المؤتمر نت-تزار العبادي -
معارضـــة من ورق

حضت رئيسة وزراء بريطانيا (مارغريت تاتشر) خلال فترة حكمها بكثير من التشريف من شعبها، فكان أن أطلقوا عليها لقب "المرأة الحديديةiron woman "، حتى إذا ما خاضت غمار حرب "الفوكلاند" مع الأرجنتين، وخرجت منها بنفوذ مهيب عظُمت مكانتها في أفئدة البريطانيين، ورأوا حقاً على أنفسهم أن يشرفوها بلقب أرفع، فلقبوها بـ"المرأة الفولاذية steel woman” ويومها همست بإذن أحد أصدقائها المخلصين قائلة: (قديماً كانوا يرددون "أن وراء كل رجل عظيم امرأة"، لكنني تيّقنت للتو أن وراء كل امرأة عظيمة رجال من ورق).
وسواء فهمنا قول "تاتشر" على أنه اعتراف لحظات غفلة أم غرور نساء أو دعابة نشوة سُكْر اسكتلندية فسيان عندنا حين نشبِّه الأمر بواقع حال أحزاب المعارضة اليمنية التي لم يعد لها همّ من شأن هذا البلد وأهله غير أن تكيل التهم للسلطة، وتطعن بأمانتها وإخلاص رموزها، وتشوه كل رأي أو خطوة من صنع الحزب الحاكم، ولا أظن غير ذلك هناك ما يعنيها.
فإن عارضت الحكومة غزو العراق تقافزت المعارضة بعد لحظات لتعلن تأييدها للاحتلال ومباركة سعي (العم سام)، وساقت لذلك عشرات التبريرات والأعذار. أما إذا سجّلت الحكومة موقفا شجاعا لنصرة انتفاضة الأقصى، تسابق إعلام المعارضة للاستهزاء بذلك، والسخرية من الداعي، ولصق الشبهات والشكوك.
والغريب المضحك أن المعارضة التي لصقت مزمار (العم سام) بين شفتيها لتنفخ به في كل حين كانت لا تنقطع عن التزمير بتقارير الإدارة الأمريكية المتعلقة بحقوق الإنسان وديمقراطية العالم الثالث كلما انتقدت شأناً أو واقعاً يمنياً؛ ولكن بمجرد أن جاء التقرير السنوي الجديد إيجابياً بحق الديمقراطية اليمنية، إذ يدرجها ضمن (50) دولة في العالم حققت نمواً في ممارساتها الديمقراطية، فإن أحزاب المعارضة في (المشترك) أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد.. وصالت وجالت قيادات (المشترك) في كل محفل، تطالب الإدارة الأمريكية بشطب اسم اليمن من التقرير أو سحبه، والاعتذار من الشعب اليمني على هذه (الإساءة التي لا تغتفر).
ومع أن المعارضة التي آمنت بكل التقارير الأمريكية السابقة، وأقامت لها (القُدّاس) تلو الآخر في وسائلها الإعلامية ، بقصد التشهير والشماتة بالدولة، ثم أفاقت ليلة (الكرسماس) لتكتب بيان كفرها بالتقرير الأمريكي، تعرف جيداً أن اعتذار إدارة (العام سام) ضرب من المستحيل، خاصة وأنها سبق أن جرّبت الوقوف لساعات على بوابة السفارة الأمريكية تستجدي رضا (العم سام) من حفيدته التي لم تكترث لأمر أحد، وواصلت تعديل ماكياج وجهها بهدوء تحسباً لزيارة مفاجئة من ضيف مهم.
ويبدو أن المعارضة اليمنية قد قطعت على نفسها يميناً غليظاً بأن لا تتفق مع حكومة المؤتمر الشعبي العام برأي أو موقف أو فعل، وألاّ تسمح لأحد من اليمنيين أن يهنأ بسمعة طيبة، أو يفاخر بإشادة جهة ما، أو حتى أن يتحدث أمام الأغراب بزهو عن بلده ما دام ذلك يحدث في عهد حكم المؤتمر.
فكم هو وضع مريب ألاّ يتحدث الأمريكيون عن جرائم حكوماتهم، وسياساتهم العنصرية بحق ذوي البشرة السوداء، ولا عن عصابات المافيا، وتجارة المخدرات، والاغتصابات اليومية، وأندية اللواط، ومئات آلاف المتسولين، والمعتقلين، والمشردين بلا مأوى. ولا ينبسون ببنت شفة عن حقيقة ما يجري في سجن ( الكات راز) المبني على جزيرة معزولة وسط المحيط الهادي، أو حتى عن طبيعة وحجم انتهاكات حقوق الإنسان في سجن( غوانتنامو) وغيره مما لم يبلغنا العلم به، ومما ضاع خبره في كواليس الـ( سي.آي. أيه) وملفاتها المشفّرة.. بينما ترى المعارضة اليمنية في نسْب مثل تلك الأمور لحكومات بلدها موضع تشريف وتفاخر لليمن، ورفعة رأس لليمنيين بين شعوب الأرض.
الأمريكيون يفاخرون بقيم لاوجود للكثير منها في واقعهم، ويجتهدون في إقناع أنفسهم بوجودها، ويبالغون في نسج القصص عنها أمام الآخرين من أجل أن يحضوا باحترامهم والتسامي على إنسانيتهم، فكان لهم ما يرجوه. أما نحن فالأمر مُخجل عند أحزابنا المعارضة أن تتحدث في إعلامهما عن قيم الشعب اليمني المسلم وفضائله الإنسانية الرفيعة، وحقيقة الواقع الذي يعيشه ويمارس في ظله طقوسه اليومية بسلام، وحجم التحولات التي صار إليها وضعه. فأمست تلك الأحزاب تروِّج للعالم مدى غباء شعبنا وتخلفه، وفساد أجهزة حكمه، وظلمها واستبدادها، وهمجية وسائلنا في إدارة شئوننا، وكل ما هو فينا وليس فينا.
ولم تقف عند حد معقول- إن توخت اتقاء الله من قول الزور- بل هي تجتهد في اختلاق كل فعل مشين، ونكران كل فضيلة، وتبالغ في سَوْق المسوغات لاقناع العالم بأن اليمن كذلك حتى أمسى الآخرون يعاملون الفرد اليمني على أساس مما وَصف به نفسه وبلده، وأهان به كرامة نفسه وأهله.
أليست هي أحزاب المعارضة من تروي قصص المجاعة اليمنية القاتلة، والشعب الذي يتدافع على براميل القمامة، ويمسي عند مجمعات المزابل..!؟ أليست هي وسائل إعلام المعارضة التي تبني في كل زقاق من حاراتنا بيتا للدعارة، وناديا للموبقات والمخدرات والأفلام الإباحية..!؟ أليست هي رموز أحزاب المعارضة التي تُغيِّب الأمن عن مدننا في خطاباتها، وتشيع الفوضى والسطو والنهب، وتجعل القتال في الشوارع بوضح النهار، وتزعم أن الرجال يختطفون بناتنا وأن لنا في كل يوم عشرات العذراوات يُغتصبن، وعشرات من أبنائنا يرتكبون الخطايا دونما رادع..!؟
إن من يقف على ناصية أي كشك لبيع الصحف ويلقي نظرة خاطفة على عناوين الموضوعات التي تناولتها صحف المعارضة اليمنية لابد أن ترتعد فرائصه قلقاً وخوفاً من البقاء في هذا البلد لساعة أخرى. فجميع تلك الصحف تخلو من حسنة واحدة للحكومة، وأنها أقرب ما تكون إلى ( صحافة رعب).
بكل تأكيد أن المعارضة ستلتمس العذر لذلك، وستسعفها خبراتها الاحترافية في مجال الادعاء والتلفيق بما تدرء الشبهة عن نفسها.. ولكن.. إن سلّمْنا بالأمر، واقتنعنا بزعمهم أن ليس لحكومة المؤتمر من الحسنات ما يذكر، وكذّبْنا أعيننا معهم، ألن يعني بقاء حكومة بتلك المواصفات على رأس السلطة طيلة هذه السنوات أن من يزعمون أنفسهم معارضة وطنية شريفة ليسوا إلا معارضة من ورق !؟
فمَنْ كان يقتدي بديمقراطية ( العم سام) ويجعلها معياره فليعلم أن ليس من الجمهوريين أو الديمقراطيين من يكيد منافسيه بتعييرهم بأنهم أمة أجدادها( الهنود الحمر) على غرار ما فعل الدكتور سيف العسلي- رئيس الدائرة الاقتصادية للتجمع اليمني للإصلاح حين وصف العرب بـ( المستبدين) وعيَّرهم بأجدادهم( وأدوا الحرية كما كانوا يئدون بناتهم في الجاهلية).. كما لم ( يبترع) المعارضون الأمريكيون لإدارة " جورج بوش" حين ضرب الإرهاب عاصمة دولتهم بيد أجنبية، كما رقصت وزمَّرت بعض أحزاب المعارضة اليمنية للغزو الانجلو- أمريكي لبغداد، لمجرد التشفي بسقوط نظام عربي، والشماتة بالحزب الحاكم في اليمن كونه ذو توجّه قومي.
أعتقد أن معارضة بهذه الضحالة من الفهم للعمل السياسي الديمقراطي، وبتلك الوسائل الدعائية التي تهين بها كرامة شعبها وعزته، وتصوره للعالم خاسئا ذليلا ، لا يجدر بها إلا أن تبقى أمد الدهر تدوِّن أحلامها البائسة على الورق.. فالعاجز عن بذل خير لأهلة ووطنه تكتبه الأجيال في كراساتها ضمن دروس" تاريخ معارضة من ورق" ..
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:39 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/5394.htm