الحكم المحلي كامل الصلاحيات هو البديل الحقيقي شهدت محافظات الجمهورية خلال الايام الماضية مؤتمرات فرعية للسلطة المحلية تخللتها مناقشات ساخنة لسبل الانتقال الى الحكم المحلي ومعالجة الاحتقانات التي تشهدها المحافظات الجنوبية التي كانت تنضوي في اطار دولة توحدت في الثاني والعشرين من مايو 1990م مع الدولة التي كانت تضم المحافظات الشمالية . وبالنظر الى أن الأفكار التي تم تطرحها للنقاش كأساس لصياغة رؤية استراتيجية وطنية للحكم المحلي تعرضت لنقد واسع وشديد في المؤتمرات الفرعية للسلطة المحلية وخاصة في العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن ومحافظة أبين ، فقد بادر فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الى توجيه الحكومة بسرعة اعداد استراتيجية وطنية للحكم المحلي وترجمتها الى برامج وآلية عمل مع مراعاة ضرورة الاستفادة من الايجابيات والسلبيات التي تراكمت خلال الفترة الماضية . وتاسيسا على ذلك أود أن أتقدم بالملاحظات التالية : تضمنت رؤية الإستراتيجية الوطنية أنها جاءت لتطبيق ما جاء في القرارات والتوصيات التي خرجت بها المؤتمرات السنوية الأربعة السابقة للمجالس المحلية بهدف تعزيز تطبيق اللامركزية وهذه القرارات والتوصيات لم يسبقها أي عمل تشخيصي أو تقييمي لتجربة نظام الحكم المحلي وهذا بالطبع يؤكد لنا أن رؤية الإستراتيجية الوطنية للحكم المحلي استندت إلى رؤية متخبطة فيما يخص تحديد نظام الحكم المحلي هل هو واسع أم كامل. تشير الإستراتيجية إلى أنها تتويج لمطالب القوى السياسية وهنا يبرز سؤال ملح هل هذه الإستراتيجية عرضت على مختلف القوى السياسية بحيث أننا نصادر حقوقهم ونزعم بأنها أتت لتلبية مطالبهم. أكدت الرؤية الإستراتيجية للحكم المحلي بأنها ستواجه كثيراً من التحديات تتطلب تغييراً جوهرياً في طريقة عمل الأجهزة وهذه حقيقة يجب أولاً إيجاد الأساس القانوني لها حتى لا تتعارض تشريعات السلطة مع الحكم المحلي المنشود ... وما تؤكده الوقائع والبراهين في الميدان أن أكثر القوانين الإدارية والمالية التي تتعارض مع الحكم المحلي تزداد عاماً بعد عام. إذا نظرنا لمبادئ الحكم المحلي الذي تضمنته الإستراتيجية نجد أنها متضاربة حيث تؤكد بعضها على تمتع الوحدات الإدارية بكامل الاستقلالية المالية والإدارية والبعض الأخر يؤكد على احتفاظ المركز بحقه في إدارة شئون الوحدات الإدارية في ظل غياب الرقابة المحلية ذات الصلاحيات الكبيرة التي يحق لها المساءلة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب. أما فيما يخص الأهداف الفرعية للبرنامج الوطني فإنه يوحي أن الإستراتيجية الوطنية للحكم المحلي قد أعدت في واقع غير الواقع الذي نعيشه اليوم وبعيدة عن المشكلات الحقيقية التي أفرزتها تجربة السلطة المحلية خلال الأعوام المنصرمة- أي أنها عكست أن كل محافظة لديها إشكاليات تختلف عن الأخرى لطبيعة خصائصها ومواردها المالية ... الخ . وهذا دون شك يتطلب منا دراسة ملموسة للواقع الميداني وكيف يمكن أن يتطور المجتمع وتحقيق الأهداف التنموية المنشودة والتي لن تتحقق في ظل الازدواجية وتداخل المهام والاختصاصات في حكم محلي لم يحدد شكله إن كان واسعاً أو كاملاً. محور منظومة السياسات والتشريعات بنظام الحكم المحلي هذا الموضوع سيتحول إلى محور صراع بين الأحزاب السياسية لأن أي إجراءات هادفة لتعديل التشريعات هي بحاجة إلى توافق وطني وبالتالي يظل الأمر مرهوناً بالقوى الوطنية عامة وتظل العقبات قائمة أمام الحكم المحلي كما حدث في أزمة الانتخابات البرلمانية 2009م التي تم تأجيلها بسبب عدم تعديل الأنظمة وتنفيذ الاتفاقات الخاصة بذلك وكادت الأزمة أن تتطور وتأخذ اتجاهات أخرى وتحدث شرخاً كبيراً في الواقع السياسي. هناك مسألة مهمة يجب أن لا نغفلها وهي التقسيم الإداري وكذا الموارد المالية للوحدات الإدارية وهذه الإشكالية لا يمكن القضاء عليها ومعالجتها إلا بحكم محلي كامل الصلاحيات لأن الإستراتيجية وما تهدف إليه ستخلق بالطبع مجتمعات محلية غنية ومجتمعات محلية فقيرة وأخرى أشد فقراً لذا فإن الهدف الأساسي الذي يعول عليه المواطن من المشاركة الشعبية في صنع القرار هو التنمية وكيفية إحداثها في المجتمعات المحلية وهذا لا يتأتى بهذه الإستراتيجية التي ظلت لسنوات تتأرجح بين المركز والوحدات الإدارية مما يؤكد أن الواقع لا يستوعبها اليوم. الخــلاصة الرؤية المراد مناقشتها وإقرارها في هذا المؤتمر نرى أنها لا تتوافق مع المعطيات والإفرازات السياسية في البلد. لهذا فإن مناقشتها بحاجة أولاً إلى إرادة سياسية تحدد شكل ومضمون الحكم المحلي حتى لا يصبح محور صراع بين الأحزاب السياسية. نحن الآن أمام فترة ما بعد اتفاق الأحزاب السياسية على تأجيل الانتخابات ونعتقد أن الأمر كان يفترض أن يشمله ذلك الاتفاق فالحكم المحلي دون تحديد شكله أصبح يتعارض مع الاتفاقات والواقع السياسي المعاش وما أفرزته الاحتقانات في المحافظات الجنوبية وقضية صعدة ما هو إلا مؤشر لحاجة البلد إلى مشروع وطني يضمن الحفاظ على الوحدة اليمنية ويؤسس مرحلة جديدة لتطورها ونهوضها التنموي الشامل وهذا دون شك يضعنا أمام مسئولية مهمة وهي كيف يمكننا أن نحدد أولويات العمل لهذين العامين ونحافظ على التجربة الديمقراطية كأهم إنجاز من إنجازات الوحدة اليمنية قبل أن تنتهي هذه الفترة ويتحول الاتفاق إلى كارثة على الديمقراطية في اليمن وبالتالي سيفشل الحكم المحلي المنشود. وبناء على ما تقدم فأن الحكم المحلي الكامل الصلاحيات هو الحكم المحلي المنشود. وان هذه الرؤية الاستراتيجية للحكم المحلي لا تصلح لأن نقتدي بها لكونها لا تنسجم مع الواقع السياسي اليوم للبلد. ويبقى القول ان الحكم المحلي كامل الصلاحيات هو البديل الحقيقي لمعالجة كافة الاختلالات وهو ما يستدعي مزيد من النقاش الديمقراطي الصريح والمفتوح تحت سقف الوحدة والثوابت الوطنية وكيل محافظة ابين |