المؤتمر نت - باب اليمن

المؤتمر نت -ترجمة -عماد طاهر* -
صنعاء القديمة.. اندماج العراقة بالحداثة


أسست صنعاء القديمة بتقاليدها في عهد سام بن نوح دله عليها طير ويعتبر باب اليمن مدخل هذه المدينة العتيقة .


بنيت منازلها من الطين المجفف بالشمس والقرميد بارتفاع ثلاثة طوابق أو أكثر البعض منها متوجة بطلاء من الجص  والطبقة الخارجية من الطين ترقص الأفاريز على طول الحيطان والأقواس الأنيقة من الجبس الأبيض في الزوايا الحادة كانت تزين كل بيت تقريباً .


هناك تألق اليمنيون في الهندسة المعمارية وهذا المشهد يرى من خلال باب اليمن وهذا الأسلوب القديم منذ الآف السنين تندمج فيه المنازل الحديثة بالمنازل المقابلة لها القديمة مختلطة بالقداسة .


كانت الساعة الرابعة مساء عندما تنتفض مدينة صنعاء القديمة من كآبتها في وقت الظهيرة لتحيا أحياءها بصيحات الباعة والأصوات المرتفعة  لأبواق السيارات .


من النادر أن تجد مصادر لحرية التعبير المطلقة في العالم العربي باستثناء اليمن ، في مدخل المدينة صاح بائع متجول بصوت رتيب ( ثلاث جوارب بمائة) من صنع الصين .


 كانت في بغداد في القرون الوسطى بوابات  باب ويلو تر ( شجرة الصفصاف ) باب القمر ، باب الظلام وكانت هناك (البوابة الرفيعة ) في أيام الإمبراطورية العثمانية فيه ، ومن الغريب أنه يقال لها ( البوابة العالية ) .


يقول صلاح هادي بنبرة فيها  موسيقى عذبة ( ليس هناك منظراً أفضل ولا جو أكثر لطافة من هذا المكان ).



وفي حلول الساعة 4.30 مساءً كان السوق في أوج الازدحام امتلأ السوق من كلا الجانبين  بالمارة والباعة المتجولين ومن الغريب أن في سوق  باب اليمن تكثر أنواع التجارة وعندما يتجمع الناس يجلس الرجال على طول المدخلين ليبيعون أرطال من الحناء الأخضر التي تشبه الطحين قيمة الرطل مائتين ريال أي بدولار تقريباً وإلى جانبهم عربات مليئة بالقمصان الصينية الصنع وأحزمة مطرزة بالذهب لحمل الخنجر التقليدي الزي الضروري الذي يعرف بـ" الجنبية " وفي دكان هادي  تنبعث الحان الموسيقى الشعبية بالتأثيرات الهندية تنافسها صيحات الباعة المتجولين .


وقبل حوالي (50) سنة كانت الجدران التي تلتقي عند باب اليمن تحيط بصنعاء كاملاً فالمدينة من قبل حوالي عشرة الآف سنة أو أكثر أما  المدينة الحديثة فهي من القرون الوسطى .


اليوم بلغ عدد سكان هذه المدينة (2) مليون وامتداد صنعاء الكبير لما بعد الجدران المحيطة بالمدينة القديمة يصل إلى أميال في كل الاتجاهات.


نجح باب اليمن بالتحول بطريقة على خلاف بعض الأسواق العربية التي هي جامدة للسياحة فقط كما في أماكن الأسواق في القاهرة والقدس.


يحتفظ باب اليمن بتجسيد النمط الأصلي لأسواقه ، يجتمع السوق وساحة اللعب والقات في مكان واحد .


في حوالي الساعة 5.30مساءاً يجلس رجال القرفصاء في مجموعات صغيرة على رصيف مرفوع من الحجارة بجانب المدخل يشربون الشاي ويدخنون السجائر ويمضغون القات  ورق النبات هذه التي  انغمست في أوساط أغلبية واسعة من اليمنيين يمضغونها وقت العصر في مشهد نعسان يخضعون للثرثرة جزئياً لأن معظم الناس يبدون منتشين بسرور بينما تبدأ الشمس بالغروب يلتحق بهم فائز (20) سنة البائع المتجول للجوارب ليلتقط الأوراق الصغيرة الطرية وهو يجلس على ورق مقوى لبيع الصحف بجانب الجدران المليئة بملصقات صور الرئيس.





 يقول أحمد الحرازي ( أي شخص يدخل باب اليمن يجب أن يبقى فترة قليلة ليشاهد الهندسة المعمارية لهذه المدينة  التي  تغيرت حول باب اليمن من(1000) عام .


لكن التيارات في بقية دول  العالم تدفق من خلال ممراتها ترى الصحون الهوائية في أعلى البيوت المبنية من الطين تعكس لمعان الشمس ويوجد على  حيطان بيت مخزن الحرازي صور للشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة الإسلامية الأصولية حماس والذي اغتيل في الأراضي الفلسطينية وخلفية الصورة هي قبة الصخرة المكان الثالث من بين المقدسات الإسلامية وبجانب صورة أحمد ياسين هناك صورة لصدام حسين الرئيس العراقي السابق الذي أعدم في ديسمبر/ كانون الأول هناك صور أخرى معلقة على الحيطان الكثير منها صور حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي الذي حارب القوات الإسرائيلية الصيف الماضي وهناك مقهى على طول الممرات في باب اليمن وعندما كانت الساعة السادسة مساءً ملأ الزبائن مقاعد هذا المقهى المترنحة.


يقول صادق أحمد صائغ فضة وهو يتمايل على ظهر كرسيه ( وأنت تنظر في الشوارع و في الأسواق سترى صورته على المنازل وفي كل مكان إنه أول عربي يهزم إسرائيل ).


بينما تضع الشمس أشعتها وهي تهم بالغروب يجتمع مجموعة قليلة من الناس حول البائع أحمد زيد وهو يقدم لهم طاسات صغيرة من شوربة العدس بنكهة الكمون والفلفل والزعتر .


يقول أحمد في ابتسامه الحمد لله من الأفضل أن يأت الناس إلي من أن أذهب أنا إليهم ).




بعد أن تضاء مصابيح الشارع بخمس دقائق يؤذن المؤذن لدخول وقت الصلاة يبدأ الرجال يشقون طريقهم إلى مسجد الرضوان القريب .


محمد علي مقيم في باب اليمن منذ (17) سنة يحجز مقعده على الرصيف الحجري تبدأ المحادثة عن القات وكراهيته له يقول ( عندما تمضغه تذهب بتفكيرك بعيداً عن المدينة فتعتقد أنها دبي فأنا الآن أفضل أن أضع ريالاً في فمي وأمضغه بدلاً من ذلك ).


وبحلول الساعة 6.55مساءاً يتفرغ المسجد تقريباً هناك رجال ببدلات برتقالية تكنس الشوارع المرصوفة بالحجارة السوداء بالقرب من مخزن علي ، تكدس أكواماً من أعقاب السجائر ونفايات الصحف وحقائب وأكواب الشاي البلاستيكية .


في الظلام يتألق الضوء الخارج من خلال النوافذ الزجاجية الملونة بالمرمر .



براويز الرفرفة الملونة تحتها نصف الهلال ( القمرية ) في باب اليمن.
إنها مدينة ساحرة فعلاً بكل ما الكلمة من معنى.


*المصدر الواشنطن بوست
بقلم انطوني شييد 

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 06:58 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/45668.htm