المؤتمر نت -
الخليج -
بناء مسجد حلم كبير لجالية إسلامية
حين يهاجر المسلم الى بلاد الغرب، يضع نصب عينيه البحث عن حياة أفضل توفر له وظيفة عسر عليه أن يجدها في دولته الأم، ولكن ما أن يبدأ الاستقرار حتى تلوح له في الأفق معضلات أخرى لا تقل وطأة عن مشكلة العمل ان لم تزد، فيبدأ في مهجره البحث عن الاستقرار العائلي ومن ثم ايجاد آليات تمنحه امكانية اقامة شعائره الدينية في بلاد غير اسلامية، وهنا تزيد حلقات الصراع التي يعيشها المهاجر بين وطنه الأم ودينه وبين المواطنة الجديدة وعادات البلد المستضيف ونمط الحياة فيه حتى يخيل اليه أن العمر قد ينتهي ولا ينتهي الدوران وسط الحلقات الدائرة المحيطة به في أوروبا.

احدى أهم المعضلات التي تواجهها الأقليات المسلمة دائما هي أماكن اقامة الصلاة، والبحث عن امام على معرفة بعلوم الدين، وقد يستغرق ايجاد الحل دهرا، وتتعاقب الأجيال المهاجرة وتبقى مشكلة تأمين أماكن الصلاة، وذلك لتفرع العقبات وتعددها، مثل توحيد صفوف المهاجرين لبناء المسجد، وقبول المجتمع المسيحي لهذا الصرح الاسلامي، كذلك نقص السيولة المادية الكافية لانجاز البناء، ناهيك عن وجود مسلم متفرغ للإمامة وملم بمقتضياتها مثل العلم الواسع بالفقه الاسلامي وأصول الدين الى جانب اتقان لغة أهل البلد كي تمكنه من الدفاع عن معتقداته وسط حملات تسعى الى تشويه الاسلام وغير ذلك الكثير.

فراس محمود جبارين، أحد المهاجرين الذين قدموا في مطلع التسعينات لطلب العلم، حيث حصل على إجازة في الطب، وتخصص في العلاج الطبيعي، واستقر في عمله في المشافي الحكومية وأسس أسرة ورزقه الله أطفالا، وبقيت أمامه هو والمسلمون سكان مدينة “كولي فالدلسا” الايطالية اقامة مسجد حلما في الأفق، الى أن من الله عليهم بقطعة أرض، منحتهم إياها بلدية المدينة بعقد ايجار لمدة 99 عاما، وبالفعل شرع في بناء مسجد على أرض مساحتها 850 متراً مربعاً، بحيث يحوي قاعة للصلاة وأخرى للنساء، وحديقة أطفال ومكتبة ثقافية ومدرسة لتعليم أطفال المهاجرين اللغة العربية بالاضافة الى قاعة للاحتفالات الدينية.

وتمكنت الأقلية المسلمة من غرس الأمل بانشاء مسجد يحتضنهم ويقومون فيه بتأدية الفروض وصلاة الجمعة والافطار الجماعي في رمضان والتجمع في أعياد المسلمين. لكن الحلم لايزال في المهد منذ عام 1999 حيث تعارض استكماله قلة من اليمينيين الرافضين لوجود صرح اسلامي، بالاضافة إلى نقص الأموال الكافية لاتمام البناء، وتأمل الجالية هنا أن تنجز على الأقل قاعة الصلاة قبل حلول شهر رمضان المقبل.

“الخليج” التقت الدكتور فراس جبارين، وحاورته حول قصة المسجد والعقبات التي تعترضه ومواقف الجالية المسلمة المستبسلة في نيل حقوقها التي يمنحها القانون للمواطن والمقيم وأهمها حق ممارسة شعائر الدين وتاليا نص الحوار:

قدمت لدراسة الطب فأصبحت طبيبا واماما، كيف تم ذلك؟

هذه قصة تعود الى عام ،93 حين كنا مجموعة من الطلبة المسلمين ندرس سويا في الجامعة، وكنا قد طلبنا من مدير الجامعة وقتذاك أن يمنحنا مكانا للصلاة، وكان لنا ما أردنا، شيئاً فشيئاً زاد عدد الطلبة المسلمين، بجانب العمال، فاتفقنا على استئجار قاعة للصلاة، وهو المصلى الذي نؤدي فيه الشعائر حتى الوقت الحالي، ومع زيادة أعداد المسلمين أجرينا انتخابات لاختيار مسؤول عن المصلى، واضطررت في البداية لأن أكون اماما، والحمدلله الذي ساعدني على حفظ أجزاء من القرآن والتفقه في السنة.

أزمة أئمة



هناك أزمة أئمة، فما السبب وما الحل في رأيك؟

في دولنا الاسلامية، توجد جهات محددة تعنى بالمرافق الدينية وتعين قائمين عليها من أئمة وخطباء، وهذا ما يفتقده المسلمون في أوروبا، اذ أن الشريحة المهاجرة من طبقة العمال، وهي حديثة العهد في دول الغرب الى حد ما، فايطاليا على سبيل المثال تحتضن جالية مسلمة شابة، قدمت منذ سبعينات القرن الماضي، لكن الهجرة الحقيقية بدأت في أوائل التسعينات، ونتيجة الهجرة والاندماج ظهرت قضايا كثيرة، لم تكن الجالية مستعدة لها، ومن بينها عدم وجود أئمة، وأعتقد أن حل هذه الأزمة هو اقامة مشروع داخل أوروبا نفسها يتولى اعداد أئمة من الأجيال المهاجرة، حيث يكونون على دراية بلغة كل بلد وطبيعتها الى جانب علوم الدين.

قصة المسجد



ما قصة المسجد ولماذا أثيرت على صفحات الجرائد؟

في كل عام وبالتحديد في عيد الفطر، يزورنا رئيس البلدية “ماركو سبينللي” مقدما التهاني للمسلمين المجتمعين في المصلى المؤقت، وهذا جزء من الجهود التي تسعى من خلالها البلدية الى دمج المسلمين في المجتمع الايطالي والتحاور معهم، وقد لاحظ رئيس البلدية من خلال الزيارات المتكررة للمصلى أنه لا يتسع لكل المسلمين الموجودين في المدينة وضواحيها، فأبدى استعدادا لمنحنا قطعة أرض بعقد ايجار من المحافظة، لنقيم عليها المسجد، وتبرع لنا البنك بمبلغ 300 ألف يورو من اجمالي تكلفة بناء تتجاوز المليون يورو.

وقد بدأنا العمل بالمشروع نظريا عام ،1999 ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، خسرنا تعاطف كثير من الايطاليين، ولكن بفضل الله عز وجل ومساعي الجالية المسلمة الى التواصل والحوار مع الجهات المعنية، وكذلك جهود رئيس البلدية تمكنا من فتح صفحة جديدة نعاود من خلالها اكمال ما بدأناه.

أما لماذا أثير الموضوع على صفحات الجرائد، فذلك يرجع الى معارضة الجهات اليمينية لاتمام بناء المسجد وهو موقف لا يختلف عن مواقف الكثير من الأحزاب اليمينية في أوروبا، والتي تخشى أن يكون مرتعا للارهابيين والمتشددين على حد قولها، بيد أن هذه الحجج لا أساس لها من الصحة، فهناك أكثر من 612 مصلى في ايطاليا، ولكنها لا تتسع لكل المسلمين، وهي غير مؤسسة لتكون مساجد حيث إن معظمها عبارة عن مرائب سيارات ومصانع قديمة، في حين أننا نهدف من وراء بناء المسجد الى جعله صرحا حضاريا وفنا معماريا يضيف جمالا الى جمال البناء المدني، كذلك سوف يكون باذن الله شعلة ثقافية واجتماعية، حيث روعي في تصميمه اقامة مكتبة ثقافية الى جانب قاعة للاحتفالات وحديقة لأطفال المسلمين. وهذا مانحاول أن نطرحه أثناء مناقشتنا مع الجهات المعترضه على بناء المسجد.

رمز حضاري



وكم من المال استطعتم أن توفروه لمشروع البناء؟

استطعنا توفير اقل من عشر المبلغ فقط، فنحن جالية صغيرة، ومعظم المسلمين من طبقة العمال البسيطين، كحال المهاجرين على وجه العموم، لكن بفضل أهل الخير والحمد لله، هناك تبرع جار، حتى من غير المسلمين ومن الايطاليين أنفسهم، الذين يعتبرون أن بناء المسجد رمز حضاري، وهو ما أكد عليه عمدة المدينة أثناء مؤازرته القوية لنا في الحصول على حقنا بمكان نؤدي فيه شعائرنا، بترديده أن المسجد دليل على تقدم المجتمع متنوع الثقافات والأديان في ظل دولة يحكمها القانون وتساوي بين جميع الأفراد.

ما السياسة التي تنتهجونها مع الأطراف المعترضة على البناء؟

نتحرك على عدد من المستويات، فمثلا نقوم بكتابة نشرات توضيحية حول المشروع وفوائده باللغة الايطالية ونوزعها على الناس، كما وزعنا عدداً من الدعوات لزيارة المسجد وتناول الطعام معنا وكذلك مواقف من لبوا الدعوة ايجابية وكذلك وجهنا دعوة لأفراد الجالية المسلمة للتبرع بالدم للمستشفيات الايطالية خلال فترة عيد الفطر الماضي من منطلق أن الانسان أخو الانسان، وكان لذلك مردود جيد ودعم مبدأ أن الجالية المسلمة جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، ونعتبر أنفسنا ايطاليين وأولادنا الذين ولدوا وترعرعوا في ايطاليا يجب أن يشعروا أنهم ايطاليون مسلمون وليسوا مهاجرين، ولهم من الحقوق وعليهم من الواجبات مثل ما لغيرهم من مواطني هذا البلد.

تشتت وتشدد



هل تشعر بالفعل أن هناك حملة مناهضة للاسلام ؟

يمكن القول إنه كانت هناك دوما حالة من عدم الثقة بين المسلم وغير المسلم في أوروبا، وقد ساءت الحالة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول على وجه الخصوص، وهنا أود التركيز على قضية أساسية، هي قضية عرض الاسلام عرضا منطقيا اعلاميا على الغرب، فعندما يسأل أحد المسلمين سؤالا يتعلق بشؤون ديننا، لا تكون عنده ملكة الاجابة بمنطق يقنع الرجل الغربي، أضف الى ذلك عدم وجود ناطق رسمي عن المسلمين وما يزيد الوضع تأزما هو تشتت أصوات المسلمين وعدم توافقهم على رأي واحد، وهذا من شأنه أن يضر بقضايانا، وخاصة حين يتعامل بعض المسلمين الذين يرأسون جمعيات ومراكز اسلامية مع أمور شائكة مثل تعدد الزوجات والحجاب وحقوق المرأة من منطلق ضيق ومتشدد لا يتناسب وسماحة الدين ولا يراعي وضعنا كأقلية صغيرة مسلمة في دولة أوروبية، وهذا يدفع ببعض التيارات اليمينية الى قنص أقوال هؤلاء المتشددين وتعميمها على جميع المسلمين.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/44077.htm