الفرقان يلهم الإنسان الصواب القرآن فيصل فريد بين الحق والباطل وبين الخطأ والصواب يقول في ذلك ربنا ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) (الفرقان: 1). لأنه يشتمل على تفصيل دقيق لمفهوم الحق والباطل ويرشد الناس إلى أفضل السبل لاستخدام ضمائرهم ووعيهم. وفي القرآن الكريم نرى تفصيلا شاملا لمفهوم الحق والباطل: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة: 177 . كذلك يهب الدين الإنسان وعيا يميز به بين الخير والشر. ولن تكون للمرء آلية لاتخاذ القرارات ولا ملكة تفكير سليمة إلا إذا صدّق بما أنزل الله من هدى وسيّر حياته وفق مقررات هذا الهدى. فالشخص الذي يخاف الله مثلا يجعل له ربه فرقانا يفرق به بين الحق والباطل: ( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الأنفال: 29 إن كل معتقد يرثه المرء من أسرته أو من أسلافه أو يكتسبه من بيئته الاجتماعية لا يستحق أن يعول عليه طالما تعارض مع مبادئ القرآن. وشاهدنا على ذلك تلك العبارات التي يشيع استخدامها لوصف شخص ما بأنه خيّر، ومنها قولهم : إن فلان لا يؤذي أحدا ، إلا أن كف الإنسان عن إلحاق الأذى حتى بالحيوانات مع تنكبه سبيل الهدى التي رسمها القرآن لا تجعله رجل خير.. فالمهم أن يحجز الإنسان نفسه عن الأعمال التي نهى القرآن عنها وأن يأتي أفعال الخير التي أمرنا بها الحق تبارك وتعالى. ويعتقد البعض أن تحلي الشخص بصفة الرأفة بالمساكين والشفقة بالأطفال وتقديم العون لهم لا يسبغ عليهم صفة التدين ، فالقرآن يبين لنا أن هذه الأعمال لا تجعل صاحبها أهلا لصفة الإيمان الحق، إنما المؤمن الحق هو الشخص الذي يجهد في اقتفاء أثر القرآن ويقف نفسه لنيل مرضاة الله. إن القرآن يرشد الإنسان إلى طبيعة العالم الحقيقية ويخبرنا الله أننا خلقنا لنعبده وحده. كما يلفت أنظارنا إلى حقيقة أن هذا العالم دار اختبار وابتلاء للمؤمنين، يمتحنهم ربهم ليميز الخبيث من الطيب. وبناء عليه، وكشرط من شروط هذا الاختبار، يحذر الله الإنسان من مغبة الاستجابة للعوامل التي خلقت لتغريه وتبعده عن الصراط المستقيم، مشيرا إلى الطبيعة الخداعة لهذه العوامل . وثمة آيات كثيرة في القرآن تصف حقيقة الحياة في هذا العالم نورد منها: (إنما أموالكم وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم) (التغابن: 15)، (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) آل عمران: 14. (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُون) القصص: 60 إن المكانة الاجتماعية والمال والأولاد ورغد العيش والفقر وضنك العيش كل أولئك أشياء يبتلى بها الإنسان في الدنيا، يقول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام: 165. أما الدليل على أن خلق الحياة والموت ليس سوى اختبار وابتلاء للإنسان ففي قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور )الملك: 2. وكل النعيم الذي يحوزه الإنسان أو يُسلبه في الدنيا إنما هو اختبار له: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)الأنبياء: 35)،( وَأَمَّا إِذَا مَاابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ). الفجر: 15-16. الدين يهب الإنسان وعيا يميز به بين الخير والشر |