فـُل إيل – وطن للإنسان لم يعد أحد من بين العرب ومنهم الفلسطينيين يحمل دعوة قذف اليهود الإسرائيليين في البحر التي كانت ترددها أبواق ديماغوجية انهزمت بعد ساعات قليلة من بدء حرب حزيران (يونيو) 1967. قبل حوالي سنتين قال لي مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين خلال لقاء صحفي معه إنه لا يمانع في بقاء الراغبين من اليهود الإسرائيليين في دولة فلسطين (العربية/ المسلمة) التي يحلم الشيخ في قيامها في كامل فلسطين بعد تحريرها. قبل ذلك بحوالي ست سنوات قال زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الدكتور جورج حبش حينها وزعيم حركة القوميين العرب التي انحلت بقيام الجبهة الشعبية عام 1968 أنه يقبل باستمرار وجود الإسرائيليين في فلسطين بعد تحريرها من دولتهم؛ وحينها، اشترط الدكتور حبش على الإسرائيليين الذين سيواصلون وجودهم في فلسطين (العربية) أن يقيموا في "الدور الثاني" لا في الدور الأول الذي قال إنه للفلسطيني العربي. وقبل زمن ليس طويلا اقترح زعيم ليبيا العقيد معمر القذافي على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يحلوا صراعهم بإقامة دولة واحدة يتكون اسمها من النصف الأول من إسرائيل والنصف الأخير من فلسطين فتسمى دولة "إسراطين". لكني اقترح تعديل الترتيب الذي اقترحه القذافي ليصير اسم الدولة الواحدة التي تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين: دولة "فـل إيل" ـ بضم الفاء. وأعي أن نصيب الفلسطينيين من الاسم الذي أقترحه أنا أقل من نصيبهم في مقترح العقيد وأقل من نصيب الإسرائيليين. لكن غياب العدل الإسمي سينقلب لصالح الفلسطينيين إذا روعيَ أن الحروف الواردة في الصدارة تكتسب أهمية معنوية لا تحظى بها الحروف الواردة في عجز التسمية؛ وإذا روعي أيضا أن العرب، ومنهم الفلسطينيين شركاء في كلمة "إيل" التي كان العرب واليهود القدماء معا يطلقونها على "الله"؛ وإذا روعي أيضا أن كلمة "فل" – بالفاء المضمومة هي اسم زهرة عطرة يتغنى بها الشعراء وتتجمل بها صدور العذارى الناهدة. في مقال سابق لي حمل عنوان: "فلسطين وطن واحد مفتوح" دعوت إلى قيام دولة واحدة في فلسطين لعاشقيها من كل الناس. إنني لا أوافق على دعوة العقيد ولا الدعوات الشبيهة بها إلى قصر المواطنة في دولة واحدة تقام في كامل فلسطين على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فقط. يعود ذلك إلى أنني أحمل لواء دعوة نورانية من مقوماتها أن الأرض ـ كل الأرض ـ للإنسان. وأحلم بقيام وطن النور في بلادي التي ولدت فيها والتي ترتبط بتاريخ أنبياء حملوا دعوة النورانية؛ ولكن أتباعهم أفسدوا عليهم وعلى الإنسانية مخططاتهم. فلسطين التي ارتوت بدماء كل من الفلسطينيين واليهود يجب أن تحمل الإنسان على أن يتجاوز حقبة الغاب التي يقتل الشقيق فيها شقيقه. في الأرض متسع لنا جميعا؛ فلماذا الحروب التي تحمل الدمار؟! كلا شعبينا؛ نحن الفلسطينيين والإسرائيليين قاسيا ويقاسيان أهوال فظيعة يمكن لنا أن نتفادى استمرارها إذا احتكمنا إلى شريعة الحب. ليكون الحب فاعلا؛ لا بد من العدل. دولة "فل إيل" ستكون دولة "عطر الله". وعطر الله مشاع للناس. هاتوا نبدأ بناء وطن واحد في فلسطين، يكون مفتوحا لكل عاشقيه.. يكون وطنا لعطر الله.. وطنا للنور.. وطنا للإنسان.. ******** الدكتور حسن ميّ .دير البلح – غزة – فلسطين |