المؤتمر نت -
نصر طه مصطفى -
في ذكرى الوحدة (1)
الخميس القادم ستكتمل ثمانية عشر عاماً من عمر جمهوريتنا اليمنية الفتية التي تواجه هذه الأيام امتحانات قاسية في عدة اتجاهات، إلا أننا بالتأكيد لسنا الدولة الوحيدة في المنطقة التي تواجه مثل هذه الابتلاءات الصعبة، كما أننا سنجد بالتأكيد أن مشاكلنا أهون بكثير مع بلدان عربية قريبة وبعيدة منا، والقصد هنا المشاكل التي تهدد الاستقرار السياسي، أما مشكلة الفقر وغلاء الأسعار فقد وصلت حتى إلى بعض الدول النفطية باعتبارها مشكلة موارد قد لا تكون في اليد ومشكلة إدارة وسياسات في اليد إصلاحها بكل تأكيد.
وكيفما كانت مشاكلنا فإن واجبنا معالجتها واحتواؤها وتجاوزها وليس دفن رؤوسنا في الرمال كالنعامة للهروب منها... ومنذ أربع سنوات تراوح مشكلة صعده في محلها تقريبا بين محاولات السلم ومحاولات الحسم العسكري، ومنذ أكثر من عامين برزت مشكلة المتقاعدين في المحافظات الجنوبية وتطوراتها المؤسفة من قضية مطلبية عادلة إلى قضية مسيسة على أيدي نفر قليل وجدوا في ضيق الأحوال المعيشية وسوء الإدارة وبعض مظاهر الفساد التي يحدث مثلها في كثير من الدول والمجتمعات وجدوا في ذلك مبررا للطعن في وحدة البلاد وتماسكها الاجتماعي... ورغم التسييس الجاري والواضح في قضيتي صعدة والمتقاعدين فإن المتأمل بعمق سيكتشف أن جذور الأولى ثقافية أساسا بينما جذور الثانية اجتماعية في الأصل، وللأسف فإن المعالجات الثقافية والاجتماعية لمخلفات عهود التشطير كانت الغائبة بامتياز منذ ثمانية عشر عاما فقد خضنا جميعا في السياسة حتى الأذقان وأهملنا كل ما عدا ذلك، وهذا واضح في كافة مسارات حياتنا واتجاهات عملنا الحكومي والحزبي... فعلى سبيل المثال سنجد أن النشاط الثقافي بكل تنوعاته في الشمال والجنوب قبل الوحدة كان أكثر غزارة وأعمق مضمونا مما حدث بعدها ولولا عام صنعاء عاصمة للثقافة العربية وما تم اعتماده من مخصصات مالية استثنائية ما رأينا ذلك الكم من الإصدارات في ذلك العام، بينما تراجعت كل الفنون الأخرى التي كانت قد بدأت بالنمو قبل الوحدة كالمسرح والغناء والأناشيد الوطنية والمجلات الثقافية والأعمال الروائية والشعرية والأنشطة التي كانت ترعاها بدون كلل أو ملل... وبالطبع لا تتحمل الوحدة سبب هذا التراجع بل إن التسييس الذي طغى على كل مناحي حياتنا هو السبب الأول والأساسي!
قصدت بهذا المثل التأكيد على حجم الإهمال الذي أصاب حياتنا في مجال المعالجات الثقافية والاجتماعية وهو ما انعكس علينا بالكثير من السلبيات، ولاشك أن تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وضعف القيم الأخلاقية في العمل السياسي واستشراء الروح الأنانية لدى عدد غير قليل ممن يتولون المسؤوليات العامة قد أنهك حياتنا، الأمر الذي يعني أننا بحاجة لثورة قيمية وإدارية ورؤى استراتيجية مدروسة بعناية لأولويات المستقبل لإصلاح مجمل الأخطاء التي أراد البعض للأسف رميها على الوحدة وكأننا إذا تمزقنا ستعود الأحوال إلى سابق عهدها من الرخاء.
< وفاء لمناضل كبير...
عرفت الراحل الكبير اللواء عبدالله عبدالسلام صبره حق المعرفة منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي عندما كان مقيله مفتوحا لجلسات رائعة يؤمها خيرة الرجال من المناضلين والمثقفين بمختلف اتجاهاتهم تعلمت فيها الشيء الكثير... كان مقيله عنوانا ومعلما لشخصيته الفريدة ولا غرابة فقد اكتسب من والده العظيم – أطال الله في عمره وأمده بالصحة والعافية – الكثير والكثير من الصفات الإنسانية والقيادية الرائعة من إيمان صادق وحب لا يتناهى لليمن وإخلاص لا يهتز للثورة والوحدة والجمهورية ونكران للذات وصدق اللسان والوفاء والبذل والعطاء والنزاهة والتضحية والصبر والترفع عن الصغائر وعزة النفس ونبل المقصد... رحمه الله رحمة الأبرار فهو كالبدر فعلا ممن نشعر بافتقادهم في مثل هذه الأيام الصعبة.

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 09:24 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/57680.htm