المؤتمر نت - الدكتور جلال فقيرة
إعداد-أ.د. جلال ابراهيم فقيرة* -
اتجاهات السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية
بسم الله الرحمن الرحيم

اتجاهات السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية

مدخل


مثل إعلان الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من ايار/مايو 1990 علامة فارقة في اتجاهات السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية، اذ طالت التغييرات شبكة التفاعلات على كافة المستويات الإقليمية والقومية والدولية، سواءً تعلق الأمر بملفات الحدود واشكالياتها المختلفة مع دول الجوار الجغرافي، او تعلق الامر بالنظم الفرعية المتأخمة للجمهورية اليمنية سواءً في الخليج وشبة الجزيرة العربية والقرن الافريقي، او تعلق الأمر بشبكة التفاعلات على مستوى وحدات النظام الإقليمي العربي واتجاهات التكامل ودعم التضامن العربي، او تعلق الأمر بعلاقات اليمن الدولية مع الوحدات الفاعلة في النظام الدولي المعاصر. ومع حلول ذكرى العيد الوطني السابع عشر، وعلى ضوء خبرة سبعة عشر عاماً من قيام دولة الوحدة اليمنية تحاول هذه الورقة ان تلقي الضوء على اتجاهات سياسات اليمن من خلال التركيز على ثلاثة مستويات الأول إقليمي ويتعلق مباشرة بدول الجوار الجغرافي ودوائر الأمن الإقليمية وثيقة الصلة بالأمن اليمني وهما دائرتي الخليج العربي والقرن الإفريقي. ويرتبط المستوى الثاني بالتفاعلات ذات الهوية القومية، وهي بطبيعة الحال وثيقة الصلة بشبكة تفاعلات النظام الإقليمي العربي، في حين ينصرف المستوى الثالث إلى مناقشة هذه الاتجاهات على الصعيد الدولي مع الأخذ في الاعتبار الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي.


المطلب الاول – المستوى الإقليمي
أولاً - تسوية الخلافات الحدودية مع دول الجوار الجغرافي:
من قوس الأزمة الملتهب إلى الشريط الحدودي الآمن
واحتلت علاقات اليمن مع دول الجوار الجغرافي أهمية كبرى في سلم أولويات صانع قرار السياسة الخارجية اليمنية الذي ورث ملف الحدود من النظم الشطرية بكافة تعقيداته ومشاكله المختلفة. فالشطر الشمالي من ناحية خاض العديد من جولات الصراع الحدودي المسلح مع العربية السعودية ابتدأ من الحرب الشاملة التي انفجرت بين الطرفين في عام 1934 والتي ترتب عليها توقيع اتفاقية الطائف، ومروراً بالعديد من الخلافات الحدودية التي أضحت تقليدياً جزء رئيس من بنية العلاقات بين الطرفين. ولم يكن الشطر الجنوبي بعيداً عن هذه الأجواء إذ دخل في خلافات حدودية مع سلطنة عمان منذُ اللحظات الأولى لحصوله على الاستقلال في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر 1967، فضلاً عن تفاقم خلافاته الحدودية مع المملكة العربية السعودية لا سيما في ظل الخلافات الأيدلوجية الحادة بين الطرفين. وهكذا ورثت دولة الوحدة اليمنية خلافات حدودية مع السعودية وعمان فيما يمكن تسميته بقوس الأزمة اليمنية الذي ينطلق من نقطة الحدود اليمنية العمانية على البحر العربي، ومروراً بالحدود البرية بين الطرفين باتجاه مثلت الحدود المشتركة بين اليمن وعمان والعربية السعودية بالقرب من منطقة الخراخير، ثم عبوراً باتجاه الحدود البرية بين اليمن والسعودية، ووصولاً إلى نقاط الحدود المشتركة بين الطرفين عند شواطئ البحر الأحمر. ومع حصول اريتريا على الاستقلال الرسمي بعد استفتاء 1993 أضيف حائط جديد إلى هذا القوس على اثر اندلاع الخلاف الحدودي بين اليمن واريتريا حول أرخبيل حنيش في نهاية عام 1995.
وعلى الرغم من ان هذه الملف قد ألقى بتداعياته السلبية على علاقات اليمن مع دول الجوار الجغرافي المتمثلة في عمان والسعودية خلال المراحل الأولى من عمر دولة الوحدة اليمنية بالنظر إلى اندلاع أزمة الخليج الثانية، وتراجع ملف الخلافات الحدودية مع دول الجوار الجغرافي، إلا أن اليمن مع ذلك قد أفلحت فيما بعد في تجاوز التداعيات السلبية لازمة الخليج الثانية باستئناف المفاوضات الحدودية مع سلطنة عمان واتخاذ قرار قضى بتعجيل ترسيم الحدود معها ترتب عليه التوقيع في تشرين الأول/أكتوبر1992 على اتفاقية الحدود الدولية التي أنهت من الناحية الفعلية والقانونية خلافات حدودية ظلت عالقة لحقبه طويلة من الزمن بين اليمن وجارتها الشقيقة، ورتبت أوضاعاً وعلاقات إقليميه مغايرة لسابقتها، ومثلت حالة متميزة في سجل النزاعات بين الدول العربية، وقدمت أنموذجاً يحتدى به اختلف إلى حد كبير عن النماذج التي رسمت تطور معظم الخلافات الحدودية العربية – العربية، إذ أنة اعتمد بالأساس على الوسائل السلمية، وكان ثمرة لسلسلة طويلة من المفاوضات التي توجت في عام 1997 بالتوقيع على الخرائط النهائية للحدود المشتركة بعد ان تم اعتماد قاعدة الخط المستقيم الذي استثني منه مثلت حبروت.
وعلى الرغم من قوة الاستفزاز الاريتري على جبهة البحر الأحمر إلا أن صانع قرار السياسة الخارجية اليمنية قد تبنى اتجاهاً عقلانياً في تسوية الخلافات بعد أن أقدمت القوات الاريترية على احتلال جزيرة حنيش الكبرى في منتصف كانون الأول/ديسمبر 1995. وانتهج صانع القرار اليمني خيار الحلول السلمية طريقاً لاسترداد الحقوق محاولاً تحييد حدة الضغوط الشعبية التي كانت تدفع باتجاه استخدام القوة العسكرية لاسترداد الأرخبيل. ورحبت اليمن بجهود الوساطة الإقليمية والدولية بالنظر إلى حرصها على الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي ذات الارتباط الوثيق بأمن الملاحة الدولية في باب المندب. وتوج ضبط النفس اليمني بالتوقيع على اتفاقي المبادئ والتحكيم في أيار/مايو و تشرين الأول/أكتوبر 1996. وبموجب الأخير تشكلت هيئة التحكيم التي أصدرت حكمها على مرحلتين تضمنتا إعادة الأرخبيل إلى اليمن بطريقة سلمية في تشرين الثاني/نوفمبر 1998. ومرة أخرى تبرهن دولة الوحدة اليمنية حرصها على تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي كهدف من أهداف السياسة الخارجية اليمنية.
وظلت الخلافات الحدودية بين اليمن والسعودية تشكل عقدة مستعصية الحل في العلاقات بين الطرفين لا سيما وان حقبة التسعينيات قد شهدت خلافات حادة ومواجهات عسكرية مستمرة على الحدود المشتركة. بيد ان بوادر الانفراج قد لاحت في الأفق من جديد بزيارة غير متوقعة للرئيس صالح إلى المملكة العربية السعودية في حزيران/يونيو 2000 تم خلالها التوقيع على معاهدة جدة التي رسمت آلية لتسوية الخلافات التي ظلت عالقة بين الطرفين طوال أكثر من ستة عقود من الزمان.
ومع الشروع في تسوية الخلافات الحدودية مع العربية السعودية اتساقاً مع مضامين معاهدة جدة تكون دولة الوحدة اليمنية قد أفلحت في تحويل القوس الذي كان يمثل أزمة في علاقات اليمن مع دول الجوار الجغرافي إلى حزام أمني يعضد من مقدرة صانع قرار السياسة الخارجية اليمنية على صنع الأمن والاستقرار في المنطقة، وأفلحت أيضاً في دخول الألفية الثالثة وهي قد أنهت كل خلافاتها الحدودية لتكون أول دولة في المنطقة تسوي خلافاتها الحدودية بطريقة حضارية جديرة بالاقتداء، ولثبت القيادة اليمنية صدق توجهها العقلاني في تسوية الخلافات الحدودية بالطرق السلمية اعتماداً على مبدأ لا ضرر ولا ضرار.


ثانياً - اليمن ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية:
صيغ جديدة في إدارة العلاقات بين الطرفين
يحظى الفضاء الخليجي باهتمام خاص في قائمة أولويات السياسة الخارجية اليمنية بالنظر إلى الترابط الوثيق بين أمن اليمن من ناحية وأمن منطقة الخليج العربي من ناحية أخرى. وخبرة التفاعلات في النظام الإقليمي لدول الخليج وشبة الجزيرة العربية تؤكد مصداقية هذا الافتراض إذ اثبت في مناسبات كثيرة ان ما تنعم به اليمن من أمن واستقرار، أو ما تشهده من اضطرابات ينعكس بالضرورة على أمن دول الخليج وشبة الجزيرة العربية، وبالمثل فان ما تنعم به دول الخليج والجزيرة العربية من أمن واستقرار، أو ما تعانيه من حالات عدم الاستقرار ينعكس بالضرورة على أمن اليمن واستقرارها.
وعلى الرغم من التداعيات السلبية لأحداث الثاني من آب/أغسطس 1990 على العلاقات اليمنية الخليجية وتحديداً على علاقات اليمن بكل من الكويت والعربية السعودية، إلا أن الخليج العربي ظل محافظاً على مكانته المركزية في مدركات صانع القرار اليمني الذي سعى إلى إعادة جسور التواصل مع دول الخليج، والعمل صيانة وترميم الأسوار المتهاوية للتضامن العربي، ولذا حاول استثمار المناخ العام الذي تأسس بعد توقيع مذكرة التفاهم مع العربية السعودية في شباط/فبراير 1995 فأعلن رغبة اليمن في الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، مؤكداً بان المكان الطبيعي لليمن يقع في إطار هذا المجلس لاسيما وأن الهواجس الأمنية والخشية من التوجهات الماركسية للشطر الجنوبي التي حتمت على دول الخليج ان تستبعد اليمن من عضوية المجلس في الثمانينيات قد زالت بتحقيق الوحدة اليمنية. واتساقاً مع هذا التوجه لم تتردد صنعاء في تقديم طلب رسمي بالانضمام إلى المجلس أثناء انعقاد ة قمته السادسة عشر التي انعقدت في قطر في كانون الأول/ديسمبر 1996 معتمدة على علاقاتها المتميزة مع كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان.
ولم يقف الرفض الخليجي لطلب اليمن حائلاً أمامها في المضي قدماً لتطوير علاقاتها الثنائية مع الدول الخليجية فرادى، إذ شهدت نهاية حقبة التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة حراكاً قوياً في أنماط التفاعلات التعاونية بين الطرفين أكدت سعيهما معاً لطي صفحة الماضي وبدأ صفحة جديدة تتجاوز تلك التداعيات السلبية.
وعلى وجه العموم كانت قمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الثانية والعشرون المنعقدة في العاصمة العمانية مسقط في 30-31 كانون الأول / ديسمبر 2001 نقطة تحول في تاريخ العلاقات اليمنية الخليجية اذ خرجت ببعض القرارات ذات الأهمية البالغة لليمن. وتكمن أهمية هذه القمة في كونها مثلت نقلة نوعية وتقدماً ملموساً في الرؤية الخليجية للمطالب اليمنية المنادية بالانضمام إلى المجلس مقارنة بالدورة السابعة عشر لقمة دول المجلس المنعقدة في المنامة في كانون الأول/ديسمبر 1996م التي تجاهلت الطلب اليمني، إذ أن قمة مسقط 2001 قد أقرت مشاركة اليمن في بعض الأنشطة الرياضية (من قبيل بطولة مجلس التعاون الخليجي لكرة القدم) وكذا في اللجان الفنية المتعلقة بالمجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية. وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق على صعيد هذه الرؤية الخليجية الا أن الأمر مع ذلك لا يزال دون مستوى طموح اليمن التي تسعى إلى الحصول على العضوية الكاملة في الهيئات واللجان الفنية التابعة للمجلس.
ثالثاً - الإسهام في التسوية السلمية للصراعات الإقليمية في القرن الأفريقي: (الأنموذج الاريتري الاثيوبي)
نشب الخلاف بين اريتريا واثيوبيا حول بعض الأقاليم الحدودية، بيد ان هذا الخلاف سرعان ما تحول إلى حرب شاملة بين الطرفين في أيار/مايو 1998 بصورة جعلت منها مصدراً حقيقياً من مصادر تهديد الأمن في القرن الافريقي، بما يعنية ذلك من تداعيات سلبية على دول المنطقة كلها بما فيها اليمن. وانطلاقاً من الحرص على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة أيدت اليمن المبادرات السلمية التي قدمت لتسوية الأزمة سواء كان مصدرها الولايات المتحدة أو منظمة الوحدة الأفريقية. كما ان اليمن ذاتها قدمت مبادرة لتسوية الأزمة بعد ان أكدت مراراً تمسكها بالحياد في السادس من حزيران/يونيو 1998، خصوصاً وان المرحلة التي انفجر فيها الصراع بين الطرفين كانت ذاتها مرحلة خلاف يمني اريتري حول أرخبيل حنيش.
وأثناء زيارته إلى عدن في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1998 ألمح افورقي إلى دور يمكن ان تمارسة اليمن في التقريب بين وجهات النظر المتضاربة في الصراعات الإقليمية التي كانت إريتريا طرفاً فيها. واستجابت صنعاء لهذه الدعوة وأعلنت في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 1998 استعدادها رسمياً للمساهمة في الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتسوية الصراع الإريتري الأثيوبي.
شهدت نهاية 1998 أول محاولة فعلية من اليمن للقيام بجهود وساطة بقصد تسوية الصراع بين الطرفين حين توجه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني إلى أديس أبابا حاملاً معه مبادرة لتسوية النزاع في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1998 كي يبدي استعداد اليمن للإسهام في جهود الوساطة المختلفة لتسوية النزاع، وكي يحصل في الوقت نفسه على موافقة أثيوبيا على قيام اليمن بهذا الدور عبر مبادرة تقدمت بها لتسوية النزاع بعد ان تلقت دعوة صريحة من اريتريا بهذا الشأن. وتضمنت المبادرة بعض الأفكار العملية لتسوية الصراع اقتربت كثيراً من المبادرة التي قدمتها منظمة الوحدة الأفريقية إذ تركزت حول ضرورة البدء في المفاوضات بين الطرفين، واللجوء إلى التحكيم إذا فشل الطرفان في الاتفاق حول تسوية النزاع.
ان خشية اليمن من الآثار الوخيمة للصراعات المسلحة في القرن الأفريقي وحرصها على تأسيس بنية قوية للأمن في القرن الافريقي قد دفع اليمن الى الترحيب باتفاق السلام الذي تم توقيعه في الجزائر بين إريتريا وأثيوبيا في الثاني عشر من كانون الأول/ديسمبر 2000 ومباركتها له.
رابعاً - التنسيق بشأن قضايا الأمن في القرن الأفريقي
- قمة صنعاء الثلاثية كانون الثاني/يناير 2000
إيماناً من اليمن بأهمية القرن الأفريقي لأمنها الوطني وللأمن القومي العربي، ولا سيما بعد اندلاع النزاع مع إريتريا حول أرخبيل حنيش، وفي ظل محاولات التغلغل الإسرائيلي التي تشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي العربي، سعت إلى إيجاد نوع من التنسيق بين الدول العربية ذات الاهتمام بالأمن في القرن الأفريقي فاستضافت في السابع عشر من كانون الثاني/يناير 2000 مؤتمر قمة ثلاثي بحضور الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس جيبوتي عمر جيلة، وكانت اليمن عبر البيان الختامي لهذه القمة قد أرادت ان توضح مواقفها من بعض القضايا الحيوية في المنطقة منها:
1 – تأييد الإجراءات التي اتخذها البشير في السودان على اثر الخلافات التي نشبت بينه وبين د. الترابي.
2 – دعم وتأييد المبادرة التي قدمها عمر جيلة بهدف تحقيق المصالحة بين الفصائل الصومالية.
3 – تنسيق سياسات الدول العربية المطلة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
– قمة صنعاء الثلاثية تشرين الأول/أكتوبر 2002
جاءت هذه القمة بدعوة من اليمن لتؤكد وجود هاجس أمني لدى معظم دول الجوار الإريتري، إذ ان القاسم المشترك للدول المشاركة في هذه القمة (اليمن والسودان واثيوبيا) انها قد دخلت في صراعات مباشرة مع اريتريا، وبات الأمر يشكل تهديداً حقيقياً لأمن الدول ذات الحدود المشتركة معها بما فيها أثيوبيا. ولا ريب ان الهوية الأمنية للملفات التي تمت مناقشتها في هذه القمة بين الرئيس صالح والرئيس البشير ورئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي تؤكد الأهمية الأمنية لهذه القمة التي دارت حول:
أ – تأييد اتفاق ماشاكوس للسلام في السودان ودلالاته لأمن واستقرار البحر الأحمر.
ب – السلوك الاريتري ازاء دول الجوار على وجه العموم، وادانة الاعتداء الذي تعرضت له السودان من الجبهة الاريترية والتدخل في شؤونها الداخلية على وجه الخصوص.
ج – دعم الجهود الدولية والاقليمية الرامية لانعقاد مؤتمر المصالحة الصومالية في كينيا بما يحقق الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الافريقي.
- تأسيس تجمع صنعاء
ان التطورات السابقة الذكر والصراعات التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي والتي كانت اريتريا طرفاً في معظمها اذ دخلت كما رأينا سلفاً في صراع مع اليمن ومع أثيوبيا فضلاً عن السودان قد ولدت القناعة بين هذه الدول بأهمية تأسيس تجمع صنعاء لاعتبارات كثيرة يأتي في مقدمتها الاعتبارات الأمنية. ومع ذلك كان هناك حرص منقطع النظير على التأكيد بان أي محاولة لتأسيس منظمة إقليمية في المنطقة لا تعني إنشاء حلف ضد احد بل إنشاء تجمع مفتوح العضوية أمام الجميع بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. من هذا المنطلق بدأت الترتيبات لإنشاء تجمع ثلاثي يضم اليمن والسودان واثيوبيا، وهو التجمع الذي خرج إلى حيز الوجود من خلال التوقيع على النظام الأساسي في العاصمة الأثيوبية في التاسع والعشرين من ديسمبر 2003 والذي أكد على الأهداف الآتية:
1 – تطوير التعاون بين الدول الأعضاء لتحقيق تطلعات شعوبها في التنمية والتقدم والاستقرار.
2 – الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في القرن الأفريقي ومنطقة جنوب البحر الأحمر.
3 – تطوير التعاون في مجالات الاستثمار المشترك وتسهيل حركة الأموال ومكافحة التهريب.
4 – تحقيق المزيد من تعزيز العلاقات التاريخية والاجتماعية والثقافية التي تربط شعوب القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر.
5 – منع النزاعات وحلها سلمياً وحل الصراعات بين دول المنطقة عن طريق الحوار وبالوسائل السلمية.
6 – دعم وتنسيق التعاون الإقليمي فيما بين الدول الأعضاء في محاربة الإرهاب الدولي.
وكما هو واضح فان الأهداف تتنوع لتضم الأمني والاقتصادي والتجاري بما يعني اهتمام دول القرن الإفريقي بتطوير أوجه العلاقات والتعاون في شتى المجالات
وإذا كانت هذه الأهداف تبلور طبيعة توجهات الدول العربية والأفريقية في منطقة القرن الإفريقي في إطارها النظري، فان هذه الدول قد سعت إلى جعل الملفات ذات الصلة بهذه الأهداف محلاً لاهتمام مؤتمرات القمة كما يتضح من قمة الخرطوم التي انعقدت في ديسمبر 2004 والتي ركزت على الاتي:
1 - الملف الأمني: والذي كان يتضمن محاولة تسوية الخلافات الاقليمية لاسيما بين اريتريا وكل من السودان واثيوبيا، وهي الرؤية التي طرحتها اليمن في القمة، ولقت ترحاباً قوياً من الدول الاعضاء في التجمع. وهو ذات الترحاب الذي حصدته مبادرة السلام التي طرحتها اثيوبيا لتسوية خلافاتها مع اريتريا، إضافة إلى الترحيب بجهود تحقيق السلام والاستقرار في جنوب السودان.
2 – ملف التعاون الاقتصادي: والذي تبلور من خلال التوقيع على العديد من الاتفاقيات ذات الصلة بذلك من قبيل التوقيع على مذكرة التفاهم التي تسعى إلى إنشاء مجلس تجاري مشترك بين الدول الأعضاء، ومذكرة لتشجيع الصادرات، ومذكرة تتعلق بمكافحة التهريب عبر الحدود، فضلاً عن توقيع اتفاقية التعاون في مجال النقل البحري.
3 – ملف العضوية: والذي اتضح من خلاله حرص الأعضاء على توسيع عضوية التجمع لتشمل بقية الدول المطلة على القرن الأفريقي، وفي هذا السياق رحبت القمة بالطلب الصومالي بالانضمام إلى التجمع، وهو الأمر الذي تم كمدخل لتحقيق الأمن والاستقرار في الصومال.
ومن مناقشة المواضيع التي طرقتها القمة، يتضح حرص الدول الأعضاء على تطوير العلاقات بين الدول الأعضاء بما يفتح أفاقاً رحبة لتعزيز العلاقات العربية الإفريقية في منطقة القرن الأفريقي في كافة المجالات.
وكما هو واضح توخت اليمن من تجمع صنعاء وضع اللبنات الأولى لمنظومة الامن الجماعي في المنطقة. فعلى الرغم من اتساع فرشة الاهداف التي قصد المؤسسون تحقيقها، اذ انها تمتد لتشمل التعاون في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الا ان البعد الامني كان جلياً في نص اتفاقية النظام الاساسي للتجمع الثلاثي. فالهدف الاول تعامل مع قضيتي التنمية والتقدم من منظور الاستقرار السياسي للمنطقة، وسعى الهدف الثاني الى معالجة المعضلة الامنية على نحو مباشر حين أكد على الحفاظ على الامن والاستقرار والسلام في القرن الافريقي ومنطقة جنوب البحر الاحمر. وربما يمكن تصنيف الهدف الخامس ضمن الاليات التي اقرها التجمع حين أكد أهمية تسوية النزاعات بين دول المنطقة عبر استخدام الوسائل السلمية التي يأتي الحوار والقنوات الدبلوماسية في مقدمتها. وكان التنسيق والتعاون في ميدان مكافحة الارهاب الدولي محل اهتمام الهدف السادس الذي توخى توحيد وتنسيق جهود الدول في إطار جماعي ينتج اثرة الناجع في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
واذا كانت هذه الاهداف تبلور طبيعة توجهات السياسة الخارجية اليمنية في منطقة القرن الافريقي في إطارها النظري، فان الاطار التطبيقي لهذه السياسات يأتي منسجماً معها كما يتضح من الملفات التي تأتي في مقدمة اهتمامات صانع قرار السياسة الخارجية في قمة الخرطوم المقرر انعقادها في السابع والعشرين من ديسمبر الجاري. وإدراكاً منها لأهمية استيعاب اريتريا في البنية الامنية المفترضة لمنطقة القرن الافريقي والمدخل الجنوبي للبحر الاحمر بالنظر الى الدور الاريتري المحوري في خلق أمن اقليمي في المنطقة لاسيما في ظل الخبرة الصراعية التي ربطت اريتريا بكل من اليمن والسودان وجيبوتي واثيوبيا، سعت اليمن الى التقريب بين وجهات النظر المختلفة بما يعزز أمن المنطقة فاستضافت الرئيس الاريتري اسياس افورقي في صنعاء لازالة اوجه اللبس بينها وبين بقية دول الجوار الجغرافي، وجعلت هذا الملف ضمن اهتماماتها في القمة القادمة حين أعلن فخامة الرئيس صالح انه سيحمل الى القمة رؤية اليمن " لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات بين دول القرن الافريقي وجنوب البحر الاحمر بما يعزز آفاق التعاون والشراكة الاقليمية ".
بيد ان التجمع، رغم تركيزة على متغير الامن كمدخل للاستقرار في المنطقة، كان له رؤية تتعلق بضرورة تشبيك المصالح بين الاطراف الموقعة من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية وتطوير التبادل التجاري عبر تفعيل الاتفاقيات ذات الصلة باوجه التعاون المشترك في هذه المجالات.
وفضلاً عن ذلك رحبت صنعاء بالحضور الصومالي في القمة حرصاً منها على تحقيق أمن واستقرار الصومال كأحد المدخلات الرئيسة لامن واستقرار المنطقة برمتها كما دللت على ذلك الاحداث التي شهدها الصومال الشقيق منذُ انهيار الدولة في بداية التسعينيات وحتى الساعة. والأكثر من ذلك ان اليمن لم تنفك تعلن مراراً انفتاح العضوية في التجمع لتضم الدول المطلة على القرن الافريقي ذات الاهتمام بامن المنطقة وذات الايمان بالمبادئ التي قام عليها التجمع والاهداف التي توخى تحقيقها، وهو الامر الذي يعني حرص صنعاء على توسيع العضوية في التجمع ليشمل دول الاقليم كافه بما ينعكس ايجاباُ على أمن المنطقة وتقويض مصادر التهديد الى حدها الادنى.
والمتأمل اذاً في الابعاد الامنية التي شكلت السياسة اليمنية عبر مظلة تجمع صنعاء سيلاحظ بوضوح مدى الارتباط العضوي بين القطري الخاص باليمن وأمنها واستقرارها والمنبثق بالاساس من الأهمية الجيوبوليتكية التي تخلق تفرداً واضحاً لليمن على مستوى المنطقة، وبين القومي من خلال الوجود السوداني والحرص اليمني – السوداني المشترك على تعزيز الامن القومي العربي، لاسيما في ظل وجود تهديدات صهيونية وتحالفات اقليمية تمس بحق الأمن القومي العربي في منطقة البحر الاحمر بجزرة المترامية الاطراف. ويتداخل البعد القومي مع الاقليمي لمسوغات تحتمها ظروف المنطقة عبر التواجد الاثيوبي الفاعل في التجمع، وبين الدولي الذي نقراء فيه رغبة يمنية في توفير متطلبات حرية الملاحة الدولية في باب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الاحمر وتعزيز النهج الاستقلالي الرامي الى الاحتفاظ بعلاقات متوازنه مع القوى الدولية الفاعلة ذات المصالح الواسعة في الاقليم مع تحاشي الوقوع في شراك التبعية التي تحاول ان تنصب فخاخها هذه القوى وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الامريكية التي اصدرت بعض القوانين التي تخولها مزيد من التدخل في الشؤون الداخلية لطرف رئيس في التجمع هو السودان ومعاقبته تحت مسوغ الفشل في وقف المجازر التي تشهدها دارفور. وربما يكون الملف الامني بتداعياته السودانية ضمن الملفات الحيوية لتجمع صنعاء كما اتضح من خلال قمة الخرطوم في 2004، او قمة عدن في 2005، او قمة اديس ابابا في 2007 والتي تتطلب في الوقت نفسه وقفة جادة ازاء محاولات التدخل الدولي المستمرة في شوؤن السودان وشوؤن بقية دول القرن الافريقي.
بيد ان المصلحة الوطنية العليا لليمن، وكذا المصالح الوطنية للدول الاطراف في التجمع تقتضي تطوير البنية الامنية الواردة في النظام الاساسي، من خلال تطوير طبيعة الالتزامات الأمنية المشتركة في المستقبل اذا ما اتضح للاطراف جدوى هذا التجمع وفاعليته في تحقيق الاهداف التي ينشدها كل طرف، وإحداث نقله نوعية في اداءه من خلال تطوير مؤسساته لتتجاوز صيغة التفاهمات السياسية الى صيغه أكثر تقدماً من الناحية الامنية تأخذ على عاتقها وظيفياً مهمة تحقيق أمن الاطراف بصورة جلية لاسيما اذا اتسعت عضوية التجمع لتشمل بقية الدول الاعضاء في النظام الاقليمي لدول القرن الافريقي والمدخل الجنوبي للبحر الاحمر.
المطلب الثاني – المستوى العربي والقومي
أولاً – تعزيز دور الجامعة العربية
ارتبطت بدايات القرن الحادي والعشرين برغبة يمنية في تقوية دور الجامعة العربية إذ نادت اليمن في السابع عشر من كانون الثاني/يناير 2000 بضرورة عقد قمة عربية تناقش التحديات المختلفة التي تواجه الأمة العربية، وتعزز في الوقت نفسه من مواقف سوريا ولبنان وفلسطين بما يفضي إلى استعادة الأراضي العربية المحتلة باعتبار ذلك هو المدخل السليم لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة. وكان قد سبق هذه الدعوة دعوات عديدة نادت بها اليمن في أعقاب الضربات الصاروخية الأمريكية البريطانية الشاملة على العراق في كانون الأول/ديسمبر 1998، وفي أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على بيروت في عام 1999.
وانسجاماً مع مبدأ الحرص على تعزيز دور الجامعة العربية دأبت اليمن على الإسهام الفاعل في أنشطة الجامعة سواء على مستوى البعثة الدائمة، أو من خلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب. ولتعزيز تأثير الجامعة العربية ومسيرة العمل العربي المشترك لم تكتف اليمن بمجرد إصدار الدعوات الإعلامية بل رأت ان انتظام انعقاد دورات الجامعة العربية أسوة بالتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى يعد أمر ضروري لتعزيز تلك التأثيرات فتقدمت بمبادرة تضمنت رؤيتها لآلية انعقاد القمة العربية بصورة منتظمة جاء في مادتها الثانية " ينعقد مجلس الجامعة على مستوى ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية في دورة عادية مرة في السنة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني ….ويتناوب أعضاء المجلس على مستوى ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية برئاسة المجلس في كل دورة حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول الأعضاء … " ، وهذه المبادرة تضمنتها المذكرة التي أرسلها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية إلى وزير الخارجية المصري والأمين العام للجامعة العربية في السابع عشر من شباط/فبراير 2000.
وفي الدورة 113 الاعتيادية لمجلس الجامعة العربية التي انعقدت في بيروت في الحادي عشر من آذار/مارس 2000 تم من حيث المبدأ إقرار مضمون تلك المبادرة إذ تشكلت لجنة خماسية تكونت من اليمن وعمان ومصر وتونس وسوريا لدراسة المشروع اليمني واصلت اجتماعاتها حتى تم إقرار هذا المشروع والحاقة بميثاق الجامعة العربية في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر 2000.
ثانياً - اصلاح النظام الاقليمي العربي وتقديم صيغة الاتحاد العربي
ارتبطت نهاية شهر اب/أغسطس 2003 بتقديم اليمن لمبادرة قصدت بها اصلاح النظام الاقليمي العربي الراهن، وتطوير اليات العمل العربي المشترك. ووجدت هذه المبادرة اصداء واسعة محلياً وعربياً، بيد ان القيمة الحقيقة لهذه المبادرة ربما تتأكد من خلال تسليط الضوء بايجاز على الاسس التي انبثقت منها هذه المبادرة، والدلالات المختلفة لها وطنياً واقليمياً ودولياً.
(1) جرس إنذار نحو خطورة الوضع وتعاظم مصادر التهديد
ان المتأمل في المبادرة اليمنية سيجد انها تأتي استجابة للمتغيرات الاقليمية والدولية التي تمر بها المنطقة العربية، وبمجمل التغيرات التي طرأت على بنية النظام الدولي الثنائي القطبية، او تلك التي يشهدها النظام الدولي المعاصر. وهي تغيرات في مجملها تؤكد خطورة الوضع الذي وصل اليه حال النظام الاقليمي العربي ان على صعيد قدراته وامكانياته التي تتسرب خارج دورة التدفقات الاقليمية، او نمط سياساتة وتحالفاته التي وصلت درجة عالية من التناقض، او بنيته ومراكز القوى فيه التي اصابها الوهن والاعياء، او على صعيد شبكة علاقاته مع دول الجوار الجغرافي كالكيان الصهيوني الذي استطاع ان يرسم قواعد اللعبة فيما له علاقة بالصراع العربي الصهيوني، او من خلال تغلغل القوى العظمى في التحكم بمقدراته وترتيب اوضاعه وتغيير النظمم السياسية لبعض وحداته باستخدام القوى الاداة العسكرية واللجوء الى الاساليب التقليدية بما يتلائم مع مصالحها الوطنية على نحو مستفز لم يسبق له مثيل في تاريخ النظام الاقليمي العربي. والمبادرة اليمنية في هذا المضمار تمارس دور المحفز لاعضاء جسم اصابة الوهن وتنذره بمخاطر الاستمرار في التخاذل أما تيار عاصف يلتهم الاخر واليابس. وهي على هذا النحو تؤكد على ان تفعيل العمل العربي المشترك عبر صيغة شبة وحدوية تقود الى الوحدة الشاملة هي الملجاء الوحيد والطريق الأمن نحو الخلاص من مصادر التهديد المختلفة التي تواجه الامة العربية.
(2) الاقتراب من محور تفاعلات النظام الاقليمي العربي
على الرغم من ان اليمن قد اسهمت في تأسيس جامعة الدول العربية ووقعت على ميثاقها وعلى معاهدة الدفاع العربي المشترك، الا اننا مع ذلك ينبغي ان نقر ان اليمن، بالنظر الى تخلف نظام الامامة وتبنيه سياسات العزلة في الشمال وخضوع الشطر الجنوبي للاستعمار البريطاني، ظلت طوال فترة التشطير تصنف ضمن دول المحيط على صعيد النظام الاقليمي العربي، ولم تقترب قط الى قلب النظام ومركزه. فتأثيرها على النظام الاقليمي العربي كان يصل حده الادنى، في حين وصل تأثير النظام الاقليمي العربي والدول القائدة له في اليمن أقصى مداه. وخلقت الوحدة اليمنية بيئة مواتيه أمتلكت معها اليمن قدرات تمكنها من التأثير على نمط التفاعلات في النظام دون ان تتمكن من الوصول الى مركز النظام ومحور تفاعلاته. بيد ان التفاعلات المختلفة التي شهدها النظام الاقليمي العربي، وتفاعل صنعاء النشط مع كل احداثة قد بدأت تنقل اليمن تدريجياً الى مركز يمنكها من التأثير في تقاعلات النظام عبر المبادرة اليمنية التي قدمت في مؤتمر قمة القاهرة 2000 والتي سعت الى وضع آلية لانتظام مؤتمرات القمة العربية، وهو الامر الذي أفلحت في الحاقة بادبيات الجامة العربية. بيد ان الجديد في هذه المبادرة ان اليمن من خلالها تسعى الى إحداث تغيير جذري في المؤسسات المعبرة عن النظام الاقليمي العربي، وهو الامر الذي ينقلها الى مرتبة متقدمة ضمن الدول ذات التأثير الفاعل في تقاعلات النظام الاقليمي العربي ويقربها ضمن دأئرة الدول التي تشكل قلب النظام.
(3) إحياء المشاريع ذات الهوية الوحدوية
ظلت اليمن طوال تاريخها الحديث والمعاصر ترفع شعارات الوحدة العربية دون كلل، والمحلل للخطاب السياسي اليمني وطنياً وقومياً لا يفوته الانتباه الى هذه الحقيقة. ولعل التداعيات السلبية لأزمة الخليج الثانية ثم ما تلاها من حرب مروعة انتهت باحتلال العراق قد جعلت طروحات التضامن والتكامل العربي تتراجع بقوة على نحو أفرغ الشعارات القومية من مضامينها الوحدوية، وغلبت روح الانكسار والانهزامية على نحو منظم لدى المواطن العربي. ومن هنا تنبثق أهمية المبادرة اليمنية لتحيي من جديد في النفس العربية المشاريع ذات الهوية الوحدوية التي من شأنها ان تنقل العمل العربي المشترك نقلة نوعية على صعيد إعادة بناء أسوار القومية العربية، وإحياء فكرة الدول العربية الواحدة عبر الانتقال التدريجي الى صيغة الاتحاد العربي كخطوة أولى تليها خطوات جادة نحو الاندماج الكامل للدول العربية في دولة عربية واحدة تمثل الامة من المحيط على الخليج. وإحياء المشاريع ذات الهوية الوحدوية يأتي استجابة للتحديات التي واجهها النظام الاقليمي العربي على صعيد السياسات الكتلية التي بدأت النظم الفرعية المكونة للنظام الدولي تتخذها وسيلة لمقارعة ومواجهة تحديات العولمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
(4) إعادة النظر في المدركات الامنية باتجاه تأسيس نظام أمني جديد
على الرغم من الاهداف الطموحة التي تضمنتها معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية التي تم التوقيع عليها في عام 1952 على الصعيد الامني والدفاعي من خلال التأكيد على ان اي أعتداء على اي دولة عربية يعد بالضرورة اعتداء على الدول العربية تبادر وفقاً لها الدول العربية فرادى وجماعات لمباشرة سياسات الدفاع عن العضو المعتدى عليه، الا ان المعاهدة ظلت حبراً على ورق، ولم تفعل الا حين تمس التقاعلات مصالح احد الاقطار العربية الاعضاء في الجامعة على نحو مباشر. وأفضى هذا الوضع الى إفراغ معاهدة الدفاع العربي المشترك من مضمونها الدفاعي بشكل اقترن في حقبة التسعينيات من القرن المنصرم، وأوائل الالفية الثالثة مع اعتناق سياسات جديدة تغاير تماماً طروحات معاهدة الدفاع العربي المشترك، اذ تبدلت المدركات الامنية لدى الكثير من وحدات النظام الاقليمي العربي الى الحد الذي رأئت فيه دولاً عربية ان بعض الدول العربية تمثل مصدر التهديد الحقيقي لأمنها الوطني، في حين تمثل القوى الاجنبية دول صديقة تقيم معها علاقات تحالف استراتيجية تتجاوز بكثير تلك التي تقيمها مع بعض الدول الشقيقة. ولا ريب ان اصرار المبادرة اليمنية على ضرورة إعادة بناء المنظومة الامنية المفترضة للنظام الاقليمي العربي من شأنها ان تعين الكثير من الدول العربية على تجاوز تداعيات الماضي، والتأكيد على ان النظام الامني العربي هو الاداة الفاعلة للحفاظ على وطن عربي مستقر ومزدهر وآمن. ولا ريب ان المبادرة اليمنية قد تضمنت نقلة نوعية في هذا المضمار حين أكدت صراحة على ضرورة تشكيل قوات سلام عربية مشتركة تتولى إدارة الأمن القومي العربي وتعمل على تحقيقة، وليس فقط مجرد الاكتفاء بالتنظير للنظام الأمني العربي المنشود.
(5) خلق قواسم مشتركة في مجال السياسة الخارجية
قد لا نختلف كثيراً في التأكيد على ان تباين الارادات السياسية الناجم عن سياسات خارجية غير موحدة للدول العربية قد أفضى الى الكثير من الازمات الكارثية في السياسة العربية. والمبادرة اليمنية تحاول ان تقدم مخرجاً ملائماً من هذا الوضع المأساوي من خلال انشاء مجلس وزارء خارجية الدول الاعضاء في الاتحاد يعمل على محاولة معالجة الاختلالات التي قد تنشاء في ميدان السياسة الخارجية، وتوفير الحد الملائم من القواسم المشتركة التي من شأنها تقريب وجهات النظر والحد من نسبة التناقضات على نحو يمهد لخلق نمط مستقر وفاعل من السياسات العربية المتجانسة التي تقر على صعيد مجلس الاتحاد العربي المكون من القادة العرب.
(6) إزالة الحرج فيما له علاقة بمتغير القيادة
لا نتسطيع ان ننكر ان تخوف الكثير من القادة العرب على مقاعدهم في السلطة كانت ضمن المعضلات الرئيسة التي أعاقت الجهود الوحدوية في الماضي، وستعيقها في المستقبل اذا لم يتوفر الحد الادنى من الاتفاق حول تسوية الاشكالية المرتبطة بالقيادة. وتقدم المبادرة اليمنية حلولاً عملية لهذه المعضلة تصون من خلالها فرصة كل زعيم عربي في الوصول الى مركز القيادة على المستوى القومي مع احتفاظة بسلطاته القطرية، وهو الامر الذي يوفر فرصاً متكافئة لكل القادة العرب دون تفضيل لزعيم على أخر على الرغم من تبني الكثير من القيادات العربية لمبدأ التنازل على السلطة في سبيل تحقيق الامة العربية في الوحدة كألانموذج الذي يقدمه فخامة الرئيس علي عبد الله صالح مراراً في احاديثة ومقابلاته مع وسائل الاعلام المختلفة.
(7) التأكيد على المشاريع ذات الهوية المشتركة
على الرغم من عدم وضوح المنهج الوظيفي بقدر كاف، الا اننا نتلمس بعض ملامح المنهج الوظيفي في التجارب الاندماجية من خلال تأكيد المبادرة اليمنية على انشاء صندوق الدعم والتطوير الاتحادي، وبنك التنمية الاتحادي اذ يهدف الاول الى العمل على تأهيل الدول الاعضاء بقصد ردم الهوة الاقتصادية التي قد تعمق الانقسام والتشردم بين وحدات النظام الاقليمي العربي، في حين يكرس الثاني لخلق وتمويل المشاريع الاستثمارية ذات الهوية الجماعية التي قد تنقلنا خطوات نحو سوق عربية مشتركة واتحاد جمركي في المستقبل في مواجهة التكتلات الاقليمية والدولية المختلفة. فضلاً عن المبادرة تركز على الابعاد الاقتصادية التي من شأنها ان تشكل اداة ضغط نحو مزيد من تشبيك المصالح الاقتصادية بشكل يجعل التنسيق السياسي ضرورة حتمية وليس خياراً يستطيع صانع القرار التخلي عنه حين يشاء.
(8) تأكيد على النهج الوحدوي لليمن
ان كانت اليمن قد اقرت صراحة في كل وثائقها الدستورية والقانونية بانها جزء من الامة العربية، فان هذا الاقرار لم يأت من فراغ بل من ايمان راسخ بان الانصهار في بوتقة الامة العربية هدف نهائي للسياسات اليمنية على الصعيد القومي، وهذا الانصهار يتم في سياق تيار اتحادي يجعل من الوحدة العربية الهدف الرئيس والمركزي في السياسة الخارجية اليمنية. والخطاب السياسي الذي اعتنقة الرئيس صالح وأمن بمضامينه يعد خطاباً قومياً رفيع المستوى يرى في الوحدة العربية الشاملة قدر ومصير الشعب اليمني. فكما كانت الوحدة اليمنية حلماً في الماضي، سعت قيادة الرئيس صالح من خلال برنامج عمل ذؤوب الى جعلها حقيقة راسخة في واقعنا السياسي المعاصر في وقت تاهت فيه كل السبل الوحدوية على صعيد النظام الاقليمي العربي. والايمان بالوحدة اليمنية كمنطلق لبناء وحدة عربية شاملة سيظل مهيمناً على فكر الرئيس صالح حتى يرى بشارة أمل في هذا الدرب الطويل المليئ بالاشواك. بيد ان الايمان والقناعة بأهمية المشروع الوحدوي والاستعداد للتضحية سيجعلان الطموح في إنشاء دولة عربية واحدة أمر ممكن ان عاجلاً أو آجلاً.
ثالثاً - التطورات في العراق وفلسطين والصومال: ملفات حيوية
وعلى الصعيد القومي كان الملفين العراقي والفلسطيني في صدارة ملفات السياسة الخارجية اليمنية وفي قائمة اهتمامات فخامة الرئيس صالح، فعلى صعيد الشأن العراقي تبلورت الرؤية اليمنية التي دافع عنها الرئيس صالح وأعلنها في المحافل الدولية مراراً بضرورة تخليص العراق من أزمته بإنهاء الاحتلال الأمريكي وسحب القوات الأمريكية كأولوية ينبغي ان تحظى بالتنفيذ من قبل الإدارة الأمريكية ومقدمة منطقية لخلق الأمن والاستقرار في العراق، اذ انه لا يمكن تصور بلد مستقر وأمن وهو يقبع تحت احتلال القوات العسكرية للقوة الأعظم في النظام الدولي المعاصر. وهذا الأمر يتطلب إعداد برنامج زمني لعملية الانسحاب كمقدمة لإثبات حسن نوايا الولايات المتحدة في خضم عملية نقل السلطة إلى الشعب العراقي. وفي الوقت نفسه يمكن تلمس البعد القومي بقوة في توجهات السياسة الخارجية اليمنية حين تم الربط بين مشاركة اليمن بقوات عسكرية في العراق وبين الإجماع العربي عبر جامعة الدول العربية، ومن هنا تم الربط بين المشاركة وبين ضرورة اتخاذ قرار على مستوى النظام الإقليمي العربي. ومن اجل إدخال عناصر أخرى مؤثرة في مسار تفاعلات الملف العراقي لا يتردد الرئيس صالح في دعوة الدول الكبرى الأسيوية والأوربية إلى ممارسة دور يعتد به في تسوية الملف العراقي، والإعراب المستمر عن أمله في أن يرى دوراً أوربياً متميزاً في معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك الملف العراقي الذي تنفرد الولايات المتحدة بترتيب أوراقه دون ان توفر هامشاً أوسع لحرية الحركة للدول الأوربية، والتأكيد الصريح بان المقاومة أمر مشروع لمقاومة الاحتلال. ولم يتوان الرئيس صالح خلال زياراته ولقاءاته مع الصحافة الأجنبية ان يشير إلى سلسلة الأخطاء التي ترتكبها القوات الأمريكية في العراق والتي تتنافى مع كل القوانين والأعراف الدولية، فالموقف اليمني الواضح إزاء الأحداث في العراق الشقيق والدعوة العلنية إلى الإسراع في إنهاء احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية كانت ملفات بارزة في اتجاهات السياسة الخارجية اليمنية طوال العامين الماضيين.
ونفس الأمر ينطبق على القضية الفلسطينية من خلال الدعوات المتكررة للولايات المتحدة إلى اتخاذ مواقف محايدة إزاء أطراف الصراع العربي الإسرائيلي، والكف عن الانحياز إلى الكيان الصهيوني، والدعوة إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، والالتزام بمضامين خارطة الطريق الأمريكية، والدعوة المستمرة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بتطورات القضية الفلسطينية، ودعم مجلس الأمن الدولي لممارسة دور أكبر لحمل الكيان الصهيوني على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، والدعم العلني والصريح للانتفاضة الفلسطينية، مع تقديم رؤية واضحة المعالم لطرق دعم الانتفاضة الفلسطينية والتي تمتد لتشمل فرشة واسعة من الخيارات التي تتراوح بين الدعم اللفظي والمعنوي إلى تقديم الدعم المادي بأشكاله كافة. ويربط الرئيس صالح ربطاُ وثيقاً بين إقامة الدولة الفلسطينية وبين تحقيق الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الجهود الدولية في مجال مكافحة الإرهاب.
وإذا كانت اليمن حريصة على تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، فانها ترى ان العامل الرئيس في ظل الظروف الراهنة يرتبط بأمن واستقرار الصومال وإعادة بناء الدولة فيه بعد ان غابت معالمها في بداية التسعينات على اثر سقوط نظام محمد سياد بري وانهيار مؤسسات الدولة، ولذا نجد الرئيس صالح يحمل معه دوماً في كل زياراته تقريباً ملف الصومال بحثاً عن عون دولي يساعد أبناء الصومال على استعادة وحدتهم، وإعادة بناء دولتهم.
المطلب الثالث – المستوى الدولي
سعت اليمن الى ان يكون لها مكانتها المرموقة على صعيد تفاعلات النظام الدولي ان في زمن الثنائية القطبية أو في ظل الأحادية الأمريكية. وهذا الحرص على تأكيد التوازن والاستقلالية كنهج في السياسة الخارجية اليمنية ليس حالة طارئة تأتي استجابة لموقف بذاته أو قضية بعينها، بل عد بحق نهج راسخ في السياسة اليمنية لا يبتذل ولا يتغير إلا لمقتضيات المصلحة الوطنية العليا لليمن، والهوية القومية للقضايا الماثلة أمام صانع القرار. ويؤكد المسار العام لزيارات الرئيس صالح ولمواقف اليمن المختلفة مصداقية هذا الطرح، وحقيقة التوازن في السياسة الخارجية اليمنية.
أولاَ - إبراز الأنموذج اليمني في الإصلاح السياسي
واحترام حقوق الانسان
فمن ناحية أولى سعت اليمن في سياستها الخارجية إلى إبراز أنموذجها في الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وذلك من خلال الربط الوثيق بين التجربة الفريدة والمتميزة على مستوى منظومة دول العالم الثالث قاطبة، وبين التراث الثقافي والحضاري الذي تزخر به اليمن مع التأكيد على ان اليمن قطعت شوطاً طويلاً في هذا المضمار بما يجعل التجربة اليمنية أنموذجاً جديراً بالاقتداء على مستوى المنطقة. وهذه التجربة التي نمت وترعرت في ظل دولة الوحدة جعلت اليمن تحصل على تقدير واحترام الدول ذات العراقة في ميدان الممارسة الديمقراطية، والإشادة بالتجربة اليمنية في كل المحافل الدولية. وتؤكد تقارير المراقبين الدوليين الذين شهدوا التجارب الانتخابية البرلمانية والرئاسية في تسعينيات القرن العشرين، ومروراً بالانتخابات المحلية (فبراير 2001)، والبرلمانية (ابريل 2003)، ووصولاً إلى الانتخابات الرئاسية والمحلية في سبتمبر 2006 مستوى التقدم الذي قطعته اليمن في هذا المضمار والذي يأتي مواكباً لعمليات الإصلاح السياسي الذي بدأته اليمن في أعقاب قيام الوحدة اليمنية المباركة. ولعل الدعم الذي تتلقاه اليمن من قبل الدول المانحة والاتحاد الأوربي يدلل على نجاح التجربة الديمقراطية اليمنية في إقناع العالم الخارجي بالتطور الذي تضمنته في ثناياها وفي استمرار دعمها. ولعل اختيار اليمن مقراً لإنشاء مركز تنمية ودعم الحوار الديمقراطي من قبل اللجنة الثلاثية المنبثقة عن قمة الكبار الثمانية بمثابة إقرار عالمي بنضج التجربة الديمقراطية اليمنية وأهمية التعامل معها كأنموذج يحتدا به على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
وإذا كان صانع قرار السياسة اليمنية يصرح دوماً بان الديمقراطية تعبر عن لغة العصر، فانه في الوقت نفسه يعلن مراراً بان الإصلاح السياسي لا يمكن ان يفرض من الخارج بل انه يأتي منسجماً ومستجيباً للاحتياجات الوطنية التي تفرضها البيئة الداخلية بكل عناصرها ومقوماتها، وهي نفس الرسالة التي حملها الرئيس معه إلى طاولة الكبار الثمانية مؤكداً في الوقت نفسه بان إعلان صنعاء الصادر عن المؤتمر الإقليمي للديمقراطية وحقوق الإنسان قد عد خارطة طريق حقيقية يمكن تطبيقها لإصلاح الأوضاع السياسية ليس في المنطقة فحسب، بل وعلى مستوى العالم قاطبة.
ثانياً - دبلوماسية الاستثمار والتنمية
احتلت قضايا الاستثمار والبحث الذؤوب لتمويل برامج التنمية مكانة متقدمة ضمن اولويات السياسة الخارجية اليمنية، وكان هذا الأمر واضحاً سواءً على مستوى دبلوماسية القمة من خلال زيارات فخامة الرئيس صالح، او من خلال عقد المؤتمرات المختلفة ذات الصلة بالاستثمار وتأمين الدعم اللازم لبرامج التنمية.
فمن ناحية أفضت زيارات الرئيس صالح إلى تعزيز العلاقات الثنائية لليمن مع أصدقائها الغربيين والشرقيين وتبلور ذلك من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات مع قيادات الدول التي قام بزيارتها والتي شملت الكثير من المجالات التي يأتي في مقدمتها التعاون التجاري والاقتصادي والأمني، والاستثمار بأبعاده المختلفة على وجه العموم، فضلاً عن مناقشة إمكانية الاستثمار المشترك في الكثير من المشاريع منها على سبيل المثال مشروع تطوير المنطقة الحرة وميناء عدن، ومشاريع الاستكشافات النفطية والغاز والمعادن.
ومن ناحية ثانية كان انعقاد مؤتمر الاستثمار في صنعاء في ابريل 2007 فرصة ملائمة للترويج للكثير من الفرص الاستثمارية التي تزخر بها اليمن في كافة المجالات.
ومن ناحية ثالثة أفلحت سياسات اليمن سياسياً واقتصادياً في تشجيع الدول الأوربية على تقديم دعمها الاقتصادي والمالي لبرامج الإصلاح الاقتصادي التي دأبت اليمن على إتباعها. وهذا النجاح جعل اليمن تحتل مكانه متقدمة في قائمة الدول التي تحظى بالرعاية العربية والأوربية وكذا رعاية الصناديق التنموية الدولية اذ امتد الدعم الأوربي لليمن ليشمل الكثير من المجالات وفي مقدمتها المشاريع التنموية فضلاً عن مجالات حقوق الإنسان والرعاية الاجتماعية والصحة والتعليم. وتأتي الإشادة المستمرة من قبل زعماء الدول الأوربية بنجاح اليمن في تحقيق أهداف السياسات التنموية لتؤكد مصداقية التوجه التنموي في السياسة الخارجية اليمنية التي تجعل من السلوك الخارجي احد أهم العوامل الداعمة لبرامج التنمية الشاملة في بلادنا. ولعل نجاح مؤتمر لندن في نوفمبر 2006 في تأمين ما يقارب خمسة مليار دولار لتمويل برامج التنمية يؤكد ان الدبلوماسية اليمنية في احد أبعادها هي دبلوماسية لتحقيق التنمية بالمفهوم الشامل.
ومن ناحية رابعة جسدت السياسة الخارجية اليمنية تفاعل اليمن الخلاق مع الكثير من القضايا ذات الاهتمام على الصعيد الدولي، وفي الوقت نفسه تعكس حرصاً كبيراً على تحقيق مركز مرموق في شبكة العلاقات الدولية، ولعل حضور الرئيس صالح في قمة الثمانية الكبار التي انعقدت في ولاية جورجيا الأمريكية في صيف 2004 قد عكس المكانة المتميزة التي حصلت عليها اليمن من خلال سياستها العقلانية والمتوازنة من معظم الأحداث والتطورات التي شهدتها السياسية الدولية المعاصرة. وحاول الرئيس صالح ان يستثمر هذا الحضور من خلال حث الدول الغنية على تقديم الدعم المادي والعون الفني لبرامج التنمية في دول العالم الثالث، وخلق شراكة حقيقية في ميدان التنمية والممارسة الديمقراطية بين الدول الغنية والدول الفقيرة، والدعوة إلى إنشاء صندوق للتنمية تساهم فيه كل الدول الغنية يضع في مقدمة أهدافه مكافحة الفقر الذي تعاني منه الدول النامية، وإلغاء الديون التي تثقل كاهل اقتصادياتها الوطنية.


ثالثاً - دعم جهود مكافحة الإرهاب وتمييزه عن المقاومة المشروعة
وتمثلت أجندة العمل على الصعيد الدولي في الكثير من القضايا التي عكست فلسفة اليمن لطرائق التعامل معها، وتصدر هذه الأجندة ملف الإرهاب الدولي الذي لا دين له ولا وطن، وبأنه أمر قائم في الكثير من المجتمعات، مع التأكيد بان التطرف يوجد في كل الديانات وبان ربطة بالدين الإسلامي الحنيف يعتبر من الأخطاء التي لا يمكن قبولها كون الإرهاب يمكن ان يوجد في أوساط المجتمعات المسيحية والمجتمعات اليهودية لاسيما وان هناك الكثير من المتطرفين الذين يعتنقون المسيحية واليهودية. وخلال الكثير من المواقف حرص صانع قرار السياسة الخارجية اليمنية على الإشارة إلى ان اليمن قد وقعت ذاتها ضحية للإرهاب ولذا ليس من المستغرب ان تجد اليمن تقف في صف واحد مع كل القوى الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي وتقويض أركانه. كما كان الرئيس صالح حريصاً باستمرار على ان يبين سياسة بلادنا إزاء المقاومة الوطنية ذات المشروعية بما في ذلك شرعية مقاومة الاحتلال الأجنبي في إشارة واضحة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال الأمريكي للعراق، والتمييز المستمر بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة لكافة أشكال الاحتلال.


*أستاذ العلوم السياسية المشارك
قسم العلوم السياسية – كلية التجارة والاقتصاد
جامعة صنعاء

*ورقة مقدمة إلى الندوة الفكرية التي نظمها
معهد الميثاق للدراسات والبحوث والتدريب
بمناسبة العيد الوطني السابع عشر،
صنعاء - 20 أيار/مايو 2007

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 29-ديسمبر-2024 الساعة: 03:57 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/44225.htm