مسمار في نعش الوصاية و الشمولية * بخطوات واثقة تسير اليمن باتجاه الحكم المحلي كامل الصلاحيات, و الذي بدأ بانتخابات المجالس المحلية في فبراير2001م، ثم بانتخاب مجالس السلطة المحلية سبتمبر 2006م، وها نحن على أبواب 17 مايو 2008م الذي سيشهد انتخابات أمين العاصمة و محافظي المحافظات من قبل هيئة ناخبة قوامها يزيد على سبعة آلاف عضو ، حصدوا ثقة الجماهير في عموم قرى و عزل و مراكز و مديريات و محافظات الجمهورية في انتخابات حرة و مباشرة شهدها الوطن وشهد عليها العالم في 20 سبتمبر 2006م ، ليغدو هؤلاء أصحاب حق وواجب في تمثيل الشعب و ممارسة سلطته بإرادته في اختيار من يدير شؤونه المحلية وفقاً للمادة الرابعة من دستور الجمهورية اليمنية التي يقول نصها: : «الشعب مالك السلطة ومصدرها و يمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء و الانتخابات العامة, كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية و القضائية وعن طريق المجالس المحلية المنتخبة». * و صحيح أن انتخاب المحافظين وأمين العاصمة من قبل هيئة ناخبة تمثل جماهير الشعب ليست سوى خطوة أولى تأسيسية لحكم محلي كامل الصلاحيات, و هو ما يؤكده البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح , لكنها الخطوة المهمة التي ستتبعها خطوات على طريق تحقيق الهدف الذي يجمع عليه غالبية أبناء الشعب, وإن كان ثمة من يثير حوله الشكوك والريبة والمخاوف دون مبرر، فضلاً عن أولئك الذين يرون أن عملية انتخاب المحافظين و أمين العاصمة خطوة متسرعة و أتت قبل أوانها، و رغم ذلك بادرت القيادة السياسية الشجاعة إلى اتخاذ هذه الخطوة العملية الملموسة لتقطع الطريق أمام المترددين و المنظرين و أصحاب الرؤى التقليدية المتشبثة بالمركزية و مخلفات الماضي الشمولي.. * و بقدر ما أكدت هذه الخطوة الشجاعة مصداقية و عزم و إرادة القيادة السياسية و نظرتها الثاقبة إلى المستقبل, بقدر ما كشفت زيف المزايدين على اللامركزية و الحكم المحلي, و في الصدارة من هؤلاء قيادات أحزاب اللقاء (المشترك) التي تثبت - في كل منعطف تاريخي - أنها تقول ما لا تفعل, و تسير على غير هدى و لامشروع جاد, و لا إستراتيجية واضحة و لا برنامج صالح للتنفيذ... وخير دليل على ذلك الموقف السلبي الذي اتخذته من انتخابات المحافظين التي طالما زايدت عليها ودغدغت عواطف الناس بها, و مثل ذلك رفضها تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من القضاة وفقاً لاتفاقية المبادئ التي وقعت عليها جميع الأحزاب السياسية بمن في ذلك قيادات (المشترك) ، التي طالبت بتلك الاتفاقية و ساومت عليها كثيراً قبل أن تتم و يتم التوقيع عليها, و حينما أعلن فخامة الرئيس مبادرته الوطنية للإصلاحات السياسية والتي تضمنت تشكيل اللجنة العليا من القضاة وانتخابات المحافظين و حكم محلي واسع الصلاحيات كانت قيادات أحزاب المشترك أول الرافضين و أول الناكثين... وها هي الخطوة الأولى التأسيسية لحكم محلي كامل الصلاحيات تتم في ظل موقف سلبي لا ينم إلا عن عقليات تعادي البناء و التنمية والتحولات الديمقراطية والمستقبل. * و بصرف النظر عن هذه المواقف الانهزامية المحبطة ، ها هي المحافظات اليمنية تشهد حراكاً إيجابياً و تنافساً مشروعاً ولقاءات و حوارات و تنسيقات وتكتلات في أوساط الهيئات الناخبة على مستوى عموم المحافظات, فيما تسود الشارع اليمني حالة ترقب و أخذ ورد و جدل حول المرشحين لقيادة السلطة المحلية في المحافظات .. الأمر الذي يؤكد أن الوعي السياسي الديمقراطي الشعبي تجاوز حالة الجمود التي تعيشها وتحاول فرضها على الناس تلك القوى الشمولية الظلامية المجبولة على الفكر الشمولي الاقصائي التسلطي.. * و رغم ما تمارسه قوى الزيف و الظلام و الجمود والشمولية من إرهاب فكري ضد الجماهير وتضليل و تحريض من خلال خطابها اليائس الذي يستهدف الأمل و الطموح و التطلعات, و يروج لمستقبل مظلم كالح جدب.. ويسفه العمل الجاد والجهود الصادقة والخطوات الشجاعة و المنجزات العظيمة...رغم كل ذلك فإن قراءة عابرة لمزاج الشارع اليمني و انطباعات الناس إزاء عملية انتخابات المحافظين - كخطوة تأسيسية أولى نحو حكم محلي كامل الصلاحيات - تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك في أن جماهير شعبنا اليمني العظيم تدرك مصالحها وتعي جيداً قيمة ومضمون وأهمية هذه الخطوة الشجاعة لترسيخ النهج الديمقراطي واستكمال بناء اليمن الحديث بحكم محلي يقضي على المركزية و يكافح الفساد و يلغي مفاهيم الوصاية و الشمولية والمحاصصة وأوهام التقاسم , ويجسد على أرض الواقع مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه. * و يعلم الشعب – أكثر من غيره – أن الموقف السلبي لأحزاب المشترك من انتخابات المحافظين, و كذلك خطابها التحريضي الذي يحاول النيل من هذه التجربة ليس إلا امتداداً لمواقفها العدائية للديمقراطية التي أثبتت ممارستها العملية خلال التجارب الانتخابية السابقة أن هذه القوى بعيدة عن الناس وعن تطلعاتهم مهما زايدت على آلامهم و قضاياهم... ولا غرابة إن وجدنا هذه القوى التي كانت إلى ما قبل أيام قليلة تتحدث عن القسمة و المحاصصة وتوزيع المغانم و المصالح على أسس غير شرعية ... وقبل أن يجف حبر الاقتراع الذي كشفت نتائجه عن صغر حجمها الجماهيري .. لا غرابة في أن نجد هذه القوى ترفض انتخابات المحافظين وتكفر بنتائج الديمقراطية و تتنكر لإرادة الشعب و تحاول استغفال الجماهير و استغلال قضايا الناس وفق منهجية انتهازية عرفها الشعب و لم تعد تنطلي على أحد... * إن التشكيك في حق الهيئة الناخبة وواجبها الدستوري و القانوني الذي وضعها موضع المسؤولية القانونية والوطنية في اختيار محافظي المحافظات هو تشكيك بمشروعية وجود هذه الهيئة التي أتت بإرادة الشعب و بأصوات الجماهير, و هو كذلك إنكار لإرادة الجماهير وحقوق الشعب السياسية التي كفلتها له التشريعات النافذة, و هو كذلك إنكار لهذه التشريعات التي هي العقد الاجتماعي بين كل أبناء الشعب «حاكمهم ومحكومهم» و إذا كانت التشريعات قد كفلت لأيً كان أن يقول: ِ»نعم» أو يقول «لا» أو يوافق أو يرفض أو يقاطع, فإنها – أي التشريعات ذاتها – لم تمنح أياً كان حق مصادرة حقوق الآخرين, أو التحريض ضد تحقيق أهداف وغايات وآمال الشعب وفقاً للدستور والقانون, و مادام الأمر كذلك - وهذه الحقيقة معلومة للشعب و للهيئة الناخبة - فلاشك أن الوضع يوم 17مايو سيكون مختلفاً, وعلى غير ما تتصوره أو تصوره للآخرين قوى الظلام, (وإن غداً لناظره قريب). *افتتاحية 14 اكتوبر |