المؤتمر نت -
المؤتمر نت - استطلاع/ جميل الجعدبي -
شبام حضرموت.. لؤلؤة من زمن ألف ليلة وليلة
تحفة فنية وقفت على قلب الوادي كجوهرة معلقة في كبد السماء سرعان ما ينبهر الناظر لها عن بعد بروعة طلتٌها وشموخها، فإذا ما اقترب منهاالزائر أكثر أصابته الدهشة، وبدأ وكأنه يعيش فترة من زمن ألف ليلة وليلة.. دهشة المكان.. والتاريخ، الهندسة، التخطيط، الدقة، المقاسات، وكل شيء فيها.. إنها مدينة شبام حضرموت.. عمارة طينية لا مثيل لها.. وسجل تاريخيٌ يضرب جذوره أعماق التاريخ.

انها ما نهاتن الصحراء كما يحلو لبعض الغربيين تسميتها والمسرح الطبيعي لأفلام الخيال الخصب، منازلها مبنية من الطين ولا تزال تمثل رمز حضارة الطين المعمارية باعتبارها الأكبر ارتفاعاً حيث يتراوح ارتفاع مبانيها بين (7-8) طوابق، حتى أنها توصف بأول ناطحات سحاب في العالم، واستطاعت بيوتها الـ(500)-التي تبدو وكأنها معلقة في وسط مجرى وادي حضرموت- أن تقاوم عاديات الدهر لمئات السنين.

إنها أشهر مدن حضرموت في اليمن.. سميت كما تقول كتب التاريخ باسم ملكها (شبام بن الحارث بن سبأ الأصغر) وكانت عاصمة سياسية واقتصادية بارزة لحضرموت في فترات زمنية.. عاصرت دولة معين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ومن ثم دولة سبأ ودولة حمير..
ودخلت مدينة شبام ضمن التراث الإنساني العالمي إلى جانب مدينة صنعاء القديمة بالحملة الوطنية والدولية لصيانتها التي تبنتها منظمة اليونسكو 1984م.

حينما يتمعن المرء في التخطيط العمراني لمدينة شبام كمدينة إسلامية يجد دلالة واضحة للجوانب الشرعية عند تصميم المدينة، كما هو الحال في التصميم الداخلي للبيت الواحد الذي تميز بمراعاة جوانب عرفية وفقهية ربما لا يدركها إلا الاختصاصيون في فن العمارة والبيئة العمرانية.. فمدينة شبام جمعت بين كل فنون الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعمرانية.

مدينة عريقة بعراقة القدم والسجل التاريخي الذي حفلت به منذ عصور قديمة.. جاء ذكرها في النقوش اليمنية القديمة المعروفة بالمسند.. كتب عنها المؤرخون.. وعرفها أوائل المستشرقين.. قال عنها الرحالة الهولندي (فان ديرمولين) إنها تشبه الكعكة عندما يرش عليها السكر، وذلك لبياض سطوحها.. وصفها الألماني "هانس هلفرتيز" بأنها شيكا نحو الصحراء.. أما الهمداني فقال فيها: (شبام مدينة الجميع، أي أنها مقصد الجميع من عالم وتاجر وسياسي وضيف.. ففيها بيت خاص كان قديماً يطلق عليه بيت الغريب)..

لها بوابة واحدة تقع على الخط الرئيسي من الجنوب، ويقال إنها كانت قديماً تقفل ليلاً وتفتح صباحاً كغيرها من المدن الإسلامية.. وكانت هذه البوابة تستخدم لدخول الجمال والقوافل المحملة بالتمور والبخور واللبان.. فيما كان جزء آخر على جانب البوابة يستخدم للجنائز ومرور النساء ، وللمدينة ثلاث ساحات هن: ساحة الجامع، وباذيب، وبراهم.. ويتوسط المدينة أشهر الجوامع التاريخية في وادي حضرموت وهو جامع هارون الرشيد نسبة إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد حيث بني المسجد بأمر منه.

عندما تدخل أزقة وساحات مدينة شبام تتشوق لدخول منازلها لتتعرف أكثر على خصوصية البيت الشبامي الذي يوفق بين الجانبين التجاري والسكني، والجوانب الأمنية وتوزيع أفراد الأسرة والمخازن بشكل مترابط، يجعل الباحثين والمهتمين بالعمارة الطينية يقفون حيارى أمام هكذا تناسق ودقة لتحفة معمارية ولؤلؤة ثمينة مليئة بالأسرار والروعة.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 07:42 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/43233.htm