المؤتمر نت - جدل حول حوار الاديان
المؤتمرنت - الشرق الاوسط -
جدوى حوار الأديان تثير جدلاً بين علماء الدين
ما هو مفهوم الحوار بين الأديان وعلى أي أسس يرتكز وما هي منطلقاته وغاياته بخاصة في ظل ما يتعرض له العالم الآن من صراعات سياسية تعمل على تسييس الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية محددة. «الشرق الأوسط» طرحت هذا التساؤل على مائدة نخبة من علماء الدين الإسلامي، التي تباينت آراؤهم حول هذا الموضوع.
بداية ذهب فريق إلى أن الحوار بين الأديان يلعب دورا كبيرا في دعم العلاقات الإنسانية ومواجهة التعصب الديني والصراعات المعاصرة، كما أنه أصبح ضرورة مع أتباع الديانات الأخرى، وأمر به الإسلام لقول الله تعالى «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا». وأضاف هذا الفريق إلى أن الحوار من شأنه أن يوجد أرضية خصبة لتلاقح التجارب في علاج الأديان لمشكلات المجتمع في اي عصر، بما يؤسس لإغناء التجربة الدينية الحضارية بشكل مؤثر وفاعل. بينما يرى الفريق الآخر أن الحوار بين الأديان جدل عقيم لا جدوى منه، وهو مضيعة للوقت بخاصة أن غير المسلمين من الذين ينادون بحوار الأديان لا يعترفون بالإسلام أصلا ولا يحترمون عقائده ويسيئون إلى رموزه.

وفى تعليقه يقول شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي: الحوار مرحب به وما أجمل الحوار عندما يكون بين العقلاء فيأتي بالخير الكثير وينتج السعادة والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. ومن ثم فمرحبا بالحوار الذي يؤدي إلى رقي الأفراد ورقي الجماعات. وأجمل ما يكون الحوار ـ حسبما يرى شيخ الأزهر ـ عندما يصدر عن لسان صادق وقلب طاهر ومشاعر نقبية وعقول راجحة وقلوب لا تحمل إلا الخير والبر، ولا تعرف الحقد والحسد لأن الحوار يفسد عندما تستولي الأطماع والأحقاد والأهواء على النفوس. ويؤكد شيخ الأزهر أنه لكي يكون الحوار بين الاديان مثمرا يجب الا يتطرق إلى العقائد فالذي يحاسب على العقائد هو الله وحده لان هناك مساحات مشتركة بين الأديان وقد جاءت التعاليم الإلهية تحث على العمل من أجل إصلاح شيء معين أو الحفاظ على قيم معينة لإسعاد الإنسانية والنهوض بها. ويؤكد الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر إن الحوار بين الاديان أصبح ضرورة ملحة من أجل نبذ ثقافة الكراهية والتعصب الدينى خاصة إذا كان الحوار بين الأديان بهدف تعميق معرفة كل طرف من أطراف الحوار بالطرف الآخر وتعزيز ثقافة الحوار ومراجعة الموروثات التاريخية السلبية التي تشكل عقبة أمام التفاهم المشترك بين أتباع الأديان والبعد عن التوظيف السياسي للدين بأي شكل من الأشكال، مشيرا إلى أن الحوار بين الاديان يهدف الى التأكيد على القيم المشتركة بينها التي جاءت الاديان من اجل نشرها وعلى رأسها الإيمان بالله، الأخلاق الفاضلة، تكريم الانسان، والاعتراف بحقوقه، والإخاء الانساني، ودفع الظلم عن المظلومين ونبذ الكراهية بين الأديان والتعصب لبعضها دون البعض الآخر. فالكراهية والتعصب يؤديان الى التطرف وهو يؤدي بدوره الى العنف والإرهاب وبالحوار تتهيأ السبل الى غرس الاحترام المتبادل بين الاديان مما يحقق إمكانية التعايش بينها وحسن الجوار والتسامح والمحبة بين أبناء الديانات السماوية. وأضاف الدكتور السايح انه في ظل ما يشهده العالم الآن من الابتعاد عن القيم الرفيعة والأخلاق الفاضلة التي تأمر بها الأديان أصبح الحوار بين الاديان ضروريا لإنقاذ الإنسانية مما تتردى فيه من مهاوي الفساد والخراب والاضطهاد الديني والعنف والإرهاب ومن اجل تعزيز روح التعايش والتعاون وتحقيق السلم الاجتماعي.

اما الدكتور أسامة السيد عبد السميع أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة فيقول: يجب أن ينظر إلى الحوار بين الأديان على انه يعني قبل كل شيء التواصل ومعرفة الآخر بهدف التعايش بين الناس بكرامة وعدل وسلام. مشيرا إلى أنه حوار ينظر إلى فرص التلاقي او المساحات المشتركة التي يمكننا من خلالها تجاوز حدود التمييز بين بني الإنسان ورسم معالم الطريق للحياة بمختلف مجالاتها على أسس من القواعد المشتركة بين الأديان والتي لها دور بالغ الأهمية في إنقاذ البشرية من الأخطار التي تهددها لاسيما أنها جاءت لإصلاح البشر وإسعادهم في دنياهم وآخرتهم لأن جوهرها واحد ومصدرها واحد. لافتا إلى أهمية الحوار بين الديانات على أساس الاحترام المتبادل بهدف إزالة سوء الفهم، لافتا إلى أن هذا الأمر، نلاحظه في الخط الاسلامي للدعوة الى الله والخير، وفي ذلك يقول الله تعالى: «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن» وكذلك في توجيهه للحوار مع أهل الكتاب: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنّا بالذي أُنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون».

ويتابع الدكتور أسامة قائلا: كما ان الإسلام يأمر المسلمين أن يأخذوا بالمسالمة العامة مع كل الفئات المسالمة، من كل الناس الذين يختلفون معهم فى المعتقد، وذلك بالأخذ بأسباب العدل، في معاملاتهم وبالإحسان اليهم، وذلك في قول الله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم، إن الله يحب المقسطين»، أما الذين يمارسون العدوان بالقتل والتشريد ومساعدة الأعداء، فلهم وضع آخر، وذلك في قول الله تعالى: «إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون». وفي رأي الطرف الآخر المناهض لحوار الأديان أن الحوارات التي تجري بين أتباع الأديان المختلفة إنما هي مظاهرات إعلامية من اجل المجاملة فقط. ومن ثم يصف الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الخبير بمجمع الفقه الاسلامي بمكة المكرمة حوار الأديان بأنه ما هو إلا جدل عقيم لأن الخلاف بين الأديان ـ في رأيه ـ متجذر فالمسلمون يأمرهم دينهم بأن الإيمان بالمسيحية واليهودية وجميع الأديان السابقة على الإسلام هو جزء من عقيدة المسلم، لكن نجد غير المسلم لا يعترف بالإسلام كدين سماوي فليس المطلوب منه أن يعتقد أو يدين به إنما المطلوب منه أن يعترف بالإسلام فقط وبالتالي عليه أن يبدي احترامه للإسلام. وأضاف الدكتور إدريس ان عدم اعتراف أصحاب الديانات الأخرى بالإسلام جعلهم لا يكفون عن الإساءة الى رموزه. مشيرا إلى إساءات بابا الفاتيكان بندكت السادس عشر والصحافة الدنماركية وغيرها. ومن ثم، كيف نتحاور معهم وهم لا يكفون عن الاستهزاء بالرموز الدينية ويسخرون من ديننا ويصفونه بدين العنف والإرهاب فضلا عما يلقاه بعض المسلمين من اضطهاد وتفرقة خاصة الذين يعيشون فى بلاد غير إسلامية. ويخلص الدكتور إدريس إلى أن الحوار بصفة عامة جائز مع أي إنسان غير مسلم سواء كان يدين بدين سماوي أو وثني لجعل الحياة اكثر حسنا وسعادة كما أنه ليس بالضرورة أن يكون على أساس الدين، إنما ينبغي أن يقوم أولا على أساس الاحترام المتبادل. من جهته يقول الدكتور عبد الصبور مرزوق نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة إن الإسلام دين حوار وتفاهم ودائما ما يمد الإسلام يده للآخر أيا كانت ديانته بالسلام لكن الآخر هو الذي يصم آذانه عن الحوار ولم يكترث بما يدعوه إليه الإسلام للحوار بين الأديان من اجل التعاون والتفاهم والدليل على ذلك ما يحدث في الآونة الأخيرة من إساءات بالغة موجهة ضد الإسلام، فقد بدأت هجمات شرسة على الإسلام شارك فيها قادة دينيون وسياسيون كبار على مستوى رؤساء دول، وشارك أيضا فلاسفة ومنظرون في الإساءة إلى الإسلام وأخذت هذه الإساءات تبث على شبكة المعلومات الدولية والإنترنت وتنقلها وسائل الإعلام الأخرى. ويضيف قائلا: لماذا نطلب الحوار مع من يرفضه ولا يستجيب لما يهدف إليه الحوار ولم يكف عن المقولات الظالمة عن الإسلام، فالحوار من ثم لا جدوى منه. في هذا المناخ. ويتفق مع الرأي السابق الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ويرى أنه لا جدوى من حوار الأديان ويصفه الشيخ عاشور بأنه أشبه بحوار الطرشان. ويضيف الشيخ عاشور كيف ندعو أو ندعى لحوار فقد مصداقيته أصلا في ظل الهجوم الشرس على الإسلام، ويتساءل: مع من نتحاور وفيما نتحاور طالما الأمور تسير بهذا الشكل؟ فالحوار مضيعة للوقت مع الذين يسيئون إلى ديننا والى نبينا صلى الله عليه وسلم. مؤكدا أن المسلمين على مر الزمان دعاة حوار وسلام وليس دعاة حرب أو إرهاب كما يصفوننا وان حضارتنا حضارة سلام وليس صراع مع حضاراته.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 05:05 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/48762.htm