المؤتمر نت -
فيصل جلول* -
العيد الثامن عشر ملايين الوحدويين بلغوا اليوم سن الرشد
منذ 18 عاماً لم يكف كاتب هذه السطور عن مشاركة اليمنيين بالاحتفال الدوري بالوحدة اليمنية بوصفها حدث يستحق الاحتفال في بيئة يمنية تخلصت من وهم الحدود المصطنعة والموروثة من عهود غابرة مرة واحدة والى الأبد وفي بيئة عربية مأساوية تدعو حالها للرثاء الذي يتناسب مع وصف الشاعر»

فصرت إذا ما اصابتني سهام .. تكسرت النصال على النصال». ويستحق هذا الحدث الاحتفال قبل هذا وذاك لان الذين صنعوه وساهموا في انجازه يشعرون للمرة الثامنة عشر بأثر هذه الصناعة الفاصل في حياتهم والوعود التي يحملها لمستقبلهم. وقد خطر لي ان اعود في هذه المناسبة الى كلمات دونتها في الاعياد الماضية للمقارنة بين تقديري للوحدة من قبل وحالها اليوم. .قبل سنوات قليلة سجلت في هذه الزاوية بعض مظاهر الوعي اليمني بالوحدة في فقرات تبدو لي صالحة لهذه المناسبة ايضا وفيها حرفيا:».... ما بات يعرفه اليمني أن بلاده عادت عبر الوحدة لتمسك بزمام المبادرة للمرة الأولى في تاريخها الحديث والمعاصر منذ الاحتلال البريطاني لعدن في النصف الأول من القرن التاسع عشر. قبل الوحدة كان عليها أن تناضل من أجل البقاء على قيد الحياة بمواجهة الطامعين الأجانب و غير الأجانب.كانت خاضعة يقرر الآخرون عنها بدلا من أن تقرر عن نفسها ولنفسها.كانوا يختارون لها ما يرغبون فصارت تختار ما ترغب كان هذا البلد العريق بيد قافي سياسات الآخرين الخارجية فصار سيد نفسه وهذا الانتقال من الخضوع إلى السيادة ليس تفصيلا بسيطا يمكن عبوره بجملة عابرة.
وما بات يعرفه اليمني أن بلاده الموحدة ارتقت بسرعة في جوقة الأمم فها هي حاضرة في كل القارات على مدار العام يسعى رئيسها والمسؤولون فيها إلى تزويدها بعلاقات إقليمية ودولية لم يسبق لها مثيل من قبل. ويسعون إلى توظيف هذه العلاقات في التنمية والبناء والانخراط في الأسواق التجارية وفي التفاعل الثقافي والسياسي ويعملون على تحصينها في مواجهة مخاطر تتهدد العديد من الدول والمناطق في عصر العولمة، وهم بحق ينحتون في الصخر ذلك أن اليمن المشطور خلال الحرب الباردة لم يؤسس على الصعيدين الإقليمي والدولي شيئا يذكر وبالتالي يمكن البناء عليه، بل أحيانا كان يتوجب البدء من الصفر لذا لم يعد مستهجنا أن يلتقي الرئيس علي عبد الله صالح عددا من قادة العالم الكبار على مدار العام وهؤلاء لا يستقبلون رؤساء الدول التي لا قيمة لها ولا شيء يستحق المبادلة معها أو الرهان عليها ولا يستقبلون على سبيل المجاملة فلا قيمة للمجاملة في العلاقات الدولية بل للحسابات ولمواقع الدول والبلدان وأدوارها.
وما بات يعرفه اليمني أن بلاده الموحدة يتأسس فيها كل شيء تقريبا وأحيانا من الصفر في البنى التحتية إلى اكتشاف الثروات وتسويقها إلى حماية الشواطيء والسيادة على الحدود إلى إعادة إعمار الطبقة الوسطى إلى مكافحة الانفلات الأمني وكافة الظواهر المعيقة الأخرى إلى ترتيب الخريطة السياسية بين الموالاة والمعارضة إلى تأسيس الاعلام وتوسيع نطاق حرية التعبير إلى إشراك المرأة في الحياة العامة ومراكز القرار ... الخ.. في يمن الوحدة يمكن لليمني أن يرفع رأسه, فبلاده هي بين أقلية من العرب تُوحد ولا تُشطر, تُعمر ولا تخرب, تدعو لوحدة الصف العربي ولا تعمل على تشتيته,تدخل العصر بشجاعة ولا تقف بوجل على أعتابه, تصيب وتخطيء فلا تتبجح إن أصابت ولا تنحني إن أخطأت.».وفي مناسبة وحدوية أخرى كان لا بد من مقارنة حال اليمنيين في ظل وحدتهم وحال غيرهم من عرب القمة الرسميين المصابين بأمراض التشتت والتجزئة و الانفصال وعوارضه القاتلة وفي الفقرة التالية مقارنة لم تفقد شيئا من قوتها رغم بلوغها الرابعة من العمر وفيها حرفيا».... يفرض التزامن بين القمة العربية والعيد الرابع عشر للوحدة اليمنية مقارنة بين مناسبتين تفصل بينها دروس مختلفة في معانيها.فمن جهة تتراكم مظاهر الفشل والفرقة والعجز والتخبط والضعف والإحباط ومن جهة ثانية تجتمع إرادة الانتصار على التجزئة و تتزود تجربة ناجحة بأسباب القوة عيدا بعد عيد.هناك لا شيء يدعو للاحتفال وهنا تتعدد أسباب الاحتفال. هناك ينتشر « تبويس اللحى» و»الضحك على الذقون» وهنا يستغني الناس عن مداهنة بعضهم البعض. هناك يخشون القول الصريح ويحرثون اللغة بحثا عن عبارات المساومة ونيل الرضا من كل حكومات أهل الأرض وهنا يقول الناس كل ما في قلوبهم وأكثر ضد حكومتهم أو تأييدا لها فيأتي كلامهم تلقائيا في سلبه وإيجابه على حد سواء.هناك برهان على منهج عقيم في التوحد الشكلي الذي لا يسر صديقا ولا يرهب عدوا وهنا برهان على منهج فعال وجريء في تحقيق الوحدة والحفاظ عليها برموش العيون.»
هذه المقارنة لا تغفل المشاكل التي يعاني منها اليمن وهي كبيرة وبعضها مأساوي ومن بينها مشكلة الامية وقد سبق لكاتب هذه السطور ان تحدث عن هذه المشكلة في مناسبة مماثلة قبل سنوات قليلة وفي الحديث ما ينص حرفيا على « ..إن يمنا خاليا من الأمية هو أكثر قدرة على الإفادة من خصائصه الاستراتيجية الكامنة أو المعطلة وفي طليعتها القدرة الديموغرافية. بتعبير آخر يمكن القول إن الديموغرافيا اليمنية هي معطى استراتيجي في محيط فقير ديموغرافيا لكن هذا المعطى معطل بسبب الأمية بل هو عبء استراتيجي ومصدر لمخاطر تشد البلاد نحو الأسفل في حين أن محو الأمية يفعل الثروة الديموغرافية ويحولها إلى مصدر استراتيجي لنهضة يمنية طلبها أولئك الثوريون الذين سقطوا دفاعا عن بلادهم ضد الاستعمار والتخلف في الآن معا من اجل مستقبل زاهر لكل اليمنيين.»
لا اعرج على مشكلة الامية لحجب مشكلة صعدة فهي خطيرة وتهدد المساواة اليمنية التاريخية بين مواطني اليمن لكنها لم تتكون في رحم الوحدة وانما قبل قرون من توقيعها وبالتالي لا ارى سببا لحشرها في مناسبة وطنية بهذا الحجم. ولا اعرج على مشكلة الامية لحجب ظواهر اخرى من طراز قضية المتعاقدين او التظاهرات الفئوية في بعض المناطق او العزف المنفرد لبعض الاصوات الانفصالية. لا لن تحجب مشكلة الامية هذه المشاكل ويخطيء من يظن ان اسلوب الحجب يؤجل اندلاع قضية او يخفي الاثر السلبي لاخرى لكن بالمقابل من حق مراقب للشؤون اليمنية عن كثب ان يرى ان المشاكل المطروحة في اليمن لا تمت الى الوحدة بصلة وهي اي المشاكل يمكن العثور على ما يشبهها في بلدان منفصلة وفي دول لا تحمل هموما وحدوية ما يعني ان ربط تلك المشاكل بالوحدة ينطوي على سؤ نية لم ولا تداعب مخيلة كاتب هذه السطور.
نعم هناك قضايا انفجرت في ظل الوحدة وتحتاج الى حلول شاملة ومن بينها مشكلة الاراضي ولعل مبادرة الرئيس الاخيرة حول العقارات المتنازعة بين المالكين والمنتفعين والمستأجرين والناهبين تتوج بالنجاح غير ان وجودها يؤكد على شرعية الحل الوحدوي باعتبارها قضية موروثة من الانفصال وما قبل الوحدة..هكذا هي الوحدة اليمنية في عيدها الثامن عشر سياق متصل تنمو في تضاعيفه وتترعرع آمال موروثة منذ عهود ومطالب منتظرة منذ سنوات طويلة وطموحات متوقدة تحضر بقوة في مجالس ذوي القرار. واذا كانت الوسائل والمعالجات لا تلبي كل الطموحات وكل المطالب وكل التطلعات فلان التركة الانفصالية لعهود ما قبل الوحدة كبيرة وموروثها ضخم وبالتالي تحتاج الى جهود اكبر وامكانات اكبر واجراءات اكثر شجاعة وفعالية أي الى وحدة اكثر وانفصال أقل في بعض الرؤوس الحامية..في العيد الثامن عشر للوحدة اليمنية لااعرف بدقة حجم اليمنيين الذين ولدوا وحدويين أي منذ العام 1990 ربما يقدر العدد بالملايين واذا ما اضفنا اليهم ملايين من الشبان الذين عاشوا ودرسوا في ظل الوحدة رغم طفولتهم الانفصالية اداريا فان الحصيلة يمكن ان تشمل اكثر من ثلاثة ارباع الشعب اليمني من الافراد الذين بلغوا من قبل او يبلغون هذا العام سن الرشد. هؤلاء خلقهم الله وحدويين وللَّه حكمة في خلقه وعندما يخلق الله شعبا وحدويا فلن يكون بوسع أي من عباده الانفصاليين تغيير ارادته وقلبها رأساً على عقب.
و.............كل عام وانتم بالف خير.
*عن 26 سبتمبر
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 10:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/58038.htm