أخيراً قالها بوش بلا خجل كثيرة هي الإهانات التي تتلقاها الحكومة العراقية العميلة للاحتلال الأجنبي من الشعب العراقي بكل مكوناته المذهبية والعرقية، لكن الإهانات الأكبر والأفظع هي تلك التي تأتيها من قادة الاحتلال ومن الساسة الأمريكيين، وعلى رأسهم جورج بوش رئيس الولايات المتحدة، ولعل أخطر وأعنف تلك الإهانات ما أفصح عنه هذا الحليف العتيد بشأن المهمة المنوطة بحكومة الاحتلال في العراق، وأن تلك المهمة لا تختلف قليلاً، أو كثيراً، عن مهمة حكومة الكيان الصهيوني في فلسطين وهي متابعة المقاومين وقتلهم بوصفهم إرهابيين، وأن لا فرق بين الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه السليبة وحقوقه الضائعة والعراقي الذي يقاوم الاحتلال ويتحدى الوجود الأجنبي على أرضه، وليس بعد هذه الإهانة البوشية من إهانة. لقد سارع أنصار الحكومة العراقية العميلة إلى الرد على إهانة الرئيس جورج بوش مؤكدين أن لا علاقة ولا تشابه بين دور الحكومتين العراقية و”الإسرائيلية”، وأن دور حكومة بغداد في التصدي للمقاومة يختلف عن دور حكومة تل أبيب، وأنهم يرفضون هذه الإساءة البالغة التي وجهها إليهم حليفهم الأكبر، في حين نعلم جميعاً بأنه هو في حقيقة الأمر أدرى بالمهمة الأساسية الموكلة إليهم في هذه الفترة من تاريخ العراق الممزق الجريح، الذي يشهد مواكب القتل يومياً وتستقبل قراه ومدنه يومياً ومن دون توقف حملات الغزو المنظم والمشترك على مدى أكثر من أربعة أعوام، منذ وضع الاحتلال أقدامه على أرض الرافدين. يشير عدد من المراقبين للمأساة العراقية إلى أن الإهانة الأخيرة التي صدرت عن البيت الأبيض، وعلى لسان الرئيس بوش شخصياً، سوف تجعل العملاء في حكومة بغداد العميلة يقدمون استقالاتهم ويعودون من حيث أتوا، لكن الواقع الخسيس يثبت أن الأشخاص الذين اعتادوا ابتلاع الإهانة تلو الأخرى، والذين تورطوا في قتل الشعب العراقي وتمزيق الأواصر بين أبنائه، لم يعد في إمكانهم إلا أن يواصلوا الشوط إلى نهايته، مع يقينهم الذي لا يخالطه شك في أن الفشل الذريع وخيبة الأمل هما الحصاد الأخير في هذه المهمة، التي تفرض عليهم الإشراف على قتل الشعب وتسليم نفطه غنيمة سهلة باردة إلى المحتلين، الذين لم يكونوا يطمعون به فحسب، بل كان هدفهم الآخر تمزيق الشعب العراقي وإذلاله وقد نجحوا في ذلك. إن الشعوب لا تؤكل من خارجها ولا يصيبها العطب من السطح، بل من الداخل ومن الأعماق. والقوى الخارجية المعادية لا تستطيع مهما كانت قوتها ومدى قدراتها الهجومية أن تبسط نفوذها على بلد سليم الداخل مأمون الأعماق. وقد كشفت المأساة العراقية الراهنة أن غياب الولاء الوطني وتعدد الانتماءات وتصارعها سبب كاف في أن يكون العراق ضحية أبنائه وأعدائه على حد سواء، وأنه لا خلاص له ولا خروج من مستنقع الدم اليومي سوى بتضافر جهود أبنائه المخلصين وإعادة التآلف والوفاق إلى هذا البلد المنكوب والنظر إلى أبعد من اللحظات الآنية، إلى المستقبل الذي يضم الشتات ويضمد الجراح، ويبني عراق الوحدة والتعايش. الخليج |