المؤتمر نت -

المؤتمرنت -
شيخ الأزهر يستهجن المطالبة بإلغاء القصاص
رفض د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر مطالب بعض المنظمات الحقوقية التي تتبنى إلغاء عقوبة الإعدام في الدول العربية والإسلامية، مؤكدا أن القصاص (الإعدام) عقوبة شرعية عادلة لمواجهة جرائم العدوان على النفس التي شاعت في كثير من بلادنا العربية والإسلامية وتمثل أبشع صور إهدار حقوق الإنسان في حياة حرة كريمة. قال د. طنطاوي في اللقاء الفكري الذي نظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر وشهده حشد كبير من شباب الدعاة: إن توفير الحماية للقتلة والمجرمين الذين يعتدون على الأرواح والممتلكات لن يحقق مصلحة لأي مجتمع على ظهر الأرض، وسيضاعف من حالة القلق والتوتر والفوضى التي تعيشها مجتمعاتنا نتيجة الانفلات السلوكي والأخلاقي، وليس من الحكمة أن ترتفع أصوات البعض مطالبة بإلغاء عقوبة شرعية عادلة مثل عقوبة القصاص، فقد شرع الله تعالى هذه العقوبة وغيرها من العقوبات وأمر بتنفيذها على المرتكبين للجرائم والمنكرات صيانة لأنفس الناس ولأعراضهم ولأموالهم.

أضاف: إن كثيرا من الناس إذا عرفوا أن ارتكابهم لهذه الجرائم سيؤدي إلى محاسبتهم ومعاقبتهم بالعقوبات الرادعة لهم امتنعوا عن ارتكاب هذه الرذائل.. أما إذا عرفوا أن ارتكابهم للجرائم سيمر دون عقوبة زاجرة، ومن دون تأديب رادع، فإنهم سيعيثون في الأرض فساداً، وسيعتدي القوي على الضعيف، والغني على الفقير، والكبير على الصغير، وبذلك ينتشر الظلم ويعم الفساد.
وطالب شيخ الأزهر المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام في بلادنا العربية والإسلامية بالتفكير العقلاني السليم في التداعيات التي يمكن أن تحدث في حالة توفير الحماية والرعاية للقتلة والمجرمين، وقال: لو أدرك هؤلاء حجم المخاطر الأمنية التي ستتعرض لها مجتمعاتنا نتيجة إلغاء عقوبة القصاص وتوفير حق الحياة للمجرمين والقتلة لما ارتفعت أصواتهم للمطالبة بذلك، لا بد أن يدرك هؤلاء أن العقوبات الرادعة للمعتدين تؤدي إلى نشر الأمان والاطمئنان في نفوس الأفراد والجماعات، ففي الحديث النبوي الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا”.. وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام “من حالت شفاعته دون إقامة حد من حدود الله تعالى فهو مضاد لله عز وجل في أمره”.. وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك إلا لأنه يدرك أن العقوبات التي شرعها الله تعالى إنما هي لنفع الناس لأنها تمنع الجرائم وتردع الطغاة، وتحقق الأمن والاطمئنان لكل فرد على نفسه وعرضه وماله وحريته وكرامته.

شعارات جوفاء

وتعجب شيخ الأزهر من الشعارات التي رفعها دعاة إلغاء عقوبة الإعدام وقال: يقول هؤلاء إنهم يدافعون عن حقوق الإنسان، أي إنسان هذا الذي يدافعون عن حقوقه؟ إنهم يدافعون عن القتلة والمجرمين والمفسدين في الأرض ويطالبون بحقهم في الحياة، أما ضحاياهم الذين قتلوا على أيديهم من دون وجه حق، هؤلاء الذين قتلوا ظلماً وعدواناً وترملت نساؤهم، ويتّم أطفالهم فليس لهم حقوق عند هؤلاء!

وأكد شيخ الأزهر أن الحق والعدل والحماية الحقيقية لحقوق الإنسان وتوفير الحياة الآمنة المطمئنة له تفرض علينا تطبيق العقوبات الشرعية الرادعة على كل المفسدين في الأرض الذين يقومون بقتل الناس واغتصاب أموالهم وهتك أعراضهم وإحداث الفوضى والإرهاب في المجتمع من دون مراعاة لأحكام الدين أو للقيم الأخلاقية أو الاجتماعية أو للكرامة الإنسانية.

جرائم يدينها الإسلام

وشدد د. طنطاوي على ضرورة التصدي لجماعات العنف التي تحمل السلاح وتعتدي على أرواح الأبرياء وتخطف وتسرق وتنهب، مؤكدا أن الإسلام لا يمكن أن يقر سلوك هذه الجماعات، فالإسلام دين رحمة وتسامح وحوار وتفاهم، والحقوق لا تؤخذ بالعنف وقوة السلاح، بل الحقوق إن كانت هناك حقوق مهدرة تؤخذ بالوسائل المشروعة. أما حمل السلاح وقتل الأبرياء وخطف الأجانب وتفجير المساجد وتدمير ممتلكات الآخرين فهذه كلها جرائم يدينها الإسلام ويطالب بمعاقبة مرتكبيها بالعقوبات الرادعة، وعقوبة هؤلاء الذين “يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض” والإسلام في ذلك لم يكن قاسيا بل كان رحيما بالمجتمع، ذلك بأن تشديد عقوبات المفسدين في الأرض يوفر للناس الأمن على حياتهم وعلى أموالهم، وعلى أعراضهم وفي أسفارهم وفي إقامتهم، ولقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة أن هؤلاء الذين يقتلون الآمنين، أو يعتدون عليهم بأي صورة من صور الاعتداء ليسوا من الإسلام في شيء، ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم “من حمل علينا السلاح فليس منا”.

وأوضح شيخ الأزهر أن حق الإنسان في الحياة هو أهم وأقدس الحقوق التي صانتها وكفلتها شريعة الإسلام، فالشريعة الإسلامية هي أكثر الشرائع السماوية حماية لحقوق الإنسان وخاصة حقه في الحياة الحرة الكريمة، ومن أجل ذلك كان موقفها الحاسم من جرائم العدوان على النفس، وكان حكمها الرادع على كل من تسول له نفسه العدوان على نفس بريئة فالقتل العمد في نظر الإسلام من أكبر الكبائر، ومن أعظم الذنوب لأن الله تعالى كرّم الإنسان، وحرّم الاعتداء عليه، ومنحه حق الحياة، فمن اعتدى على حياته بالقتل فقد استحق اللعن والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة، بدليل قول الله تعالى: “ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”. وقوله عز وجل: “أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”.


ضمانات كافية

وأوضح شيخ الأزهر أن الضمانات التي كفلتها شريعة الإسلام لتطبيق عقوبة القصاص تطبيقا عادلا من دون تجاوز أو إهدار لحقوق المقتص منه ضمانات كافية وتوفر للإنسان المرتكب للجريمة كل الوسائل للدفاع عن نفسه.. فإذا ما ثبتت الجريمة بالأدلة والبراهين الدامغة وجب تطبيق العقوبة فهذا عدل السماء الذي يعطي لكل إنسان حقه.

وأضاف: من الضمانات التي وفرتها شريعة الإسلام عند تطبيق عقوبة القصاص على القتلة والمفسدين في الأرض أن يكون القاتل بالغا عاقلا، فلا قصاص على صغير ولا على مجنون لأنهما ليسا من المكلفين، ولا من أصحاب القصد الصحيح والإرادة الحرة.. وهذا لا يمنع من أن الصبي إذا قتل غيره وجب تأديبه وزجره بالعقوبة التي يراها القاضي مناسبة.

أيضا من الضمانات التي أقرتها الشريعة لتوفير العدالة والتحقق من الجرم أن يكون القاتل مختارا غير مكره ولا مجبر، لأن كل قول أو فعل يأتي عن طريق الإكراه أو الإجبار فهو مهدر. وهذا لا يمنع بعد التحقيق مع القاتل من أن يحكم القاضي بالحكم الذي يراه عادلاً ومناسباً.

وأشار د. طنطاوي إلى أن عقوبة القصاص لا تطبق في الإسلام جزافا ومن دون اعترافات وأدلة وبراهين وشهود عدول، وقال: لا تطبق عقوبة القصاص على القاتل إلا إذا أقر إقرارا واضحا وصريحا بأنه قد ارتكب جريمة القتل، لأن “الإقرار سيد الأدلة”، كما يقولون، كما يثبت القصاص بشهادة رجلين عدلين، لأن القصاص عقوبة خطيرة تؤدي إلى الموت، فيجب أن يحتاط لها فلا يقبل فيها إلا شهادة رجلين عدلين معروفين بأمانتهما وصدقهما.

وأكد د. طنطاوي أن المطالبة بتطبيق العقوبات الشرعية وفي مقدمتها الاقتصاص من القتلة والمجرمين لا تعطي لأحد حق الافتئات على سلطة الدولة وتطبيق الحدود كما يحلو له وإراقة دماء المتهمين والمشتبه فيهم وقال: لا خلاف بين الفقهاء في أن تنفيذ الحدود.. أي تنفيذ العقوبات على المرتكب للجرائم والجنايات التي حرمها الله تعالى، هذا التنفيذ هو للحكام وأولياء الأمور في الدولة، لأن ذلك واجب عليهم حتى يستتب الأمن في المجتمع، ولو ترك تنفيذ الحدود لغير الحكام ولغير أولياء الأمر في الأمة لحدثت الفوضى، ولاضطربت الأمور، لأنه قد يتعدى بعض الناس على بعض باسم تنفيذ الحدود، فكان من الحكمة والعدل أن يكون تنفيذ الحدود على المرتكبين للجرائم من حق الحكام وأولياء الأمور في الدولة وحدهم.
*نقلا عن الخليج
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:12 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/58333.htm