المؤتمر نت - د. نبيل علي الشرجبي
د. نبيل علي الشرجبي* -
التعديلات الدستورية وما بينها
الحراك السياسي الذي تشهده اليمن وستشهده لفترة قادمة من جراء طرح مشروع التعديلات الدستورية يستحق منّا كمواطنين يمنيين أولاً وكباحثين ثانياً أن نشارك في هذا الحراك من أجل تحقيق غايات عديدة أهمها المشاركة في إخراج الدستور بشكل نجعل منه وثيقة أساسية تساعدنا على صياغة دور للدولة اليمنية الحديثة وزيادة كفاءة وفاعلية الدولة وأجهزتها المختلفة لتحقيق التنمية والرفاهية وكذا قيام وطن حر يحكم وفق سياسة مدنية وديمقراطية تكفل المساواة والمشاركة وتداول السلطة وكذا التخلص من الأوضاع الاستثنائية.
وقبل طرح الملاحظات الأساسية أود أن أشير إلى أنه توجد العديد من الملاحظات والتي قد تتجاوز نصف مواد الدستور منها ما هي ملاحظات شكلية أو إضافات أو فصل فقرة من مادة وتختلف أهمية كل ملاحظة حسب تأثيرها على الإطار العام للشكل النهائي للدستور، ولكن لضيق المساحة هنا ولعدم مناسبة طرح كل ذلك في هذه الصفحات فإننا نكتفي بوضع الملاحظات الجوهرية والتي ستعمل على إعادة وتغيير التفكير بشكل جذري وكامل في بعض مواد الدستور.

الملاحظة الأولى (الرئاسة):
أولاً: أورد الدستور في مواد عديدة أهمها المادة (116) حول من يحق له خلافة رئيس الجمهورية وذكرت المادة السابقة أشخاصاً مثل نائب الرئيس أو هيئة رئاسة مجلس الأمة ومجلس الوزراء هذا التفصيل غير متوافق مع الشروط الدستورية أو الديمقراطية فمثلاً لا يصح وتحت أي ظرف أن يتولى صلاحيات الرئيس المنتخب انتخاباً ديمقراطياً وبطريقة حرة ومباشرة شخص غير منتخب إطلاقاً مثل نائب الرئيس وهذا يعتبر تفريط في إرادة الشعب التي وضعها في شخص الرئيس كما أن ذلك يعني تحويل النظام الرئاسي إلى نظام مجلس رئاسي لو تولت الرئاسة هيئة رئاسة مجلس الأمة أو مجلس الوزراء وهذا يتطلب تغيير المادة بشكل جذري يراعي ما عقبنا عليه سابقاً.
ثانياً: ما أوردته المادة (108) فقرة (أ – ب) والمتعلقة بالجهة التي تتولى الموافقة على اختيار المتقدمين للانتخابات الرئاسية والمتمثلة بهيئة رئاسة مجلس الأمة هذا الإجراء لا يستقيم مع ما تقرره النظرية الدستورية حيث لا تجيز أن يتقدم المرشحون بطلباتهم لجهة تعتبر خصماً لهم حيث تعتبر هيئة رئاسة مجلس الأمة هي الجهة الوحيدة التي يمكن لها أن تتهم الرئيس بالخيانة وتحيله على المحاكمة وكذا يمكنها أن تتولى صلاحيته في ظروف معينة، كما أن الهيئة لن تتولى تسيير باقي العملية الانتخابية الرئاسية من ثم تتولى العملية الانتخابية طرف آخر لم يكن مسؤولاً ومشاركاً في المرحلة الأولى وهذا فيه نوع من الفصل في جهات العمل والمسؤولية ولهذا فإنه أمام المشرع اليمني خيارين:
الأول: أن ينشىء المشرع اليمني هيئة خاصة لتسيير عملية الانتخابات الرئاسية وتكون مكونة من كبار القضاة السابقين وكذا السياسيين والأكاديميين والدبلوماسيين الذين عملوا في المنظمات الإقليمية والدولية والشخصيات الاجتماعية التي لعبت أدواراً هامة في الساحة اليمنية ويوافق على الهيئة مجلس الأمة ويكون عددها فردي ولها حق الطعن في المرشحين وإعلان الفائز وقراراتها نهائية وبالأغلبية ولها حق الاستعانة بمن تشاء لتسيير مهامها ويصدر قانون ينظم عملها من مجلس الأمة.
الثاني: أن تتولى العملية الانتخابية الرئاسية اللجنة العليا للانتخابات وهي الجهة المخولة رسمياً بإدارة العملية الانتخابية في الجمهورية اليمنية.

الملاحظة الثانية (مجلس الأمة):
1- أورد الدستور في مادة جديدة أعطى بموجبها صلاحيات مشتركة للمجلسين في إقرار نفس القانون وفي حالة الاختلاف يتم تشكيل لجنة مشتركة لحل ذلك الخلاف ولكن القواعد الدستورية لا تتماشى مع مثل ذلك التقسيم والمفترض أن يتم تقسيم إقرار مشروعات القوانين على المجلسين مع إعطاء أولوية لمجلس النواب على اعتبار أنه المجلس الأكثر تمثيلاً للشعب وأنه جاء بناء على إرادة حرة من الشعب ووجود مشروعات قوانين محددة يشترك المجلسان في مناقشتها وإقرارها وذلك من أجل الخروج من حالة تكرار الاختلاف وتنازع الارادات والأدوار.
2- من المعروف أنه أثناء الفترات الاستثنائية تزداد أهمية المجالس النيابية سواء للقرارات التي تتخذ أثناء الازمات مهما كانت فهي صادرة عن الارادة الشعبية كما أن أهمية المجلس تزداد أكثر في تلك ا لظروف ولمساعدة رئيس الجمهورية في تجاوز تلك الظروف ولهذه الأسباب ولغيرها فإنه يجب على المشرع اليمني أن يضيف مادة في الدستور بعدم جواز حل المجلس في تلك الظروف الاستثنائية.
3- أصبح للقطاع الخاص دور هام في مساعدة الدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهذا الدور أصبح مفهوماً جداً وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الدولية الجديدة ولكن ما لا يفهم كيف أغفل المشرع في الدستور أن يخضع القطاع الخاص لرقابة السلطة التشريعية.

الملاحظة الثالثة (مجلس الوزراء):
في أغلب دساتير العالم يعطي رئيس المجلس خصوصاً والمجلس عموماً أدواراً أكبر وأهم مما أعطي له بموجب الدستور اليمني وخاصة أنه أصبح من مهماته النهوض بالأمم والشعوب وأنه من خلال المواد 132و 137 والتي نصت على أن مجلس الوزراء هو مشارك ثاني ومساعد لرئيس الجمهورية في أغلب ما يقوم به وكأن المجلس أصبح موظفاً أدارياً عند رئيس الجمهورية بمعنى آخر المجلس ليس له منفرداً صنع وإقرار السياسة العامة ومع ذلك فإن الدستور أجاز لمجلس الأمة إسقاط الحكومة وحجب الثقة عنها بسبب سياسة هو غير مسؤول عنها منفرداً ولذا فإنه يمكن إجراء تعديل دستوري يراعي وضع ما سبق.
الملاحظة الرابعة (السلطة الرابعة):
ستكون السلطة المحلية واحدة من اعقد المشكلات التي قد تطفو على السطح السياسي في المراحل القادمة أن لم يتم أخراج قانون السلطة المحلية بشكل يلبي الطموحات ويعزز الاستقرار ويقوي دور الدولة اليمنية على المستويين الداخلي والخارجي ويمكن أن نسجل الملاحظات التالية:-
1- أغفلت المادة-146- طريقة إنتخاب المحافظين وكذا شروط الترشيح مثلما عمل الدستور وذكر طريقة وشروط انتخاب باقي المسؤولين مثل رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب وكذا شروط الترشيح لتولي المناصب العليا مثل أعضاء المحاكم وأعضاء مجلس الوزراء، بل أن الدستور قد وضع شروط ممارسة الحقوق الانتخابية للمواطنين فلماذا أغفل الدستور وضع شروط وطريقة انتخاب المحافظين.
2- كما أن الدستور أغفل الحديث عن ممارسة أي دور رقابي على أعمال السلطة المحلية ومن المفترض أن تكون الرقابة على أعمال السلطة المحلية أكبر من الرقابة على أية جهة أخرى وذلك لما لطبيعة الدور الذي ستقوم به السلطة المحلية وإذا كان لنا من إقتراح هنا فإنه يمكن أن يتولى تلك المسؤولية الرقابية مجلس الشورى تحديداً على إعتبار المجلس هو المسؤول الأول عن رعاية وتطوير وتقويم تجربة السلطة المحلية.

الملاحظة الأهم الدستور (القانون):
من المعروف في جميع المدارس السياسية أو القانونية أنها تعطي أولوية وأهمية أكبر للدستور على ما عداها من القوانين حيث يعتبر الدستور هو الوثيقة الأولى التي تفصل في حالة تنازع السلطات أو القوانين ولكن الذي أتى في بعض أهم مواد الدستور اليمني أن المشرع اليمني قيد الدستور بالتشريع القانوني الذي يصدر من السلطات الاخرى وهو تقييد مبرر، بل أن بعض مواد الدستور تجور على الدستور نفسه والمفروض أن يكون النص الدستوري هو من ينظم القانون وكذا يحدد كيفية الوفاء بكل المبادئ الخاصة والعامة، سواءً المتعلقة منها بالحقوق والحريات أو في تنظيم الحياة العامة ولو حاولنا أن نورد بعض الامثلة على ما ذكرنا سابقاً فإننا نكتفي بالتالي:-
1- تنظيم حرية الصحافة وإصدار الصحف وإنشاء القنوات الإعلامية.
2- ماورد في المادة121 من حق رئيس الجمهورية في إعلان الطوارئ.
3- ما ورد في المادة 126 بشأن إجراءات ترشيح وانتخاب أعضاء مجلس النواب.
4- كل مواد السلطة المحلية قيدت بالقانون وليس بالدستور.
وقبل الختام نؤكد أن كل ما ذكر سابقاً لا يعد نقداً أو انتقاصاً من الدستور بل هو من قبيل التشجيع على فتح باب الحوار وإجراء النقاش وتقديم المشورة من اجل إخراج الدستور بأفضل حلة وجعله وثيقة يقوى بها المجتمع اليمني ويقوى الدستور بنفسه.

# أستاذ مساعد العلاقات الدولية
كلية التجارة والاقتصاد - الحديدة

*نقلا 26 سبتمبر
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 13-نوفمبر-2024 الساعة: 12:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/61342.htm