هل تغير زلة لسان من مجرى التاريخ؟ المترجمون هم هؤلاء الأفراد الذين عادة لا يثير مظهرهم الاهتمام لكن لا يمكن الاستغناء عنهم حيث يجدون أنفسهم بين زعيمين عادة ما يكونان متنافسين لا يتحدثان لغة بعضهما البعض. ومهمة المترجم بسيطة، فعليه أن ينقل ما ينطق به أحد الأطراف إلى لغة الطرف الآخر سواء كانت تلك التصريحات مدحا أو تقريعا. لكن هل يمكن لزلة لسان يقع فيها مترجمو الروؤساء أن تغير من مجرى التاريخ؟ في هذا التقرير يتحدث بعض كبار المترجمين عن خبراتهم في الترجمة لقادة دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي السابق، ويعترفون بأنه في بعض الأحيان يضطرون لتحوير بعض التصريحات النارية التي ينطق بها الزعماء للتقليل من تأثيرها على الطرف الآخر الذي يستمع إلى الترجمة. إيجور كورتشيلوف الذي قام بالترجمة لبعض القادة السوفييت من خروشوف حتى جورباتشوف، كان في قمة مشواره المهني عندما تولى ترجمة محادثات قمة بين جورج بوش الأب الرئيس الأمريكي السابق وميخائيل جورباتشوف الرئيس السوفييتي السابق في نهايات الحرب الباردة في أواخر الثمانينات. ويسترجع كورتشيلوف وقائع هذه القمة قائلا: "كان الرئيسان ووفداهما يناقشان مسألة الحد من التسلح، وكانا يتبادلان تعبيرات تقنية تتعلق بحرب النجوم وما يطلق عليه مشروع السماء المفتوحة والذي كان اقتراحا مقدما من الوفد الأمريكي." وكانت العقبة في المحادثات هي التوصل لاتفاق بشأن أي الطرفين سيقدم الطائرات التي ستستخدم للطيران في المجال الجوي للطرف الآخر لمراقبة تنفيذ بنود اتفاقية الحد من التسلح التي كانا على وشك التوصل إليها. وكان للاتحاد السوفييتي رأي وللولايات المتحدة رأي مخالف تماما بهذا الشأن. ثم وصلت المحادثات إلى نقطة حاسمة دارت فيها المحادثات حول كلمتين متشابهتين تماما: الطرف المحقق والطرف الذي سيتم التحقق منه (verifying and verified) . ويفسر كورتشيلوف قائلا: "جورباتشوف، وأثناء عرضه لاقتراحه نطق واحدة من تلك الكلمتين بصورة مبهمة غير واضحة." "وقال كلمة باللغة الروسية سمعتها على أنها الطرف المحقق (verifying) وهذا كان يعني تحولا تاما في موقف السوفييت." "بدت السعادة على وجه بوش وبيكر، نظرا إلي وهما سعيدين بتغيير جورباتشوف لموقفه ليتماشى مع اقتراح الوفد الأمريكي." "لكن ولأغراض التأكد، طلبا من جورباتشوف أن يعيد عليهما موقفه وأن يؤكد ما قاله، وعندما قمت بترجمة عبارتهما للروسية قال جورباتشوف( لا لم أقل هذا. قلت إنه على الطرف الذي سيتم التحقق من تنفيذه لبنود الاتفاقية أن يوفر الطائرات)، وليس الطرف الذي سيقوم بعملية التحقق كما قمت أنا بترجمتها." "وبالطبع بعد انتهاء المقابلة اقتربت من بوش وقدمت اعتذاري عن هذا الخطأ. واستمع إلي بوش باهتمام وهز رأسه بصورة جادة ربما لتأكيد فداحة الخطأ الذي وقعت فيه وقال:(حسنا تلك هي الأخبار السيئة لكن الأخبار الجيدة هي أنك لم تتسبب في بدء حرب عالمية ثالثة) وهو يربت على كتفي بصورة ودية." لهجة قوية لكن ليست هذه هي نوعية المواقف الحرجة الوحيدة التي قد يجد المترجمون أنفسهم فيها. وعلى الرغم من صعوبة العثور على دليل على اتخاذ التاريخ مسارا آخر بسبب زلة لسان من المترجم فإن هذا لا يعني أن دورهم ليس مؤثرا. فقد تغير طريقة ترجمتهم وأسلوبهم من المناخ السائد في الاجتماعات. وماذا عن المترجم الذي لا يجد في نفسه الشجاعة ليترجم ما قاله طرف ما بنفس القوة والصراحة الجارحة، ويضطر إلى استخدام لهجة مخففة عن تلك التي يستخدمها المتحدث؟ يتذكر تشارلز باول مستشار السياسة الخارجية لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر أحد الاجتماعات التي شهدت توترا شديدا. ويقول: "يتعين على المترجم في بعض الأحيان أن يفرض رقابة على ما يقوم بترجمته للطرف الآخر." "طلبت وزارة الخارجية من مكتب رئيسة الوزراء تاتشر في منتصف الثمانينيات أن تتوجه لمقابلة رئيس الكونجو السابق والذي كان ماركسيا وشيوعيا معروفا." "ولم تكن تاتشر ترغب في الاجتماع معه لكنها وافقت بعد الكثير من محاولات الإقناع. وصل الرئيس الزائر واصطحب إلى غرفة الاجتماعات وجلس قبالة تاتشر، التي مالت إلى الأمام ونظرت إليه في حدة قائلة "أنا أكره الشيوعيين." ويضيف باول "صدم المترجم الفرنسي بهذه الجملة الافتتاحية غير اللائقة، فاضطر لتحويرها إلى "رئيسة الوزراء تاتشر تقول إنها لم تكن مؤيدة تماما لأفكار كارل ماركس"، وهو ما اعتقدت أنا أنه كان تصرفا ذكيا وشجاعا من المترجم في هذه الظروف." - مراسل الشؤون الدبلوماسية للـ(بي بي سي) نقلاً عن الـ(بي بي سي) |