المؤتمر نت - محمد عبدالله الميسي يقطف ثمار البن

المؤتمرنت- اليز ست – هيليير -ترجمة -عماد طاهر* -
البن اليمني خلال التاريخ
أساطير مرتبطة بالبن :
يروى أنه عندما احترقت إحدى الغابات في الحبشة كانت تنبعث رائحة لذيذة للبن فكان من شهد هذا الحريق يأخذون هذه الحبوب المحترقة ويقوموا بسحقها ليصنعوا منها شراب .

أما الأسطورة الأخرى فتقول أن راعي صغير يمني لاحظ أغنامه التي كانت تأكل أوراق التوت وأوراق شجرة مجهولة الأصل فلاحظ مواشيه تصبح بحالة نشاط وإثارة فذهب وأخبر بهذه الظاهرة إلى الراهب المجاور له فقام هذا الراهب وقطف هذه الفاكهة الأجنبية ودفعه الفضول إلى تذوق هذه الأوراق التي تشبه أوراق التوت الشديدة الحمره لكنه فوجئ بأنها ذات طعم مر فرماها في النار لينظر كيف تتحضر فشفي من الحمى الشديدة التي تتعاقب عليه في أوقات متتالية وكأنها وحي رباني يقال أنه منذ ذلك اليوم لم يعد يغفو هذا الراهب أثناء صلاة الليل .

ويقال إن البن أصله من مقاطعة كافا في إثيوبيا ويقال أنه في القرن الثامن كانت الأوراق والفواكة الطرية الناضجة تستخدم وسيلة من وسائل العلاج وفي القرن الخامس عشر كان العرب يقومون بقلي الحبوب بكل أنواعها على ألواح حجرية شديدة الحرارة قبل أن يسحقوها حتى تصير بودرة ليقوم بتحضير المشروب المنشط الذي تعرفه .

أما الأسطورة الكاذبة فتقول :
إن البن يأتي من إثيوبيا وليس من اليمن فاليمن كانت قديماً تقوم بزراعة البن بكثافة منذ القرن الخامس عشر وهناك أسطورة أخرى تتعلق بالبن والشاي وهي في نهاية العام 1700 ميلادية وهي أن ملك السويد جورج الثالث أراد أن يقارن بين ضرر الشاي والقهوة فقام باختيار توأمين كانا محكوم عليهما بالإعدام لارتكابهما جريمة قتل .
فقام بإخافتهما بأن لا يأخذ الاثنين نوعاً واحد بل أن يأخذ واحد منهم قهوة والثاني يأخذ شاي وليرى الملك من سيموت أولاً فجرت التجربة تحت رقابة طبية صارمة انتهت التجربة بموت الأطباء وظل التوأمين يعيشون حتى بلغا عمر 83 سنة وكان الملك قد اغتيل منذ زمن طويل .

بداية تجارة البن :
لقد كان المحور الرئيسي لتجارة البن مدينة ميناء المخا التي اشتق أسمها من هذا البن المعروف لقد كان بن اليمن يمتلك مذاق الشوكولاتة وطعم اللحم المدخن لهذا السبب ارتبط مصطلح ( موكا ) بمشروبات الشوكولاتية المذاق.

فالبن كان يصدر من منطقة ( المخا ) التي كانت عمدة البن العربي حتى أن هذه المنطقة كان يطلق عليها بكل بساطة العربية ، فبقي هذا الاسم سائداً حتى لو أن البن كان معظمه يأتي من إثيوبيا في إفريقيا فمنذ بداية القرن الخامس عشر حاول الناس الذين كانوا يتبادلون البن أن يسرقوا هذه النبتة ليقوموا بزراعتها في بلدانهم حتى أنه في منتصف القرن السابع عشر كان البن يزرع في اليمن وإثيوبيا فقط ولا يستهلك خارج إثيوبيا والشرق الأوسط والهند فالصعوبة في ذلك أن اليمن التي كانت أكبر مصدر ومنتج للبن في ذلك العصر احتفظت ببذور البن وحظرت تصديره خارج موانئها وهو غير مقلي ومقشر لتظل المصدر الوحيد له حتى أن هذه الحبوب المقلية تفقد ما فيها من خضرة حتى لا تنمو لذلك كان من المستحيل زراعتها ، توصل الهولنديون إلى أن يقوموا بأول اختلاس لهذه الشجيرات وقاموا بنقلها إلى الهند عبر جزيرة سيلان ثم إلى اندونيسيا .

انتهى الأوروبيون إلى الاهتمام بالبن منذ القرن الثامن عشر وبدأ العديد من القوارب يترددون على اليمن كل سنة ليشتروا كميات كبيرة من حبوب البن .

أول المقاهي :
كان أول مقهى يفتتح في القسطنيطينية في عام 1554م ثم قام الفينيقيون بجلب هذا الشراب الثمين إلى أوروبا في عام 1645م وافتتح أول دار للقهوة في فينيسا باريس وكان الإيطالي فرانسيكو بروكوبيودي كولتيلي أول من أنشأ هذا المقهى عام 1702م وعام 1686م الذي لا يزال يتردد عليه الناس حتى يومنا هذا ، وكان يجتمع في هذا المكان كبار المفكرين والفنانين والكتاب للاسترخاء ويقضون وقتاً ممتعاً ويتبادلون الأفكار وفي عام 1715م كان يوجد في باريس أكثر من 300 مقهى .

زراعة البن في العالم :
بفضل الاختلاسات المختلفة والهدايا من اليمن انتشرت زراعة البن تدريجياً ففي عام 1706م كان أول وصول للبن إلى أوروبا في امستردام وفي عام 1714 قدمت للملك لويس الرابع عشر نبتة بن صغيرة من اليمن فكانت هذه النبتة الأولى للبن للمستعمرات الفرنسية وبين عام 1720م إلى عام 1850م انتشرت زراعة البن في أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي .

وغزا البريطانيون الهند 1940م وهي من أهم منتجي البن ،وفي أواخر 1800م أسس الأوروبيون مزارع لهم في إفريقيا فالشجرة المحلية بدت أكثر مقاومة واكتشف منذ ذلك الحين شجرة البن .

في القرنين السادس عشر والسابع عشر تميز تاريخ البن بأنه تاريخ الاستبعاد التي تم إلغاءها في عام 1888م فلم يستخدم الفرنسيون والهولنديون والإنجليز قواتهم لينتجوا أكبر قدر ممكن من البن وفي يافا كان القرويون المحليون من المستعبدين في منطقة البحر الكاريبي وأتت تجارة الرقيق من إفريقيا التي تعد المحرك الرئيسي للقوى العاملة في مزارع البن فقد كانت تستورد سانت دومينيغوا (30.000) ألف عبد أفريقي في السنة لذلك وقع أول تمرد للرقيق في عام 1791م فقد سيطر العبيد على الجزيرة التي أصبحت أول دولة سوداء استقلت في عام 1804م

ومع ذلك جاء القرن العشرين لينهي الاسترقاق كلياً من مختلف المزارع في العالم سواء مزارع البن أو القطن وقصب السكر .. الخ وفازت الأوساط الشعبية بالبن منذ عام 1750م ليحل محل الشوربة في الغداء .

وقد اخترعت آلة الايسبريسو عام 1948م فقد كان الإيطاليون يريدون تحسين أجود أنواع البن فقاموا بصناعة هذه الآلة على وجه السرعة لذلك فرضوا سيطرتهم على سوق البن ذو النوعية الجيدة ومن ثم حيث وجدت الباريستا الإيطالية .

من جهته اخترع البن الجاهز من قبل العالم الكيمائي الياباني عام 1901م.

انجلترا والبن :
قامت انجلترا باعتماد زراعة البن وقامت بإنشاء عدة مقاهي في لندن حتى شركة التأمين لويدز وضعت اسمها في مقهى لويدز حيث قامت بتسجيله على لائحات كبرى في صالة الاستقبال والمغادرة للسفن وقد كانت النساء غير مسموح لهن دخول المقهى .

فلماذا ذات يوم تخلى الإنجليز عن القهوة وتحولوا إلى شرب الشاي؟ هناك أسباب كثيرة أدت إلى هذا الاختيار أولها: لقد كان المزاج الإنجليزي مولع جداً بشرب الشاي فالشاي يعطي السكينة والهدوء والاتزان بينما القهوة يجلب الإثارة والعصبية والتي هي على العكس تماماً للطبع الإنجليزي الذي يتميز بالبرود .

ثانياً كانت القهوة المستخدمة لدى الإنجليز سيئة التحضير والغلي وتستخدم بدون أن يوضع فيها السكر بل كانت خردليه اللون لذلك تفضل الطبقة الراقية أن تفضل نفسها عن باقي الطبقات الاجتماعية الأخرى بل كانت المقاهي مزدحمة بالناس الفقراء والباعة والتجار واللوردات فكان لهذا الوضع تأثير على الناس الراقية المرتادة والتي تفضل أن تبقى في منازلها .

أخيراً السبب المهم جداً لهذا الهجر هو أن الشركة الهندية الشرقية المورد الرئيسي للبن إلى إنجلترا تحولت نهائياً إلى الشاي وهذا الهجر للقهوة لم يساعد الإنجليز إلى تطوير ذوقهم إلى هذا المشروب الحار فاليوم معظم البريطانيون يستهلكون البن الجاهز .

الولايات المتحدة والبن :
في بداية استعمار بريطانيا لمستعمرتها الجديدة كان المستوطنون في أمريكا يشربون الشاي على غرار المستعمرين البريطانيين وبعد حفلة بوسطن للشاي التي سبقت إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية أخذ البن بثأره فانجلترا عملت بسقوطها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي والتي كانت ضريبة استعمارها على المواد الغذائية الأساسية بما في ذلك الشاي تمرد على ممارسات الوطن الأم ورفض الناس بأسره المركب المملوء بالشاي .واعتمدوا البن بديلاً عنه حتى وصل الحال إلى حظره .
وفي بداية القرن العشرين زاد استهلاك القهوة بشكل كبير عندما لم يكن بإمكان المرء توفير الكحول فتسالوا ماهو الأفضل من القهوة ليكون بمثابة منشط ؟ واستمر الأمريكيون باستهلاك القهوة الجاهزة كما اعتادها الإنجليز وهذا لم يكن إلا قبل عام 1970م قبل الشغف بأفضل البن الذي ساد في أمريكا .

من جهة أخرى أسس ثلاثة شباب عام 1971م مقهى ستار بوكس الذي هو الآن أحد المقاهي المهمة في العالم .
*المصدر / Revue Hôtels, Restaurants & Institutions
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 09:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/57607.htm