المؤتمر نت-كيم أي أوكونيل- ترجمة: نزار العبادي -
اليمن تكافح الأمية بالشعر (تقرير مترجم)
ربما تكون اليمن واحدة من أفقر بلدان الشرق الأوسط، إلا أن ما لديها من تقليد في الشعر الارتجالي يجعلها الأغنى في تراثها الثقافي. فعلى امتداد القرون كان الشعر الشفاهي يضع بين أيادي الرجال والنساء صيغة مقبولة لحل المشاكل، وإدارة الصراعات، ومعايشة مشاعر الأسى، والسعادة، والقلق.. على حد تعبير نجوى غدره- عالمة الأنثروبولوجيا الموجودة في نيويورك.
فتقول نجوى: هناك احترام عظيم للكلمة في الثقافة العربية. فإذا ما كان هناك شيئ مكتوب فإنه يثير الريبة لديهم، بينما لو ظل ذلك الأمر رهن استرداد الذاكرة فإنه سيحضى بقيمة وتقدير.
بحسب تقديرات اليونسيف فإن 77% من النساء اليمنيات أميات، لهذا عندما شرعت نجوى بمشروع نموذجي لمحو الأمية بين تلك الفئات فإنها تبنت التقليد المتبع في الشعر الشفاهي اليمني.. فقد كان برنامجها يهدف إلى محو الأمية من خلال الشعر وكانت تسعى إلى تدريس مهارات التعليم للمرأة المدنية والريفية من خلال كتابة وتوثيق الأشعار الخاصة بهن والمقارنة بما لدى النساء الأخريات في مجتمعهن، فكان أن حظي المشروع بدعم البنك الدولي في بادئ الأمر، إلا أنه الآن يدار من قبل الصندوق الاجتماعي للتطوير في اليمن.
· تمكين الأصوات
إن المشروع النموذجي يحاكي مشكلتين مزمنتين من المشاكل التي تواجهها النساء اليمنيات وهما: انحسار الملامح التكوينية الخاصة بشعرهن، وخسارة صوت عام.
فالشعر، والغناء، والرقص لطالما كانت تمثل نبضات تعبيرية تستحوذ على تقدير رفيع بين أوساط النساء اليمنيات، لكن التحول الثقافي إلى النهج المحافظ في البلد، والذي تزامن مع الهجمات التي شنها دعاة الإصلاح على الفلكلور التقليدي كان من شأنه أن يضعف من ثقة النساء في إمكانية المجاهرة المفتوحة بما حملن من تقاليد.
تقول "كارمن نيثامر" مسئولة عمليات البنك الدولي في اليمن: (أننا دعمنا المشروع انطلاقاً من إدراكنا بأن الشعر يحتل أهمية كبيرة في هذا البلد، وله حضوره المتميز في اللغة وفي مجريات الحياة اليومية للشعب اليمني. فاليمن مجتمع منطوي على ذاته، وهذا هو ما يقوم به الرجال والنساء عندما يختلون بأنفهسم بعد الظهر، فيأخذون بقراءة الشعر لبعضهم البعض).
لا شك أن تجارة أشرطة التسجيل عززت التراث الغنائي اليمني من خلال ما تقدمه من عون في نشر الشعر في جميع أرجاء البلد، لكن ظل الرجال هم من ينشدون معظم القصائد المسجلة حيث أن الاحتشام يمنع معظم النساء من تسجيل أصواتهن.
وتعتقد نجوى أن التلفزيون ووسائل التسلية الأخرى الحديثة أسهمت أيضاً في تضييق الفرص أمام مؤلفي القصائد الشعرية والمنشدين.
إن شعر المرأة اليمنية يكاد يكون شخصياً جداً، جداً، وهو أقرب ما يكون من الوصف إلى نشر الثياب القذرة أمام الملأ.. وبالتالي فإنه أخذ بالانقراض، وتنقرض معه أيضاً القنوات الرئيسية من الأصوات النسائية.. نحن نؤمن بالحداثة مثل تحرير النساء لكن في قرى اليمن نجد الأمر على العكس تماماً، فأنت لا تستمع للشعر من التلفزيون لأنه لهو.
منذ عقود واليمن تقود حملات لمحو أمية الكبار، وتم التركيز في المرحلة الأولية على منحهم التعليم الخاص بالمدارس الابتدائية. وطبقاً لوزارة التربية والتعليم اليمنية فإن الجهود السابقة استهدفت النساء الريفيات في وقت لم يكن بائناً في الغالب أن ذلك يمت لحياتهن الريفية بصلة، فهؤلاء النساء في أغلب الأحيان لم تكن تستفيد كثيراً من التعليم العام في المدارس، وحتى إذا ما حضرن فإن نسبة المنقطعات ستكون عالية.
لحد الآن هناك تسع مجمعات شاركت في المشروع النموذجي، وكان معظمها من الريف باستثناء فصل واحد تمت إقامته في العاصمة صنعاء. وقد بدأت المرحلة الأولى من البرنامج بـ 125 طالبة في شهر أغسطس 2002م وانتهت في شهر مايو وكان المبقي من العدد 95 فقط، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قارناها بالبرامج التعليمية السابقة. وهناك الآن 80 طالبة في مكان آخر مستمرة في البرنامج، أما المعلمات فهن جميعاً من خريجات الثانوية من نفس المناطق.
في الفصل كان يتم تشجيع الدارسات على تطوير قصة مستمدة من صورة لمشهد مألوف. وكانت المعلمة تكتب على السبورة وبعدها الدارسات ملخص للقصة يتضمن أي مقطع شعري أو أمثال شعبية مستوحاة من مجرى الأحداث. وبعدها سيعمل كلا من المعلمة والدراسات على قراءة القصص بصوت مرتفع، ويتم اختيار عبارة أو كلمة لدراستها بتمعن. ومن البديهي أن كل دارسة ستنهي العام بقاموس من المفردات الجديدة ومجموعة كبيرة من القصص المكتوبة المرتبطة بها.
· سد الفجوات الثقافية
تقول نجوى أن المشروع من الناحية الإحصائية كان ناجحاً، حيث أن 77% من المتعلمين قابلوا أو فاقوا الأهداف المرسومة للمشروع في قراءة وكتابة فقرة قصيرة، وقراءة الآيات القصيرة من القرآن الكريم، والتعرف على الكلمات الأخرى المطبوعة، وقد جمع معظم الطلبة أكثر من مائة كلمة في قواميسهم الشخصية.
حقيقة أن المشروع النموذجي تغلب على ازدراء المتعلمين الأصغر للأشكال أو الصيغ الفنية التقليدية التي كانت يتم تقديمها كصيغ معززة لمناخات الإنتاج الشعري العامي.
كان الطلاب يكونون قصائد شخصية أو مقاطع على الأحداث الجارية – مثل الحرب على العراق- وكانوا أحياناً يحيدون عن الأشكال التقليدية، علاوة على ذلك فإن المشروع شجع التواصل الاجتماعي بين الأجيال من خلال إدماج النساء المسنات مع الأصغر سناً، وهو الأمر الذي يجدد أو يحيي التقاليد القديمة التي فقدت منذ فترة طويلة.
كان بالإمكان رؤية ذلك النجاح واقعاً، فالأمهات كن يأخذن جلسة الشعر هذه بعد الظهر، وكانت البنات الصغيرات يساعدن أمهاتن على التهجي، فكل شيء كان مثيراً حيث ان النساء تلقى تشجيعاً وتستمتع أيضاً بما تحظى به.
إن الصندوق الاجتماعي للتطوير ووزارة التربية والتعليم اليمنية يبحثان الآن عن الطرق الكفيلة بتوسيع التعليم من خلال الشعر وإيصاله إلى مناطق أخرى جديدة. وهناك خيار آخر يؤخذ الآن في الاعتبار وهو تطوير برامج تعليمية مماثلة للتعليم من خلال البرامج الفنية وباستخدام معلمين يمنيين كمدرسين.
إن الثقافة اليمنية غنية جداً، إلا أنها تبدو كمن يقف خلف الأبواب، وهو أمر يجعلها ممتعة وقادرة على تدريس المتعلمين جانب معين ثم مرابطة ثقافياً. لقد كانت منهجاً متطوراً بمكامنه.


تمت طباعة الخبر في: السبت, 30-نوفمبر-2024 الساعة: 07:05 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/7344.htm