إصرار رئيس الجمهورية على الحوار مع المعارضة إن تكليف رئيس الجمهورية للدكتور عبدالكريم الإرياني بالحوار مع أحزاب اللقاء المشترك يحمل دلالتين أولهما تحديد المهام الكبرى للمستقبل القريب والمتوسط معا انطلاقا من حتمية مواجهة مشكلات التحول الذي تعيشه اليمن وثانيهما التأكيد على ان الديمقراطية ليست مجرد شعار بل هي منظومة متكاملة قوامها احترام الاغلبية وأن الخلاف حول بعض القضايا لا يعني الخصومة الشخصية وانما هو إثراء للتعددية السياسية. من المؤكد أنه كلما كان أسلوب الممارسة الديمقراطية ملائما ويتسم بالشفافية كان هناك ازدهار ديمقراطي تعكسه المناقشات. وفي حقيقة الأمر فإن الحوار وجدية يتوقف على الوسيط المخول بإدارة هذا الحوار وهو مطالب بأن يكون بعيداً عن التحيز ولابد من ان يلعب دوراً إيجابياً في تطوير الآراء والمقترحات وأن يسهم إسهاماً ايجابياً في تقريب وجهات النظر. ومما لا شك فيه أن العبء الأكبر ملقى على كاهل الدكتور الإرياني فهو مطالب بفهمه الكامل لنقاط الخلاف ومختلف القضايا التي يمكن الحوار عليها وعليه أن يكون صبورا مع هذه الأحزاب وأن يذهب معها إلى أقصى ما يمكن حتى نتمكن من استعادة لغة ومنهج الحوار الصحيح واستعادة إحساسنا بأننا شعب كان له حضارة قامت على الحوار وإبداء الرأي ولكي ننمو بعقولنا وبلاغة حجتنا ونقف على أرضية ثابتة تمكننا من الحوار ومواصلة التطلع لمستقبل أفضل والابتعاد قدر الإمكان عن الجدل العقيم وتفويت الفرصة على أولئك الذين يريدون تجاوز الواقع وتغييب منهج الحوار وشدنا إلى الوراء وحقن الأجواء السياسية بالخلافات المجانية والنكوص عن الديمقراطية. على الإرياني أن يكون صبورا فهو يواجه أحزابا يغلب عليها الجدل والعناد على حساب المنطق والحوار وعدم رغبتها في القبول بالشروط الأساسية التي ينبغي توافرها لتغليب لغة العقل والاحتكام للمنطق عند مناقشة القضايا التي تهم الرأي العام. نحتاج في الوقت الراهن إلى استعادة لغة الحوار لأن أي مجتمع يسمح بضياع الخط الفاصل بين الحرية والفوضى هو مجتمع يحكم على نفسه بالتمزق والصراع واستهلاك الجهد بعيداً عن القضايا المهمة والأساسية وعلى القوى السياسية جميعها أن تدرك أن الحوار إذا غاب فإن كل شيء يغيب معه ويحل الخوف محل الأمان ويصبح القهر بدلاً للاقتناع كما يصبح الكذب سبيلا تتوارى معه كل سمات الصدق لأن الحوار إذا غاب تصبح لغة المصالح والأهواء الشخصية هي السائدة وبذلك تتشتت مصالح الوطن وتتسع دائرة الصراع وتتعطل التنمية. نحن ندرك أن الضعفاء والمهووسين بحب الذات هم أعداء طبيعيون للحوار الذي هو حجة في مقابل حجة وعقل يحاور عقلاً ومنطق يجادل منطقاً أما الانفلات والفرقعة الإعلامية فذلك أمر لا يليق بأحزاب مضى عليها أكثر من نصف قرن من الزمن ولا يتواءم مع الديمقراطية السليمة التي تقوم على الحوار وتنتهي باتخاذ القرار الذي تتفق عليه الأغلبية ويلتزم به الجميع في ما بعد. بوضوح شديد إن المقاطعة ليست في مصلحة الوطن ولا الديمقراطية فهناك خط أحمر اسمه المصلحة العامة التي تسبق كل الأشياء ومن ثم لا بد من الحفاظ عليها وعدم السماح لأحد بأن يتجاوزها تحت أي مسمى وتحت أي ذريعة، فالانتخابات القادمة قضيتنا وهي التحدي الحقيقي لنا حتى نفوت الفرصة على من يريدون وضع بذرة الفوضى والتطرف والأفكار الهدامة فوق تربة الوطن. علينا أن نراهن على مستقبل مزدهر للديمقراطية بعيداً عن تربصات الكارهين لها والباحثين عن دور يلفت الأنظار حتى ولو أدى الأمر لارتداء ملابس المهرجين. إننا مطالبون في الوقت الراهن بتغذية مشاعر الحب في ما بيننا وخاصة داخل الأحزاب السياسية ومحاربة كل أشكال الكراهية والتعصب والخصام فالحب فضلاً عن أنه ضرورة لاستمرار الحياة، هو عادة غريزية يمكن تنميتها بوصفها أحد مقومات البناء الاجتماعي.. وكلما نجح المجتمع في الانتصار للحب على الكراهية كان مجتمعاً قوياً متماسكاً مهما تعددت الرايات وتنوعت الرؤى والاتجاهات. عندما يزدهر الحب تزدهر ثقافة المجتمع فالثقافة موروث اجتماعي شأنه شأن الحب فكلاهما ينمو ويتجذر كلما كان المناخ صافيا وكلاهما يذبل ويموت كلما تعكرت الأجواء بالسحب السوداء وسادت الفوضى. إن سلاح الحب والتسامح ونبذ الكراهية أقوى من أي سلاح تواجه به الشعوب أمراضها الاجتماعية وعللها السياسية فالبعض يعتقد أن الكلمات الغاضبة والنقد الجارح هما الديمقراطية وهذا غير صحيح لأن توظيف الكلمة تحت ظلال الديمقراطية باتجاه زراعة الحب ولا ننسى أن السياسة تظل أوسع وأشمل من أبواب الحروب والصراعات والمكايدات واقتناص الأخطاء. أخيراً يمكن القول إن الشعوب الحية لا تكف أبداً عن الحوار حتى يصبح واحداً من صور الحياة نفسها وواحدة من أدوات التفاهم لبناء الإجماع والتوافق الوطني حول القضايا المعقدة وهنا أدعو المؤتمر الشعبي واللقاء المشترك لأن يلم كل طرف بنقاط الخلاف ويعرف ما كان غائباً من تفاصيلها من خبراء مشهود لهم بالمعرفة والبحث عما إذا كان هناك سياسة من نوع أو آخر تصلح لتغيير الأوضاع. *عن الثورة |