثيمة ذاتها في ( أسطورة )، حيث تهاجر الأسرة بحثاً عن الأمان، بعيداً عن الأب الذي لا تشفع له دموع الندم التي ذرفها وهو يراقب رحيل أسرته.

ثمة في القصص اختيار قاس تتخذه الشخصيات ( النسوية غالباً ) مما يفرض قراءة نوعية تنطلق من الوعي بالدور الاجتماعي للمرأة وحقها في اتخاذ القرار.. وهذا ما تفعله بطة القص ( اختيار) التي تسرد لنا عبر السرد الذاتي وكراوية مشاركة ما حصل لها بسبب معاملة الزوج واتخاذها قرار الابتعاد عنه، ولكن عبر البديل الأسري دائماً أي بالعودة إلى جو الأسرة وألفتها ودفئها ما دام الحبيب الذي أصبح زوجاً ( يتخلى ) عن المرأة التي ساندته وعاضدته بحجة أنه ( لم يعد يشعر بناحيتي ما يجبره على الاستمرار)..

وهذه الألفة التي تبحث عنها القصص تتجسد بالصداقة أيضاً ( قصة أحلام ) والتي تجعل الكاتبة فيها من شخصية ( حنان) بديلاً لصديقتها ( ريم ) التي أنخذلت أحلامها، كما تعود في قصة أخرى لتجعل الصديقة تتخلى عن قرار هجران صديقتها بعد أن تُراجع ذكرياتهما معا ( قصة : شجار) لكن القراءة ستكشف أن المرأة أحياناً مسيرة بالدور الأمومي الذي أورثها إياه المجتمع كما في قصة ( رسالة اعتراف )، حيث تبرر الراوية حرص أبيها على بناته واعتبارهن همّاً حتى الممات وذلك بعد زواجها وتجربتها للأمومة.. أمومة البنات خاصة، وكأن الذكور لا يشملهم قانون الهم الأبدي المتحكم في رؤية الأب وأبنته..

لكن المجتمع سور أخلاقي يمنح البنت إنسانيتها وشعورها بذاتها وهذا ما يحصل في قصة يختلط فيها الخيال بالواقع هي ( أمنية ) التي تتمنى فيها البنت الاستئثار بحب أهلها بلا إخوة، لكنها بعد أن يحقق لها عجوز خيالي أمنيتها المنشودة تعود لتتمنى وجود أخوتها.

وهذه القصة بالذات تنقلنا إلى جانب آخر في قصص المجموعة، هو المتخيل الذي يلون القصص بطيف طفولي جميل تقترن البراءة فيه بالعمق والاختيار والتأمل.. فالإيهام في ( أمنية) يجعلنا نتشكك مع الراوية ‘إن كان لـ( مها ) أخوة حقاً أم أنها تتوهم ذلك عبر امنيتها التي نفذها لها العجوز المتخيل الذي يظهر لها ليلاً ويسألها عن أمنيتها.

وهو جو فنتازي قريب من قصتين أُخريين عن الأقلام، هما: (القرار) و( قلم) وفيهما يكون القلم هو البطل الذي يأنف ويثور لأنه يستخدم في قضايا عادية لا تليق بما خلق من أجله أو يؤكد دوره في إبداع الإنسان وعبقريته وكتابته.
وهذا يعكس المثالية التي تعضد النزعة النسوية والروح الاجتماعية والرؤية الأخلاقية لشخصيات القصص كلها.

إن العفوية والبراءة القريبة من النزعة الطفولية تسم قصص سماء منذ بواكيرها التي قدر لي متابعتها وهي طالبة تخط قصصها الأولى وتتخذ لها الأساليب الفنية القريبة منها والمجسدة لها. ولعل القارئ سيلاحظ أن الكاتبة تكتفي بدور (الوسيط) السردي غالباً؛ لذا تأخذ أغلب القصص شكل ( رسائل ) تصل إلى الكاتبة تؤكد دور الوسيط الذي يراه كثيرون عملاً من الأعمال ذات الأولوية للقاص.

وهي ترضى بدور الوسيط في هيئة أخرى تتخذ لها فنيّاَ دور الشخصية الثانوية التي تصل عبرها صورة الشخصية الرئيسة والموضع والسرد كله.. كما في قصة ( أين تذهب الأفكار يا أمي؟) التي يكون الطفل الصغير فيها سبباً في عدوى السؤال إلى الأم نفسها فتنقلب الأمثولة ليغدو الطفل معلماً وملهماً للأفكار، وهذا يؤكد النزعة الطفولية والبراءة في قصص سماء مما انعكس بدوره على أسلوبها المتميز بالبساطة والوضوح أيضاً.

إن خطى سماء الصباحي في مجموعتها هذه تشير إلى طريق مفتوح للغد، حيث يترسخ اسمها بين كوكبة قاصات بلدها.. يؤكد ذلك الوعد إخلاصها للقصة القصيرة ومثابرتها وصبرها على صياغة عالمها الأخلاقي والأسري واحتجاجها على كل ما يحول دون وجود هذا العالم أو يعكر صفو علاقاته..
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 05:42 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/43008.htm