المؤتمر نت -
كارلوس بيريز لانا * -
ثلاثة مسارات الى أمريكا
إن شعبية الرئيس جورج دبليو بوش المتدهورة، وفقدانه السيطرة على الكونجرس، والشكوك المزعجة بشأن الاقتصاد الأمريكي، وفي المقام الأول سمعته المشوهة بسبب الكارثة التامة في العراق، كل هذا يعمل بصورة مجتمعة على تضخيم نقاط الضعف في شخصية الرئيس الأمريكي الذي اقترب موعد رحيله، ولكن بينما تشاهد كافة حكومات أمريكا اللاتينية نفس الأنباء عن المحن والبلايا المتفاقمة التي تواجه بوش، إلا أن استجابة هذه الحكومات إزاء التحول المقبل للسلطة في الولايات المتحدة تتخذ ثلاثة أشكال.

نستطيع أن نصف الاستجابة الأولى بأنها واقعية: فبصرف النظر عمن سيحكم أمريكا، فلابد من تحقيق نتائج راسخة. أو بعبارة بسيطة، أياً كان رئيس الولايات المتحدة، فإن الأولويات سوف تحكم برنامجه. إلا أن هؤلاء الزعماء يعتمدون بدرجة كبيرة على استمرارية السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة.

كان هذا النوع من التفكير جزءاً من الأساس الذي اعتمدت عليه البرازيل في ضم قضية الوقود الحيوي إلى إعلان مشترك واتفاق لاحق تم بين بوش والرئيس لويس إيناسيو لولا داسيلفا في كامب ديفيد. ويصدق نفس القول على اهتمام أوروجواي بعقد معاهدة تجارة حرة مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إيجاد البدائل خارج مجموعة السوق الجنوبية المشتركة (Mercosur) الإقليمية، في ظل حرص بوش على عقد الاتفاقيات التجارية الثنائية. أما في كولومبيا، التي يسبق تحالفها مع الولايات المتحدة وصول الرئيس ألفارو أوريبي إلى السلطة، فهي ترغب في الاحتفاظ بدعم الولايات المتحدة لها عند مستوياته الحالية. كما أصبح لزاماً على المكسيك أن تجعل مكافحة تهريب المخدرات والهجرة غير القانونية على رأس أولوياتها، وفقاً لسياسة الولايات المتحدة. كما نجد من شيلي وبيرو حرصاً على مراعاة أولويات الولايات المتحدة، وهو ما تجسد في تأكيدهما على الانفتاح أمام الاستثمارات الأمريكية.

ويتجسد الموقف الثاني الذي تتخذه أمريكا اللاتينية إزاء الولايات المتحدة في “الشافيزية”، وهو الموقف الذي تتبناه الحكومات الشعبوية، والذي كثيراً ما يستند إلى ازدهار الغاز والنفط، ويتسم بالديمقراطية الأوتقراطية، وتجاهل أي تقسيمات مؤسسية رسمية للسلطات.

إن “الشافيزية”، باعتبارها نموذجاً سياسياً، تعتمد بقوة على النزعة القومية. وعلى هذا فإن شرعيتها تستمد في الأساس من تنامي الشعور بالعداء تجاه أمريكا، سواء في وجود بوش أو بعد رحيله. ولقد اختارت فنزويلا، وبوليفيا، والإكوادور، ونيكاراجوا هذا النمط من التوكيد الدولي، الذي يتضمن أيضاً سياسات اقتصادية تعتمد على الدولة وتتجنب الاستثمار الأجنبي.

وأخيراً، تمثل الأرجنتين فئة ثالثة خاصة بها. ففي مجافاة للواقع، وحرصاً على التفسير الإيديولوجي للعلاقات الدولية، والتقارب المتزايد مع المواقف التي يتخذها رئيس فنزويلا هوجو شافيز، سنجد أن المواقف التي تتخذها حكومة رئيس الأرجنتين نستور كيرشنر تربط بين مناهضة أمريكا وبين إدارة بوش. ويبدو أن الحكومة الأرجنتينية تسلم تسليماً مطلقاً بانتصار الجبهة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام المقبل.

إلا أن أحداً لا يستطيع أن يضمن حدوث تحول في السياسات الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة، حتى في حالة فوز الديمقراطيين. فمن المؤكد أن مثل هذا التحول لم يحدث مع انتقال السلطة من بل كلينتون إلى بوش. فضلاً عن ذلك فقد أيد بعض كبار المرشحين، مثل هيلاري كلينتون، غزو العراق. كما أن الحقيقة المؤكدة أن الديمقراطيين أكثر ميلاً إلى نزعة الحماية من الجمهوريين، فضلاً عن عدم إمكانية توقع تصرفاتهم على الصعيد المالي.

الحقيقة أن أمريكا اللاتينية لن تحتل مكانة بارزة في أي سياسة خارجية تنتهجها الولايات المتحدة في المستقبل. ذلك أن الإرهاب، وانتشار الأسلحة النووية، والعراق، وإيران، وأفغانستان، والشرق الأوسط، والصين تشكل أولويات أعظم بالنسبة لأي إدارة أمريكية، إلا أن هذا لا يعني أن أمريكا ليست لها مصالح في المنطقة. والحقيقة أن الولايات المتحدة تفتقر إلى سياسة إقليمية متماسكة في التعامل مع أمريكا اللاتينية، مقارنة بسياساتها في التعامل مع آسيا وأوروبا. وأياً كان الرئيس الذي سيحكم أمريكا في المستقبل فلابد أن يحرص على صياغة مثل هذه السياسة، خشية أن تصبح اليد العليا في أمريكا اللاتينية لأصحاب الايديولوجيات والحالمين.


* نائب رئيس العلاقات الدولية لدى جامعة القرن الواحد والعشرين في قرطبة بالأرجنتين، وأستاذ في جامعة “تي. دي تيلا” في بيونس أيريس. الخليج
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 16-مايو-2024 الساعة: 01:21 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/43210.htm