من يبني ليس كمن يهدم بإعلان اللجنة الوزارية المكلفة بإعداد مشروع استراتيجية الحكم المحلي واسع الصلاحيات الانتهاء من مهمتها في صياغة التصورات الخاصة بهذا المشروع، وإقرارها في الاجتماع الذي عقدته يوم أمس برئاسة دولة الدكتور علي محمد مجور إحالة المشروع إلى مجلس الوزراء، يتعزز رصيد بلادنا من الإنجازات التي تضمنها البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح بإضافة هامة ونوعية، ستنعكس بمردودها الإيجابي في تسريع وتائر التنمية وتطوير النظام الديمقراطي وتوسيع المشاركة الشعبية في إدارة الشأن المحلي، وترسيخ أركان الدولة الحديثة، وتهيئة السبل التي تؤهل وطننا لارتياد مكانته اللائقة بين الأمم، ومواكبة التحولات المتسارعة التي يشهدها العصر الحديث بثقة واقتدار وعزيمة قوية لا مجال فيها لعوامل التردد والتقاعس والخمول والجمود. وفي قراءة متأنية ومتمعنة لمضامين وأبعاد الاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي واسع الصلاحيات تدرك حقيقة أن أهم ما يميز هذه الاستراتيجية هو إلمامها واستيعابها لكل المعطيات التراكمية التي تمهد الطريق أمام شعبنا للانتقال من الديمقراطية الناشئة إلى الديمقراطية القابلة للنمو والاستمرارية والتطور، وبلوغ غاياتها المنشودة في مناخات وأجواء نقية لا تعكرها شوائب الممارسات القاصرة وكوابح المفاهيم الضيقة، ولا تعيق مسارها المراهنات البليدة التي تبني حساباتها التكتيكية على بعض المشاريع الصغيرة. وإلى جانب كل ذلك يمكن القول أنه وبإنجاز هذه الاستراتيجية تكون القيادة السياسية قد أوفت بأهم ما وعدت به أبناء شعبها، أكان ذلك على صعيد الإصلاحات السياسية والديمقراطية والتشريعية والقضائية والمالية والإدارية، أو على نطاق بناء الإنسان ومكافحة الفساد والفقر والبطالة. وتبرز مؤشرات هذه الثمار في جملة من الخطوات التي تمخضت عن إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى ومنح السلطة القضائية الاستقلالية التامة، وإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، ولجنة أخرى للمناقصات والمزايدات، وإعادة هيكلة العديد من الهيئات والمؤسسات العامة، واعتماد مبدأ الشفافية عند مناقشة المشاريع المالية للدولة، والعمل على إجراء أول انتخابات للمحافظين، ليس على مستوى اليمن، وإنما على مستوى المنطقة العربية بأكملها. وبالتلازم مع تلك الحزمة من الإصلاحات تبرز أيضاً مجموعة كبيرة من التحولات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، لعل أهمها ما قطعته الحكومة من أشواط في إطار توفير البنية الملائمة لجذب الاستثمار وإقامة المناطق الصناعية، والشروع في بناء المدن السكنية للشباب وذوي الدخول المحدودة، وتوسيع نطاق دائرة المشمولين برعاية الضمان الاجتماعي، وغير ذلك من الأهداف التي وجدت طريقها إلى التنفيذ، وهو ما يبرهن على أن تلك الوعود التي حملها البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية لم تكن وعوداً انتخابية أريد بها دغدغة عواطف البسطاء أو كسب أصواتهم، بل أنها مثلت التزامات واستحقاقات للشعب كان لابد من الوفاء بها كما هو عهدنا دائماً بابن اليمن البار الرئيس علي عبدالله صالح، الذي لم يَعِدْ بشيء إلاّ وأوفى به. ويتضح في هذا السياق الفرق الشاسع بين من يخوض معركة البناء والتطور والتحديث، وبين من يسخر طاقاته وجهوده لصناعة الأزمات وتأجيج الفتن وتشويه الحقائق وإحياء النزعات المناطقية والعنصرية والجهوية، والتشجيع على إعادة إنتاج رواسب الماضي المتخلف. ورغم البون الشاسع من التناقض بين الحالتين، فإن من حسناته أنه مكن شعبنا من الوقوف على الحقائق مجردة من الرتوش والأصباغ. وها هي ملامح صورة هذا المشهد تقدم تعبيرها بتمسك من يخوض معركة البناء بنهجه في إنجاز ما ينفع الناس ويخدم مصلحة الوطن، غير مكترث بنعيق التشكيك وأباطيل الزيف وزفير الشعارات مستمداً قوته من إرادة هذا الشعب. وفي المقابل لا غرابة إن ظلت تلك الأصوات الناعقة بالخراب تسبح عكس التيار، تحركها أنانيتها ونوازعها وأطماعها وأحقادها على الوطن. ولا نعتقد أن أحداً يجهل حقيقة هؤلاء الذين يخلو تاريخهم من أي إنجاز. ولأنهم قد عجزوا عن تقديم شيء نافع لوطنهم، فإنهم يحاولون اليوم العودة إلى الأضواء عبر المزايدات والتشكيك والافتراءات وتضليل وعي الناس، وإذكاء النعرات المتخلفة دون إدراك منهم أن الزمن قد تغير وأن أحداً لم يعد يصدقهم. ولأنهم قد أدمنوا على الأخطاء والخطايا، فقد افتقدوا مع الأسف الشديد حاسة الشعور بفضيلة الصمت حينما يكون الصمت معبراً عن رشاد العقل، وحكمة الإنصات عندما يكون الإنصات أفضل بكثير من الإيغال في الثرثرة والتهريج. |