المؤتمر نت -

بقلم د. أحمد سامح -
سيرة الرسول العطرة من منظور علْمَيْ النفس والاجتماع
لكل شخصية سماتها وهو ما يعرف عن الشخص ويشتهر به وهو أسلوبه في التعامل مع الناس والأشياء وفي النظر إلى الأمور من خلال ذوقه وطريقته الخاصة.
هذا ما يقوله علماء النفس عن سمات الشخصية ولكن حينما نتحدث عن شخصية سيد الخلق الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يكون الموضوع في غاية الصعوبة فشخصية الرسول الكريم تحدث عن سماتها ومكوناتها القرآن الكريم.
وأسهبت كتب السيرة العطرة في التحدث عن صفات الرسول الكريمة وأخلاقه وتربيته التي مكنته من انجاح الدعوة الاسلامية والبلوغ بالرسالة المحمدية الى غايتها ايمانيا وسياسيا واجتماعيا وإنسانياً.
فكان صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم أرسله الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين ومنحه المولى عز وجل صفتين من صفاته هما الرأفة والرحمة كما جاء في قوله تعالى: « لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» التوبة: 128.
وبعد الاطلاع على كثير من كتب السيرة النبوية تتناول سمات شخصية الرسول الكريم التي وردت في هذه المراجع ونشرحها من خلال منظور علمي النفس والاجتماع وما أنجزه الطب الحديث من تحليل نفس دراسات سيكولوجية لتكون دليلا علميا وبرهانا طبيا على صحة ما جاء في كتب السيرة النبوية العطرة.
وفي هذه الدراسة تناول باختصار شديد الرد على افتراء بعض المستشرقين والحاقدين بأن تعدد زوجات الرسول كان للذة جنسية وهو مناف لشمائل النبوة ومخالف لما ان ينبغي ان يتصف به هداة الأرواح.
ونثبت في هذه الدراسة سيكولوجية الاسلام هي السلام الذي هو سمة من سمات شخصية الرسول الكريم.
كما نثبت في هذه الدراسة استنادا للحقائق الطبية ان لا إله إلا الله محمد رسول الله طب النفوس ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها.


اتسمت شخصية الرسول الكريم بالشجاعة والصدق والأمانة والعدل والرحمة فهو صبور حليم يعفو عند المقدرة كريم النفس أوسع الناس صدرا وأحسنهم عشرة يدفع بالتي هي أحسن ويتسم سلوكه بالحياء الجم «الحياء هو الرقة التي تعتري وجه الإنسان».
والقرآن الكريم حافل بالآيات التي توضح صفات الرسول الكريم وكذلك كتب السيرة العطرة التي وصلت إلينا خلال اربعة عشر قرنا من الزمان نشرحها بعدما وصل العلم والطب مراحل متقدمة من التطور والبرهان والدليل العلمي القائم على البحث والدراسة.
وجاء في كتب السيرة العطرة ان من سمات شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فطنة الوجدان والتواصل الوجداني والتأثير الوجداني والبصيرة الصائبة.

فطنة الوجدان
الفطنة هي شيء أعلى من الزكاء إذ هي رؤية كلية شاملة. فهي ليست نشاطا ذهنيا فحسب ولكنها أيضا نشاط وجداني أي ما يسمى بذكاء العاطفة أو ذكاء الوجدان.
والوجدان هو وسيلة الإنسان للوصول إلى الناس والتأثير عليهم اذ لا تفاعل انسانيا الا من خلال نشاط وجداني لأن الوجدان هو الذي يحب ويكره ويغضب ويسخط ويتألم ويفرح ويحزن ويتحمس ويفتر فكل تلك نشاطات وجدانية يتحقق من خلالها الاتصال مع البشر.
والانفعالات الطارئة ليست هي الوجدان بل هي موجات وغورات مصدرها الوجدان الذي يتأثر لحظويا بمواقف معينة.
أما الوجدان فهو الحالة الشعورية المستقرة والثابتة معظم الوقت والتي تميز شخصية الإنسان أو تميز الجانب العاطفي أو الجانب الإنساني في شخصيته.
أما صاحب الوجدان البليد والخامل والمنطفي والغبي والعياذ بالله فلديه علاقات انسانية مضطربة ولديه صعوبات جمة في الحياة وهو دائماً في حالة مواجهات حادة مع الناس فهو إنسان تعيس ومصدر لتعاسة الآخرين.
أما الإنسان فطن الوجدان فيتمتع بعلاقات ايجابية ثرية مع الناس تشع الدفء والاقناع.
وفطنة الوجدان التي كان يتمتع بها الرسول الكريم هي الهدوء المتزن المستقر الذي يوحي بالثقة والطمأنينة والوصول إلى الأهداف والانجاز والابداع.
انها الضمير اليقظ والقلب العطوف والصدر المتسع المنشرح والشجاعة والأمانة والاخلاص والوفاء.
وفطنة الوجدان لها ثلاث حلقات تتلاحم وتتابع وتتحدد وتقود إحداها إلى الأخرى في تناغم وهي: النضج الوجداني والتواصل الوجداني والتأثير الوجداني.

نضج الوجدان وتأثيره
أما نضج الوجدان فيتحدد بالقدرة على ادراك المشاعر بدقة وموضوعية والتحكم في الانفعالات بضمير ايجابي وبصيرة صائبة.
أما التواصل الوجداني فيتحدد بالقدرة على تفهم مشاعر الغير وتقدير رؤيتهم والتفاعل معهم في الاتصال والانصات والتعاطف والمشاركة الوجدانية وكياسة الاستجابة لهم.
أما التأثير الوجداني فيتحدد بالقدرة على استخدام الحجة القوية في الاقناع والحسم الايجابي للصراع واظهار القدرة وريادة التغيير والحث على نشر روح المودة والتسامح والمحبة والتعاون بين الناس.
وهذه العناصر الثلاثة التي ذكرناها هي التي تحدد فطرة الوجدان.

البصيرة الصائبة
انها عين الله التي يرى بها الإنسان ما لا يراه الآخرون وهي ذلك الاحساس المرهف الذي يتوقع ويستشف فهي الصفاء الذهني الذي يرسم صورة ما هو مقبل وما هو خارج عن نطاق العين البشرية وهي الصورة الحقيقية التي تنطق بالحق رغم كل المعوقات التي تنطق بالحق رغم كل المعوقات الخارجية التي تعوق الرؤية.
البصيرة الصائبة هي تلك الرؤية المسبقة أو السابقة على حدوث الموقف أو الحدث من دون أن تتوافر كل المعلومات ومن دون أن يكون هناك ضوء كاف اذا فهي الضوء الساطع الذي يمتد وينتشر إلى الأمام.
ان المشاعر هنا تشترك في القرار انه الوجدان الفطن انه مزيج العلم والمعرفة والخبرة والمشاعر الطيبة الجيدة.
هناك إنسان يرى بقدراته الذهنية فقط مجرد حسابات وتوقعات مبنية على هذه الحسابات وهي رؤية لها حدود لأن آفاقها على قدر ما هو متاح من معلومات وما تراكم من خبرة.
ولكن صاحب البصيرة الصائبة أبعد وأعمق لأنه لا يعتمد على الحسابات الذهنية فقط بل هناك معرفة أخرى وهي المعرفة القلبية أو المعرفة الباطنية.
انها ذلك الشعور القوي المسيطر الملح الذي يوجه الإنسان نحو وجهة معينة فهي تلك البوصلة الهادية التي ينجذب مؤشرها قصرا نحو اتجاه معين، انها الشفافية التي بعدها يأتي الانكشاف.
ولنقل انها الالهام أو لنقل وهذا هو الأدق والأصدق انها عين الله التي يرى بها انسان معين اختاره الله لهذه النعمة العظيمة.
وهذا الإنسان ينتقل من موقع العلم إلى موقع الحكمة، والحكمة هي رؤية أشمل وأعمق وأدق، رؤية تكتشف وتنبئ عن المستقبل.
هذه هي البصيرة الصائبة التي تمتع بها الرسول صلى الله عليه وسلم ففاق كل رؤساء القبائل وملوك وأمراء الدول في القيادة والزعامة وانتشرت الدعوة الإسلامية بفضل شخصية الرسول الكريم.

الضمير الإيجابي
نضج الشخصية لا بد له من قاعدة أخلاقية فالنضج هو الحكمة والتوازن والعدل والانصاف والنزاهة واحقاق الحق والموضوعية والصدق والشجاعة.
إذا نحن أمام مجموعة من القيم الأخلاقية تشكل الضمير الإنساني فلا نضج بلا ضمير والضمير يقود نحو الخير ونحو الرحمة.
ولا تستقيم الحياة من دون ضمير ايجابي مغروس وملتحم في نفوس البشر والذين يتمتعون بهذا الضمير الايجابي يتصرفون بأخلاقيات رفيعة.
ويكون سلوكهم فوق الشبهات ويواجهون التصرفات غير الأخلاقية في الآخرين بشجاعة وحزم ويأخذون المواقف القائمة على المبادئ ولو كانت لا تحظى بالشعبية أحياناً.
انهم يوفون بالتزاماتهم ووعودهم ويتحملون المسؤولية عند تنفيذ الأهداف.
وتتمتع شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالضمير الايجابي الذي أصلح به حال القبائل العربية وهداهم إلى الإسلام ونشر العدل والحق والأخلاق الكريمة والسلام في جزيرة العرب.
الرأي العام الكويتية
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 05:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/55345.htm