الثورة الرابعة.. والمتخلفون عن الركب!! لم يكن مفاجئاً لكل من يعرفون الرئيس علي عبدالله صالح أن يكون السبَّاق إلى استلهام تطلعات المستقبل، وأن يكون المبادر في تبني وإرساء مداميك الدولة اليمنية الحديثة، خاصة وقد عرفه الجميع قائداً فذاً وزعيماً بارعاً وسياسياً محنكاً وابناً باراً بوطنه وشعبه، وهذه الصفات مكنته -ولا شك- من إنجاز التحولات الكبيرة في اليمن، بديناميكية تقوم توجهاتها على الفعل وقدرة التطبيق. وها هي مبادرة فخامته -الجريئة والشجاعة- التي أطلقها يوم أمس لتطوير النظام السياسي والديمقراطي، تعلن عشية الذكرى الـ45 للثورة الأولى عن انطلاقة الثورة الرابعة في اليمن، كما أسماها بعض السياسيين والمتابعين، بالنظر إلى ما ستحدثه تلك الحزمة من التعديلات الدستورية، التي أعلنها الأخ الرئيس، من نقلة نوعية في مفهوم النظام السياسي والديمقراطي، وصولاً إلى أفضل صورة ممكنة للعلاقة بين الدولة والمجتمع، والتي ترتكز في جوهرها على تمكين الشعب من ممارسة السلطة على نحو كامل وشامل يضاهي ما وصلت إليه أعرق البلدان الديمقراطية التي سبقتنا بمئات السنين. وليس من المبالغة أن نجد من يصف مبادرة الأخ الرئيس بأنها ترقى -في أهميتها- إلى مستوى التحولات التاريخية التي شهدتها اليمن، إذا ما علمنا بأن النقاط العشر التي تضمنتها المبادرة تهدف إلى إرساء مصفوفة متكاملة من الإجراءات والتشريعات والقواعد التي تتكفل بترسيخ مداميك الدولة الحديثة، والارتقاء بأداء مؤسساتها ضمن فلسفة تجعلها أكثر استيعاباً لمجريات «الحكم الصالح» وحركة التطور، ومواكبة روح العصر في شتى المناحي. ولن يستطيع أحد بعد اليوم أن يشكك في جدية الدولة وسعيها الدؤوب لإنجاز ما تم الإعلان عنه ضمن البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، على صعيد استكمال خطوات الإصلاح الشامل. فما جاء في مبادرة الأخ الرئيس يعد أكثر تقدماً مما ورد في برنامجه الانتخابي، عوضاً عن أنه قد تجاوز -بمراحل كبيرة- ما كانت تطالب به أحزاب المعارضة، ومنها -تحديداً- المنضوية في ما يسمى بـ«اللقاء المشترك» والتي دللت -مع الأسف الشديد- بموقفها من الدعوة للحوار وعدم استجابتها لهذه الدعوة على عدم ديمقراطيتها، أو بالأصح معاداتها لمنطق الحوار الذي يشكل أهم المبادئ الحضارية والأساسية للديمقراطية. وليس هذا وحسب، بل إن أحزاب المشترك قد كشفت من خلال ذلك الموقف غير المسؤول أنها ما زالت ترتهن لرؤية قاصرة وأنانية في التعامل مع الآخر والقبول به، وهي بما ينطوي عليه مثل هذا التصرف من نظرة استعلائية تصل أسوأ درجاتها في تعمدها إقصاء الآخر أو محاولة تهميشه. وتتأكد هذه الحقيقة في أن أحزاب المشترك بعدم استجابتها لدعوة الحوار لم تتخذ موقفاً من الحزب الحاكم فقط، وإنما من الأطراف الأخرى المشاركة في هذا الحوار، مع أن تلك الأحزاب هي أحزاب عريقة ومعترف بها ولها جذورها التاريخية في الحياة السياسية والعامة. وإذا كانت مواقف المشترك من مسألة القبول بالآخر على هذا النحو وهي خارج السلطة، فكيف سيكون الحال بها لو وصلت إلى كراسي الحكم؟ فهل من الموضوعية أن تختزل أحزاب المشترك دورها في الاستغلال السيئ لبعض القضايا والمشكلات التي يعاني منها المجتمع عبر إثارة الفوضى وتضليل العقول وتهييج المشاعر والإضرار بالسلم الاجتماعي العام؟ وهل من الموضوعية -أيضاً- أن تقتصر مسارات أحزاب المشترك على المكايدات والمناكفة الإعلامية والسياسية واختلاق الأزمات التي تنعكس بتأثيراتها السلبية على تعطيل حركة البناء والتنمية وجذب الاستثمارات وتشويه صورة اليمن الخارجية؟ وبعد كل ذلك فإن الواجب يجعلنا نذكِّر هذه الأحزاب أن الشراكة الوطنية توجب عليها التخلي عن عنادها ومكابراتها ومواقفها التي تغرد خارج سرب الديمقراطية، وأن تستفيد من الدرس الذي حملته مبادرة الرئيس علي عبدالله صالح، والذي ينطوي على رسالة مفادها أن المسيرة الوطنية الوحدوية والديمقراطية لن تتوقف ولن تتأثر بموقف هذا أو ذاك، فمن أراد اللحاق بالركب فالطريق مفتوح أمامه، ومن اختار التقوقع ليظل حبيس أوهامه فقد اختار البقاء خارج العصر. |