المؤتمر نت - المحامي جمال الجعبي
جمال الجعبي* -
عن نظام ليس الأفضل

إهداء إلى الصديق –نبيل الصوفي

النظام في اليمن ليس نموذجا يمكن اعتباره صالحاً للقياس كأفضل نظام ولكن بالتأكيد أنه ليس الأسوأ، هذا ما خرجت به من حصيلة نقاش استمر يومين في شهر يونيو 2007م في القاهرة خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الحقوقيين الدوليين لدراسة تجارب أربع دول عربية في مكافحة الإرهاب وهي مصر والأردن وسوريا واليمن ، وكان من بين المشاركين العديد من الشخصيات القانونية والحقوقية المعتبرين مثل المستشار هشام بسطويسي والمستشار محمد مكي من محكمة النقض المصرية ،والدكتور هيثم مناع المعارض السوري المقيم في فرنسا بالإضافة إلى محامين من هذه الأربع الدول .

وكان النقاش تحت عنوان ( الإرهاب ومكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان) حيث تركزت النقاشات حول آثار أحداث 11سبتمبرفي الولايات المتحدة الأمريكية على قوانين مكافحة الإرهاب والاعتقالات ودور الأجهزة الأمنية بالإضافة إلى معتقلي جوانتانامو والتعاون الأمني بين هذه الدول والولايات المتحدة الأمريكية .

وقبل السفر كنت قد كتبت ورقة عمل للمشاركة بها سلطت الضوء فيها على الممارسات التي تتم في المحكمة الجزائية المتخصصة ودود الأجهزة الأمنية ومدى تعارض الممارسات مع القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .

ولكن وبعد الاستماع لتجارب الدول الأخرى كانت خلاصة ما خرجت به أنه رغم الانتهاكات وسوء الأوضاع تظل الحالة اليمنية في هذا الجانب أرحم وأفضل بكثير مقارنة بممارسات وتجارب أُخرى .

ففي تجربة إحدى الدول المشاركة كان بين الحاضرين ناشط حقوقي خرج من السجن لتوه لأنه وقع بياناً يطالب بإصلاحات سياسية ، بعد أن قضى ست سنوات في السجن وعند سؤاله قال إن هذه المدة لأنه وقَع البيان ،أما من كتب فقد تلقى حكماً بالسجن 12سنة ، وعن قوانين مكافحة الإرهاب قال إنهم لديهم من القوانين ما يكفي لتصديرها للمنطقة العربية بوفرة ، وفي تجربة أخرى كان حديث المشاركين من هذا البلد تحاول أن تنتقي العبارات بموضوعية ولكنها عجزت عن التخفيف من ممارسات الأجهزة الأمنية والمدى الذي ذهبت فيه بالتعاون مع الولايات المتحدة ، وكذا القوانين التي يجري الإعداد لها تحت مسمى قوانين مكافحة الإرهاب ،والتي تتلخص أبسط جريمة مثل بيع طماط أو بصل غير سليم كافية لأن يقدم صاحبها للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة – بالإضافة إلى السجون التي لا أحد يعلم مكانها وإنما يسمعون عنها فقط .

وفي التجربة الثالثة كانت فكرة التفنن في الالتفاف على القرارات القضائية بالإفراج عن المعتقلين لدى أجهزة الأمن غاية في الابتكار حيث يصدر بعض القضاة -وكانت هناك إشارات إلى تغير نحو الأسوأ في وضع القضاء عما كان عليه قبل سنوات- ، قرارات بالإفراج عن المعتقلين على ذمة قانون الطوارئ فيتم إخراج المحبوس إلى باب الجهاز الأمني ثم يتم إعادته بموجب قرار اعتقال جديد وتشترك محاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية في الدول الثلاث بعدم إمكانية استئناف أحكامها بل أن إحدى محاكم أمن الدولة في هذه الدول يرأسها كما قيل لنا موظف متقاعد كان أستاذ تاريخ لاعلاقة له بالقانون .

وعند مقارنة ما يجري في هذه الدول وما يحصل عندنا فإن الأمر يمثل مساحة واسعة الاختلاف فالأجهزة الأمنية والقضاء والممارسات لا ترقى إلى درجة ما لدى الأشقاء العرب في هذه الدول ولا شك أن هناك دولاً عربية أخرى أسوأ وضعاً ،وان كانت المقارنة تصب لصالح النظام لدينا فان ذلك لا يعني السكوت أو قبول الممارسات المخالفة للدستور والقانون ،فالمخالفة مهما كانت بسيطة تظل مرفوضة ومحل انتقاد لكن الإنصاف والموضوعية تقتضي التشخيص السليم دون مبالغة فمن يرى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته،ولازال لدى العديد من عناصر أجهزتنا الأمنية والقضائية والنيابية قيم وروح إنسانية تمنع من سحق الإنسان باسم الدولة .
*نقلاً عن صحيفة الناس

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:35 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/45899.htm