الهروب من المسئولية الوطنية إعلان احزاب المشترك مقاطعتها لمرحلة إعداد وتحرير ومراجعة الجداول الانتخابية »القيد والتسجيل« وهي أول مراحل العملية الانتخابية، أحدث صدمة شديدة لكل المتابعين والمهتمين وكذا قواعد هذه الأحزاب خاصة وأن هذا الاعلان قد جاء بمثابة اعلان صريح عن تخلّي هذه الأحزاب عن واجبها الوطني وعن برامجها وأهدافها ومبادئها التي قامت من أجل الانتصار لها، ومن أبرزها العمل من أجل اثراء الممارسة الديمقراطية وتجذيرها في صفوف الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية من الديقمراطية.. كما أنه -أي هذا الاعلان- قد قدَّم الصورة المضطربة لهذه الأحزاب وعدم ايمانها بالديمقراطية والتعددية السياسية والمرتكزة على مبدأ قوي وثابت هو مبدأ التداول السلمي للسلطة. وموقف كهذا يدلل على فظاعة ما ترتكبه أحزاب المشترك في واحدة من أبرز حقوق شعبنا المتمثلة في الحق الانتخابي الذي يكفله الدستور والقانون وهو حق يحتم عليها أن تكون دوماً وأبداً منتصرة له حتى يتمكن كل مواطن يمني تنطبق عليه الشروط القانونية من ممارسة هذا الحق وفق الأسس والقواعد التي ينظمها الدستور والقانون.. وتلك مهمة تقع على عاتق هذه الأحزاب باعتبار أن أي تقصير في هذه المهمة الوطنية يضعها في طور المساءلة من قِبل فعالياتها وقواعدها بل ويجعلها تحت المجهر من قِبل كل متابع ومهتم يضع دورها هذا كترمومتر لقياس مدى انتصارها للممارسة الديمقراطية وعلى مختلف جوانبها. وحقيقة أن اعلان احزاب المشترك مقاطعتها للمرحلة الأولى من مراحل العملية الانتخابية »القيد والتسجيل« دون اعلانها مقاطعة العملية الانتخابية برمتها قد مثَّل اخفاقاً جديداً ما بعده اخفاق بل مثَّل فضيحة سياسية جعلتها -أي هذه الأحزاب- تقف موقفاً محرجاً ومخزياً لكونها قد جاءت بما لم تجيئ به مختلف أحزاب الدنيا من موقف غريب يبعث في الوقت ذاته على الدهشة والاستغراب لقرارها هذا الذي جاء ليؤكد جملة من الحقائق التي تدحض تماماً كل ما اعتادت عليه من ترديد مفردات ومقولات تتغنى من خلالها بالديمقراطية وتصوّر من خلالها التزامها بمُثلها وقيمها. وإزاء ذلك نتساءل عن الأسباب والحيثيات التي دفعت هذه الأحزاب الى اتخاذ قرار عدم المشاركة في عملية القيد والتسجيل.. وعمَّا اذا كان هذا القرار قد جاء ليعكس ايمانها بالعملية الانتخابية وعلى مستوى كافة مراحلها..؟ تساؤلات عدة نجد أن كل المهتمين والمختصين ليسوا في حاجة الى بحث ودراسات مستفيضة حتى يتمكنوا من بلوغ الاجابة الناجعة لها.. فالمسألة هنا من السهولة بمكان ما يجعل من كل متابع ومهتم وحتى رجل الشارع البسيط يلم بالأهداف التي حاولت هذه الأحزاب بلوغها من خلال اتخاذها هذا القرار، ويؤكد ذلك بصورة جلية أن قرار مقاطعة هذه الأحزاب لمرحلة »القيد والتسجيل« دون غيرها من المراحل الانتخابية الأخرى يدل على أنها غير مؤمنة بالعملية الانتخابية بل والنظر الى هذه العملية كواحدة من محطات الاستغلال والابتزاز الذي تمارسه من أجل تحقيق أجندة ومصالح ذاتية ضيقة ودون أي اكتراث أو اهتمام بمصلحة الوطن العليا ومتطلبات تطوير وتحديث تجربته الديمقراطية.. وهذا يعني أن هذه الأحزاب عندما لم تجد من يستمع لأجندتها الخاصة، وعندما وُوجهت بمطالب مسئولة ودعوات صريحة للاحتكام الى صندوق الانتخابات باعتباره الوسيلة الحضارية الأكثر قدرة وتعبيراً عن ارادة الناخب اليمني، وجدت نفسها -أي هذه الأحزاب- أمام خيارين: إما أن تسير باتجاه الصندوق الانتخابي أو السير باتجاه المزيد من التمترس لتحقيق مصالحها.. وقد اختارت للأسف الشديد خيار الانتصار لمصالحها بالرغم من ادراكها العميق لخطورة انتصارٍ كهذا وما سيحدثه من تأثيرات وتداعيات خطيرة على حاضرها ومستقبلها.. وها هي اليوم هذه الأحزاب تحصد نتائج مغامرتها هذه حيث تواجَه اليوم باستهجان شعبي عارم كونها كما اسلفنا قد تخلت عن واحدة من أبرز مهامها ذات العلاقة بالعملية الديمقراطية وتعزيز تجربتها في البلاد. وهي ردود أفعال من القوة والصلابة ما جعل من هذه الأحزاب غير قادرة اليوم على المناورة السياسية والاعلامية بالرغم من قولها إن اعلان مقاطعتها لا يعني مقاطعة العملية الانتخابية برمتها.. وباعتبار أن اعلان المقاطعة الجزئي للانتخابات من قبل هذه الأحزاب يمثل خط رجعة لها للتخفيف من وطأة السخط الشعبي والجماهيري لها خاصة من قبل قواعدها فإنها وباختيارها لخط الرجعة هذا قد زادت الطين بلة وزادت من حدة السخط ضدها وبصورة أكبر وأشمل ذلك أنها قد أكدت وبصورة لا تبعث على الشك أنها وبمقاطعتها لمرحلة القيد والتسجيل قد وجهت صفعة قوية للرأي العام لأنها قد تخلت عن أبرز وأهم مراحل العملية الانتخابية والمتمثلة في عملية اعداد وتحرير ومراجعة الجداول الانتخابية، وهي المرحلة التي تتطلب من الجميع المشاركة حزبيين ومستقلين من أجل انجاحها حتى يظل الجدول الانتخابي أكثر قدرة على التعبير عن الشفافية والنزاهة وبصورة تجعله القاعدة القوية والصلبة التي يعول عليها في بلوغ عملية انتخابية معبرة تماماً عن ارادة الناخب. وهي إرادة لابد من التأسيس القوي لها من خلال مرحلة القيد والتسجيل وهذا يعني أن استهتار أحزاب المشترك بهذه المرحلة لا يعني سوى أنها تؤكد للرأي العام أكثر من أي وقت مضى أن كل ما قالته وتباكت عليه خلال الدورات الانتخابية الماضية عن الجداول الانتخابية لم يكن سوى افتراء وكذب ودجل على الرأي العام بدليل أن مقاطعتها لهذه المرحلة قد أكد انتصارها لمصالحها على حساب الانتخابات، وهي مصالح بالنسبة إليها أهم من مرحلة إعداد وتحرير الجداول الانتخابية وبكل ما تمثله من أهمية وضمانات قانونية في القيام بعملية الادراج والحذف والاضافة للجداول الانتخابية. وباعتبار أن هذه الأحزاب وبمقاطعتها لهذه المرحلة مستعدة في الغد القريب لأن تشارك في المراحل الانتخابية المتبقية اذا ما حصلت على المغانم التي تسعى من أجلها وعكرت بسببها الأجواء السياسية، فإنها وفي حال افتراضنا هنا ببلوغها لمغانمها هذه فإنها ستكون مطالبة أولاً أمام قواعدها ومن ثم أمام الشعب بالاعتذار الكامل للعمليات الانتخابية السابقة، لما قامت به من تجهيل وتضليل وتشويه للجداول الانتخابية بل والتعمد على تجريد هذه الجداول من النزاهة والشفافية والشكوى المتكررة منها وبمرارة والى حدود لم تصل معارضة في العالم الى ما وصلت اليه من شكوى وتباكٍ. وهنا نسأل هذه الأحزاب وبدرجة عالية من الشفافية، هل مشاركتكِ في المراحل المتبقية للعملية الانتخابية مثل مراحل الترشيح والدعاية الانتخابية أجدى من مشاركتك في مرحلة القيد والتسجيل؟! تساؤل يجيب عنه رجل الشارع البسيط الذي كان ومازال يتمنى لو أن هذه الأحزاب قد تعاطت مع مرحلة القيد والتسجيل فقط دون غيرها من المراحل المتبقية ذلك أن يعتبرها المرحلة الأهم بل ينظر اليها كمرحلة الضمانة الانتخابية الحقيقية المجسدة لنزاهة وشفافية العمل الانتخابي. إذاً أحزاب المشترك وبفعلتها هذه أضحت اليوم في مأزق تاريخي أوصلها اليه جشعها ورغباتها الابتزازية التي جعلت من نشاطها يتجرد تماماً عن كل مُثل الديمقراطية والانتخابات.. وهو مأزق لن يؤثر من قريب أو بعيد على الممارسة الانتخابية فالجماهير العريضة التي تبدي تفاعلها اليوم مع الاستحقاق الانتخابي القادم سوف تواصل تفاعلها وستضرب بعرض الحائط بدعوة أحزاب المشترك لمقاطعتها وستعمل مع كافة الأحزاب التي التزمت أمام الجماهير وقواعدها بالتعاطي المسئول مع العملية الانتخابية والتمسك بالموعد الدستوري لاجرائها.. وسوف يسجل الجميع خلال مرحلة القيد والتسجيل أبرز معالم التفاعل والتلاحم مع العملية الانتخابية وعلى مستوى كافة المتطلبات القانونية في الادراج والحذف حتى يصل الجميع الى بلوغ جدول انتخابي على درجة عالية من النزاهة.. كما إن لسان حال الجماهير اليوم يقول لأحزاب المشترك أن أي تباكٍ في الغد القريب على الجداول الانتخابية لن يمثل سوى موقف سطحي للوطن وانسانه وإضرار فادح بعمليته الديمقراطية. وتلك نتيجة منطقية للجماهير التي لم ولن تسمح لنفسها أن تسمع بعد اليوم من الذين قاطعوا الانتخابات في أبرز وأهم مراحلها ذات العلاقة بالجداول الانتخابية أية هرطقات وادعاءات بشأن هذه الجداول.. وخلاصة أن احزاب المشترك وبموقفها هذا قد أعفت تماماً كل من كان ومازال يتصور أنها أحزاب مازالت تتمتع بمسئولية وطنية، وهو تصور سرعان ما تلاشى بفعل ممارستها اليوم التي أضرت كثيراً الوطن وتجربته الديمقراطية. والغد القريب كفيل بأن يكشف المزيد من الفضائح والممارسات اللامسئولة لهذه الأحزاب. |