المؤتمر نت - عباس الديلمي
عباس الديلمي -
شهداء الوحدة وحقوق الأجيال
عند قيام الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر62-1963م) كنت وأقراني وأترابي في سن الطفولة- لاندرك تماماً معنى النضال المسلح في سبيل الوطن والمبادئ.. ولا حجم الفاجعة بفقدان الشجعان من المقاتلين.
كنت أسمع ان سقوط الشهداء يزيد من عدد الرجال الشجعان اما ما يتركه فقدانهم من حزن وألم فكنت أراه في عيون بل وجوه من حولي من الرجال والنساء.
شاهدت ذلك في مدينة ذمار عند ما جاء نبأ استشهاد ابن عمي المقدم طيار محمد محمد الديلمي، وعند استشهاد الشيخ عبدالمنان الشغدري من ودعني بعد ان انتهى من الحديث مع المقاتلين من أبناء قبيلة عنس ووضع نصف معبر في يدي وهو يقول: (بلغ امك فلانة سلامي وقل لها: قال خالي عبدالمنان ادعي له).
شاهدت الحزن والألم لرحيل الأبطال في عيون الناس وأنا في مدينة تربة ذبحان بالحجرية يوم اذاعة خبر استشهاد النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، وفي مدينة تعز يوم استشهاد الشيخ محمد علي عثمان..حيث رأيت الحزن في عيون الناس قبل ان اراه في وجه وعيون ابنه الصغير أحمد زميل دراستي في المرحلة الثانوية.
شاهدت ماذا يفعل الألم والحزن لخسارة الأبطال.. في حالات كثيرة، ولكني لم أشاهد ألماً وحزناً أبلغ وأعمق مما رأيت يكسو وجوه ابناء مدينة ذمار جراء سقوط العشرات من الشهداء الأبطال من مقاتلي جبهة التحرير في نقيل يسلح.. ومعظمهم ان لم يكونوا جميعهم من ابناء المحافظات الجنوبية.
أولئك الشهداء الأبطال الذين هبوا لفك الحصار عن صنعاء العاصمة التأريخية لوطنهم.. منذ تفتحت مداركي وعرفت الانتماء السياسي وأنا-كغيري- لا أضعهم إلا في عداد شهداء الوحدة.. قبل النظر اليهم في اطار شهداء الثورة والجمهورية.
الحال نفسه بالنسبة للأبطال من مقاتلي الجبهة القومية وبعض المحافظات الجنوبية والشرقية الذين كان لهم مجد الشهادة في محافظة حجة وغيرها من المحافظات الشمالية والغربية.. حقاً انهم وهبوا ارواحهم الطاهرة دفاعاً عن ثورة ال«26من سبتمبر» الخالدة وما تعرضت له من مؤامرات وهجمة شرسة.. الا اني اضعهم اولاً مع شهداء الوحدة.. والنضال على سبيل استعادة وحدة الارض التي عمل المستعمر البريطاني على تعميق تشطيرها وتقسيمها الى سلطنات ومشيخات..
انها واحدية الثورة والهدف.. او الأهداف التي يتصدرها هدف استعادة وحدة الوطن وامتلاك الهوية السياسية الواحدة.. ولهذا نرى حضور ابناء المحافظات الشمالية والوسطى بين قيادات وفدائيي وشهداء النضال المسلح لاخراج المستعمر البريطاني من جنوب وشرق الوطن وازالة آثاره ومخلفاته.. ونشاهد الأمر نفسه مع ابناء المحافظات الجنوبية والشرقية في شمال الوطن، وعليه فهم من شهداء الوحدة -واحدية الثورة- وهدفها الوحدوي ما جمع الكل.. الى أن تحقق النصر والرسوخ للثورة، وتواصل المسير الى أن كان الانجاز اليماني العظيم في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
قد يقول قائل: اذا ما كانت الوحدة في صدارة اهداف ومهام الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) فلماذا لا تحقق الوحدة اليمنية بعد انتصار الثورة وطرد المستعمر البريطاني مباشرة.؟
الاجابة باختصار.. لقد واجهت الثورة في شمال الوطن مؤامرات واعتداءات تمثلت في حرب متواصله لسبع سنوات.. ومثلها تعرضت الثورة في جنوب الوطن والجميع يعرف ذلك، ولهذا كانت صنعاء ترى في عدن عمقاً استراتيجياً لها.. وكذلك بالنسبة لعدن.. وكان البعض يرى ان الوحدة لو تمت، وسقطت صنعاء في ايدي القوى الملكية خلال حصار السبعين لسقطت معها كل اليمن.. وعليه يفضل ان تكون عدن نقطة انطلاقة ثورة تستعيد ما يتطلب الأمر استعادته..
بعد ذلك حدث ما حدث من مستجدات وتغيرات سياسية وما اسميت بالحركات التصحيحية في الجنوب والشمال.. وتباين التوجهات الاقتصادية.. الخ
واذا ما كانت تلك التطورات قد ادت الى تأخير استعادة وحدة الأرض فانها في الوقت نفسه قد ادت الى مواصلة الجهود نحو الهدف الاسمى واستعادة وحدة الوطن وان بالقوة حيث اندلعت حربان بين الاشقاء باسم وحدة الوطن، كما ان التحركات الوحدوية قد تواصلت بلجانها المختلفة الى ان كان للشعب اليمني ما اراده وصمم عليه ورفع علم الوحدة في اليوم الخالد خلود اليمن 22مايو 1990م هذا ما نختصره لنقول لمن لا يخجل من حديث عن انفصال او مصالح ذاتية يضعها فوق مصالح شعب باكمله: بأية عقلية تتحدث وبأي دوافع تتحرك.. وبأي دماء تستهتر.. وما موقفنا امام شهداء الوحدة.. ان تساهلنا بمن يتاجر بدمائهم ومبادئهم.. انه الوطن لنختلف في كل ما تسمح به مساحات الاختلاف.. الا الوطن وحقوق أجياله علينا.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 30-نوفمبر-2024 الساعة: 11:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/69700.htm