يهود اليمن الراحلون... العائدون على ظهور الطيور في 23 فبراير (شباط) نشرت جريدة "مانشستر جارديان" اللندنية أن في اليمن (20.000) من اليهود يعيشون بين (3.500.000) من سكانها العرب المسلمين. والمسلمون هناك ينظرون إلى هؤلاء اليهود منذ أجيال عديدة كشعب منحط، ويلوح أن حالتهم لم تتحسن منذ أن استبدل بالحكم التركي الحكم العربي المستقل، وتكلم الكاتب عن عجز اليهود في اليمن قائلا:"إن امتلاك اليهود للأراضي يجد ما يثبطه في اليمن"، ثم قال -بعد أن ذكر الصناعات والحرف اليهودية كالنسيج، والصياغة-"ولكن اليهود في اليمن لا يستطيعون أن يقوموا بمثل هذه الصناعات في مجال واسع، أو يجنون منها سوى أرباح طفيفة. وقد لقى نشاطهم في المدة الأخيرة عراقيل كثيرة، أولاً: لأن المسلمين العرب يرفضون شراء بضائعهم، ثانياً: لأن الحكومة تميل إلى تولي الصناعات التي يشتغل به اليهود ، وتلوينهابالصبغة الوطنية"، ويقول:" إن اليهود لا ينكرون أن الإمام يحيطهم برعايته، ولكن ولاته ليسوا كجلالته".. بني مجعيل كان في العُدين وحدها أكثر من عشرين تجمعاً سكانياً لليهود، متناثرة في مديرياتها الأربع (العُدين، مذيخرة، حزم العُدين، فرع العُدين) يمكن أن تشكل 30% من السكان اليهود في اليمن، إذا اعتبرنا صحة الإحصائية المذكورة، ولا يوجد فيها صباغة، ولا نسيج بعد رحيل اليهود، وهذا يعني أن المسلمين لم يكن هناك من يغطي احتياجاتهم من الحلي، والأقمشة غير اليهود الذين لا يمكن مقاطعتهم بالضرورة. كما لم يكن هناك تولى لحرفهم، ومضايقتهم فيها. حسن المساوى يقول: "لم تكن هناك نظرة احتقار لليهود. كان غالبية الناس من المسلمين يعيشون في فقر، وضنك شديدين، واليهود أثرياء ؛ فكان بعضهم يعبر عن ضيقة بالوضع الذي يجده مقلوباً من وجهة نظره، وسرعان ما يرد اليهود على ذلك بتعال ،ووتشفٍّ. يذكر هذه الحكاية مدللاً على كلامه" كان أحد الرعية المسلمين يعمل في الحقل في حمارة القيظ حافياً، والحصى كالجمر تحرق قدميه، وإذابيهودي يمر بجواره مرتدياً نعله الجلدي الجميل (صناعة يهودية) فاغتاظ من قرع نعل اليهودي، وقال له: أنا حاف، وأنت منتعل أيها اليهودي؟ فرد عليه اليهودي: القرآن يقول " يابني إسرائيل"، وليس "يابني مْجعيِل"- "مجعيل" كلمة عامية تطلق على طبقة العمال، وصغار الفلاحين على سبيل الانتقاص وتنسبهم إلى الغلطة، والجفا، واستحقاق الشقاء، و.الامتهان. أما صادق العشاري (صاحب مكتبة في مدينة العُدين) فقد استغرب كثيراً من مقولة الكاتب :إن امتلاك اليهود للأراضي يجد ما يثبطه "قدم لي وثيقة ملكية لجده الفقيه محمد مرشد العشاري، بموضع "الممراغة" ، محاريث أهاين عزلة منهاة- شرق مدينة العُدين- بالشراء من يسافى- تصغير يوسف بالعامية على غير قياس- بن وهب الكيهي، وأخته نظرة اليهودية بنت وهب، ما اتصل لهم بالإرث من والدهم تاريخ الوثيقة 1335هـ أي 1913م تقريباً، وحكي تسليم الثمن بالمعاينة، والمشاهدة، دون غضب، أو إجبار، وقدم لي 3 وثائق تحكي شراء وهابي بن يحيى الكيهيى الذمي- وهابي تصغير وهب بالعامية على غير قياس- لبيوت، وأراضي من علي عبدالله صالح الغضيبة، ومحمد علي عبدالله صالح الغضيبة، وعايض قايد أحمد يحيى، وكريمته حورية قورخان. 1312هـ، 1316هـ 1318هـ. يقول صادق العشاري- منهياً حديثة معي ليتوجه إلى زبائنه-:" كان أبي يحدثني أن اليهودي لا يتوقف عن العمل؛ فهو يحدثك، أو يمشي ويده تخيط قطعة القماش التي يطويها على رأسه". الحاج سعيد مرشد الزهيري يقول:" كان اليهود حين يتبعون جنازة أحدهم يسيرون في ثلاثة قطارات أحدها يمثل النخبة، والثاني الوسط، والثالث الطبقة، الوسيط منهم وكلٌّ يعرف إلى أي طبقة ينتمي، ولا يتجاوزها، ولو كان وحده"، قلت في نفسي إن يهود الفلاشا لم يراعوا العبرية الجديدة. صائغة الحب عبده الثلائي من بني زهير (7 كم غربي مدينة العدين) يقول:" كنت يافعا و".خنو إبراهيم" اليهودية فيميعة الصبافاتنة الجمال تعبث بمياه سائلة "عنَّة"يبلل كل منا الآخرفي غبطة أبيهايبحث في السائلة عن أحجار العقيق التي يصنع منها فصوصاً للخواتم الفضية التي يصنعها .كان يقول :سنرحل على يلادنا نوبعدها سنعود لمحاربتكم لم يكن بإمكاني أن أهتم بما يقوله ،وأنا ثمل بتناغم ضحكة "خنُّو" وخرير الماء تركته وأنا أحاول ان أربط بين صورة "خنو"ُّصانعة الحب مجندة على مجنزرة إسرائيلية، تنشر الموت، والدمار ؛خصوصاً وأن بائع القات الذي يسكن بني هات، يقسم لي أنه سمع لـ(B B C) حواراً مع إسحاق شامير ذكر فيه أن والده من "المقيبرة" بني هات- شمال شرق مدينة العدين، وأنه ولد هناك، وعدد من الأشخاص من أبناء المنطقة مازال بعضهم أحياء.. كان عليَّ أن أتحمل صعوبة الطريق إلى "جبل اليهود" في بني زهير، وصعود "عقبة اليهودي" لأصل إلى بقية قرى اليهود "بيت الحبس" .. المْمراغة.. "الكثرمة" بيت "سالم شمعين" لأعرف أكثر من "منشة" و"مناحيم" و"المدحى" و"إبراهيم" و"شاوول" و"دحنة" و"نطرة" و"مريم" والكثيرين غيرهم من اليهود الذين شكلت هذه المنطقة أحد أكبر تجمعاتهم السكانية، وفيها كانت تحتكر صياغة الحلي ، وصناعة النسيج، والأحذية، "العرق" وخياطة الملابس النسائية، وتطريزها بالنقوش الملونة، وعندما يبلغ الزائر "القُبات"- أعلى قرى اليهود في "بلاد المليكي" 15 كم تقريباً غربي العُدين- يجب عليه بعدها أن ينزل الجبل الشاهق نحو الغرب ليصل بعدها إلى "المقيبرة" على ضفة سائلة "مناخ؛ حيث توجد أكبر منابرهم التي يحلو للبعض أن يحدثك عن زيارة السياح الأجانب لها، واستخراج كنوزهم منها. بعضهم لا يكتفي بذلك، ويؤكد أنه ساعدهم، وحصل على خاتمين من الذهب، وزنهما اثنا عشر جراماً. الذباحة على الطريقة اليهودية الحاج أحمد زبران الواصلي يقول:" كان اليهود يسخرون من المسلمين الذين يشربون النبيذ الرديء على أنه خمر، ومن إفراطهم في الشرب لأنهم كانوا يقطرون النبيذ ليصبح عرقاً ويشربون بطريقة لا تفقدهم عقلهم .كانوا يحرصون على النظافة أكثر منا- المسلمين- لدرجة أن لكل واحد إناء خاص رغم ذلك فهم لا يشترون اللحم الجيد، ويحرصون على شراء الماشية الهزيلة يذبحها لهم "المورى" بسكين مستقيمة الحد يقطع فقط القصبة الهوائية للذبيحة طيراً ، أو ماشية، ثم يطلقها حتى تموت . اليهودي لا يلقي بشيء من الذبيحة غير الأمعاء، والرئة، والقلب، والكبد، والطحال، (الحوايا)، والعظم. يأكلون اللحم الصافي، ويدبغون الجلد بإتقان، ويصنعون منه "القرب" والأحذية، والأحزمة الجلدية ذات جيوب الذخائر "المحازق" و"الطيارات" وغير ذلك حتى العسل. يعصرون الخلية لاستخراج العسل ثم يغلونها بالماء لاستخراج ما تبقى فيها، ويصنعون منه نبيذاً ويعلفون الثيران الهزيلة ,ما تبقى لتسمن وتقوى ,أويصنعون منه الشمع. وكانوا يجمعون القطن من الأشجار التي تنبت طبيعياً ويعزلونه خيوطاً ينسجون منها لحفاً – جمع لحفة- رداء – ويقومون بجمع الصبر، ويخلطونه بدقيق "الغرِب" -نوع من الحبوب- ويضيفون إليه الماء، ويغمسون النسيج فيه ويضربونه بالعصي فيصبح مشيناً، ولماعاً. ثم يضيف قائلاً:"كانوا لا يعملون في عصر الجمعة إلى صباح الأحد أي شيء، مهما يكن، ويخرجون بعدها بملابسهم التي يغلب عليها السواد، وعلى رؤوسهم (قلنسواتهم) الحمراء التي يتقن صناعتها أصحاب الشأن فيهم. كانوا يربطون عليها عصابات، وزنانيرهم (شعر الصدغين) متدلية .لم يكونوا يضفرونها مثل يهود حاشد. بالنسبة للنساء فلم تكن ملابسهن وحليهن تختلف عن المسلمات، ولم تكن أكثر جمالاً وأخيراً (سافروا فجأة كأنما جاءتهم دعوة من الخارج فباعوا ممتلكاتهم، ووضعوا المال في صفائح النفط، وأحكموا لحامها، وحملوها معهم. لم يبق أحد غير من كانت من نسائهم متزوجة بمسلم، أو من أسلم". يقول الناس أن يتيمين أشتريا من أحد اليهود أرضاً، وتركا عنده وثيقة الملكية، وأنه تذكره في القاعدة فترك أسرته تسافر، وعاد يسلم الأمانة، ويلحق بأهله. (نظرة)وجولد مائير "المْوكرة" في حزم العدين، و"الدغم" في "بني عواض" يضرب بهما المثل حتى الآن فيقال "يهود الموكرة" أو "يهود من الدُّغم" نظراً لكثافة سكانهما من اليهود قديماً غير أن مذيخرة أكثر إغراء في الصيف لمن يريد أن يزور معبد "اليهود" في "الجعري" -حوالي 20 كم جنوب شرق العُدين- قال لي محدثي العجوز، وهو يشير إلى منزل مكون من طابق واحد في قرية "المنزل" المطلة على مركز المديرية" "هذه بيت "الموري" حاييم عوض الذي كان يتولى الذبح لجميع اليهود في المنطقة. وفي "السهلة" من الجهة المقابلة لنا كان يوجد أكبر تجمع يهودي. هنا لم يبق أحد غير "نظرة بنت يحيى العارم، اعتنقت الإسلام بعد زواجها من (.......).المسلم لم ترحل مع والدها، واختارت أول تراب لامس جسدها فتركوها بجوار مقبرتهم كأحد الموتى ورحلوا ودفنت هي بالمقابل كل ذكرياتها، وارتباطاتها بهم حتى اسمها دفنته، ولاتحب أن تفتح أي حديث حول ذلك الماضي .هي تفضل أن تبقى "نظرة" حب لحضرة مذيخرة، وسلالاتها على أن تصبح "جولدا مائير" لأنها نياشين الدم وأوسمة القتل"ك يضيف محدثي"كانوا هنا يحتكرون صناعة النسيج، والحلي، ويقطرون العرق الجيد، ويردون على نظرات التعجب من مودعيهم وهم يرحلون قائلين: "سنخرج إليكم على ظهور الطيور" .. لم نكن نعرف ماذا يقصدون. هكذا ختم محدثي كلامه ليقول لي مذيع الأخيار- في الراديو- توضيح عبارتهم، وهو يتحدث عن إغارة الطيران الإسرائيلي على الأراضي السورية، وقصف المروحيات الإسرائيلية للمنازل في مخيم "رفح" و"جنين". |