أيها المتحاورون.. الآن تبلون حسناً أمناء عموم الأحزاب السياسية التي لها تمثيل نيابي «المؤتمر، الإصلاح، الاشتراكي، الناصري، البعث» توصلوا أمس إلى وثيقة جيدة وبصم عليها الخمسة بالخمس، وهي الوثيقة التي كان يطلق عليها القدماء «تحرير الخلاف» ويحرصون على أن تكون واضحة من أجل معرفة المشكلة التي يخوضون النقاش حولها وكيفية التعبير عنها والوصول إلى حكم محدد حولها. أمناء عموم الأحزاب الخمسة وقعوا على وثيقة حددوا فيها القضايا محل الحوار، وضوابط أجزاء الحوار بما في ذلك الضوابط الإعلامية، كما اتفقوا على آلية لتشكيل اللجنة التي ستدون كل ما يقال وتنظم العملية الاتصالية بين القائلين والمتحاورين، الذين اجتمع شملهم نهاية الأسبوع الماضي بعد فترة انقطاع جبرتها دعوة رئيس الجمهورية التي وجهها للأحزاب بضرورة إجراء حوار وطني مسؤول حول مختلف القضايا التي تعني الناس في حاضرهم ومستقبلهم. في كل الحوارات السابقة كان الشيء الذي ينقص المتحاورين وثيقة كهذه، فقد كان ممثلو الأحزاب يلتقون ويتحدثون ويختلفون ويفترقون دون شيء، لأنهم لم يحرروا الخلاف، أو لم يحددوا أهدافهم بدقة، ومن لم يعرف هدفه من الطبيعي ألا يصل إليه أو يشرد عنه، أما وقد حدد القوم ماذا يريدون وكيف، فهذا يؤمن استمرار الحوار ويضمن الوصول إلى أهدافه، بل إن الشيء الجيد في هذه الوثيقة أن أمناء عموم الأحزاب اتفقوا فيها على آلية لنقل ثمار الحوار أو نتائجه وقراراته إلى صيغ قابلة للتطبيق في الواقع، وبالطبع هم عندما يناقشون قضايا مثل تعديل الدستور وتعديل قوانين تتعلق بالمؤسسة التشريعية المكونة من مجلسين، وعندما يخوضون في قضية الوصول إلى أفضل القواعد والنصوص القانونية المعززة لحرية الرأي والتعبير وتدعيم استقلالية المجتمع المدني وتطوير نظام الانتخابات وتجربة السلطة المحلية وغيرها من القضايا سيحتاجون إلى مساعدة من الخبراء، ولذلك فإن جلسات الحوار ينبغي أن تفتح للخبراء كما فتحت للإعلاميين، وعلى ذكر الإعلام لا أعتقد أن أمناء الأحزاب قد حالفهم التوفيق عندما قيدوا إصدار البلاغات والتصريحات بآلية تتضمن «تكليف» فلان بعينه ليلقي على الناس البلاغ، فقد كانت أفضل الضوابط في هذا الجانب الاتفاق على أن يلتزم قادة هذه الأحزاب وصحفها بمبادئ تهيئة أجواء مناسبة للحوار ومحفزة له والابتعاد عن الخطاب الذي ساد في الماضي وأضر بالحوار، وهذه المبادئ تكفي دون الحاجة إلى تعقيد العملية الاتصالية بين وسائل الإعلام والمتحاورين والجمهور الذي من حقه أن يعرف ماذا يجري في جلسات الحوار وخارجها على وجه الدقة. سمعت أمين عام المؤتمر الشعبي «حزب السلطة» عبدالقادر باجمال، غير مرة وهو يتحدث إلى المشاركين في الدورات الاعتيادية للجان الدائمة المحلية للمؤتمر بفروع التنظيم في الجمهورية، ويقول: إنه من الناحية القانونية والدستورية ليس لدى المؤتمر الشعبي العام أي مشكلة في اصباغ الشرعية على قراراته، فهو يستطيع أن يتخذ قرارات محددة حول تعديل الدستور وتعديل قانون السلطة المحلية وقانون الأحزاب وغيرهما، ولديه أغلبية نيابية لتمرير ذلك، غير أنه لم يفعل، لأن هذه قضايا مهمة ولا بد من التوافق حولها مع شركاء العمل السياسي ومن أجل ذلك يصر المؤتمر على الحوار مع أحزاب المعارضة، وهو موقف سديد للغاية، فمن جهة يحتاج الناس وتحتاج الأحزاب للحوار لكي تبقى قريبة من بعضها ومتعاونة، ومن جهة يحتاج حزب السلطة عادة إلى الحوار مع قادة الأحزاب للحصول على آراء وأفكار قد تكون غير موجودة لديه، وإذا كانت هذه الأفكار والآراء حول قضية أو موضوع ما موجودة لدى الآخرين فهذه مميزة لهم ومفيدة له، واعتقد أن أحزاب المعارضة لديها ما تقدمه لكنها أحياناً تكون مبالغ فيها، وهذه المرة ينبغي التخلي عن هذه الخصلة غير المرغوب بها. بقي أن أسجل هنا ملاحظة وهي أن الوثيقة التي وقع عليها أمناء عموم الأحزاب الخمسة أمس شحنت موضوعاتها بقضايا كثيرة، تختلط فيها التشريعات بالسياسات والاقتصادي والاجتماعي... إلخ، وهذا في تقديري يتطلب مواصلة الحوار واستمراره إلى أقصى فترة زمنية ممكنة، كما يتطلب الأمر تحديد الأولويات واتخاذ القرارات بشأنها أولاً بأول، فاجهاد المتحاورين واجهاد الجمهور بتحمل الكتلة الثقيلة من الموضوعات دفعة واحدة يغيب كثير من الأفكار والمصالح. *(عن الثورة) |